العنوان في استراتيجيةِ العملِ الإسلاميِّ
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 10-أغسطس-1971
مشاهدات 17
نشر في العدد 72
نشر في الصفحة 3
الثلاثاء 10-أغسطس-1971
في استراتيجيةِ العملِ الإسلاميِّ
رصدُ المراحلِ التاريخيةِ والتحولاتِ الاجتماعيةِ شيءً ضروريٌّ في استراتيجيةِ العملِ الإسلاميِ، فالنهضةُ الإسلاميةُ لا تسيرُ في خَواءٍ، ولا تتمُّ في فراغٍ، وإنما تواجهُ ظروفًا وأحداثًا وأفكارًا، وتسير عبرَ كلِّ ذلكَ إلى أهدافها القريبةِ والبعيدةِ، ومن الظروفِ والأحداثِ والأفكارِ تتشكلُ مرحلةٌ تاريخيةٌ معينةٌ، التي قلنا إن رصدها أمر أساسيٌّ في استراتيجيةِ العملِ الإسلاميِّ ضروريٌّ؛ لأن العملَ الإسلاميَ لا يصدرُ عنْ فوضى، ولا عنْ نزوةٍ، ولا عنْ هوى متبعٍ، ولكنهُ يقومُ على «الفقهِ» ابتداءً.
فرصدُ مرحلةٍ تاريخيةٍ معينةٍ يقتضي معرفتَها، وتحليلَها، وتقييمَها، ثمَّ إصدارَ حكم لها أوْ عليها، وهذا الحكمُ لابدَّ أنْ يهتديَ بشريعةِ اللهِ؛ حتى لا يُظلمَ الناسُ، ولا الأحداثُ ولا الأفكارُ، سواء بدافعِ الهوى ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾، أوْ من جَرَّاء الخمولِ الفكريِّ، ونقصِ المعلوماتِ، والجهلِ بما يجري ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾.
وضروريٌ لكيْ تكونَ مواجهةُ العملِ الإسلاميِّ للتياراتِ المناوئةِ «متكافئةً» على الأقلِّ في الفكرِ والوعيِ بالأساليبِ، والقدرةِ المناسبةِ على حلِّ المعادلاتِ الصعبةِ التي يديرُ الآخرونَ شئونَهمْ بها، وفي نفسِ الوقتِ يُربِكونَ العملَ الإسلاميَّ بتعقيداتها المُحَيِّرةِ! وضروريٌّ لوضعِ «خريطةِ عملٍ»، وإجراءِ تعديلاتٍ دوريةٍ عليها تمكنها من استيعابِ الظروفِ الجديدةِ منها، مثلًا: تزايدُ نسبةِ التعليمِ، وأثرُ ذلكَ على برامجِ التثقيفِ، ودراسةِ القضايا العامةِ ومناقشتها، ومِنْ تتبعٍ -نحسَبهُ مُجدِيًا- للفترةِ التي نعيشها، تبينَ لنا أنَّ الظروفَ مهيأةٌ لعملٍ إسلاميٍّ صحيحٍ يَخدُمُ الإسلامَ ويمدُّ الأمةَ بكَمِّيَّاتٍ هائلةٍ من اليقظةِ والانتباهِ، فالظروفُ مهيأةٌ؛ لأنَّ الأمةَ أُجريتْ عليها تجاربُ في كلِّ شيءٍ فخرجتْ منْ التجربةِ وهيَ واهنةُ القوى، فاقدةُ الإرادةِ، فقيرةُ الحالِ، ولا نحسبها مستعدةً لأكثرَ منْ هذا البلاءِ؛ ولعلَّ التغييراتِ النسبيةَ التي حدثتْ في المنطقةِ قدْ راعتْ هذا الواقعَ، واقعَ صدودِ الأمةِ ونفورها منْ استمرارِ حالةِ البؤسِ والشقاءِ، والظروفُ مهيأةٌ؛ لأنَّ التطاولَ المستمرَّ منْ قِبَلِ هؤلاءِ على الإسلامِ أنشأَ ردَّ فعلٍ لدى الأمةِ، فعادتْ تتشبثُ بدينها منْ جديدٍ، وردُّ الفعل محمودٌ هنا لأنهُ طبيعيٌّ، وهوَ يشبهُ الصدمةَ التي تنزلُ بالذاهلِ فتعيدهُ إلى صوابهِ ورشدهُ، واتجاهُ الأمةِ الجديدُ نحوَ دينها أدركهُ الخصومُ أنفُسُهُم فعمدوا إلى طرحِ شعاراتٍ «إسلاميةٍ» تستقطبُ مشاعرَ الجماهيرِ المسلمةِ؛ لتدفعَ المدَّ في مجرى آخرَ، وهذا الاعتبارُ ذاتُه يفرضُ على العملِ الإسلاميِّ أنْ ينشطَ، ويدفعُ الجماهيرَ في المدارِ الصحيحِ، ويقودها إلى الأهدافِ الحقيقيةِ.
هيَ إذنْ حقائقُ ثلاثٌ تُكونُ ظروفًا مهيأةً للعملِ الإسلاميِّ.
• حقيقةُ التجربةِ البائسةِ التي عاشتها الأمةُ حينَ عُزلتْ عنْ الإسلامِ.
• وحقيقةُ عودتها إلى إسلامها لما جاوزَ الظالمونَ المدى في إهانةِ هذا الإسلامِ.
• وحقيقةُ حمايةِ الإسلامِ من الاستغلالِ والاستماتةُ في المحافظةِ على نقائهِ وطُهْرهِ،
وردُّ حملاتِ التسخيرِ والتشويهِ عنهُ.
إن على العملِ الإسلاميِّ أنْ ينشطَ ويرتبطَ بالأمةِ ويتصلَ بالجماهيرِ، فهوَ أولى بها وأجدرُ، وهيَ في انتظارِ كلمتهِ الصريحةِ الشجاعةِ، وبينَ يدي هذا العملِ ينبغي مراعاةُ حقيقتينِ؛ حتى لا تزل قدمٌ بعدَ ثبوتها.
1- الحقيقةُ الأولى: هيَ ضرورةُ تحديدِ «أخطرِ» جبهاتِ الصراعِ، ذلكَ أنَّ القتالَ في أكثرَ منْ جبهةٍ -في وقتٍ واحدٍ- خطةٌ فاشلة، خطةٌ فاشلةٌ؛ لأنها تبعثرُ القوى في أكثرَ منْ ميدانٍ، وتوزعُ المجهودَ على أكثرَ منْ جبهةٍ، وتُربكُ العملَ، وتُتلفُ طاقاتِ العاملينَ وأعصابَهمْ، خطةٌ فاشلةٌ؛ لأن جبهاتِ الخصومِ تملكُ إمكاناتٍ ضخمةً، وتركيزُ جهودِ العملِ الإسلاميِّ يساعدُ بنسبةٍ ما في تلافي هذا التفاوتِ الهائلِ، كذلكَ فتحديدُ «أخطرِ» جبهاتِ الصراعِ يُكثفُ الإمكاناتِ المتواضعةَ ويضغطها ويوجهها نحوَ «بُعدٍ» محددٍ واضحٍ.
2- الحقيقةُ الثانيةُ هيَ: ألا يصارع العملُ الإسلاميُّ في معركةِ «انسحابٍ»، فإحساسُ العاملينَ للإسلامِ بأنهمْ يصارعونَ في معركةِ انسحابٍ إحساسٌ محطِّمٌ قاتلٌ يملأُ نفسَ صاحبهِ بمعانٍ مثبطةٍ، فكلُّ شيءٍ مؤقتٌ، كلُّ شيءٍ لنْ يثبتَ أمامَ زحفِ الخصومِ، كلُّ شيءٍ فاسدٌ، إحساسٌ يملأُ نفسَ صاحبهِ ويركزُ اهتمامهُ على خطوطِ الانسحابِ الخلفيةِ، كلُّ ما وصلَ خطا فكرَ في الذي يليه! صحيحٌ أن حركةَ الصراعِ تفوتُ على العاملينَ -أحيانًا- فرصَ التقدمِ، لكنْ هلْ بديلُ التقدمِ هوَ «بالضرورةِ» الانسحابُ إلى الخلفِ؟ لا طبعًا!! فإذا لمْ يستطعِ العملُ الإسلاميُّ أنْ يتقدمَ فلا أقلَّ منْ أنْ «يثبتَ» في موقعهِ، واستجلاءُ حقيقةِ أهدافنا يوضحُ أكثرَ معاني التقدمِ والانسحابِ من الصراعِ الدائرِ.
إن العملَ الإسلاميَّ قدْ تفوتهُ فرصُ إقامةِ شريعةِ اللهِ في الأرض، فهلْ يعني ذلكَ أنه في معركةَ انسحابٍ؟ كلا! لماذا؟
إن من الأهدافِ الكبرى للإسلامِ كسبَ «الإنسانِ» إلى الإسلامِ، ولئنْ حيل بينَ العملِ الإسلاميِّ وبينَ إقامةِ شريعةِ اللهِ في الأرضِ، فإنَّ هدفًا أساسيًّا لا يزالُ قائمًا ومتاحًا أمامهُ هوَ «الإنسانُ»، ولا نعتقدُ أنَّ العملَ الإسلاميَّ سيهزمُ في هذا المجالِ، وبالتالي يُحسُّ العاملونَ بأنهمْ في معركةِ انسحابٍ؛ لأنَّ الصراعَ على «الإنسانِ» عُدَّتُه الحقيقةُ والمعاني والقيمُ الخيِّرةُ البناءةُ الجميلةُ، وهذا ما لا تستطيعُ فكرةٌ أخرى أن تنافسَ الإسلامَ فيهِ، ووسيلتُهُ -في ظروفنا هذهِ- روعةُ الأسلوبِ، ولباقتُه، وذكاؤه، وفنُّه، وهذهِ كلها تدخلُ في نطاقِ إمكاناتِ العملِ الإسلاميِّ وفي طاقاتهِ الموجودةِ فعلًا، وإذا عرفنا أنَّ هدفَ الخصومِ في الصراعِ هوَ تدميرُ «الإنسانِ» العربيِّ المسلمِ، أدركنا أن نجاحنا في بناءِ هذا الإنسانِ يجعلنا زاحفين إلى الأمامِ لا راجعين إلى الخلفِ، والإحساسُ بأن العملَ الإسلاميَّ في معركةِ انسحابٍ مضرٌّ بالدعوةِ ذاتها، إذْ كيفَ تُجدي الدعوةُ إلى الإسلامِ بينما الدعاةُ أنفسُهمْ يُشيعونَ في الناسِ أنهمْ قد اقتربوا منْ آخر خطٍّ للدفاعِ؛ وأن كلَّ شيءٍ مؤقتٌ ولا فائدةَ من المقاومةِ!! والأمرُ منْ قبلُ ومنْ بعدُ لا يخضعُ للأماني ولا للقنوطِ، وإنما يلتزمُ بفهمِ المرحلةِ التي يعيشها العملُ الإسلاميُّ، ويلتزم بالقيام بمسئولية الدعوة على كل حال.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل