العنوان فصبر جميل
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 11-مايو-1982
مشاهدات 11
نشر في العدد 570
نشر في الصفحة 24
الثلاثاء 11-مايو-1982
حدثتك من قبل يا أخي المسلم ويا أختي المسلمة على صفحات هذه المجلة المسلمة عن يوم اعتقال أبي.. وهأنذا اليوم ألتقي بكم ثانية.. كي أشد من أزركم.. داعية نفسي وإياكم أن نردد كلما أصابنا خطب.. «فصبر جميل» فهذا القول الرباني الخالد هو ما يضيء ويبهج نفوسنا صباح مساء.. أردده كما يردده الآلاف من أبناء وأهل المعتقلين في سجون مصر وكما يردده المؤمنون المحبون للشيخين المحلاوي ومحمود عيد.. فهما لا يزالان بعد مع إخوة لهم في المعتقل.
والدي.. تجاوز عمره السبعين عامًا.. وهو بعد يلاقي صنوفًا من التعذيب.. نقل مريضًا هو والشيخ المحلاوي للمستشفى.. وحاشية السلطان يأتونهم يومًا بالترغيب في أكبر المناصب إن هادنوا السلطان وحاشيته.. فيسمعون ردًا ثابتًا.. نحن لن نهادن فقط ولكننا سنمدح السلطان كما لم يمدحه أحد من قبل.. فقط إن التزم بما فيه صلاح هذه الأمة وهو كتاب الله..
وتعود الحاشية يوما آخر بالوعيد والتهديد.. ويفاجأون بالسكينة والصلابة التي ما عرفت لذتها وطعمها نفوس غير مؤمنة.. يفاجأون برد ثابت.. افعلوا ما شئتم فنحن- إن شاء الله- من الصابرين.
ويظل الشيخان على سكينتهما.. التي أدهشت أحد كبار حاشية السلطان.. إذ سأل أبي في السجن مندهشًا.. كيف استطعت أن تستغرق في زنزانتك في نوم عميق بعد ساعة من اعتقالك.. ونحن الذين ما غفلت عيوننا قبل اعتقالك بيوم.. لم تستطع من التوتر والقلق بعد اعتقالك أن نستمتع في بيوتنا بنوم هادئ مثلك.. ورد عليه أبي.. «يا بني لقد اعتقلتني ابتغاء لرضاء مخلوق.. وأنا اعتقلت لما كنت به أبتغي رضاء خالق.. أعطاني الخالق السكينة.. ولن يملك المخلوق أن يعطيك شيئا.. يا بني ما هو مقدر سيكون.. ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾
والسلطان في حيرة من أمره.. ينفذ أحيانًا بعض ما كان يطلبه الشيخان من هدم للاستراحات ووعد بمحاربة الفساد.. يفرج عن بعض المعتقلين.. ثم تحذره جهات كثيرة من الإفراج عن بقية المعتقلين وبالذات محمود عيد والمحلاوي رغم عدم إدانتهما في أي شيء.. وأمن السلطان يصرخ.. «الشيخان محبوبان ولهما شعبية».. وكان أحرى بالأمن وغيره أن يوضح للسلطان- عسى أن يحذو حذوهما- لماذا هما محبوبان؟.. لأنهما بإسلامهما أكثر طهارة.. بإيمانهما أكثر براءة.. وإنهما يشعان بالحب لكل المؤمنين.. قادرون على استقبال حب المؤمنين وأنهما كانا وما زالا بفضل من الله شعلتي خير ونور للنفوس المؤمنة.
وأخيرًا صور الحاشية للسلطان أن وضع الشيخين هكذا في المعتقل سينسي الناس أمرهم وسيتلاشى ذكرهم.. وتناسوا أن الملايين من المؤمنين تذكرهم كل يوم.. تدعو لهم وتراقب بأعين ناصعة وقلوب عامرة بالحب والتضحية والفداء ما يحدث للشيخين وإخوانهم المعتقلين.. وصم الحاشية آذانهم عن أصوات بدأت تعلو في الشارع المصري «محمود عيد والمحلاوي معتقلان واللصوص القتلة تجار اللحوم الفاسدة طلقاء.. كل ما قاله الشيخان من قبل كان حقيقة وكان أحرى بالأمن أن يتتبع اللصوص بدلاً من تتبع الشرفاء.. كيف يفرج عن كل القساوسة والشيخان مع المسلمين الشرفاء معتقلون.. كيف يقولون عهد جديد والشيخان معتقلان.. ما حدث في مصر كان نكسة للأمن كنكسة القوات المسلحة عام ١٩٦٧».
ونحن بما جبلنا عليه من حب لديننا وبلادنا نرجو أن يسمع المسئولون هذه الأصوات قبل فوات الأوان.
تسأل أخي المسلم.. ويا أختي المسلمة.. كيف تعيش أسرة معتقل.. شكرًا لك كريم سؤالك.. لا تحسبنا وجلين ولا مستكينين فنحن بديننا الحق متمسكون.. بوالدنا وأهلنا فخورون.. وحتى حين منعونا من إرسال دواء ضروري لوالدنا قلنا لأمن السلطان ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ وحين نلمس في كل مكان مشاعر الحب والتقدير لوالدنا وإخوانه الذين فعلوا ما فعلوا من حق ودعوة ابتغاء مرضاة خالقنا.. حين نلمس في نفوسكم عزمًا وإيمانًا.. تقر أنفسنا وأعيننا وتردد في كل لحظة.. ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ﴾ .
كريمة الشيخ محمود عيد
إمام مسجد السلام بالإسكندرية
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل