; في المنتدى الفكري: الإسلاميون والتحالفات | مجلة المجتمع

العنوان في المنتدى الفكري: الإسلاميون والتحالفات

الكاتب محمد عبد الهادي

تاريخ النشر الثلاثاء 06-أكتوبر-1987

مشاهدات 15

نشر في العدد 837

نشر في الصفحة 22

الثلاثاء 06-أكتوبر-1987

* الشيخ فيصل مولوي: اعتزال الحركة الإسلامية عن كل من حولها من الناس أمر خاطئ.

* د. أبو فارس: التحالف مع غير المسلمين مشروع وقد فعله الرسول صلى الله عليه وسلم.

* المستشار الهضيبي: نحن لا ننظر إلى الأحزاب الأخرى نظرة إنكار لإسلامهم حتى ولو ضمت هذه الأحزاب من أهل الكتاب.

* الشيخ صلاح أبو إسماعيل: مجلس الشعب سلطة تشريعية لا ينبغي أن تترك للعلمانيين أو الماسونيين أو المنحلين.

فكرة التحالف السياسي التي نفذتها بعض أجنحة الحركة الإسلامية في بعض الأقطار العربية والإسلامية كانت من الأعمال السياسية الهامَّة والمثيرة... وقد كانت مسألة التحالفات بين الإسلاميين وغيرهم مَثار جدل على مستويات مختلفة لدى الإسلاميين.. تُرى.. ما هي مشروعية هذا الشكل من التحالف؟ وهل له شروط؟ وما هي مكتسباته؟ وهل هناك تنازلات قدمتها الحركة الإسلامية للمتحالفين معها؟

في منتدى هذا الأسبوع طرحت المجتمع أسئلتها الخاصة بهذا الموضوع على بعض كبار الشخصيات الإسلامية التي خاضت تجربة التحالف.. وعلى بعض الإخوة الذين لهم رأي في هذه القضية.

وقد اشترك في هذا المنتدى كل من:

1- المستشار محمد مأمون الهضيبي رئيس محكمة استئناف القاهرة الأسبق، وعضو مجلس الشعب المصري، ونائب رئيس حزب الأحرار في مصر.

3- فضيلة الشيخ فيصل مولوي الداعية الإسلامي المعروف «لبنان».

4- الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس- أستاذ جامعي «الأردن».

وقد أجاب الإخوة المشتركون على أسئلة المجتمع كما يلي:

1- حكم الإسلام

المجتمع: ما هو حكم الإسلام في قيام تحالف بين الإسلاميين وبين غيرهم، وهل هناك شروط لذلك؟

* المستشار الهضيبي: 

بدأ الهضيبي إجابته مستعرضًا خلالها تجربة الإخوان المسلمين في مصر فقال:

- يجب ابتداء أن نقرر أصلًا من الأصول التي نلتزمها وهو ما وضحناه في الأبحاث الفقهية التي أصدرها المرشد العام الأسبق المرحوم حسن الهضيبي بعنوان «دعاة لا قضاة» ففي هذه الأبحاث أكَّدنا أننا ندعو إلى الإسلام ولا نحكم على أحد بالكفر ولا بشيء آخر يسيء إليه، وعلى ذلك نحن لا ننظر إلى الأحزاب الأخرى نظرة إنكار لإسلامهم، أو ادِّعاء بشيء من هذا القبيل، حتى ولو ضمت هذه الأحزاب من أهل الكتاب، المهم أن يكون موضوع التعاون فيه فائدة وخير للدعوة الإسلامية والذي حصل بالنسبة لانتخابات 1984، إن الاتفاق تم بين جماعة الإخوان المسلمين وبين حزب الوفد، على أن يتيح حزب الوفد الفرصة لعدد من أعضاء الجماعة، كي يرشِّحوا أنفسهم للبرلمان على قوائم الحزب، لأنه كان من المستحيل على الإخوان أن يتقدموا للانتخابات إلا عن طريق حزب من الأحزاب المُعْتَرف بها قانونًا، وكان وقتها أقرب هذه الأحزاب للجماعة من ناحية العلاقات هو حزب الوفد، ولم يكن هذا تحالفًا، وإنما كان مجرد تعاون على إتاحة الفرصة للإخوان لمحاولة الوصول إلى مجلس الشعب، وبالفعل نجح بحمد الله نحو (9) من أعضاء الجماعة ووصلوا إلى عضوية البرلمان.. أما بالنسبة لانتخابات 1987، فقد بدأت أيضًا بنفس المفهوم، ولكن أثناء ذلك وجدنا تقاربًا مع حزب العمل، ووجدنا تقاربًا من حزب الأحرار، ووجدنا ميلًا إلى وضع برنامج يحوِي نقاط الاتِّفاق بيننا وبينهم، وبالفعل تم إعداد هذا البرنامج، وأهم البنود التي شملها هو بند المطالبة بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، كمفهوم كامل وشامل لنظام الحكم، سواء أعمال الدولة أو مختلف أجهزتها، بمعنى أن تكون أحكام الشريعة الإسلامية هي المهيمنة على جميع أمور الدولة، وهذا وهو منظورنا الإسلامي ومفهومنا وعقيدتنا التي ندعو إليها، فإذا وُجد من يريد أن يتعاون معنا على تطبيق هذا والوصول إليه وتحقيقه، فإنه يكون فرضًا علينا قبول هذا التعاون، عملًا بقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة: 2) فإذا وُجدت أي جماعة أو هيئة تقبل أن تتعاون معنا على تحقيق أن يكون الإسلام كدين وشريعة وعقيدة وعبادة وقيادة، مهيمنا على كل أمور الدولة، أي ما نطالب به، أي أنها تؤيد عقيدتنا ومنظورنا الإسلامي، فأعتقد أنه لا يكون هناك ثَمة رفض لهذا التعاون، ما دام في هذا الإطار، ولا يختلف مسلمان على وجوبه وعلى استحسانه وعلى ضرورة الأخذ به.

وأنا أدعو من لم يقرأ البرنامج، ولم يعرفه أن يعود إليه ويتدارسه ويتفهمه، وسيجد فيه –إن شاء الله- أنه تأصيل وتأكيد لبرنامج الإخوان المسلمين.

* الشيخ صلاح أبو إسماعيل:

ومن خلال تجربة الإسلاميين في مصر قال الشيخ صلاح أبو إسماعيل ردًّا على السؤال نفسه:

- أفهم أن هذا السؤال خاص بذلك التحالف الذي قام بين الإخوان المسلمين في مصر وبين حزبي العمل والأحرار، وليس هذا تحالفًا بين الإسلاميين وبين غير الإسلاميين، فهو تحالف قائم بين أطراف ثلاثة، كل طرف فيها ينادي بالإسلام ويلتزم بدستور مصر الذي ينصُّ في مادته الثانية على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع في البلاد... وهو تحالف ملتصق بالشعب، معبِّر عنه، منبعث عن إرادته الحرة، وإذا كان هناك شك في نجاح عضو من الذين يوالون الحكومة، فلا شك في نجاح عضو المعارضة، لأن هؤلاء ما جاءوا برِضا الحكومة وإنما جاءوا على الرغم منها.

المجتمع: هل هناك أسباب سياسية تدعوكم للتحالف مع الآخرين؟

- إن الحكومة استحدثت من التشريعات التي قصد بها التضييق على الإخوان المسلمين، إنهم استحدثوا تشريعًا يجعل الوصول إلى مجلس الشعب وقفًا على من انتظمه سلك حزب من الأحزاب، فماذا ننتظر؟!... إن ما يراد بنا أن نستمر في عُزلتنا وأن ينتهي هذا الجيل المبارك لينشأ الجيل الجديد، بغير ريادة، وبغير قيادة، وبغير توجيه.. ولننظر إلى عطاء القرآن الكريم، فالقرآن يبين لنا أن مؤمن آل فرعون وهو موضع رضوان الله تعالى وموضع الثناء في القرآن الكريم، كان يتعامل بوجه الفرعوني وقلب المؤمن لصالح المسلمين، وقد روت سورة غافر عنه الشيء الكثير.. ونُعيم بن مسعود كان في غزوة الأحزاب يعمل بوجه الكافر وقلب المؤمن، فماذا يمنعنا أن نعمل بوجه الحزب وقلب الإخوان المؤمن لصالح الإسلام.

2- الشباب وفكرة التحالف:

المجتمع: ما زال بعض شباب الدعوة الإسلامية لا يتقبلون فكرة التحالف بارتياح، فهل لكم من رأي لمحاورة الشباب في هذا الموقف؟

* الشيخ فيصل مولوي:

ويتناول فضيلة الشيخ مولوي إشكال الشباب بقوله:

- مسألة التحالفات كثير من الشباب لا يفهمونها كما ينبغي.. أحب أولًا أن أخرج من دائرة الحديث. مسألة التحالفات في الإطار الإسلامي بين مختلف الجماعات والحركات الإسلامية، لأنها لا أظن تثير إشكالًا عند الشباب، ومنها تجربة السودان في إطار الجبهة الإسلامية القومية لأنها في الواقع تحالفات محصورة بين الإسلاميين فقط، وإنما سميت بالقومية ليس بمعنى أنها مبنية على فكر قومي، ولكن بمعنى أن المقصود بها عموم السودان.. وهذا النوع من التحالفات- في تصورِّي- أقرب إلى الوجوب الشرعي كلما أمكن وساعدت عليه الظروف، لأنه مبنِيٌّ على قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة: 2) وإنما الذي يثير الإشكالية هو اضطرار المسلمين أحيانًا إلى أن يتحالفوا أو يتعاونوا مع فئات غير إسلامية قد تختلف بُعدًا وقُربًا عن الإسلام، ولكن يجمعها أنها أصلًا ليست منطلقة من الإسلام في ممارساتها وتفكيرها، ولها أهداف خاصة.. فتضطر الحركة الإسلامية أحيانًا أن تتعاون مع تلك الحركات لتحقيق أهداف مرحلية.. هذا التحالف هو الذي يثير عند الشباب مشكلة أساسية بين الصفاء العقائدي الذي يتصوره الشباب عبارة عن: اعتزال الحركة الإسلامية عن كل من حولها من الناس، وليس بينها وبين الآخرين إلا الحرب.. وهذه نقطة خاطئة أصلًا. 

3- التحالف مع غير المسلمين:

المجتمع: ما رأي الشرع بالتحالف مع غير المسلمين؟

* د. محمد عبد القادر أبو فارس:

قال د. أبو فارس:

التحالف مع غير المسلمين مشروع.. وقد فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، فحلف بني خزاعة -مثلًا- أبسط دليل على ذلك، ولقد كان ذلك في الجاهلية، وجاء تناصرًا ضد الظلم والعدوان.. ويبقى الأمر -على كل حال- مرتبطًا بمصلحة المسلمين، فإذا كان يضرُّ بالمصلحة العامة للمسلمين وجب تركه، ولكنه من الأمور المباحة -إذا كان فيه فائدة للمسلمين- وينبغي هنا أن نشير إلى نقطة مهمة يغفل عنها البعض، وهي أن التحالف مع أي جهة أخرى، فالأصل فيه أن يستفيد الطرفان، وإلا ما الذي يدعو تلك الفئة أن تتحالف معك؟!.. ولكن لا يعني ذلك أن يكون على حساب الإسلام أو المسلمين، فهناك ضوابط وقيود للتحالف.

المجتمع: هل هناك ظروف سياسية محددة تفرض مسألة التحالف أحيانًا على الدعاة الإسلاميين؟

* الشيخ صلاح أبو إسماعيل:

من واقع تجربة الإسلاميين في مصر أجاب الشيخ صلاح بقوله:

- ولا شك أن تحالفنا في مصر أملته ظروفه، وضرورة أن يكون المرشح في حزب، وضرورة أن يحصل الحزب على نسبة الـ 8% من مجموع الأصوات على مستوى الجمهورية، وإذا كان سم الخِياط قد فتح للمستقلين، فهذا ليس كافيًا، لأن الذي فُتح للمستقلين، لم يَسمح بمرور أكثر من 48 نائبًا، وهؤلاء أقلية لا تستطيع أن تفعل شيئًا، ولذلك أرجو أن يتشبث الإخوان المسلمون بهذا التحالف.

4- التحالف بين الخصام والتعايش:

المجتمع: قضية التحالفات تقودنا إلى السؤال التالي:

هل الأساس في العلاقة بين الداعية المسلم وبين غيره من اللا إسلاميين الخصام؟ أم أن الأساس إعلان الدعوة والتعايش، ولا يكون اللجوء إلى الحرب إلا استثناء عندما لا يوجد سبيل آخر غيره؟

* الشيخ فيصل مولوي:

- هذه نقطة أساسية وقع الخلاف فيها بين الفقهاء من قديم، والخلاف الأن هو نتيجة هذه النقطة، لأنه في بعض العصور انتشرت الفكرة التي تقول: إن الأصل في العلاقة بين المسلمين وغيرهم الحرب.. وقد تركت هذه الفكرة أثرها على الشباب الذين لم يعودوا يتصورون إمكانية التحالف أو التعايش مع غير المسلمين، مع أننا لو رجعنا إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لوجدنا هذه المسألة واضحة تمام الوضوح، فالرسول لم تكن علاقاته مع غير المسلمين علاقات حرب بشكل دائم... كانت هناك علاقات تعايش وتحالف، وأحيانًا كان التعايش يكون على أساس دفع الجزية، ولكنه في أحيان أخرى كان يقوم بغير دفع الجزية، فالميثاق الذي وضعه الرسول صلى الله عليه وسلم مع اليهود في المدينة، لم يكن على اليهود فيه دفع جزية، إنما كانوا ملتزمين بالدفاع عن المدينة إذا هاجمها عدو خارجي، وملتزمين بالتعايش مع المسلمين على أخلاق وصدق وألا يغدر بعضهم بعضًا.. هذه قاعدة من قواعد التعايش بين المسلمين واليهود شرعها الرسول صلى الله عليه وسلم والتزم بها ولم تنقض إلا من قِبَل اليهود، فردَّ الرسول على نقضهم بإخراجهم..

المجتمع: وهل يعتبر هذا التعايش تحالفًا؟ 

* نعم.. هذا التعايش كان نوعًا من التحالف، لأنه كان مطلوبًا من اليهود أن يدافعوا عن المدينة إذا غزيت مع المسلمين، فهذا نوع من التحالف، وعندما وقع حصار الأحزاب، كان الرسول ينتظر من اليهود أن يقاتلوا معه، فلما غدروا وقاتلوا مع المشركين، كانت النتيجة المعروفة محاصرتهم وقتلهم.. إذن هذا نوع من التحالف.. ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم عقد في الحديبية مع قريش هُدنة، ولكن في ظل هذه الهُدنة سمح لمن أراد أن يدخل في حلف مع المسلمين، فدخلت بعض القبائل في حلف مع المسلمين وهم على شركهم..

المجتمع: لماذا؟

* الشيخ فيصل مولوي:

لأن الناحية المبدئية أن الهدف البعيد للمسلمين لا يمكن أن يتحقق بقفزة في الهواء، الهدف البعيد وهو: إقامة حكم الله عز وجل في الأرض، يحتاج إلى أن نسير في طريق طويل، وعلى هذا الطريق الطويل أهداف مرحلية، فالسير الحسن هو الذي يظل على هذا الطريق فيرى الهدف البعيد، ولكنه في كل مرحلة يجتاز مسافة من الطريق ويحقق هدفًا مرحليًّا، فيكون قد اقترب خطوة من الهدف، أما أن يبقى الإنسان في مكانه يراوح لا يتحرك على الطريق، لأنه لا يستطيع أن يحقق هدفًا من الأهداف المرحلية إلا بتعاون أو تعايش مع قُوى آخرى لها لأن المسلمين ليسوا وحدهم على الساحة فلا يستطيعون أن يحققوا هدفًا مرحليًّا إلا من خلال التعايش والتعاون والتحالف والهُدنة وغير ذلك مع الجهات الأخرى، فإذا وصلوا إلى هدف مرحلي انطلقوا إلى الذي يلِيه حتى يصلوا إلى الهدف النهائي.

5- إيجابيات التحالف:

المجتمع: ما هي إيجابيات هذا التحالف؟

* المستشار الهضيبي:

أجاب المستشار مأمون الهضيبي على هذا السؤال بقوله:

- الإيجابيات شيء واقع، لمسه وسمع به العالم كله، كل العالم شاهد كيف استجاب الشارع السياسي في مصر، واندفع نحو التحالف الإسلامي، وكيف أن المعركة الانتخابية كان وجهها واضحًا ومحددا، وهو أنه وجه إسلامي بمفهوم الإخوان المسلمين.. ودارت المعركة على هذا النحو، وخفت كل صوت آخر خلاف ذلك، ولم يكن في الساحة إلا فريقان.. الإخوان وغير الإخوان، وتحددت المعركة على هذه الصورة.. ويكفي أنه رغم كل ما حصل أثناء الانتخابات، ورغم كل ما جرى من تقليص لعدد الأصوات التي حصل عليها التحالف الإسلامي، بلغ عدد الأصوات التي في صالحنا أكثر من مليون صوت.. فإذا قلنا التحالف الإسلامي، فلا يشك أحد أن ما يتصدره هم الإخوان المسلمون، فكون أن نصل إلى إبراز هذا الجمع الهائل المؤيد للعقيدة وللإخوان وللجماعة، فهذا شيء عظيم جدًّا.

أيضًا أن نخلص من الانتخابات بفوز أكثر من 60 عضوًا في البرلمان منهم نحو 36 عضوًا من الإخوان المسلمين. وهؤلاء جميعًا تكلموا باسم الإسلام وباسم جماعة الإخوان، ومفهومها، ووقفوا وقفات طيبة، رغم قلة عدد الجلسات التي تمت حتى الآن، وضيق الوقت الذي أتيح لنا الكلام فيه، ومع ذلك علا الصوت الإسلامي بحمد الله، وكان هو الصوت الأصيل المُدافع عن حقوق الإنسان وحريته وكرامته، وما فيه خير الأمة، أعتقد أن هذا كله إن شاء الله فيه خير، وكل هذا لا يعوقنا عن مهمتنا التي لابد وأن نكون على وَعْي كامل بها، وهي الدعوة إلى الله وتربية النشء على المفهوم الصحيح، ولنعلم أن هذا الجانب الجديد هو إضافة، ولم يسلب الدعوة الأصلية شيء من كيانها أو نشاطها، ولكنه باب جديد.. باب رحمة -إن شاء الله- وهو بإذن الله يضيف قوة واتساعًا لطرق الدعوة الأخرى، ثم هو بعد ذلك يعطِي الحركة الإسلامية في مصر، نوعًا من القانونية والحركة المباحة والتي تستطيع أن تواجه الاضطهاد بقوة أكثر..

* الشيخ صلاح أبو إسماعيل:

وعن السؤال نفسه أجاب فضيلة الشيخ صلاح بقوله:

- إن الأمر في نظري أشبه شيء بقطار سائقه غير مسلم، ولكنه موصل إلى الغاية، وأي بأس أن أركب طائرة لأداء الحج، وقائد الطائرة غير مسلم. ثم لنوازن بين ما هو عله الأن، وما كانوا عليه قبل التحالف.. الآن لهم ما يقرب من 40 نائبًا في مجلس الشعب، ولو كان القارئ الكريم معي في مجلس الشعب المصري، لسجد لله تعالى شكرًا، لأن الإخوان المسلمين في ردهم على بيان الحكومة كانوا يشرفون، فهم أصحاب عقيدة وأصحاب فكر، وأصحاب رأي وبيان ولسان، فإذا قيمّنا على أساس هذا، لقلنا أن التجربة نجحت مائة في المائة... وهذا النجاح الذي أحرزناه بفضل الله ليس هو نهاية المطاف ولكنه خطوة على الطريق ونحن نعمل في المجلس على واحد من أملين:

الأول: أن يطبق شرع الله.

الثاني: فإن لم يكن الأول فنحن نتمثل قول الله عز وجل، ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ (الأعراف: 165).

ثم إن مجلس الشعب سلطة تشريعية، لا ينبغي أن تترك للعلمانيين أو الماسونيين أو المنحلين والمتحللين، فوجود الإخوان المسلمين في مجلس الشعب خير وبركة، والتحالف مع غير الإسلاميين إنما يضرُّ لو أنه جاء على حساب دعوتنا ومبادئنا، وإذا كان رئيس حزب الأحرار ينادي أننا في خدمة الإخوان، وإذا ما كان رئيس حزب العمل يتباهَى بأنه طريق للإخوان، فليس هناك مشكة وإنما هناك انسجام واستقرار وتعاون على البِرِّ والتقوى...

6- التنازلات:

المجتمع: هل هناك تنازلات قدمتها الحركة الإسلامية؟

* المستشار الهضيبي:

يقول الهضيبي في إجابته من خلال التجربة في مصر:

- أولًا نحن لا نملك شيئًا حتى نتنازل عنه.. الدعوة دعوة الله، ولا يملك مسلم أن يتنازل عن شيء هو لله، ويجب أن نذكر أن الشريعة الإسلامية فيها الفرض، سواء الفرض على الوجوب أو على الندب، وفيها التحريم، ما بين التحريم البات والتحريم على الكراهية وما بين ذلك من الأمور هي منطقة العفو، المباح لنا تنظيمها، فما أمرنا به أو نهانا عنه لا يملك إنسان أن يبدل فيه شيئًا، ومن هذا المنطلق لا يمكن أن يكون هناك تنازل، لأننا لا نملك أن نُحل ما حرم الله أو نُحرم ما أحل الله، ولكننا نسير في دائرة المباحات وننظر في أحوال المجتمع ونفكر في مصلحة الدعوة.

وقال الشيخ صلاح:

- نحن بشر، ولا يمكن أن ندعي أننا معصومون، ولا حرج من حدوث بعض المشاكل، كأن يخرج عضو على خط التحالف، فهذا أمر عادي.. ولكن لننظر إلى الإيجابيات ونقارنها بالسلبيات، لنرى الخير الكثير الذي نتج عن هذا التحالف، بحمد الله وفضله.

7- الشباب بين التعايش والجهاد:

وفي الختام سألت المجتمع:

هناك فصيل من الشباب يدعو إلى تحويل طاقة الحركات الإسلامية باتجاه الجهاد وأنه لا فائدة من التحالف؟ فهل هناك من رأي في هذا الجانب؟

* الشيخ فيصل مولوي:

اختار فضيلة الشيخ فيصل مولوي الإجابة الشرعية على هذا السؤال فقال:

- الخطأ الذي يقع فيه الشباب أنهم يتصورون الحكم النهائي في الجهاد... وهذا الحكم إنما شرع بعد قيام دولة إسلامية وأصبحت علاقاتها مع الآخرين منطلقة من كيان الدولة، فإذا لم تعد هناك دولة، وإذا رجعنا إلى ما يشبه المرحلة المكية أو بدايات مرحلة المدينة، فمن الطبيعي في هذه الحالة أن تسير الحركة الإسلامية انطلاقًا من مفهوم الجهاد الأخير، ولكن في المراحل التي مرَّ فيها الجهاد قبل أن يصل إلى الحكم الأخير.. وهذا مبنِيٌّ على فكرة أساسية وهي أن الأحكام الشرعية السابقة المرحلية هل هي أحكام منسوخة تمامًا؟ أم لا تزال أحكامًا فاعلة إن وجدت ظروفها؟! فالذين يتوسعون في مسألة النسخ، ويعتبرون أن كل حكم جديد نسخ الحكم الماضي تمامًا، يعتقدون أنه لم يعد بالإمكان تطبيق الأحكام السابقة ولابد من تطبيق الحكم الأخير.. ولكن في تصوُّرِي أن هذا الأمر فيه مبالغة وبُعد عن الصواب، لأنه ليست كل الأحكام السابقة نسخت بهذا المعنى، بحيث رفع تطبيقها تمامًا.. هناك أحكام أخرى لم تنسخ، وإنما أعطي حكم لظرف، وأعطي حكم شرعي لظرف آخر، وهكذا... فتبقى الأحكام كلها شرعية كلما تحقق ظرف أحدها كان هذا هو الحكم.. وهذا في تصوري حكم الجهاد، بين أن يكون واجبًا في كل الظروف، وبين أن يكون واجبًا حسب الظرف... وإذا فهمنا هذه المسألة بالنسبة للجهاد، يمكننا أن نفهم على ضوئها أن طبيعة سير الحركة الإسلامية تقتضي أحيانًا هُدنة مع الآخرين.. معايشة... تحالفًا.. قتالًا دفاعًا عن النفس، أو ابتداء في القتال.. كل هذه الأحكام تصبح ممكنة التطبيق، ولكن لكل حكم ظروفه المناسبة.

المجتمع: في ختام هذا المنتدى نشكر الإخوة لمشاركتهم الطيبة ونؤكد دعوتنا لكافة الأقلام الإسلامية القادرة لمشاركتنا في هذا الركن... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الرابط المختصر :