العنوان الفاتحة توحيد وشريعة وسلوك
الكاتب الشيخ عبد التواب هيكل
تاريخ النشر الثلاثاء 25-أبريل-1978
مشاهدات 16
نشر في العدد 396
نشر في الصفحة 20
الثلاثاء 25-أبريل-1978
سياحة القلب المؤمن
في رحاب القرآن
الحلقة الحادية عشرة
مركز الدعوة والإرشاد بدولة قطر
سياحة القلب المؤمن
في رحاب القرآن
الفاتحة توحيد وشريعة وسلوك
الحلقة الحادية عشرة
بقلم: عبد التواب هيكل
مركز الدعوة والإرشاد بدولة قطر
الحمد لله لا مانع لما أعطى، ولا معطى لما منع، ولا هادي لمن أضل، ولا مضل لمن هدى، والصلاة والسلام على مبدد الظلمة، وكاشف الغمة، وهادي الأمة، محمد عبد الله ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلي آله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين: وبعد: -
فمرحبًا بك- أيها القارئ الكريم في رحاب القرآن العظيم لنقدم لك خاتمة الحلقات في سلسلة حديثنا عن: الفاتحة: توحيد وشريعة وسلوك راجين من الله تعالى أن ينفعنا وإياكم بهذه السلسلة المشرقة التي نظمناها لكم من درر أم الكتاب: وقد هممنا أن نختم هذه السلسلة بحلقتنا السابقة ولكن بدا لنا- إتمامًا للفائدة- أن تختمها بهذه الحلقة لنقدم لكم فيها بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بفاتحة الكتاب مؤيدة ببعض الأدلة من السنة الصحيحة وإجماع السلف الصالح ثم نجعل مسك ختامها عرضًا موجزًا لما ينبغي تدبره واستحضاره من معاني الفاتحة خصوصًا عند الوقوف بين يدي الله تعالى في الصلاة: وأرجو أن أكون بهذا قد وفقت في تقديم شيء ينفعنا إن شاء الله في ديننا ودنيانا ويعود علينا بالعزة والنصر والخير والبركة: فنقول وبالله التوفيق
- قراءة الفاتحة فرض في كل ركعة من ركعات الصلاة-
لقد ورد في وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة أحاديث صحيحة صريحة: وجرى عليها العمل منذ بداية الإسلام إلى يومنا هذا. منها حديث عبادة بن الصامت الذي رواه عنه الجماعة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال- لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وفي لفظ رواه الدارقطني بإسناد صحيح- لا تجزئ صلاة من لم يقرأ بفاتحة الكتاب- وبهذه الرواية الأخيرة يتضح معنى- لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب- أي لا صلاة صحيحة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ومنها ما رواه البخاري عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ الفاتحة كل ركعة- والأحاديث المصرحة بأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الركعة الأولى أم القرآن وسورة كذا وفي الثانية بعد أم الكتاب كذا في صلاة كذا كثيرة ولا مجال لذكرها هنا.
وقد أجمع المسلمون على العمل بهذا فلم يرد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو أحد من خلفائه أو من أصحابه أو من التابعين لهم بإحسان أو غيرهم من الخلفاء وأئمة العلم أقول لم يرد أن واحدًا من هؤلاء صلى صلاة دون قراءة- الفاتحة فيها. والخلاصة أن قراءة الفاتحة واجبة في كل ركعة من ركعات الصلاة ولا يغني عنها قراءة القرآن كله بدونها -قراءة البسملة في أول الفاتحة واجبة في الصلاة-
أن البسملة في أوائل سور القرآن -ما عدا براءة- مكتوبة في المصحف الإمام القطعي المتواتر الذي وزع الخليفة الراشد- عثمان بن عفان نسخًا منه على الأمصار برأي الصحابة وإجماعهم: ثم إجماع الأمة على ذلك من بعدهم وكذلك هي مكتوبة في
جميع المصاحف المتواترة في الشرق أو في الغرب إلى يومنا هذا: ثم أن القراء اجتمعوا على ذلك فلم يشذ منهم أحد وحسبنا هذا دليلا على أنه يجب على المصلي أن يقرأ- بسم الله الرحمن الرحيم- عندما يبدأ قراءة الفاتحة في الصلاة ولا حرج عليه أن يجهر أو يسر بها في الصلاة الجهرية وليدع وراء ظهره اختلاف العلماء في كونها من الفاتحة أوليست منها فهي على أي حال أية قرآنية وكفى: وقد فند ابن القيم مجموع الروايات التي أصبحت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وبدا على طاهرها تعارض بشأن قراءة البسملة في أول الفاتحة أثناء الصلاة أو عدم قراءتها ثم خرج إلينا بالنتيجة التالية وهي: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في الصلوات الجهرية عند قراءة الفاتحة يجهر ببسم الرحمن الرحيم تارة ويخفيها أكثر مما جهر بها. وهذا هو القول الفصل في الجمع بين الروايات الصحيحة في هذه المسألة والخلاصة أنه يجب على كل مصل كلما قرأ الفاتحة في الصلاة أن يقرأ البسملة في أولها: ويجهر بها أو يسر في الصلاة الجهرية أو يجهر بها تارة ويسر أخرى كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل والله الموفق.
والآن ننتقل إلى حكم التأمين عقب الانتهاء من قراءة الفاتحة في الصلاة.
- يندب لكل من الإمام والمأموم التأمين عقب الفاتحة
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال- إذا أمن الإمام فأمنوا فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه- وقال ابن شهاب- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: أمين رواه الجماعة وفي رواية- إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا: أمين: فإن الملائكة تقول: آمين : حتى يسمع من يليه من الصف الأول رواه أبو داود وابن ماجه. وقال حتى يسمعها أهل الصف الأول فيرتج بها المسجد، وعن وائل بن حجر قال - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ: غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال: آمين: يمد بها صوته (رواه أحمد وأبو داود والترمذي) وهذه الأحاديث كلها صحيحة وأخرجها غير من ذكر وزاد أبو داود في الأخير منها- ورفع بها صوته- قال الحافظ بن حجر: وسنده صحيح.
وقال الشوكاني- في نيل الأوطار- عند شرح حديث أبي هريرة الأول والحديث يدل على مشروعية التأمين
وقال الحافظ: وهذا الأمر عند الجمهور للندب. وحكى بعضهم وجوبه تظاهر الأمر. وأوجبته الظاهرية على كل من يصلي.
والظاهر -والله اعلم- من الأحاديث أن التأمين مندوب للإمام والمنفرد واجب على المأموم إذا أمن الإمام .
والله اعلم.
- ما ينبغي تدبره واستحضاره من معاني الفاتحة في الصلاة-
إذا وقفت -أيها الأخ المسلم- في الصلاة فوجه قلبك فيها إلى استحضار معاني كل ما ينطق به لسانك من ذكر أو تلاوة. فإذا قلت عند افتتاح الصلاة -الله أكبر- فأشعر قلبك عظمة الله وكبرياءه وأنه تعالى أعظم من كل عظيم وأكبر من كل شيء فلا يصح أن يشغلك عنه تعالى- وأنت بين يديه في الصلاة- أي شيء سواه.
وإذا قرأت دعاء الاستفتاح فلا تشغل نفسك بغير معناه ومعناه واضح ظاهر إذا استعذت بالله قبل القراءة وبعد دعاء الاستفتاح عملًا بعموم قوله تعالى- ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾(سورة النحل 98)فتصور أنك بهذه الاستعاذة تلجأ إلى الله تعالى تعتصم به من وسوسة الشيطان الشاغلة عن الصلاة وما يجب فيها من التدبر والخشوع والإخلاص لله تعالى
وإذا قرأت البسملة فحسبك من معناها- أنني أصلي بسم الله والله الذي شرع الصلاة وأقرني عليها ووفقني لأدائها- الرحمن الرحيم- ذي الرحمة العامة التي وسعت كل شيء، والخاصة بمن شاء من عباده الصالحين وإذا قلت -الحمد لله رب العالمين- فيكفيك منها أن تستحضر في قلبك أن كل ثناء جميل فهو لله تعالى استحقاقًا وفعلًا من حيث إنه رب العالمين وخالقهم ومدبر جميع أمورهم. وإذا قرأت - الرحمن الرحيم- فحسبك منها- الرحمن في نفسه الرحيم بخلقه-. فإذا قلت -مالك يوم الدين- كفاك منها- ذي الملك والتصرف دون غيره يوم محاسبة الخلق ومجازاتهم على أعمالهم فلا يرجى في هذا اليوم أحد غيره ولا يخشى سواه.
وإذا قرأت – إياك نعبد- فانظر من تخاطب؟ أنك تخاطب رب العزة والجلال فيجب أن تكون صادقًا معه وملتزمًا بما التزمت به بين يديه وهو أن تعبده وحده وأن تدعوه وحده وأن تتوجه إليه وحده.
وإذا قلت- أياك نستعين- فحسبك منها- نطلب معونتك وحدك على عبادتك وعلى جميع شئوننا بالعمل بما منحتنا من الأسباب المادية والمعنوية وبالتوكل عليك وحدك عند العجز عنها.
فإذا قرأت -اهدنا الصراط المستقيم- فاستحضر من معناها دلنا يا الله وأوصلنا بتوفيقك ومعونتك إلى طريق الحق والهدى الذي لا عوج فيه ولا زلل.
وإذا قلت- صراط الذين أنعمت عليهم- فحسبك منها- أنعمت عليهم بالإيمان الصحيح والعمل الصالح وثمرتها وهي سعادة الدارين- وتذكر على سبيل الإجمال المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وان حظك من الهداية لصراطهم إنما يكون بالاقتداء بهم في الدنيا ومرافقتهم في الجنة وحسن أولئك رفيقًا.
وإذا قلت -غير المغضوب عليهم- فتذكر أن الله غضب عليهم بسبب إيثارهم الباطل على الحق وترجيحهم الشر على الخير وأول هؤلاء هم اليهود غضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم عذابًا عظيمًا.
فإذا قلت- ولا الضالين فاستحضر في قلبك أنهم الضالون عن طريق الخير ولحق بجهلهم. وإنهم الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا وأول هؤلاء هم النصارى.
نصيحة
نصيحتي إلى كل قارئ وقارئة -للقرآن أو الفاتحة- في الصلاة أو غيرها أن يقرأ على مكث وتمهل بخشوع وتدبر وأن يقف على رؤوس الآيات اقتداء بمن أنزل عليه القرآن -صلى الله عليه وسلم-. وأن يعطي القراءة حقها من التجويد وإخراج كل حرف من مخرجه مع اجتناب التكلف والتمطيط في النغم المجافي لآداب القراءة وحرمة القرآن.
واعلم أيها القارئ العزيز أن قراءة آية واحدة مع التدبر والخشوع وحسن الفهم خير لك من قراءة القرآن كله مع الغفلة وعدم الخشوع. هذا ومما أثبته التجربة أن تغميض العينين في الصلاة يثير الخواطر والأفكار ولذلك كرهه جمهور العلماء ولكن إذا وجدت في تغميض عينيك عونًا لك على الخشوع والتدبر فلا بأس.
وأعلم أيضًا أن رفع الصوت المعتدل في الصلاة الجهرية -ولا سيما صلاة الليل- يطرد الغفلة، ويوقظ راقد الخشية. وإن إعطاء كل أسلوب حقه من الأداء مع موافقة النغم للمعنى يعين على حسن الفهم ويساعد القلب على الخشوع والعين على البكاء من خشية الله.
- وبهذا قد انتهينا أيها السادة من سلسلة حديثنا عن الفاتحة توحيد وشريعة وسلوك وسنقدم لكم إن شاء الله في الأسبوع القادم في رحاب القرآن أولى حلقات السلسلة الثانية وهي بعنوان: -
- نور من النور- والله الموفق والمستعان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل