; في غيبة المناخ الإسلامي تولد الجريمة | مجلة المجتمع

العنوان في غيبة المناخ الإسلامي تولد الجريمة

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 05-سبتمبر-1972

مشاهدات 10

نشر في العدد 116

نشر في الصفحة 14

الثلاثاء 05-سبتمبر-1972

حين تولد، وحين تحبو، وحين تشب عن الطوق قليلًا فقط في هذه المراحل يمكن أن تعيش في عالم «البيولوجيات» لكن حين يرتفع بك الرشد، وحين تكتمل لديك أدوات الرؤية، وحين تتحرك في أحشائك، وأعماقك ومشاعرك أدوات الحركة الإنسانية المندفعة نحو الإشباع الباحثة - حتمًا - عن التفريغ والانطلاق في هذا الوقت لابد من تعامل معك على نحو آخر، على نحو ليست الحاجات البيولوجية إلا أحد مصارفه ومعالمه، لكنها ليست، ولا يمكن أن تكون، كل متطلبات السير في الطريق.
لروحك الحالمة المنطلقة متطلباتها، وإنسان بلا روح هو الوجه الآخر للعملة الحيوانية.
ولضميرك متطلباته، وإنسان بلا ضمير هو الصورة البدائية لإنسان الغابة آكل العشب والباحث عن النار، والذي لم تقلم أظفاره حضارة ولم تهذبه أدیان.
ولعقلك متطلباته وغذاؤه وإنسان بلا عقل هو نوع من الجماد، لأنه، حتى الحيوان يملك نوعًا من العقل الفطري يستطيع به أن يميز بين الماء والنار، وبين العشب والتراب.
ومشاعرك - كذلك ـ لهـــــــــا متطلباتها، وإنسان بلا مشاعر هو - كذلك ـ صخرة قابعة في صحراء مقفرة، لأنه، حتى الحيوان، يملك بعض المشاعر الفطرية التي بها يحنو على صغاره، ويفديهم بنفسه إن تطلب الأمر، ويبحث لهم - بجهد شاق - عن الماء والغذاء.  
فلنتصور إنسانية تمشى على دربها مقفرة من الروح، مقفرة من الضمير، مقفرة من العقل، مقفرة من المشاعر.
لنتخيل هذه الإنسانية التي يعلمونها اليوم أن حياتها معادل اقتصادي لكذا من السعر الحراري، ولكذا من البيولوجيات
نعم لنتصور هذه الإنسانية التي يعلمونها أن حركة التاريخ تسير خلف حركة التطور الاقتصــــــــادي «صراع» الطبقات، و «دموية» الانقلابات، وأنها - في تحليلها الأخير - غابة فسيحة يفوز فيها أشد الحيوانات شراسة وخسة وخبثًا ونفاقًا   وأشدهم خلوًا من الروح والضمير والعقل والمشاعر الإنسانية.  
هكذا وصل قطار الحضارة بجناحيها الشرقي والغربي إلى محط الاستسلام وهكذا يجب أن نتصور الإنسان الذي قدر عليه أن يتنفس في مناخ هذه الحضارة، وأن تزكم أنفه في كل صباح ومساء روائحها هذا الإنسان الذي جرد من روحه وعقله وضميره ومشاعره.    
أكان لابد للإنسان في سبيل أن يركب الطائرة وأن يتمتع بالراديو والشاشة المرئية والهاتف والمكيف، أن يدفع كل هذا الثمن    
ألم يكن في الإمكان السير في طريق التقدم على نحو آخر يحقق كل هذه الإنجازات ولا يفقد الإنسان في الطريق كل هذه الضرورات اللازمة لتحقيق معنى حياته ومعنى إنسانيته.
إن أحدًا من هؤلاء الذين يملكون شيئًا في توجيه مصائر العالم، لم يحاول يومًا أن يسأل نفسه هذا السؤال أو يبحث بالتالي عن إجابة له، وعن طريق آخر لمسيرة التقدم الإنساني.
ذلك لان هؤلاء الذين أصبحوا يملكون، لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه، إلا بعد أن فقدوا أنفسهم، وأصبحوا تروسًا في عجلة الحضارة القاتلة.  
وبدلا من قليل من التفكير انطلقوا كالمجانين يتبعون أية إشارات ساذجة على الطريق   فهناك من يقول «الكبت» أو بالتالي لتكن الحياة جحيمًا من الإباحية الخلقية
وهناك من يقول «الصناعة» وبالتالي لنفقد كل قيم الجمال في الحياة، ولنتحرك بهائم سائمة ترعى العشب الصناعي وهناك من يقول «السباق والتقدم» وبالتالي لنطرح خلفنا كل منجزات التاريخ، ولنترك دروس العبرة التي قدمتها لنا مسيرة السابقين.  
ومشت قافلة الإنسان الحديث على هذا النحو الجنوني.    
حتى وصل إلى محط «الجريمة»
الجريمة والشذوذ ومظاهر العبث ومحاولات الخروج عن المألوف بشكل غير إصلاحي 
وإبراز الذات من خلال مظاهر مختلفة، والانطلاقة الفردية نحو تحقيق كل ما تطلبه النفس والغرائز حتى ولو دمــر الآخرون. 
هذه المظاهر المختلفة للجريمة هي - المحط - الضروري لعالم فقد روته وضميره ومشاعره وعقله وترك قيادته للغرائز البيولوجية وحدها، وافتقر إلـــــــى كـل الإشباعات الأخرى التي تحتاجها فطرته المتعددة النواحي.
لتكن الجريمة شاذة بعيدة عن كل معاني الإنسانية لا يهم لتكن مع طفلة بريئة لم تفتح عينيها بعد على معنى الحياة لا يهم لتكن مع طفل برئ كان من الممكن أن يكون قائدًا لأمته في الدين أو السياسة أو العلوم لا يهم
المهم الإشباع تحطيم القيود التي لم يتح لها الانطلاق عبر مناخ حضاري صاف شامل تهيمن روحه على روح الحضارة وحين كنا سادة الحضارة لم يكن شرطًا أن يدخل كل الناس في ديننا فسنة الله أن يبقى الناس مختلفين إلا من رحم ربك 
لكن المهم أن حضارتنا كانت تنتشر انتشار الروائح الذكية في العالم   تقود الإنسان إلى إنسانيته تعلمه أنه فوق الحيوان تهدهد خطاه على درب مليء بكثير من اليقين وكثير من التوازن لكن ما إن ضعنا حتى خسر العالم بانحطاطنا الكثير خسر ذاته   وخسر إنسانيته.  
ووصل في قطار حضارة آلية مجنونة مترهلة إلى «محط» الجريمة
في الولايات المتحدة تجاوزت الجريمة أكثر من عشرة أضعافها في السنوات الأخيرة   وأصبح معدل الجريمة   جريمة قتل كل دقيقة سرقة مسلحة كل دقيقتين جريمة اغتصاب كل عشرين دقيقة. 
جرائم دون اغتصاب أي بالتفاهم بين المجرمين على حساب الأسرة والمجتمع البشري، تتم دون أن يمكن حصرها.    
والعنف المنظم جزء لا يتجزأ من العلاقات الاجتماعية في هذا المجتمع  
ومن الملحوظ أن جرائم القتل الحادة تكثر بين الشبان من سن ١٥ إلى ۲٥   أي هؤلاء الذين تتضخم لديهم الطاقات الباحثة عن الإشباع دون أن يجدوا متنفسًا حقيقيًا سليمًا للتفريغ.
وفي روسيا تعتبر الحياة كلها جريمة فالأسرة مفقودة بالمعنى الطبيعي للأسرة  
والإنسان آلة لا تحس بحركتها الذاتية، ولأنه لا يستطيع التفريغ في المجتمع الحديدي فهو يقوم بالتفريغ في ذاته وفيمن حوله وأخيرًا طالب الروس بمزيد من حرية الاستهلاك   بمزيد من الحرية - التي لم تكن موجودة أصلًا - لأنهم بدأوا يبحثون عن أنفسهم بعد سجن أكثر من نصف قرن   وهم - وبعدهم الصينيون - سيصلون إلى نفس «المحط» لأنهم - بالطبع لا يحتمل أن يسيروا في - طريق – الإسلام والحضارة الحقيقية.
وفي ألمانيا تضاعفت جرائم القتل الناري عشرة أضعاف، وفى سنة ١٩٦٩ سجلت إحصائيات الإجرام أكثر من ألفي جريمة قتل، وفي عام سبعين وصلت إلى ألفين وخمسمائة، وفي عام ٧١ وصلت إلى ثلاثة آلاف والزيادة مضطردة.
وفي بريطانيا ارتفع إحصاء الجريمة في السنوات الأخيرة من ١٥٧٥٩ إلى ٤١٠٨٨ سنة ۱۹۷۰ ۰۰۰ وربما وصلت الآن إلى خمسين ألفًا، وجرائم السطو ارتفعت في عامين لتبلغ نصف مليون جريمة.
وفي فرنسا زادت نسبة الجريمة ٣٢ بالمئة لا سيما عمليات السطو المسلح
ولا مجال للاستطراد.  
فالنتيجة سيئة للغاية تنبئ بمستقبل مظلم للإنسان.  
الإنسان المجرد من الروح والضمير والعقل والإحساس لأنه - وهذه هي الحقيقة الأبقى والأخلد لأنه «بدون مناخ إسلامي تهيمن روحه على الحياة لا يوجد بديل إلا عالم الجريمة»
 

الرابط المختصر :