; في «المبحرون مع الرياح» شاعر يهفو إلى سماء تسقيه رضاب النسور! | مجلة المجتمع

العنوان في «المبحرون مع الرياح» شاعر يهفو إلى سماء تسقيه رضاب النسور!

الكاتب أحمد محمد عبد الله

تاريخ النشر الثلاثاء 03-سبتمبر-1974

مشاهدات 23

نشر في العدد 216

نشر في الصفحة 42

الثلاثاء 03-سبتمبر-1974

ديوان «المبحرون مع الرياح» باكورة إنتاج الشاعر الشاب خليفة الوقيان، صدر منذ فترة ليست ببعيدة عن «ذات السلاسل» بالكويت. وعند صدور الديوان تناولته أقلام الكتاب والنقاد.. وسالت كلماتهم على صفحات المجلات والصحف، وكنت أحمل قلمي متوفزًا لكتابة كلمة عنه.. إذ إني قرأته جميعه وأعدت قراءة بعض قصائده مرات ومرات.. فلما رأيت ما كتب.. توقفت عن الكتابة، وانتظرت فترة أجلس فيها إلى القصائد أفليها وأردد بعض مقاطعها.. أتأملها وأتفحص جوها النفسي، أعيشها مع الشاعر طويلًا.. فليست التجربة الشعرية التي يعانيها الشاعر هينة حتى أسترخي على مقعدي وأقرأ قصيدته ثم أصدر حكمي السريع العاجل!! وبذلك أكون قد كونت لوحته الشعرية بلون قد لا ينتمي إلى الألوان المعروفة لدينا.. ويكون الحديث مرتجلًا مهزوزًا.. عليه آثار التعب وعليه آثار غبن الشاعر! مع الديوان.. عاودت قراءة الديوان مرة ومرة ومرة.. وراجعت كثيرًا من قصائده مرات ومرات، تكشفت لي من خلال هذه المراجعات بينات ما أريد أن أتحدث عنه، ثم أدركت أن الكتابة السريعة قد تحملني على إلصاق ما لا يرضى الشاعر عنه بشخصه أو بشعره.. أما وقد استفرغت كثيرًا من وقتي لقراءته فإنني بذلك أشعر أن تقدمته ستكون مجدية، وأن الكتابة عنه ستكون نوعًا من إلقاء النظرة على لفتة فيه قد لا تتضح لبعض من كتبوا، ولبعض من نقدوا.. لذلك عزمت على أن أدع لقلمي أن يسطر هذه الكلمات التي لا أراها وافية في حق الديوان، أو في حق الشاعر.. لأنني أتناوله من زاوية واحدة. بيد أن هذا التناول يعلمنا أن كل شيء مرده إلى هذه النقطة وإلى هذه اللفتة.. لأنها مدار حياة الإنسان.. غير أن هذه النقطة تختلف من إنسان لآخر، فتعتدل عند قوم، وتضل عند آخرين. حسبي أنني رأيته يعيش تجاربه بصدق.. ويهشم الزيف بقوة صراحته، ويدفع من حواليه من يريدون اقتناءه، حسبي أنني عرفته بما حملني على الكتابة عن شعره بعد معايشة معه من خلال كلماته وروحه التي صهرها وأذابها، فلمست أثرها بارزًا لم تكن هذه الروح لتبرز إلا لمن هم على هذه الشاكلة، ومن يدركون حقيقة أبعاد ما بالنفس من إشراقات وتطلعات نحو الحق وصراحة النور.. وقود الفطرة: عنيت ما عنيت في مقدمتي، ذلك الذي يقود الإنسان نحو مزيد من المحبة والخير، وإلى طريق مستقيم.. إنها الفطرة السليمة إذا نطقت وترجم القول مغزى حديثها وما تسره في كنه الضمير الواعي، ولذلك فقد رأيت أن أنقل هذا النوع من الحديث الروحي إلى من يشتاقون إليه، وأن أحدثهم عما خالجني من شعور وإحساس، وأنا أتلو الأبيات مرة إثر مرة، وفي كل مرة أردد فيها البيت أحس أن هذا التدفق الشعوري إنما ينبع من صميم وجداني.. وهذا دليل على صدق شعور الشاعر نفسه؛ لأن الإحساس بالشيء ترجمان حقيقي على بلوغ القائل من قوله المقصود، فما تستطيبه من أول مرة ويقبله ذوقك ويزيد تكرارك له وأنت به خلب، فإنه لا شك يحمل قبسًا من روح قائله، وهذا ما يحملنا على القول.. أن قصيدة واحدة ما تستأثر بألباب الناس وتعيش معهم، وتنتقل من جيل إلى جيل.. يروونها ويحفظونها هم ومن يليهم.. أكبر من شاعر يملأ الساحة الشعرية بعشرات الدواوين دون أن يكون لدواوينه صدى تحمله الرياح! أو أن يتغنى بقصيدة من قصائده أحد ممن يرتعون في أودية الشعر يتخيرون أطايب ورده، ویشتمون روائحه العطرة! إن خليفة الوقيان بهذه المجموعة التي قدمها يعتبر شاعرًا في المنطقة له انفراد من نوع خاص بين شعراء هذا الجيل.. ورصانة شعره، وقوة عبارته، ولطافة كلماته، ورهافة حسه.. ودنوه من وجدان القارئ.. مثل حي على أن الشاعر المجيد هو من يدخل من كل مسام التذوق لدى الإنسان، وما من قارئ لشعره إلا ويجد أن هذه الكلمات.. هي هي.. التي تدور في ذهنه.. يتحدث بها بين أصحابه ويرددها في سماره، حتى إذا جاء من يحملها على براق الكلمة الشعرية فيصوغها خلقًا آخر... وجد أن ثمة روحًا جديدة تسري في بدنه.. تهز منه كيانه هزًّا.. وتقف به على أبواب جديدة من أبواب التفكير والنظر الداخلي للعبارة!! لست هنا أزهو بالشاعر.. ولست أمتدحه.. لأني لا أحب الإطراء على الناس أو رفعهم عن مكانتهم كبشر.. بيد أن الذي يتولى هذه العبارات هو هذا الذي يتدفق منه من سلسل نمير، وهو يحول نطق الفطرة العادي إلى حركة، وإلى ميدان جديد من ميادين الفطرة العملي.. ينقلها نقلًا من ذلك العمق الذي نعيش فيه.. إن الشاعر هنا ينقل لنا نفسه دون مواربة أو تخف.. ومن هنا فنحن نحب نصاعة الكلمة، ويعجبنا الشاعر الصادق الذي ينطق بما تمليه عليه فطرته، فلا يكتبها أو يحرف ما تختزنه حتى إذا أزف موعد استفراغها للناس خاتل وخادع.. وإذا ما جرت هذه المحاولات مع الفطرة فإنها تكتشف عند أول منظار يمر عليها.. ولسنا نجد شيئًا من هذا في شعره.. شعر الفطرة.. أو حديث المؤمن.. كعادة الصرحاء ينطقون بما يشهدون دونما خوف من أحد ما داموا قد أسلموا الروح لله، وما داموا قد شطوا عن طرق الضلال ومسالك الهلاك.. ومن كان هذا ديدنه ، فإنه ولا شك قد اهتدى إلى معلم أبعده عن هذه الهاوية.. إن العقيدة السليمة والتصور الصحيح لما جاء به الإسلام.. بل ولأن الفطرة إلى منبر على أعتابه تلقى كل متعلقات الحياة الدنيا الزائفة، وتتحول هذه الفطرة بالتالي توجه صاحبها نحو ما يمكن أن يقوم به في دنياه من عمل.. لا يفتر لحظة من ليل أو نهار.. وهذا العمل الدائب الذي لا يفتر في الحياة الدنيا ليس هو الذي تنبذه الفطرة السليمة، بل هو الذي تقود إليه؛ لأنها تنفي الخبث وتوجه للصالح.. فمن صلحت فيه هذه الفطرة فإنها سوف تأخذ بيده إلى كل روض يشم فيه عاطر الزهر، ويتناول فيه شهي الثمر. إذًا، إذا كان هذا كله يحمل الإنسان على النظر الصحيح، فإنه ينهج في حياته نهجًا صحيحًا ملائمًا ما عليه فطرته، وبالتالي فكل تعبير يصدر عنه معبرًا عن ذاته وأعماقه، فإنه يكون تعبيرًا صادقًا.. تلمح فيه صواب الرأي.. وسداد النظرة.. الاحتفاظ للناس بما لديهم من آراء. شاعر مغترب.. وشاعرنا مغترب، كما تدل قصائده الكثيرة على ذلك.. وقد نقل لنا غربته قائلًا: غريب إن مضيت وإن نأيت وناء إن دنوت وإن نأيت أقلب في وجوه الناس طرفي وأسأل في الدروب إذا مشيت وكل يبتغي في السير قصدًا وأسعى لست أعرف ما ابتغيت فإني واقف والدرب حولي يموج بأهله أني مضيت ويظل طرفه عالقًا بالعابرين يسأل الغادين والرائحين.. فيمر الجمع يهز برأسه لأنه ربما لا يعرف وجهة سكلها.. فيظل شاعرنا يسأل عندما يحس أنه لا يجد شفاء لروحه عند هؤلاء الناس الذين مل سؤالهم كل إجاباتهم تأتيه نفيًا، فإن رزاح الفطرة لا يلبث أن يتحرك فتصرخ فيه الكامنة لا أرضى أن أكون بكل درب سراجًا ما به في الليل زيت إنه الإحساس الفطري بأنه إذا كان عطاء الناس أو انعدام فلا يمكن أن يتوقف لديك العطاء، بله أن ينعدم، هل يبقى المسلم خامدًا أو تبلدًا إذا شعر أن الناس حوله يسيرون سراعًا تشغلهم حياتهم الدنيا، لا يعيرون الروح أدنى سبيل... إن الشاعر يحمل روحًا مدلهًا بحب الخير للجميع كما يحبه لنفسه.. فإذا كان سراجًا على الطريق لا زيت فيه، فإنه يرفض ذلك حتى يحرك نفسه فيتحرك الزيت الذي بداخله فيلامس فتيله، فإذا هو شعلة تتقد، والناس من حوله يقتبسون من نوره، أو يتسارعون إلى مصدر النور يستمدون منه ما يعينهم على ظلمتهم، هذا فطري في المسلم، وفطري فيه أن يرفض نضوب روحه من وقود الإيمان. عودة المغترب ملء فمه يصرخ، وملء حنجرته يهتف: لي أن أهتدي في مهمة طمس الشك به كل يقين لسبيل ليس يغشى طهره ظل عارٍ من جموع الزائفين إن السبيل تبدو لديه قاتمة… لماذا؟ لأن النور عن عينيه محجوب والطرق متشابكة وكثيرة.. إنه لم يضع قدمه على عتبة طريق النور بعد.. لذلك تقلقه روحه الشفافة، وتؤذيه حالته التي يحياها.. لأن فطرته تأبى الضياع.. وتتعطش للنور.. فيحزم متاعه وتسرع الرياح بأشرعته في رحلة للغيب عل هناك ما يضيء له جوانب نفسه.. فيزول عنها ظلال طمس كل معالم اليقين فيها، حتى إذا سرحت به سفينة، وأسلمته أشرعته لعواصف جنونية.. رأى أن بقاءه على هذه الحال أكثر خطرًا مما كان عليه.. فقد تمزقت أجنحته التي طار بها.. وتمزقت أشرعته التي سافر بها وارتحل… ولا بد للمسافر أن يئوب.. إذا رزق السلامة.. فما كان منه إلا أن: لملمت بقايا شراعاتي وأجنحتي وعدت من رحلة للغيب مغتربا صحبي على الدرب أحلام مشردة أطعمتها الشك والأشواق والنصبا أدرك من بعد الشقة أن رحلته امتداد لعذابه الأولي فعاد.. فلما استقر به المقام حاسب نفسه وأعلمنا أن سفره لم يكن من قبيل الشوق إلى السفر أو المغامرة، ولكن لشيء آخر.. هذا الشيء الذي يصاحب كل مستعلم عن سر وجوده.. وعن غايته في الحياة.. إنه العطش إلى النور.. مضيع أنا مذ أسلمت أشرعتي لكل عاصف شوق جن واضطربا وما ترحلت من شوق إلى سفر لكن بي عطشًا للنور مغتصبا الكهوف المهجورة إلى عالم النور: ومن إغفاءته الحزينة يصحو الشاعر فإذا كسل كهوف الذل والهون قد نالت من أعصابه ومن نفسه الحيرى الباحثة عن خيوط الفجر أنى تكون.. حتى إذا اعتدل في جلسته وطرد الوسن وعزم على الخروج تقصيًا، إذا بمعالم الفجر تشرق أمامه.. إن ليلًا طويلًا قد نام عليه ظلامه.. فمن قشعه عنه، ومن حرك يد الشاعر ليريه ذلك النور الساطع من الجهة الأخرى.. ذلك أمر يدريه هو ويحسه.. وكل ما كان قد كان فله أن يبين حالته.. وليس عليه للناس أن يبين الذي حركه.. لأن الفطرة لدى السامع أو القارئ هي التي تنقله إلى عوالم المعرفة، وتوضح أمامه صورة المحرك. ويبقى من قبل هذا ومن بعد.. أن الله عز وجل هو الذي يري الإنسان طريقه ويسلك له سبله ويسهلها، وما على الإنسان إلا أن يستجيب لداعي الفطرة إذا ما نازعته نحو الارتقاء إلى عالم أرقى! ونراه ينتقل من تلك الحالات إلى حالة تدل على أنه في عالم الضياء وما يرى، لا ما يرى في المنام أو في عالم الأحلام مما حدا به أن ينادي أهل الغفوة والسهو والبعد عن جادة النور.. فافتح فؤادك للضياء ولا تكن حرج المسالك في أمورك أعسرا فلقد فتحت مع الصباح نوافذي للشمس للفجر الذي قد أسفرا ولسوف ألثم كل نور ساطع وأدين للصبح الأصيل تأثرا إن الدعاة يرددون هذه الكلمات.. لماذا؟ لأن المشكلة واحدة.. ولأن الفطرة السليمة هي التي تنثر هذا الدر.. ولأن دواعيها تصرخ في أعماق الضمير أن المسلم دائمًا يفتح نوافذه للضياء ويبحث عن النور، وأبعد ما يكون المسلم في حياته بعده عن الأمور العسرة، وقربه من مسالك الدعوة الهينة اللينة التي تذيب قلب الجبال، فما جاء به هنا.. إنما هو تعبير حي.. يعيش مع الأحياء، يرافقهم.. لا.. إنه يعيش مع الدعاة أكثر.. لأنهم يتصدون لواقع الناس ويحيون معهم.. الحق أولى وكما سبق وأن قلنا.. إن الفطرة هادية للمؤمن إن أحسن الانقياد لها فيما تتطلبه نحو الرفعة والعلو.. وما حياة المسلم إلا سلسلة من المتاعب والمشاق إذا تصدى للناس يبصرهم بما تحويه الدنيا من مهلكات، وما يزرعه الآثمون في طريق الآمنين من أشواك، والداعية دهره لا ينثني عن درب الهداية، فما وجد حسنًا أعان عليه، وإذا توجس شرًّا حذر منه ونأى عنه، فما عهده يشايع الرأي خداعًا وكذبًا، أو يتفق وإياه نفاقًا وزورًا، فإن كان المنطوق والمعمول به مشروعًا ودالًّا على ورع وتقى، فإنه نعم ما يؤيد؛ وإلا فالبعد عنه مع التحذير منه.. فإذا أصبت فإنني بك معجب ولربما شايعت رأيك مكبرا وإذا غويت فقد تراني معرضًا عما هويت من المسالك مدبرا إن النفاق خصلة مذمومة، ولا تعيش مع المسلم الحق، ومن كانت فطرته طاهرة، فإن بوادر النجاسة لا تبين فيها أو في ما يصدر عنها، والحق أولى أن يقال ولو كان بعد قوله حبل يلتف على عنق؛ لأن الحر لا يهادن الظلم، ولا يسكت عن الظالم، كما أن الإصرار على رأي يقال خطأ محض وقول الإمام الشافعي رحمه الله نبراس للناس: «كلامي صواب يحتمل الخطأ، وكلام غيري خطأ يحتمل الصواب»، فالحقيقة لا يعرفها كاملة أحد، والبشر لا يصلون إلى مرتبة تبعد عنهم الإشارة بالخطأ.. ومن هنا فهو يقف هذا الموقف الجاد.. ما في اتباعي ما تقول مهانة الحق أولى أن يصان وينشرا لا، لا تقل إني المصيب تكبرا لا، لا تقل إن الحقيقة ما أرى فلربما أدركت منها جانبًا ولربما أخطأت حظًّا أوفرا نعم.. هذا هو الموقف الذي يتشبث به الجر وبه يلتزم.. لأنه ينبع من صميم الفطرة التي اهتدت بنور الإيمان وسارت علی خطی دروبه المنطلقة. فالحق أولى، قالها الشاعر هنا، والنور أولى، رددها أحد الدعاة من قبل، وجعلها عنوانًا لمؤلفه، وقد جمع الشاعر المسلم يوسف العظم بينهما في بيت فيه ربط لأرواح الدعاة عندما قال: أخي، أنت روحي ولهانة إلى الحق والنور.. سر يا «أنا» وهذا البيت معلم واضح أن أرواح الدعاة واحدة.. في سبيل الحق والنور نركض إلى الله سعيًا، نبتغي عفوه وننشده رضاه، ونتضرع إليه أن يتقبل أعمالنا لوجهه الكريم. قوة ومضاء ثم ماذا بعد أن عاد الغريب إلى عالم النور، بعد أن عرف أن مدارج التيه أضلته، فلما أن ولج بابًا فيه يطفح البشر على وجوه الداخلين منه، التقى بهم، وعركهم وأحسن التفرس فيهم، فخالطهم، وانتقل إلى الناس ينظر العاجز فيهم والمتردي، والطاغية فيهم والمتكبر، وراعه أن يجد الحق مهضومًا وأن البغي قد أحكم أسواره ليضعف من قوة اتباع الحق- فردد بكل ثقة واعتزاز.. ما راعني باغ ولا خنقت أسواره بمحاجری حقا هذا الموقف الصلب ينبئ عن نفس عالية شماء.. تتطاول نحو الأعالي.. إلى القمة السامقة.. مزدرية كل أشكال البغي والطغيان.. حتى إذا ضمته ومن جعلها مدار حديثه معه جلسة.. أفرغت ما عندها من أحلام ورموز شاعرية لأمور الكون والناس والحياة، في حين انطلق هو يسرد الحكاية التي تشغله وتبعث في نفسه التساؤل حتى عرف أن الذي به يتفكر قد تكشف لعقله واستبان لبصيرته، فعاودها التبصر فيما تجلى له.. وقلت كم في البرق من خلب قد يخلف الظن بومض السنا فقلت كم في الناس من عوسج نخاله في ثوبه سوس إن الغزل هنا أطار فقط، ليبه من خلاله ما حصل من خلال تعرفه بالأحياء، وهو يصور الفرق بين النظرتين وحكم في الثانية على أمر مقر وملموس. وعندما يخالط الناس ويبصر ما يفعله الأشرار بالأبرار يدرك أن المهمة صعبة، وأن الداعي إلى الله لا بد أن يكون خامة لا تنزع بها الريح فتخرق وأن الصبر عدة المؤمن، فلا يضجر أو يفلت زمامه أمام العواصف، فالدنيا منذ مبدئها وزراع الشوك يزرعون، لكن القصة تأتي على ما لا يعبأ بالأشواك والسدود.. بل يزيد نار الزارع توقدًا عندما يشم رائحة الشوك كأنها الورد، فيغير الزارع به ويبدي وجهة نظره، وهي ولا شك وجهة نظر سديدة، شواهد التاريخ أدلتها فعهد الحق في كل زمان محاصر وعهده في كل مكان مطارد، ويبقى الدعاة على السبيل لا يتأثروا وإنما بالباطل يهزأون ويرددون.. يا زارع الشوك في دربي ليوهنني إني أرى الشوك بعضًا من رياحين لو كل درب بزهر الورد قد فرشت لما رأيت عليها غير مأفون خطوة مباركة طيبة، وبادرة جميلة، أن تكون من الشاعر الشاب خليفة الوقيان أن يجمع شعرًا ويقدمه للناس بتواضع المسلم، وأن ينقل تجاربه هذه.. بكل إخلاص إلى جيل يقدر الكلمة، ويهتف بالحق ويرفض الطغيان بكل صوره وأشکاله. وإني لأحيي فيه هذه الروح وأملًا له مستقبلًا يتخطى صعابه، ويكنك ذكر قويًّا لا تردعه صيحات المأفون عن السير في طريق الخلاص لليل طال على هذه الأمة، وإني لأتوسم فيه مصباحًا ينير على الطريق.. يقدمه للناس من روحه ودمه بما ينقذ هدم الأمة من تيه الضياع، وبارك الله جهدك يا أخي خليفة.
الرابط المختصر :