العنوان في القاموس الثوري اللفظ يعني الضد
الكاتب راشد السالم
تاريخ النشر الثلاثاء 13-أغسطس-1985
مشاهدات 22
نشر في العدد 729
نشر في الصفحة 20
الثلاثاء 13-أغسطس-1985
- قوات الردع العربية تحاصر مخيم تل الزعتر عام ٧٦، وميليشيات أمل تحاصر صبرا وشاتيلا عام ٨٥.
- الصمود والتصدي للإمبريالية يعني محاصرة المخيمات وتجريد الفلسطينيين من أسلحتهم.
- لعبة اليسار الأمريكي تدبر كل مهلكة للأمة تحت شعار اليسار ومناهضة الإمبريالية.
المواقف العربية التي تعلن العداء لأمريكا أهي مواقف تضاد، أم توافق؟
عندما تدخل الرئيس السوري حافظ أسد بطلب شخصي من الرئيس الأمريكي ريغان للإفراج عن رهائن الطائرة الأمريكية التي اختطفت في بيروت في الشهر الماضي، برزت قضية العلاقات الأمريكية السورية إلى السطح الإعلامي بحيث ظهرت عناوين بارزة في الصحف الغربية والعربية أشارت -بالبنط العريض- إلى التقاء المصالح الأمريكية السورية، فما هي حقيقة العلاقة بين سوريا والإدارة الأمريكية؟ وهل هي علاقة لقاء، أم تضاد إلى حد عدم اللقاء كما يصور الإعلام السوري؟
إعلام مضلل:
ثمة حقيقة معروفة لدى أبسط الناس، وهي أن معظم الإعلام العربي الرسمي والإعلام الثوري عمومًا يظهر خلاف ما يبطن، وألفاظه تعني ضدها بالتمام والكمال؛ حتى أن النفي أصبح إثباتًا، كما يلاحظ المراقبون للسياسة العربية، ولذا فإن الإعلام السوري الذي يعلن مناصبة العداء للسياسة الأمريكية، ويدعو لرص الصفوف لمواجهة الهيمنة الإمبريالية وحليفتها الصهيونية، لا يمكن التسليم بها لمجرد أن إعلامًا ثوريًا ما يتلفظ بها، كما أن الدعوة للتوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني في ظل العلاقات السورية السوفياتية المتميزة فيما يبدو، يجب ألا تخدع المتابع عن حقيقة الدور الذي يبدو أنه في أقل الأحوال مكمل أو متناغم مع السياسة الأمريكية.
ونحن إذ لا نرجم بالغيب نميل إلى القول بأن النتائج المترتبة على السياسة السورية متناغمة مع أهداف السياسة الأمريكية، ولا يعني بالضرورة أن الطرفين ينسقان فيما بينهما، ولكي تتضح هذه الحقيقة لا بد من استعراض السياسة السورية تجاه أسخن قضيتين، وهما: الوضع اللبناني، والقضية الفلسطينية، وإن كانتا مترابطتين بشكل يصعب الفصل بينهما.
الوضع اللبناني:
وهنا تجدر الإشارة إلى أن دمشق التي مازالت تعلن رفض الحلول الأمريكية وافقت على وساطة كيسنجر للفصل بين القوات السورية والإسرائيلية في أعقاب حرب عام ۱۹۷۳، وعلى إثر تمركز قوات الثورة الفلسطينية في لبنان وما ترتب عليه من تسليح الطوائف المستضعفة في لبنان كأهل السنة في بيروت، وصيدا، والشيعة في الجنوب، بحيث بات مركز الموارنة معرضًا للخطر- أشعلت الحرب اللبنانية ليقوم النظام السوري بناءً على رغبة أمريكية وضعها كيسنجر آنذاك بإرسال قواته إلى لبنان التي عرفت بقوات الردع العربية؛ وذلك من أجل الإبقاء على المعادلة السياسية في لبنان لصالح التجمع الماروني المعتدل؛ أي الموالي للسياسة الأمريكية، وبحجة الحفاظ على هذه السياسة قامت قوات النظام السورية -كما هو معروف- بضرب بيروت الغربية، ومخيمات تل الزعتر، والمسلخ، والكرنتينا؛ وذلك لتحجيم المقاومة الفلسطينية، وردع القوى الإسلامية خاصة في بيروت وطرابلس، وهذه المهمة -بالرغم من تقدم الزمن وتوالي الأحداث الخطيرة في لبنان وخاصة الاحتلال الإسرائيلي للجنوب وحصار بيروت عام ۱۹۸۲- هذه المهمة بقيت على حالها، بالرغم من بروز الدعم السوري لشيعة الجنوب بقيادة أمل، والدروز بقيادة كمال جنبلاط، وبالرغم من أن الخاسر النهائي في لبنان هم الفلسطينيون وأهل السنة، إلا أن هدف السياسة السورية في المحصلة النهائية هو في أن تكون المهيمنة على الوضع هناك شريطة أن يظل النظام موحدًا بقيادة مارونية «معتدلة».
ودعم النظام السوري المنظمة أمل بقيادة نبيه بري ذي العلاقة المشبوهة مع وكالة الاستخبارات الأمريكية، والذي قدم لأميركا خدمة عظيمة عندما «خطف الرهائن وخاطفيهم» على حد تعبير مسؤول أمريكي لا يمكن فهمه في ضوء الطائفية التي تجمع بين الطرفين فقط، بل إن الطرفين ينفذان خطة واحدة.
• خطة واحدة:
وكما قالت مجلة التايم الأمريكية «كان البلدان سوريا وأمريكا تواقين إلى إنهاء الجمود في أزمة الرهائن حسب شروط تعزز مركز نبيه بري زعيم مليشيات أمل الذي قام في النتيجة بخطف الأمريكيين من خاطفيهم الأصليين.
وبالنسبة لدمشق يلعب بري وحركته أمل دورًا حيويًا في حملة الأسد الطويلة ليصبح الحكم وصانع السلام بين الفئات المتحاربة في لبنان، وبينما تسيطر أمل في الوقت الحاضر على ولاء معظم الشيعة في لبنان، فإن قيادة أمل تعرضت لضغط مركز من الفئات الشيعية «المتطرفة الأكثر راديكالية»، وخاصة ما يسمى بحزب الله الذي تربطه بإیران روابط قوية.
وتمضي المجلة لتقول: «ورغم أن علاقات سورية بايران ودية، لكن لا توجد لدى نظام دمشق أي رغبة في رؤية لبنان يتحول إلى حكومة شيعية، يحتمل في النهاية أن تعارض الشكل العلماني لحكمه». وتضيف المجلة قائلة «وتوجد كل الأسباب لكي تشارك الولايات المتحدة الأسد قلقه من القوة المتنامية للشيعة المتطرفين، إن وجود لبنان راديكاليًا بصفة دائمة سوف يحاول -دون شك- زرع التخريب بين الدول العربية المعتدلة في كل أنحاء الخليج العربي»، ولنفس السبب عارض النظام السوري حركة سمير جعجع، ومازال يقف مع الرئيس اللبناني أمين الجميل، والذين يعزون سبب دعم النظام السوري لمنظمة أمل للخلفية الطائفية للطرفين، وإن كان لها دور في ذلك فهم مخطئون؛ لأن الطائفية بالنسبة للنظام السوري وقيادة أمل هي مجرد ورقة يستغلونها لتكريس نفوذهم وقيادتهم؛ أي أن الطائفية بالنسبة لهم وسيلة، وليس غاية.
وإمعانًا من النظام السوري في المكر والدهاء جعل مليشيات نبيه بري هي التي تقتحم مخيمات صبرا، وشاتيلا، وبرج البراجنة وليس قواته المباشرة، وأخيرًا قدم (50) دبابة تي (54) لمنظمة أمل؛ إمعانًا في تكريس وجودها في بيروت الغربية الذي يرفضه أهل السنة، وتأييدًا لها لاقتحام مخيمات الفلسطينيين في صيدا تحت ستار ملاحقة العرفاتيين.
وبعض اللقاءات اللبنانية في دمشق وتصريح وليد جنبلاط بأنه سيقف في صف أمل ضد الفلسطينيين بضغط من النظام السوري، وبعد التحركات المسيحية الأخيرة، يكون النظام السوري قد استكمل بسط هيمنته وسيطرته على جميع القوى اللبنانية، فهل يؤهله ذلك لدور جديد في الخطة القادمة؟ هذا ما ستحاول الإجابة عليه بعد قليل.
• القضية الفلسطينية:
وكان واضحًا من خلال استعراض الدور السوري في لبنان أن أحد أهم أهداف ذلك الدور هو تحجيم المقاومة الفلسطينية، والذي قام عليه الدليل بحصار تل الزعتر والكرنتينا عام ١٩٧٦، وقد اعتمد النظام السوري سياسة تقوم على محورين: المحور الأول: تأليف فصائل مقاومة، يشرف عليها تمامًا كمنظمة الصاعقة، أو دعم بعض المنظمات دعمًا يجعله صاحب القرار فيها كجبهة النضال الشعبي لفرض شق الصف الفلسطيني، وإضعافه، والهيمنة عليه، ودعم المعارضين لقيادة عرفات خاصة في صفوف حركة فتح على النحو الذي أدى إلى حركة الانشقاق وحصار طرابلس، ومخيمات البداوي، ونهر البارد، وأخيرًا تأليف ما يسمى بجبهة الإنقاذ التي انكشفت عورتها في حرب مخيمات بيروت وبعد توقيع اتفاق دمشق الذي يهدف -بشكل أساسي- إلى جمع أسلحة الفلسطينيين.
المحور الثاني: إيجاد «حركة وطنية لبنانية» تضم مختلف الأحزاب والقوى ذات التوجه والولاء السوري واليساري، واضطرار المقاومة الفلسطينية للدخول معها، لتجد المقاومة أن هذه الحركة لم تكن أكثر من لعبة يخرج القرار عن يد المقاومة الفلسطينية، وقد رأينا في الاحتلال الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت عام ۱۹۸۲ كيف أن مدافع الحزب الاشتراكي وطائرات القوات السورية وبنادق ميليشيات حركة أمل- كيف تجمدت في مواقعها أمام القوات الإسرائيلية، ومع تقدم المخطط تولت أمل -بشكل علني- مهمة القضاء على المقاومة الفلسطينية، بل وطرد الفلسطينيين من مخيماتهم.
• العمليات من سوريا ممنوعة:
وأما عن العمل العسكري الفلسطيني ضد إسرائيل من أراضي سوريا فقصته معروفة؛ حيث منع النظام السوري فتح من القيام بشن أية عملية ضد العدو الصهيوني من الأراضي السورية، بل إن القواعد الفلسطينية المعدودة كانت تدفع أجرًا لدمشق كما كانت تتعرض لتفتيش منتظم من ضباط الاستخبارات العسكرية السورية، كما كشف أبو إياد ذات يوم.
ونزولًا عند رغبة النظام السوري وإعلامه نريد أن نلغي عقولنا لنصدق المقولات الثورية المناهضة للإمبريالية، نريد أن نسوغ كل هذه الأعمال بتوجه القيادة الفلسطينية نحو الصلح مع اليهود تدعمها في ذلك كل الأنظمة العربية، لكننا نتساءل ببساطة: (هل ذبح الشعب الفلسطيني في المخيمات وتجريده من سلاحه يوقف مساعي الصلح المنفرد؟).
وهل منع العمل الفدائي من الانطلاق من الحدود السورية الفلسطينية البالغة (50) ميلًا يدل على مناهضة النظام السوري للعدو الإمبريالي وتحالفه مع الإمبريالية؟ وهل توافق الأهداف مع أمريكا في لبنان هو ضد المصالح الغربية؟
هذه أسئلة ندرك أن دمشق تعرف الجواب عنها، لكنها تطبق مقولة ريتشارد ميلمز مدير وكالة المخابرات الأمريكية المركزية السابق، الذي وصف العلاقة السورية الأمريكية بأنها «نوع من الحب السري والكراهية المعلنة».
ولكن لماذا ظلت السياسة السورية مؤثرة بالرغم من ذلك؟ الجواب يأتي من محلل صهيوني لا أذكر اسمه؛ حيث قال «التقت مصلحة إسرائيل ومصلحة سوريا في عدم رغبتها في التوصل إلى سلام على جبهة الجولان».
• موقف صلب:
وبالفعل فإن عدم رغبة سوريا في الصلح مع اليهود ربما تكون ذاتها استلام اليهود للجولان عام ۱۹٦٧، الأمر الذي جعل موقف دمشق صلبًا أمام دول الدعم بحيث استطاعت الحصول على أموال النفط بدعوى «الصمود والتصدي»؟ للمخططات الصهيونية والإمبريالية.
وهنا نعود لسؤال طرحناه من قبل، وهو إذا كانت هذه حقيقة العلاقة بين طرفين قد يظهر أنهما في بعض المراد متناقضتان، فهل يعني ذلك أن مساعي التسوية السياسية ستنجح في المستقبل؟ ولماذا تقف سوريا ضد رغبة أمريكا المتمثلة حاليًا في دعم مسيرة الاتفاق الأردني الفلسطيني؟
ونرد على السؤال بتساؤل آخر هو: ومن قال إن أمريكا مهتمة أصلًا بتحقيق صلح شامل مستقر بين إسرائيل والعرب؟ وإذا كانت أمريكا معنية بذلك لحسابات خاصة بها، فهل إسرائيل التي هي صاحبة القرار النهائي معنية بذلك؟
إن حقائق الصراع مع العدو الصهيوني وتحالفه مع أمريكا تقول بأن إسرائيل تريد الصلح كتكتيك لا كاستراتيجية، فاتفاق كامب ديفيد أفادها مرحليًا في عزل مصر كأكبر قوة عربية، وهي تهدف فيما بعد لاستكمال المخطط الصهيوني القائم على العدوان والتوسع الاستيطاني، ولعل ما يريده الصهاينة في الوقت الحاضر هو طمس هوية الشعب الفلسطيني وتطويعه للقبول بواقع الوجود الصهيوني، على أن تبقى نقاط تماس مع الدول العربية قابلة للاشتعال بحسب توقيت العدو الصهيوني، تمهيدًا لمزيد من التوسع وضم الأراضي.
وفي هذا الصدد تبقى الحدود السورية الإسرائيلية نقطة تماس لن تكون في النهاية إلا لصالح المخطط الصهيوني، لكنها -كما يتوقع المراقبون- لن تسخن إلا بعد استكمال المخطط الصهيوني على الحدود الفلسطينية الأردنية.
وهكذا إذًا في القاموس السياسي الثوري الألفاظ تعني دائمًا ضدها، والحب السوري الروسي -كما قال خبير سوفياتي- ليس نابعًا من القلب؛ لأن قلب النظام السوري في واشنطن على حد تعبيره.
• هذه هي لعبة «اليسار الأمريكي» أو طراز «ناصر» الذي تحدث عنه كتاب لعبة الأمم، فهل يدرك المستغفلون من الأمة كيف يدبر لهم تحت شعارات اليسار والوطنية ومناهضة الإمبريالية؟ قل عسى أن يكون ذلك قريبًا.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل