; فرنسا: إصلاح قانون الجنسية وسياسة الانتقاء | مجلة المجتمع

العنوان فرنسا: إصلاح قانون الجنسية وسياسة الانتقاء

الكاتب د. محمد الغمقي

تاريخ النشر الثلاثاء 25-مايو-1993

مشاهدات 14

نشر في العدد 1051

نشر في الصفحة 40

الثلاثاء 25-مايو-1993

صادق النواب الفرنسيون في قراءة أولى يوم ١٣ مايو الجاري بأغلبية ٤٧٦ صوتًا على مقترح قانون يتعلق بإصلاح قانون الحصول على الجنسية الفرنسية، انطلاقًا من أعمال اللجنة الخاصة بالجنسية برئاسة مارسو لونغ. هذه التعديلات المتصادق عليها تفضح سياسة الاندماج التي تنادي بها الحكومة الجديدة في الميزان بالنظر إلى تأثير إصلاح قانون الجنسية على سياسة البلاد. فالقرارات التي تمت المصادقة عليها لم تفاجئ الملاحظين منذ حصول التغيير الحكومي في نهاية آذار «مارس» من هذه السنة، فقد عبرت الأحزاب اليمينية الفائزة في الانتخابات التشريعية الأخيرة في العديد من المناسبات ومن خلال التعبير، عن رغبتها الملحة في إعادة النظر في قانون الجنسية الذي ترى فيه تسيبًا وتساهلًا أضرَّا بالتركيبة الاجتماعية والثقافية والعرقية للمجتمع الفرنسي.

فليس من الغريب أن يكون النواب المنتمين إلى الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي من معارضي التنقيحات التي أدخلت على هذا القانون، انطلاقًا من فلسفة جدية الحزبين المغايرة لتصورات الأحزاب اليمينية، فيما يتعلق بمسائل الهجرة والجنسية والحضور الأجنبي على التراب الفرنسي، وهذا لا يعني عدم الالتقاء في مسائل معينة مثل مقاومة الهجرة الخفية.

عدم مساواة

وقد أثار الإصلاح المتعلق بقانون الجنسية العديد من النقاشات والمناوشات الكلامية أحيانًا بين النواب في الجلسات الخاصة بهذا الموضوع، ومن بين القضايا الحساسة طريقة الحصول على الجنسية بالنسبة للمولودين في فرنسا من أبوين أجنبيين، فالقانون السابق يسمح لهذا الصنف التمتع بصفة طبيعية بالجنسية عند بلوغهم سن الثامنة عشرة، والتنقيح المصادق عليه يدعو إلى إعلان أو التعبير عن الرغبة في الحصول على الجنسية الفرنسية بين ١٦ و٢١ سنة. ويطرح إجبار هذا الصنف من الشباب على التدليل على إرادته في أن يكون فرنسيًّا إشكالًا هامًّا لأنه يضع مبدأ المساواة في الميزان، فالشاب المنتمي إلى عائلة أجنبية ترعرع في نفس المجتمع الذي تربى فيه الشاب الفرنسي، فكيف يطلب من الأول شهادة انتماء في حين لا تطلب هذه الشهادة من الثاني بحجة أن أبويه فرنسيان؟! وتتجلى أهمية هذا التعديل وخطورته في كونه يقوم على التمييز العرقي أو أفضلية الوراثة الدموية باسم تفوق حق الدم على حق الأرض، أي إعطاء قيمة خاصة للانتساب بالدم على حساب الإقامة ولو لمدة طويلة وتقييم الأشخاص بأصولهم وليس بإنسانيتهم وقدراتهم. من جانب آخر فإن النواب صادقوا على منع الحصول على الجنسية لمن يطلبونها في حالة صدور حكم جنائي عليهم بسبب جريمة ضد الدولة، أو قضاء ستة أشهر سجنًا بسبب بعض الجرائم المتعلقة بالمخدرات وتعاطي الخمور والتعدي الجنسي على الأحداث دون الخامسة عشرة سنة. 

أما القرار الثالث فيتعلق بمنع الأبوين الأجنبين من تقدم طلب بالجنسية الفرنسية إلى أبنائهم المولودين بفرنسا، وهو ما كان معمولًا به إلى الآن من أجل ضمان الإقامة في هذا البلد دون التعرض إلى مشكل الطرد أو كطريقة متدرجة للاندماج في المجتمع. 

  • تعديل القانون يقوم على التمييز العرقي أو أفضلية الوراثة الدموية باسم تفوق حق الدم على حق الأرض.

الزواج الأبيض

ومن الموضوعات التي أثارت كثيرًا من الجدال ما يطلق عليه بالزواج الأبيض أو زواج المتعة، وهي ظاهرة انتشرت خلال السنوات الأخيرة بين فرنسيات وأجانب في وضعية غير قانونية عادة، ويبحثون عن مخارج قانونية لإقامتهم في فرنسا عن طريق الزواج بفرنسيات مقابل مبلغ مالي يتم الاتفاق عليه بين الطرفين. ولئن كان هذا النوع من الزواج قائمًا بالفعل، فإن الاعتماد على هذا الواقع غير الصحي للمصادقة على قرار يقضي بعدم إعطاء الجنسية للأجنبي المتزوج بفرنسية إلا بعد سنتين من هذا الزواج إجراء رادع في ظاهره، لكنه لا يغير من الوضع شيئًا لأن الهجرة غير القانونية خاصة في البلدان المغاربية أسبابها عميقة، اقتصادية وسياسية، ولا يصلح العلاج السطحي إذا كان الداء عميقًا ومستطيلًا.  والجديد اللافت للانتباه في القرارات المصادق عليها إلغاء الامتيازات التي كان يتمتع بها سكان بعض المستعمرات الفرنسية سابقًا مثل الجزائر بالخصوص وبلدان إفريقية كالسنغال وساحل العاج وكونغو. ومعلوم أن الجزائريين المولودين في الجزائر قبل ١٩٦١ «تاريخ الاستقلال» كانوا يتمتعون بتسهيلات كبيرة في الإجراءات القانونية مثل الحصول على الإقامة وعلى الجنسية الفرنسية، وكذلك الشأن بالنسبة لأبنائهم المولودين في فرنسا. لكن القرار الأخير يحد من تمتع هؤلاء الأبناء من حق الأرض «الانتماء إلى فرنسا» إلا إذا كان الأبوان مقيمين فيها مدة خمس سنوات على الأقل. وبررت الحكومة التعديل الذي تقدمت به وصادق عليه البرلمان بوجود مخالفات، مثل قدوم بعض الجزائريات إلى فرنسا قبل الولادة بقليل وترسيم أبنائهن كفرنسيين اعتمادًا على مكان الولادة.

التخلص من العقدة التاريخية

وإعادة النظر في هذا الامتياز يعني محاولة تملص فرنسا من تاريخها الاستعماري، وبصفة خاصة من عقدة الذنب التي تلاحق أجيالها نتيجة ماضيها الأسود في الجزائر وبعض البلدان الإفريقية، وكأن لسان حال مسؤوليها يقول: لقد دفعت فرنسا الثمن وسددت الديون المتعلقة بذمتها مع الشعوب التي استعمرتها، وآن الأوان أن تتخلص من آثار هذا الماضي الاستعماري. وهذا ما يفسر القرار الذي يجبر الشباب من أصل جزائري ومن ذوي الجنسيتين «جزائرية وفرنسية» على القيام بواجبهم العسكري في فرنسا. وقد اعترض كاتب الدولة السابق لحقوق الإنسان كلود مالوريه على النواب الذين دعوا إلى إلغاء الامتياز أو النظام الخاص الذي يتمتع به الجزائريون بقوله: «من الأفضل أن نترك التاريخ يجيب عن الأسئلة التي أوجدها التاريخ». كما عبر القس المكلف بالعلاقات مع الإسلام في أسقفية ليون كريستيان دولورم عن قلقه من إصلاح قانون الجنسية الذي سيهمش أبناء الجيل الثاني من أصل مغاربي وإفريقي بصفة أخص، وتساءل بقوله: «كيف يمكن الاعتقاد في السيطرة على ردود الأفعال لدى رأي عام مجبر على رفض البعد المغاربي في المجتمع الفرنسي عندما نبدأ في إلقاء الشبهات حول شرعية حصول بعض الأصناف من السكان على الجنسية الفرنسية؟». 

من خلال هذه المعطيات يمكن القول بأن فرنسا دخلت مرحلة جديدة في تعاملها مع العنصر الأجنبي المقيم على أرضها، باعتماد سياسة انتقائية من أجل الضغط على الوجود المغاربي ذي الانتماءات الحضارية الإسلامية بدرجة أولى وعدم القبول بمبدأ التعددية الثقافية. 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

فلسطين

نشر في العدد 2

2492

الثلاثاء 24-مارس-1970

الاقتصاد الوضعي في الميزان

نشر في العدد 4

39

الثلاثاء 07-أبريل-1970