; الاتفاقية اللبنانية الإسرائيلية.. مسمار ثانٍ في نعش الأمة | مجلة المجتمع

العنوان الاتفاقية اللبنانية الإسرائيلية.. مسمار ثانٍ في نعش الأمة

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 31-مايو-1983

مشاهدات 17

نشر في العدد 623

نشر في الصفحة 18

الثلاثاء 31-مايو-1983

الدور الأميركي وتأثيره على المنطقة العربية.

الثوريون الرافضون للاتفاقية من الأنظمة العربية لن يتعدوا التكتيك المرحلي.

الحل لا يكون إلا بتعبئة الأمة بعوامل النصر المادية، والتحرير، والمعنوية لإعداد جيل الجهاد.

    وسط الصمت المتعمد إزاء الاتفاقية اللبنانية الإسرائيلية لا يكاد المرء يسمع سوى صوت ينبعث هنا وهناك من أفواه المخلصين، لكن أنى لهذا الصوت أن يسمع؟ لقد أصدر بعض الطلبة من أبناء الأرض المحتلة استنكارهم، وأعلنوا تمردهم على ما جرى، وعرفوا أن زيارة السادات الخيانية للكيان اليهودي تعتبر السقوط الكبير الأول ضمن سلسلة من (السقطات) العربية في إطار القضية الفلسطينية، وتأتي الاتفاقية الحالية بين الكيان اليهودي في فلسطين والكيان الصليبي في لبنان لتمثل سقوطًا آخر في هذه السلسلة، ومسمارًا ثانيًا في نعش هذه الأمة.

    ولسنا هنا بصدد عرض المتشابه وغير المتشابه بين السقطتين الكبيرتين، أو الإشارة إلى فرعونية مصر التي برزت بعد السقوط المصري، وفينيقية لبنان التي ظهرت بعد السقوط اللبناني، وكل منهما يمثل محاولة الانسلاخ عن هذه الأمة التي تدفع ثمن تفرقها وبعدها عن طريق الهداية والفلاح مزيدًا من الهزائم والنكسات والسقطات، كما أننا لن نفتح قاموس الشتائم العربي، أو قائمة الصفات الإعلامية للقيام بعملية تخفيف الضغط عن القارئ، ولكننا سنتناول الموضوع بموضوعية عقلانية مبنية على رؤية واضحة، تقوم على ميزان الإسلام، الذي أكرمنا الله تعالى بالهداية إليه، فيرفع من شأننا به عندما يسقط الآخرون بغيره، وتكون كرامتنا به عندما يذل الآخرون بدونه، وقبل أن ندخل في الحديث عن التصور الشامل الموضوعي لهذا السقوط الذي أرادوا تمريره بصمت رسمي وشعبي قاتل، لابد من ذكر مجموعة من الحقائق بين يدي الموضوع استكمالًا للطرح:

الحقيقة الأولى: أن هذه الأمة تتعرض لمؤامرة كبرى، أطرافها الثالوث العالمي (اليهودية، الصليبية، الإلحاد)، ومنفذو هذه المؤامرة هم اليهودية العالمية، والدول الغربية بزعامة أميركا، والدول الشيوعية بزعامة روسيا، مستعينين بعملائهم الذين زرعوهم في جسم هذه الأمة في مراكز التأثير تخطيطًا وتنفيذًا في مختلف مجالات الحياة.

الحقيقة الثانية: الاعتراف (بإسرائيل) هو الخيانة الكبرى سواء تم ذلك بحدود (١٩٤٨) أو بحدود (۱۹٦٧) أو بحدود (۱۹۷۳)، أو بأية حدود تقر بالوجود اليهودي على أرض فلسطين المسلمة، وسواء تم هذا الاعتراف بتوقيع الاتفاقيات أو بالرضا بوجودها أو بتوقيع العقوبات على من يقاوم هذا الوجود.

الحقيقة الثالثة: لم يكن الاتفاق الصليبي اليهودي مفاجئًا للأنظمة العربية مثلما فوجئت بالمبادرة الساداتية الخيانية، وعليه فلا أمل من وراء انعقاد المؤتمرات للرد على اتفاقية، السقوط الثانية؛ وذلك للأسباب التالية:

1- أثبتت الأيام عدم فاعلية قرارات المؤتمرات في الرد على النظام المصري، فقد أقامت بعض الأنظمة العربية اتصالات مباشرة وغير مباشرة مع النظام المصري الساداتي، ونظام خليفته الذي يسير على نفس خطاه من كبت للصوت الإسلامي المعارض، أو من الاستمرار في عملية التطبيع وتكريس الصلح، أو غير ذلك مما ورد في اتفاقات كامب ديفيد.

2- الموافقون على الاتفاقية الحالية أكثر، وهم (بين موافق صراحة أو ضمنيًا) يعلنون التأييد السافر أو المتكتم.

3- الرافضون للاتفاقية من الأنظمة العربية لا يتعدى رفضهم (التكتيك المرحلي) لترتيب أجواء مناسبة لطرح قضاياهم المعلقة، أو أن رفضهم يأتي بصورة رفض بالوكالة لإعطاء روسيا دورًا سياسيًا، وحصة كبيرة في صفقة الاستسلام الشامل.

الحقيقة الرابعة: أن عروبة لبنان التي يخشى عليها الرافضون -مجازًا- مهزوزة رسميًا على مستوى نظام الحكم منذ أكدت الصيغة الفرنسية للحكم الماروني المتسلط، حيث أصبحت فرنسا هي الأم الصغرى، كما أعلن أنطون فتال (المفاوض اللبناني) حين قال: «أنا حيوان ناطق بالفرنسية»، ثم ورثت أميركا هذه الأمومة منذ عهد كميل شمعون، فأصبحت أميركا هي الأم الكبرى، ومن كانت أميركا هي حاضنته ومرضعته فهو لقيط على هذه الأرض وفي هذه الديار.

    وإذا أرادت الأنظمة العربية أن تؤكد عروبة الأرض اللبنانية وشعبها وبالتالي انتماءها لهذه الأمة الإسلامية، فما عليها إلا أن تعيد للمارونية الصليبية حجمها الطبيعي ليستلم الحكم صاحب الأرض الحقيقي.

الحقيقة الخامسة: في ظل الحاضر يتأكد تأثير الدور الأميركي، ولأن المصالح الأميركية في مجال الصراع الدولي هي الأساس، ولأن دولة يهود في فلسطين هي ولاية أميركية عمليًا، وبالتالي فالمصلحة الأميركية (الصليبية) والإسرائيلية (اليهودية) هي مصلحة واحدة، وتتمثل في القضاء على الشعب الفلسطيني بكل اتجاهاته في المرحلة الحالية، فقد وضحت الخطة بالاستفراد بالفلسطينيين في كل قطر عربي يتواجدون فيه، وتجتاحه العسكرية أو السياسة اليهودية بالآلة العسكرية الأميركية، أو بالنفوذ السياسي الأميركي، ويتم ذلك بعد أن أتمت أميركا تطبيع بعض الأنظمة العربية، وتوزيع الأدوار عليها لتساهم في تحقيق الهدف الأميركي، يؤكد هذا الاجتياح اليهودي للبنان، وهو يبحث عن الفلسطيني ليغتال وجوده، ثم يسلم حليفه الماروني مهمة استكمال عملية الاغتيال.

    كما يؤكد هذه الحقيقة ما تقوم به بعض الأنظمة من تكريس التشتت الفلسطيني بالاستعانة بطابورها الخامس في الجسم الفلسطيني الرسمي المتمثل بقيادات متعددة الولاءات.
    ويؤكد هذه الحقيقة ما تقوم به أنظمة أخرى من تصعيد المعاناة اليومية للفلسطيني ليصل إلى حالة من اليأس، فيستسلم ويرضى بما يلقى إليه من فتات من على موائد المؤتمرات الاستسلامية.
    هذه الحقائق تبقى قائمة مع كل سقوط تم أو سوف يتم مستقبلًا على أي أرض إسلامية يتم (تجهيزها) وفق المخطط التآمري.
    أما عن تصورنا الشامل للسقوط الحالي فهو أن المنطقة تمر بمرحلة جديدة، ووضع (قانوني) جدید، فرضه الغالب على المغلوب، والمنتصر على المهزوم.

    ومهما قيل عن السقوط الحالي من نقاط اختلاف أو اتفاق فإن الجميع يتفقون على أن اليهود يجنون ثمرة غزوهم للبنان، سواء بالاتفاقية المعلنة أو ببنودها السرية، وذلك:

- الاعتراف بكيانهم.

- وبحماية (حدودهم) في الجهة الشمالية.

- وإبعاد المقاومة الفلسطينية عن نقاط التماس معهم.

- تكريس الطائفية في لبنان.

- التغلغل الاقتصادي في المنطقة بوجوه عربية (مارونية).

- والأهم من هذا كله دفع عجلة كامب ديفيد خطوة للأمام على طريق الاستسلام.

    ولأن الصراع تعدى الأرض الفلسطينية، وتجاوز القضية الفلسطينية إلى الأرض الإسلامية والأمة الإسلامية، فإن العرب بالمقابل يدفعون اليوم، وسيدفعون بالمستقبل- إن بقوا على حالهم- ثمن مسؤوليتهم عن المأساة الفلسطينية، هذه المسؤولية التي نتجت عن المواقف التالية:

·       النداء المشهور عام (۱۹٣٦) عندما طلب ملوك العرب حينئذ من الشعب الفلسطيني الإخلاد إلى الهدوء، وعدم المقاومة اعتمادًا على الثقة المتبادلة بين الحكام العرب وصديقتهم بريطانيا، ومنذ ذلك التاريخ والنداءات توجه للفلسطينيين بالكف عن العمل المسلح، والتوجه إلى موائد المفاوضات، وآخر هذه النداءات وأشهرها ذلك الذي طلب من الفلسطينيين، وهم ينزفون الدم في بيروت أن ينتحروا.

·       الغدر والخيانة الذي تجلى في المهمة الرسمية لدخول الجيوش العربية لفلسطين عام (١٩٤٨) بأوامر محددة، وأسلحة محدودة فاسدة لتنزع القضية من أيدي أبنائها المجاهدين، وتنتهي المؤامرة بإعلان دولة يهود، وتشتت الشعب الفلسطيني في شتى بقاع الأرض.

·       الخيانة العربية عام (١٩٥٦) عندما اجتاحت القوات اليهودية قطاع غزة، وأقامت المجازر للفدائيين الفلسطينيين تحت سمع وبصر زعيم العروبة الأوحد.

·       الخيانة العربية عام (١٩٦٧) وتسليم سيناء والضفة الغربية والجولان من قبل الحكام الذين سببوا النكسة الكبرى لشعوبهم وجيوشهم، مما زاد من تشتت الشعب الفلسطيني ومأساته ومعاناته.

·       معركة التحريك عام (۱۹۷۳) والتي ظن الشعب العربي المقهور بأنها ستعيد له الكرامة فبذل فيها الكثير، ثم اتضح أنها معركة سياسية انتهت باتفاقيات فك ارتباط القوات العربية اليهودية في سيناء والجولان، وتكريس الاحتلال اليهودي للأراضي العربية.

·       السكوت عن الدم الفلسطيني الذي سال في دير ياسين، وقبية، ومخيم الوحدات، وتل الزعتر، وبيروت، وصبرا، وشاتيلا، ولا يزال يسيل في برج البارجنة، والبداوي.

وبين هذه الحقائق والمواقف نوجه نداءنا لشعبنا الفلسطيني المسلم في داخل الوطن المحتل وخارجه: ليس لنا والله إلا أن نفر إلى الله، ونخلص النية في التوجه إليه، ونسلك الدرب المؤدي إلى مرضاته عبر تعبئة الشعب والأمة بعوامل النصر المادية والمعنوية لإعداد جيل الجهاد والتحرير، عندها فقط يتحقق لنا إحدى الحسنيين: إما النصر أو الشهادة، في اللقاء مع اليهود وعملائهم على ساحة المعركة.

الرابط المختصر :