; فتاوى عدد(2162) | مجلة المجتمع

العنوان فتاوى عدد(2162)

الكاتب د. أحمد ناجي

تاريخ النشر الأربعاء 01-ديسمبر-2021

مشاهدات 12

نشر في العدد 2162

نشر في الصفحة 46

الأربعاء 01-ديسمبر-2021

أجاب عن هذه الأسئلة فضيلة د. عجيل النشمي حفظه الله

قراءة القرآن على المريض

هل يجوز أن يقرأ القرآن الكريم على مريض بقصد أن يشفيه الله تعالى؟ وأي الآيات أو السور يمكن قراءتها؟

- لا خلاف بين العلماء في أن القرآن الكريم شفاء ورحمة للمؤمنين لقوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً) (الإسراء: 82)، لكن العلماء اختلفوا في موضوع المرض الذي يشفيه القرآن؛ هل هو مرض البدن؟ فبعض الفقهاء قال: إن المرض المقصود في الآية هو مرض القلب، يدل على ذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) (يونس: 57)، وذهب جمهور الفقهاء إلى أن القرآن شفاء لأمراض القلب وأمراض البدن أيضاً، وهذا القول هو الصحيح الذي تدل عليه الأحاديث والآثار.

وقد ثبت أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه رقى سيد قوم من العرب لُدِغَ، فقرأ عليه «الفاتحة» سبع مرات فشفي، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على فعله، وقد ورد الاستشفاء بسائر آيات القرآن الكريم وبالمعوذتين على سبيل التخصيص، فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذات فأخذ بها وترك ما سواها، فهذا دليل على جواز الاستشفاء بآيات القرآن الكريم عامة وبالمعوذتين خاصة(1). 

وكما يجوز الاستشفاء بالقرآن الكريم يجوز أيضاً الاستشفاء بالدعاء والذكر المأثورين عن النبي صلى الله عليه وسلم، لما روت عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله على وسلم كان يعوذ أهل بيته يمسح بيده اليمنى ويقول: "لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً"(2). 

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص رضي الله عنه وقد شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ألماً كان به: "ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل: بسم الله ثلاثاً، وقل سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر(3). 

وليس معنى هذا جواز امتهان علاج الناس بحيث يصبح ذلك عملاً يتخصص به الناس ويأخذون عليه الأجر ويستغلون حاجة الناس، فالقرآن أكرم من أن يكون وسيلة كسب، ومنع ذلك من باب سد الذريعة لئلا يمتهن القرآن الكريم ويستغله ضعاف النفوس، وإلا فإنه من حيث أخذ الأجرة فإنه جائز، وقد ثبتت بتكرار الأحداث أن الأشخاص الذين يجري الله على أيديهم الشفاء بآيات القرآن الكريم رجالاً أو نساء يتصفون بصفة الصلاح والتقوى فيجري الله تعالى على أيديهم وبسبب بركة القرآن العظيم الشفاء، ولذا لا يمكن من عُرف عنه الكذب وفساد الحال من أن يستغل القرآن الكريم؛ لأنه في هذه الحال مشعوذ يمتهن القرآن الكريم لسمعة لا يستحقها أو للتكسب، وإذا ثبت ذلك فلولي الأمر أن يمنع أمثال هؤلاء المشعوذين من استغلال البسطاء من الناس. 

الموعظة وصلة الرحم

شاب يقول: إن والده مبتلى بشرب الخمر، فهل يجوز للابن أن يتلف هذه الخمر بأن يكسر علبها أو يرميها دون علم والده؟ ولو فعل ذلك هل عليه شيء؟

- ينبغي أن تنصح والدك غاية ما تستطيع وتلح في ذلك، وتحاول منع دخولها بيتكم، وأما تكسيرها أو رميها فهذا إن كان لا يؤدي إلى مفسدة أكبر من خلاف شديد مع والدك قد لا تؤمن عقباه فلا تقدم على هذا الموضوع حفاظاً على صلة الرحم، وإذا حدث أن أتلفت هذه الخمر فإنه باتفاق الفقهاء لا ضمان عليك ما دامت هذه الخمر لوالدك وهو مسلم، ولكن الفقهاء اختلفوا في ضمان إتلاف خمر غير المسلم من يستبيحها، فقال الحنفية والمالكية: إنه يضمن قيمتها لا مثلها، وقال الشافعية والحنابلة: إنه لا يضمنها لأنها غير متقومة مثلها مثل سائر النجاسات.

ثواب النية دون عمل

سيدة تقول: هل يثاب المسلم على النية ولو بدون عمل؟

- نعم، يثاب المسلم على النية وإن لم يعمل، وذلك إذا نوى العمل ولم يتمكن من العمل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من هَمَّ بحسنة فلم يعملها كتب له حسنة»(4)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي في الليل فغلبته عيناه حتى أصبح كتب له ما نوى وكان نومه صدقة عليه من ربه عز وجل"(5). 

فهذا كله وغيره يدل على أن المسلم يثاب على النية الصالحة وإن لم يتم العمل إذا لم يتمكن من الفعل لأي سبب كان.

تعيين النية في الصلاة

هل يشترط تعيين النية في صلاة الفريضة وصلاة النفل، أم يكفي أن ننوي الصلاة دون تحديد فرض أو نفل؟

- يشترط جمهور الفقهاء تعيين النية في صلاة الفريضة، فلو لم ينو الفرض فلا تصح صلاته، وألحق الحنفية بالفرض الوتر والنذر وسجود التلاوة وسجدة الشكر، وفي رواية عن أحمد بن حنبل أنه لا يشترط تعيين النية في صلاة الفرض، وأما النفل إذا صلاه المسلم دون أن ينوي شيئاً وكان هذا النفل مطلقاً، فإن الفقهاء متفقون على أن إطلاق النية يكفي هنا.

وألحق بعض الشافعية بالنفل المطلق تحية المسجد وركعتي الوضوء، وركعتي الإحرام وركعتي الطواف، وصلاة الحاجة، والصلاة في بيته إذا أراد الخروج للسفر، والمسافر إذا نزل منزلاً وأراد مفارقته، وأما السنن الرواتب كسنة الفجر والظهر، فالجمهور على أنه لا يكفي إطلاق النية، وقال الحنفية في أحد قولين لهم تصح النية المطلقة.

الطاعة في المعروف

يوجد حديث عن الجنود الذين ينفذون أوامر قائدهم الظالم وأنهم يحشرون معه يوم القيامة، فهل إذا كان هذا الجندي مُكرَهاً ولو لم ينفذ ما يؤمر به يُقتل ينطبق عليه الحكم نفسه؟

- نعم، ولو كان مُكرَهاً، فمن أكره على القتل أو الزنى يقتل ويجلد أو يرجم إذا كان محصناً، بدليل حديث عليٍّ رضي الله عنه قال: «بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية، فاستعمل رجلاً من الأنصار، وأمرهم أن يطيعوه فغضب، فقال: أليس أمركم النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: فاجمعوا لي حطباً، فجمعوا، فقال: أوقدوا ناراً، فأوقدوها، فقال: ادخلوها، فهموا، وجعل بعضهم يمسك بعضاً، ويقولون: فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النار، فما زالوا حتى خمدت النار، فسكن غضبه، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، الطاعة في المعروف»(6).

سلة غذائية من الزكاة

هل يجوز شراء سلال غذائية من أموال الزكاة وتوزيعها على الفقراء والمهجرين في سورية واليمن والقدس؟

- يجوز دفع الزكاة نقداً كما يجوز دفعها لشراء السلال الغذائية الرمضانية للمستحقين في القدس واليمن والمهجرين من سورية ونحوهم من المستحقين في أنحاء العالم الإسلامي، ما دام في هذا مصلحة للمستحقين للزكاة، وقد تكون أفضل من دفع النقد لغلاء السلع وعدم قدرة المستحقين على شراء المهم من السلع الغذائية التي قد لا توجد في أماكن إقامتهم، فما دامت مصلحة المستحقين في توفير السلع الغذائية فيفضل توفيرها بقيمة الزكاة الواجبة.. والله أعلم.

مخيمات الفتيات والبيات بها

يتكرر إقامة مخيمات للفتيات في أيام العطل، ويكون المبيت إما في بيت إحداهن، أو في مخيم خاص بالفتيات، ويكون معهن بعض الأمهات أو المربيات، والغرض من هذه المخيمات دعوي وتربوي وترفيهي، فهل يجوز أن تبيت الفتاة خارج بين أهلها؟

- الأصل أن المرأة متزوجة أو غير متزوجة تلزم بيت أهلها أو زوجها لقوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) (الأحزاب: 33)، ومعنى الآية أن الواجب أن تبيت أو تلزم المرأة بيتها، والخطاب لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم ولنساء المسلمين، وجاء من حديث أنس رضي الله عنه قال: جئن النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن: يا رسول الله، ذهب الرجال بالفضل والجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قعدت –أو كلمة نحوها– منكن في بيتها، فإنها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله». 

ولما كان الأصل، حسب النصوص، عدم جواز الخروج، لا يجوز خروجها عن هذا الأصل إلا لحاجة ماسة، وقد ذكر الفقهاء هذه الحالات من مثل ذهابها لزيارة والديها أو لصلة رحمها، أو ذهابها لقضاء حاجاتها من مأكل ومشرب إن لم تجد من يقوم لها بذلك، وكذا حضورها مناسبات الأفراح والأتراح، ويلحق بذلك ذهاب المرأة إلى مجالس العلم الدعوية والفقهية في المساجد أو مكان آخر، أو لتحصيل العلم في المدارس والجامعات، وكذا حضورها صلاة الجماعة في المسجد لقوله صلى الله عليه وسل: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات»؛ أي غير متطيبات(7)، أو خروجها لما جرى العرف به بذهابها إلى المحال التجارية أو الأسواق ونحوها، وجواز ذلك مشروط بما يأتي: 

1- أن تكون المرأة في كامل حجابها الشرعي المعروف. 

2- أن تأمن على نفسها في ذهابها وعودتها. 

3- أن يكون خروجها بإذن زوجها إن كانت ذات زوج، أو إذن أهلها ووليها، وما يجري به العرف لا يحتاج إلى استئذان في الحالات العادية كذهابها لمدرستها أو جامعتها أو جيرانها أو الأماكن القريبة من البيت. 

4- أن يكون خروجها لغرض مشروع وحاجة معتبرة شرعاً. 

وبناء على ذلك، فيجوز ذهاب الفتيات إذا التزمن بالشروط السابقة إلى مخيمات دعوية أو فقهية وترفيهية في البيوت والخيم، مع التشديد في الخيم ألا يطلع عليهن الرجال، ولكن لا يجوز لهن المبيت خارج بيوتهن لعدم الحاجة إلى ذلك، أو لأنه مما لا يتوقف عليه تحصيل العلم ونحوه مما ذكرنا، وقد ورد النهي عن أن تضع المرأة ثيابها في غير بيت زوجها ومن باب أولى المنع لغير المتزوجة، قال صلى الله عليه وسلم: "وما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها وبين ربها"(8)، ومقصود الحديث أنها هتكت ستر الحياء وما يناسب المرأة من الصون والحياء.

الهوامش

(1) الموسوعة (27/13).

(2) البخاري (209/10). 

(3) انظر: الموسوعة الفقهية (27/13).

(4) البخاري (323/11)، ط. السلفية، ومسلم (118/1)، ط. الحلبي.

(5) أخرجه النسائي (2081)، والحاكم (311/1)، صححه الحاكم والذهبي.

(6) البخاري (7145). 

(7) أبو داود (1/381)، حديث حسن.

(8) الترمذي (5/114)، وقال: حديث حسن، وقال الألباني: صحيح. 

الرابط المختصر :