العنوان فليناد المنادي- الحرية الأكاديمية في خطر
الكاتب أحمد البغدادي
تاريخ النشر الثلاثاء 15-أكتوبر-1985
مشاهدات 24
نشر في العدد 737
نشر في الصفحة 14
الثلاثاء 15-أكتوبر-1985
ليس من المبالغة
بالقول بأن طعم ومعنى الحرية الأكاديمية لا يحس به ولا يفهمه فهمًا صحيحًا إلا من
درس في جامعات الغرب، والحرية الأكاديمية التي نعنيها، تلك التي تتصل بالعلوم
الاجتماعية وخصوصًا حقل العلوم السياسية، ذلك أنها تتميز بمرونة عالية وشمول يغطي
أكثر مجالات الحياة الاجتماعية، ويمكن استثناء المجالات العلمية ذات الطبيعة
الجامدة مثل الطب والعلوم الطبيعية والتي لا تحتاج إلى الحرية الأكاديمية المتعارف
عليها في حقول العلوم الاجتماعية على اختلاف أنواعها.
وتحرص الجامعات
في أكثر دول العالم الثالث التي لا تلتزم بالنظرية الماركسية على أن تبعث مبعوثيها
للحصول على الدرجات العلمية العالية كالماجستير والدكتوراه إلى جامعات العالم
الغربي وخصوصًا الجامعات في الدول التي تعرف بالدول الديمقراطية المتعارف عليها
اليوم مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا، وهذا يفسر أن مبعوثي جامعة
الكويت مثلًا في قسم العلوم السياسية وما يقترب من هذا المجال في التخصصات الأخرى،
لا يحق لهم سوى الاختيار بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وإذا تجاهلنا
المواقف السياسية لهذه الدول وركزنا على جامعاتهم، فإن الدارس في تلك الجامعات لا
يستطيع سوى أن يتمنَّى لو يحصل في الجامعات العربية نفس الحرية الأكاديمية التي
تتمتع بها جامعات الغرب. وعلى هذا الأساس لا تجد جامعة الكويت تبعث مبعوثيها إلى
دول أوروبا الشرقية أو الاتحاد السوفييتي، ذلك أن الجامعات فيها لا تعرف شيئًا
اسمه الحرية الأكاديمية؛ بسبب طبيعة النظام السياسي السائد في تلك البلاد، مما
يترتب عليه جمود الدراسات في العلوم الاجتماعية، ويترتب على ذلك أيضًا أن الحاصلين
على شهادات عُليا من تلك الجامعات نادرًا ما تقبل شهاداتهم للعمل في سلك التدريس،
وقد حصلت سابقة في جامعة الكويت بهذا الخصوص.
لماذا كل هذا
الحديث عن الحرية الأكاديمية؟ السبب يعود إلى ظهور بعض البوادر للتضييق على هذه
الحرية في تدريس بعض المواد، ولذلك نقول فلتقرع الأجراس نذير خطر مقبل فيما لو
تكررت الحادثة التي سوف أنقلها للقارئ وأنا على ثقة من صحة كل ما جاء فيها، وذلك
لإحاطتي التامة بكل جوانبها.
مما لا خلاف
عليه في قسم العلوم السياسية، أن مقرر «حكومة وسياسة الكويت» يعتبر مقررًا
«حساسًا» وخصوصًا بالنسبة لغير الكويتيين الذين لم يقبلوا القيام بتدريسه في
الماضي بسبب هذه الحساسية، ولم يقوموا بتدريسه إلا مؤخرًا وتحت ضغط شديد لا يزال
بعضهم يبتعد عنه درءًا للمتاعب التي لا داعيَ لها، وفي إحدى المحاضرات لهذا المقرر
في الفصل الدراسي الحالي، تطرَّق الأستاذ- وهو كويتي- لسياسة أحد الوزراء في
الحكومة الحالية، وقد تعرض لتلك السياسية بتعبير شعبي مما لا يدخل تحت أبواب القذف
أو السب أو ما إلى ذلك مما يعتبر مساسًا شخصيًا... ويفاجأ هذا الدكتور الكويتي بعد
أكثر من أسبوع باتصال السيدة عميدة كلية التجارة به شخصيًّا وفي البيت، تطلب فيه
مقابلته على وجه السرعة نظرًا لأهمية الموضوع!! ولم يكن هناك مناص من المقابلة
مادام الموضوع على هذه الدرجة من الأهمية.
وذهب الدكتور
الكويتي لمقابلة العميدة لتفاجئه بأن بعض الطلبة دون أن تسميهم قد ذهبوا إلى السيد
مدير الجامعة وأبلغوه باستيائهم بأن الدكتور الكويتي قد «مس» شخصية الوزير، وتدعي
السيدة العميدة نقلًا عن السيد المدير بأن الطلبة لم يبلغوه ما هو هذا «المس»
وإنما تمَّ الأمر بصورة عامة، وأنها تود أن تسمع من الدكتور شخصيًّا حول ما حدث؛
لتخبر مدير الجامعة به... وحين أخبرها الدكتور بما جرى أبدت استياء خفيفًا، ولكن
لم ترَ أن الأمر يستحق كل هذه الضجة، وقد أبلغها الدكتور بأنه لا مانع لديه من
إجراء تحقيق حول الموضوع حتى تتضح الأمور وتوضع في نصابها الصحيح.. وظن الدكتور أن
الأمر قد انتهى إلى هذا الحد، ولكن المفاجأة حين طلبت السيدة العميدة- بناء على
طلب السيد المدير- أن تحصل على نسخة من القراءات المقررة على الطلبة حتى تنظر بها
لترى ما إذا كان هناك «مس» بالوزراء أم لا؟!! ورفض الدكتور الكويتي هذا الطلب
الغريب، وأخبرها أن بإمكانها مراجعة مكتبة الكلية للحصول على نسخة مصورة من
القراءات المقررة على مائة طالب وطالبة في مقرر حكومة وسياسة الكويت، وأبلغها في
نفس اللحظة بأنه لن يسمح لا للسيد مدير الجامعة ولا لها شخصيًا، بإضافة أو إلغاء
حرف واحد من هذه القراءات، ولن يسمح لهما بالتدخل في محاضراته، وقد أبدت السيدة
العميدة تفهُّمها للوضع.
إذا تركنا مسألة
«المس الشخصي» الذي يدعيه أولئك الطلبة الذين ذهبوا إلى المدير كما يدعي حسب قول
السيدة العميدة وذلك من جهة حق الوزير الذي يعتقد أنه قد «مس» باللجوء إلى
القانون، ما دُمنا في دولة قانونية، ولنركز على طبيعة الحادثة.. هل نفترض أن السيد
مدير الجامعة سوف يصدِّق كل طالب يدخل عليه ويدَّعي بأنه قد حدث كذا وكذا في
المحاضرة ويتدخل المدير ليعرف الموضوع؟ هذا مالا يقبله عاقل وخصوصًا أنه قد جُدد لرئيس
قسم اللغة الإنجليزية وضده عريضتين تقدم بها كثير من طلبة ذلك القسم!! إذن
الاستنتاج المنطقي الذي يمكن أن يترتب على ذلك أن للقضية طابعًا شخصيًّا بحيث يدخل
في الاهتمامات الشخصية للسيد المدير، مما دفعه إلى التحقيق بالموضوع، إذ كما هو
معروف أن للأقسام العلمية رؤساء وللكليات عمداء.. لماذا تم تخطِّي كل هؤلاء
والاتصال شخصيًا بمدير الجامعة؟ نعيد القول بأن الطابع الشخصي يكاد يطغى على جميع
جوانب القضية، ثم.. هل خلت الجامعة من المشاكل حتى يجد السيد المدير وقتًا
للاهتمام بمثل هذه القضية، والعجيب أن يصل الاهتمام إلى حد الاطلاع على محتويات
المقرر الدراسي نفسه!! كل هذه يمكن أن تكون مؤشرات على الوضع الذي ستؤول إليه
الحرية الأكاديمية في الجامعة كان بإمكان السيد المدير الاطّلاع على موضوعات
المقرر بطريقة سريَّة، وخصوصًا أن القراءات المقررة لمقرر عام مثل (حكومة وسياسة
الكويت) موجودة في المكتبة ويسهل الحصول عليها، هل المقصود هو تحذير الدكتور
الكويتي حتى لا يتعرض للوزراء من حيث سياساتهم العامة؟ إن الإجابة بنعم، أو حتى
التفكير بها يطيح بكل أحلام الديمقراطية المرتقبة.
وهل وصل الأمر
إلى حدِّ التدخل في مثل هذه القضايا التي لا يمكن أن تحدث إلا في جامعات الأنظمة
البوليسية.
وكيف سيكون
الوضع لو كان الدكتور غير كويتي؟ حتمًا إنه سيسعى لعدم تدريس المقرر ذاته مرة أخرى
أو سيحوله إلى مقرر تاريخي جامد ليس له حياة، هذا إلى جانب أن كل دكتور غير كويتي
بالجامعة سوف يلملم أطراف ثوبه قائلًا:
انج سعد.. فقد
هلك سعيد.
نتمنى أن يخوننا
المستقبل وتسقط كل هذه الافتراضات ولكن ما النار إلا من مستصغر الشرر.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل