العنوان فرنسا .. توظف الأحداث الأخيرة في القدس لتثبيت حضورها في المنطقة
الكاتب د. محمد الغمقي
تاريخ النشر الثلاثاء 08-أكتوبر-1996
مشاهدات 17
نشر في العدد 1220
نشر في الصفحة 43

الثلاثاء 08-أكتوبر-1996
منذ صعود الليكود إلى الحكم في الكيان الصهيوني لم تخف الإدارة الفرنسية قلقها من جراء المخاطر التي تواجه عملية السلام في الشرق الأوسط وجاءت الأحداث الأخيرة لتكرس المخاوف الفرنسية من سياسة نتنياهو القائمة على العنجهية الصهيونية في إطار الحرص على اختراق الهيمنة الأمريكية.
وتزامنت زيارة نتنياهو مؤخرًا إلى أوروبا مع الصهاينة والحكومات الإسرائيلية على اختلاف انطلاق الغضب الفلسطيني ضد فتح نفق يهدد توجهاتها الأيديولوجية والسياسية.
وتزامنت زيارة نتنياهو مؤخرًا إلى أوروبا مع انطلاق الغضب الفلسطيني ضد فتح نفق يهدد المقدسات الإسلامية في القدس، وتقابل نتنياهو مع كل من الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء الان جوبيه، وتمحورت المحادثات حول مستقبل مسار السلام، وأعلنت الناطقة باسم الإليزيه بأن الرئيس الفرنسي شيراك أكد الرئيس الوزراء الإسرائيلي بأن فرنسا «صديقة لإسرائيل»، وأنها تتفهم الانشغالات الأمنية للدولة العبرية من جهة أخرى صرح الرئيس الفرنسي بأن رسالة فرنسا هي «رسالة تشجيع لكل من يرغبون في مواصلة مسار السلام»، ملاحظًا بأن الوضع «دقيق» وأن «تخوفات قائم»، وعبرت وزارة الخارجية الفرنسية عن أسفها من فتح نفق تحت المدينة العتيقة «القدس»، معتبرة أن «هذه المبادرة تضيف عاملًا جديدًا ومؤسفًا لتوتره».
الخط الديجولي:
ومن خلال قراءة سريعة للموقف الفرنسي فإن النزعة الديجولية هي السمة الغالبة على الإدارة الفرنسية، خاصة فيما يتعلق بقضية الشرق الأوسط، ويتركز هذا التوجه على الظهور بمظهر الاستقلالية في القرار عن القطب الأمريكي، وعلى ضمان الحضور في المنطقة عبر اعتماد سياسة متوازنة في العلاقات بين الطرفين العربي والإسرائيلي.
فتصريحات شيراك بأن فرنسا هي «صديقة لإسرائيل» قد سبقتها مواقف وسياسة فرنسية تجاه العالم العربي وترجمتها زيارات الرئيس الفرنسي إلى كل من لبنان، ومصر، ودول الخليج ومنطقة المغرب العربي، وتصر فرنسا على التزامها بخط متوازن يحفظ مصالحها في الشرق الأوسط من خلال الحفاظ على علاقات متينة مع كل الأطراف المعنية بالصراع العربي- الإسرائيلي واستطاعت باريس تعزيز إشعاعها الثقافي والسياسي خاصة في كل من لبنان ومصر؛ حيث تربط فرنسا بهذين البلدين علاقات تاريخية، وبذلك تمكنت من اختراق الحضور الأمريكي المهيمن في المنطقة، ومنافسة الدور الأمريكي في تمرير سياسات البيت الأبيض بما يخدم المصالح الأمريكية، بالإضافة إلى إدخال نوع من التوازن في تصور الحل لأزمة الشرق الأوسط، على عكس الموقف الأمريكي الذي يصب في خانة دعم الصهاينة والحكومات الإسرائيلية على اختلاف توجهاتها الأيديولوجية والسياسية.
دعم مسار السلام:
من هنا فإن مواقف فرنسا بخصوص الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط ليست معزولة عن استراتيجية تهدف إلى تنشيط الدور الفرنسي في المنطقة وفي العالم العربي والإسلامي عمومًا، طبقًا الخلفية أيديولوجية سياسية تقوم على دعم مسار التطبيع الإسرائيلي- العربي من أجل سحب البساط من تحت الصحوة الإسلامية على وجه الخصوص أو ما يطلق عليه عادة صفة «التطرف»، قد صرح دي شاريت بنيويورك بقوله: لقد حذرنا منذ أسابيع السلطات الإسرائيلية من تصعيد التوتر وشعور الغبن في الأراضي الفلسطينية، لكن مع الأسف فقد حصل ما كان سيحصل، واعتبر أن الأحداث الأخيرة الدامية «هي الأخطر من نوعها منذ ثلاثين سنة»، وأضاف يجب القيام بكل ما في وسعنا من أجل منع استغلال المتطرفين من الجهتين لهذا الوضع.
وفي هذا الإطار تأتي مساندة فرنسا القوية لياسر عرفات، فقد اتصل شيراك هاتفيًا بعرفات للتعبير عن تضامن فرنسا، كما تأتي في هذا الإطار التحركات الفرنسية على الصعيد الأوروبي للضغط في اتجاه حل الأزمة سلميًا، فقد وجه كل من الرئيس الفرنسي شيراك ورئيس الوزراء جون ميجور، والرئيس الألماني هيلموت كول نداءً علنيًا لكل من عرفات ونتنياهو جاء فيه: نرى بأن يبرهن كل واحد بالتعقل في أرض الواقع، ونوجه شديد الرجاء أن يستأنف التفاوض مباشرة وعلى أعلى مستوى، وأضاف النداء المشترك بأن «هذا التفاوض يجب أن يساعد على التطبيق الكامل للاتفاقيات الموقعة، وذلك بهدف التوصل إلى اتفاق حول الوضع النهائي للأراضي الفلسطينية»، وخلص الموقعون الثلاثة على النداء إلى أن هذا المسار هو الوحيد -في نظرنا- الذي من شأنه إعادة الهدوء الدائم في الأراضي الفلسطينية وضمان أمن إسرائيل، ويلاحظ من خلال نص النداء وجود فارق في التعامل مع طرفي الصراع في الشرق الأوسط، فالنتيجة المرجوة في نهاية المطاف هدوء دائم في الأراضي من جهة وضمان أمن إسرائيل من جهة أخرى، فالقضية لا تتعدى نزع فتيل الانتفاضة في فلسطين، وليس مطروحًا إقامة دولة فلسطينية على سبيل المثال مادام أمن إسرائيل هو المطلوب تحقيقه وضمانه عن طريق ضمان الهدوء الدائم في الأراضي الواقعة تحت الحكم الذاتي الفلسطيني.
السند اليهودي:
ولعل هذا النداء يترجم نوعًا من الضغوط الإسرائيلية على الحكومات الغربية عن طريق الجاليات اليهودية المقيمة في البلاد الغربية، وكان نتنياهو قد تقابل خلال زيارته إلى باريس مع فرع الليكود في فرنسا بقاعة كبرى جمعت حوالي ثلاثة آلاف يهودي فرنسي، وقد ألهبت كلمات رئيس الوزراء الإسرائيلي مشاعر الحاضرين وقوبلت بالتصفيق ورفع العلم الإسرائيلي، والنشيد الرسمي للدولة العبرية، وتوجه جاك كيبفار -رئيس الليكود في فرنسا- إلى نتنياهو قائلًا: لقد قلت بأنك فخور يفتح نفق القدس، إذا فالجالية اليهودية بأكملها فخورة بفخرك.
من جهة أخرى رحبت الأطراف الأوروبية بما فيها فرنسا بالقمة الخماسية التي دعا إليها الرئيس كلينتون إلا أنها استاءت كثيرًا لتهميش الدور الأوروبي بعدم دعوته للمشاركة في هذه القمة، وصرح وزير الخارجية الفرنسي بأن هذا الأمر «مؤسف بالتأكيد»، وأضاف «إن لفرنسا تواجدًا بمنطقة الشرق الأوسط يعود إلى ٩٠٠ سنة ولن نتخلى عن الوقوف إلى جانب ياسر عرفات في هذا الوضع الحرج»، لكنه استدرك بقوله يمكن أن يكون هذا الاجتماع مفيدًا فيدفع المفاوضات حقيقية جوهرية لا يمكن أن تتم إلا في الشرق الأوسط وفي ذلك إشارة إلى ضرورة تخلي الولايات المتحدة عن وصايتها على عملية «السلام» في المنطقة.
ويتبين أن فرنسا حريصة على تثبيت مواقعها في منطقة استراتيجية طبقًا لدعوة شيراك الفرنسيين بالتحلي بالعقلية الاقتحامية والانفتاح على العالم. لكنها تدرك بأن اختراق الهيمنة الأمريكية والسياسة الأحادية للبيت الأبيض ليس بالأمر السهل ويحتاج إلى عزم وطول نفس في ظروف اقتصادية وسياسية عالمية عصيبة، كما أنها تدرك بأن الإصرار سيعطي مع الزمن مفعوله في ترتيب المعادلات الصعبة، وإعادة تشکیل موازين القوى الدولية.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

