; في ذكرى الشهيد سيد نرى قصة كل شهيد | مجلة المجتمع

العنوان في ذكرى الشهيد سيد نرى قصة كل شهيد

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 29-أغسطس-1972

مشاهدات 19

نشر في العدد 115

نشر في الصفحة 10

الثلاثاء 29-أغسطس-1972

الرحلة المباركة إلى الملأ الأعلى
في ذكرى الشهيد سيد 
نرى قصة كل شهيد
29 أغسطس عام 1966
«إن عليهم أن يؤدوا واجبهم ثم يذهبوا.. وواجبهم أن يختاروا الله، وأن يؤْثروا العقيدة على الحياة، وأن يستعلوا بالإيمان على الفتنة وأن يصدقوا الله في العمل والنية ثم يفعل الله بهم وبأعدائهم، كما يفعل بدعوته ودينه ما يشاء وينتهي بهم إلى نهاية من تلك النهايات التي عرفها تاريخ الإيمان أو إلى غيرها مما يعلمه هو ويراه..
إنهم أجراء عند الله أينما وحيثما وكيفما أرادهم أن يعملوا، عملوا وقبضوا الأجر المعلوم، وليس لهم ولا عليهم أن تتجه الدعوة إلى أي مصير، فذلك شأن صاحب الأمر لا شأن الأجير.
وهم يقبضون الدفعة الأولى طمأنينة في القلب ورفعة في الشعور وجمالاً في التصور وانطلاقًا في الأوهاق والجواذب وتحررًا من الخوف والقلق في كل حال من الأحوال.
وهم يقبضون الدفعة الثانية ثناء في الملأ الاعلى وذكرًا وكرامة وهم بعد في هذه الأرض الصغيرة.
ثم هم يقبضون الدفعة الكبرى في الآخرة حسابًا يسيرًا ونعيمًا كبيرًا ومع كل دفعة ما هو أكبر منها جميعًا رضوان الله وأنهم مختارون ليكونوا أداة لقدره وستارًا لقدرته يفعل بهم في الأرض ما يشاء»
وبعد.. فهذا هو الطريق ترسمه تلك الكلمات المضيئة بنور إيمان قلبه المؤمن للذين يسيرون على الطريق من بعده.
كتبها الشهيد سيد قطب في حياته نبراسًا للذين يسيرون معه ثم سبقهم في المسير ركضًا إلى الله بغير زاد فأصبحت منارًا لكل من يأتي من بعده.. تكلم فيها عن موكب النور ورسالة الدعاة في الأرض ولم يتكلم عن نفسه، ومن حقه علينا اليوم في ذكرى استشهاده أن نقدمه رائدًا من رواد هذا الموكب بعد أن أصبح إلى جوار ربه قرير العين بما قدمت يداه. وإن ما قاله الشهيد ليعيد إلى ذاكرتي ما قاله الإمام الشهيد حسن البنا «نحن ستار القدرة تعمل بالأجرة»،  ولا عجب في ذلك فكلماتهما تخرج من مشكاة واحدة .. وخاتمتهما السعيدة واحدة .. وإن اختلفت بداياتهما مع الدعوة الإسلامية .. فأحدهما إمام لها والآخر أستاذ فيها... 
وقد كنا شغوفين بمعرفة هذه البداية في حياة الشهيد سید عليه رحمة الله لسابق معرفتنا بالطريق الذي سار فيه على جميع القضايا الوطنية قبل أن يجتبيه الله ويختاره لدعوته.. كنا نحس بإلهام خاص أن وراء هذا التحول إلى طريق النور سر عظيم .. وقد صدق حسنا عندما أرهفت آذاننا لقصة لقائه على الطريق. قال:
«كنت يومها في أمريكا أي يوم أن قتل الإمام الشهيد حسن البنا - ولم أكن أعطي الحركة الاسلامية ولا مرشدها من اهتمامي ما يجعلها على مستوى التنظيمات السياسية أو الدعوات الاجتماعية الأخرى، ولم أكن أتصور أنها تشكل في بؤرة الشعور الغربي شيئًا يذكر حتى صدمني الواقع من حولي في أمريكا وهزني هذا وفتح عيني فتحًا على ما لم أفطن إليه من قبل.
لقد شهدت مظاهر الابتهاج والفرح بل والشماتة في كل شيء من حولي في الصحافة وفي جميع أجهزة الإعلام وفي كافة المنتديات كلها تهلل وتهنئ بعضها بعضًا بالتخلص من أخطر رجل في الشرق فعجبت من هذا الاهتمام به والتقييم لحركته والتتبع الواعي لها إلى هذا الحد الذي لا وجود لمثله في بلادنا نفسها . وعلمت أن في الأمر سرًّا أكبر يغيب عني يكمن في طبيعة دعوة هذا الرجل وفي شخصه العظيم الذي لم أحظ بمعرفته على الوجه الأكمل وأنا أعيش معه في وطن واحد الأمر الذي لم أستوِ فيه حتى مع المستعمرين وصممت بعد عودتي من أمريكا أن أعيد بحث الأمر من جديد . 
ووصلت إلى مصر وقرأت جميع رسائل الإمام الشهيد ووقفت على سيرته النقية وأهدافه الحقة، وعلمت لماذا يُحَارب ولماذا قُتل وعاهدت الله على أن أحمل الأمانة من بعده وأواصل السير على نفس الطريق الذي لقي الله عليه والذي آمنت به وهداني إليه وأنا في أمريكا..». 
هذه هي قصة الشهيد سيد ولكن هل هذا هو كل ما يجب أن نعرفه اليوم عنه..
كلا.. ما زال هناك ما تتطاول إليه الأعناق وهو ما لا وجود له في كل كتبه القيمة التي تفيض بالعلم والإيمان.. وإنما سعد بمعرفته من رآه عن قرب أو سمعه عن قرب أو عاش معه عن قرب.
ورأيي أن القصص الكثيرة التي تحكي عن الذين هداهم الله على يديه في بطن المحنة لها دلالة كبرى في إشعاع هذه النفس المؤمنة التي جذبت حب واحترام كل المحيطين به من سجناء ومسجونين عاديين أو سياسيين أو من عتاة المجرمين وما زالت ذكراه الطيبة لليوم تروى الجدران القصيدة التي طبعها بإيمانه الكبير. وإلا فكيف كان يسمح له أن يقوم خطيبا بين المسجونين والسجناء في صلاة العيد بالليمان برغم ما في ذلك من مخالفة للوائح السجن إلا لأن الله قد أعطاه مفتاح القلوب... قلوب أعدائه قبل أصدقائه.
أقول أنني قرأت له الكثير من كتبه ولكنني عرفت الكثير من خلقه عن قرب كان إيمانًا حيًّا مؤنسًا لطيفًا بشوشًا وقورًا متواضعًا يحترم الفكرة المتواضعة ولا يترك الومضة العابرة، فيه حب للصغير واحترام للكبير .. وقد لا يعلم الكثيرون أنه كان يبعث بكتبه إلى الاستاذ الهضيبي قبل طبعها ويتقبل سمحًا كـل الملاحظات حولها ويعلم ملتزمًا توجيهات مرشده في أدب وحب عندما يدعو له بالخير، ويذكر أن كتبه ومؤلفاته هي ومؤلفات آخرين من أبناء هذه الدعوة مع ما فيها من خير وعلم فهي تعبر عن آراء وأفهام أصحابها وليست منهجًا تلتزمه الحركة إلا عندما تصبح ظروفها طبيعية وتضع أيديها على إنتاج كل أبنائها في كل قطر في كل ميـدان إسلامي ثم تأخذ من رحيق هؤلاء جميعا خطوطها العريضة الملزمة التي تضرب بجذورها في إنتاج هؤلاء الأبرار ممن قضى نحبه ومن ينتظر من أمثال الشهيد عبد القادر والأستاذ المودودي ومن على شاكلة هذا الركب الأمين ...
وفي هؤلاء الذين فتحوا لنا طريق الهدى مشابه كثيرة حتى إن الواحد ليحار بينهم في الترتيب والتوصيف، فلا أكاد أجد صفة يتميز بها أحد هؤلاء الشهداء إلا وأجدها في أخيه الشهيد، حتى أنه لم يبق أمامي في النهاية إلا الترتيب الزمني، فهذا الشهيد لقي ربه يوم كذا سنة كذا وذاك لحق به من خلفه يوم كذا، ولكن يظل رغم هذا لكل منهم شيء يتميز به في نفوسنا، وإن كانوا عند ربهم إخوة كرامًا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ...
يبقى في حسنا أن الإمام الشهيد هو الذي بعث اليقظة في جسم الأمة الإسلامية، وأنه قدم الإسلام في شكل حركة لا في شكل كتب وأبحاث، وعندما سئل لماذا لم تؤلف كتابًا قال لقد ألّفت رجالاً، وهو الذي حدد طبيعة مرحلته في قوله: إن كل ما أقوم به هو إحداث يقظة مرتجلة وما لم تتدعم هذه اليقظة بمناهج واضحة يكون ما قمت به كالشعاع التائه في الصحراء لا حرارة فيه ولا ضوء..
ويلتقط الأمناء من بعده هذا النداء في محاولة لتحقيق أمانيه في تحقيق هذه المناهج المحددة بعد أن تمّت اليقظة فيقدم لنا الشهيد عبد القادر عودة هذه الأمنية فكريًّا في التشريع المقارن، ويقدم لنا أستاذنا الشهيد سيد قطب هذه الأمنية تربويًّا في الظلال والخصائص وغيرهما ويرتبط هذا وذاك بجذور الشجرة المباركة التي وضع بذرتها الإمام الشهيد حسن البنا بكل مقوماتها كاملة ومبسطة لا يختلف عليها أحد والتي أمسك بجذعها الإمام الهضيني وسط الزوابع .. وهذا يقودنا إلى قصة كل دعوة سماوية أو أرضية عندما تنتقل قضاياها من التعميم إلى التفصيل فإنها تحقق حاجة عملية أو حركية ولكنها في نفس الوقت تدخل مرحلة خطرة مليئة باحتمالات الاختلافات المتنوعة التي يكون دافعها الحرص والإخلاص والاستجابة للواقع المتغير. ولكن ذلك وحده لا يشفع لنجاتها من هذا المصير ما لم يكن هناك قاعدة؛ فقد كان الصحابة جميعهـم مخلصون وصادقون وهم يختلفون حول كيفية توزيع الأنفال حتى حسم الوحي الإلهي هذا الخلاف بالنص على طريقة توزيعها.
وقد كانوا صادقين وهم يختلفون في أمر الأسرى حتى حسم النص القرآني هذا الخلاف. وقد كانوا صادقين وهم يختلفون حول تقسيم الأراضي المفتوحة عنوة في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حتى حسم أمير المؤمنين هذا الخلاف بأن جمع عشرة من كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار وبسط قضية الأراضي المفتوحة أمامهم فأقروه على اجتهاده في ترك الأراضي المفتوحة ملكًا عامًا لجميـع المسلمين بدون تقسيم.. وهكذا كان الإجماع بعد انقطاع الوحي له دوره الكبير في حسم الخلافات بين المخلصين.
فالإخلاص لا يعصم من الخلاف ما لم يكن هناك قاعدة للحسم.
 والاختلاف لا يقدح في الإخلاص. 
وعزاؤنا أن الله تعالى هو الذي تمتد أياديه بالرحمة إلى عباده فيهديهم دائما لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه شريطة أن يكونوا مؤمنين.. 
ترى أتعود الحركة الإسلامية إلى التبسيط والتعميم خروجًا من المتاعب وأمانًا من المخاوف أم تمضي شوطًا أبعد فـي التفصيل وتتحمل ضريبة هذا التقدم والانتشار وتستفيد من تجارة التاريخ.
وهل هناك خيار في الأمر.. أم أنه القدر والسنة يجريان وعلى السائرين في هذا الطريق حتى تدركهم رحمة الله.
وتحية لشهداء أبرار لا نعلمهم الله يعلمهم جاءوا في صمت وذهبوا في صمت وقدّموا لدعوتهم ما لا يعلم إلا الله وحده أثره في طريق النور .
أبو حذيفة

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

مع القراء - العدد 10

نشر في العدد 10

43

الثلاثاء 19-مايو-1970

من هَدي النُبوة

نشر في العدد 53

35

الثلاثاء 30-مارس-1971

مناقشات حول الحركة الإسلامية

نشر في العدد 11

37

الثلاثاء 26-مايو-1970