العنوان قادة الحركة الإسلامية في باكستان ينعون رائد الحركة الإسلامية في الشرق الأوسط
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 15-يناير-1974
مشاهدات 12
نشر في العدد 183
نشر في الصفحة 18
الثلاثاء 15-يناير-1974
إعداد: دار العروبة للدعوة الإسلامية - لاهور - باکستان
في غاية من الحزن، فوجئنا بنبأ وفاة الأستاذ حسن الهضيبي، بواسطة جريدة «المجتمع» الكويتية، واستغربنا وصول هذا النبأ، بعد وفاة الأستاذ الجليل بأسبوع تقريبًا.
ياللصحافة العربية!! لا تدع أي نكرة يموت في ركن مهمل من أركان الأرض، إلا ونشرت خبر موته في أعمدة مثيرة وصفحات بارزة.
ولكنها لم تعر عنايتها -ومن یرد الله به خيرًا يسلبه التوفيق- ولم تهتم بوفاة رجل ينطبق عليه تعبير سيدنا المسيح عليه السلام «ملح الأرض»، أو تعبیر شاعر عربي «بنیان قوم»، أو المثل السائر عندنا: «موت العالِم موت العالَم».
نعم إن الموقف الذي وقفته الصحافة العربية من هذا الحادث، موقف لا يستثنى منه حتى الصحف التي كنا نظن فيها خيرًا، والتي تدعي «بتمثيل الإسلام»، اللهم إلا صحيفة «المجتمع» الكويتية و«الشهاب» البيروتية.
فنقدم إليهما -ومشاعر الامتنان تملأ القلب- بأصدق عبارات التقدير والاستحسان والحب والولاء، لما رأينا فيهما من همة عالية وروح سامية، في الجهر بالحق والجهاد في سبيل الله، دون أن تخافا لومة لائم أو قسوة باطل، أو لطمة تيار من التيارات المعادية، حتى في أحلك الأيام وأمرها، وسوف يحنو عليهما مؤرخ المستقبل إكبارًا لهذه الجرأة، وتقديرًا لهذا الدور. ويصدق عليهما قول الشاعر الهندي غالب: لم يبرز إلى الحلبة سوى قيس، فهل كانت البادية عقيمة ضيقة أو ضيق عين الحسود إلى هذا المدى؟!
لقد هزت هذه الفاجعة الإسلامية الكبيرة المسلمين في باكستان عامة، ورجال الحركة الإسلامية خاصة، حزنت لها القلوب ورقرقت لها العيون: عيون الشباب والشيوخ والفتيات والسيدات. فهل يعبر قولنا: بأن الأستاذ الهضيبي قمة شاهقة من قمم العقيدة والسلوك، ومثال رائع من الخلق والجهاد، عن عظمة دور الهضيبي في الحياة؟ كلا!! إن هذه العبارة لا تغطي ما يستجيش في القلوب من عواطف ومشاعر، ولأتصور ما وصل إليه الأستاذ الهضيبي من الاستعلاء في الإيمان، والسمو في العقيدة والسلوك. ودعنا نترك هذا الأمر لمؤرخ المستقبل، لكي يكشف لمعاصريه عمل الهضيبي وجهاده وصموده، وليس لنا إلا أن نقول ما قاله الشاعر الفارسي الحافظ الشيرازي ومعناه بالعربية:
«لن يموت من حيا قلبه بحرارة الشوق، شوق الحقيقة مع الهدف والغاية» لأنه نقش على صفحة التاريخ خلود هذا الطراز من الرجال، كنقش العبارة على الحجر.
● وعقدت الجماعة الإسلامية مركزها العام بلاهور، حفلة تكريم الأستاذ حسن الهضيبي، ألقى فيها رجال الجماعة كلمات ملأها الحزن والأسى، وأحاديث تناولت جهاد الإخوان المسلمين، ومواقف الهضيبي، وخطبًا تضمنت تقدير هذا الرجل العظيم وصموده، وإبائه أمام الطواغيت، فما كان لعين إلا لتفزر دموعًا.. وما كان لقلب إلا أن يتفتت حزنًا.
وبدأت الحفلة بتلاوة آي من الذكر الحكيم، تلاها المقرئ الشيخ معین الدین «من داكه - باكستان الشرقية» من آية ﴿وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ كِتَٰبٗا مُّؤَجَّلٗاۗ﴾.. إلى آخر آية ﴿فََٔاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا وَحُسۡنَ ثَوَابِ ٱلۡأٓخِرَةِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ﴾.
ثم قام الشيخ كلزار أحمد «الأمين العام لجمعية اتحاد العلماء»، وأعرب عن مشاعره الجياشة نحو هذا المصاب الجلل قائلًا:
إن الأستاذ المرحوم كان منارًا للهداية، اهتدى به الملايين من الشباب المسلم، لا في الشرق الأوسط بل في العالم كله، من خلال مواقفه البطولية الرائعة، ومن خلال صموده الذي جدد تاريخ الأبطال من الأسلاف الصالحين، إنه المسلم الذي أعاد إلى الإسلام کرامته ومجده، بمواجهة المحن القاسية والمتاعب المتلاحقة، بصبر كصبر بلال وباستقامة كاستقامة أحمد بن حنبل، وبرحبة صدر كرحبة صدر ابن تيمية. وقد سار المرحوم في حياته مسلكًا جعل من موته حياة خالدة، تكون للأجيال أسوةً يحتذى بها، ومثلًا يتبع.
إنه المسلم الذي جعل مصباح الحق، الذي كان الشهيد حسن البنا وزملاؤه الأجلاء -كعودة وفرغلي وطلعت- أشعلوه بدمائهم ومهجهم، جعل ذلك المصباح يواصل إضاءته وبث نوره، باستقباله أنواع المحن وألوان المتاعب وبثغرة باسمة ووجه طلق.
واستطرد الشيخ كلزار قائلًا: لا يربطنا بالمرحوم أواصر الجنس أو اللسان، أو التراب أو المصلحة المادية، بل الرباط الذي يربطنا به هو رباط الإيمان وآصرة الروح، التي لا تعرف الانفصام والتي تهون في سبيلها كل الروابط المادية.
ومن روائع هذه الروابط، أننا اليوم نشعر في قلوبنا بموت المرحوم، نفس ما يشعر به إخوتنا في مصر والبلاد العربية الأخرى من حزن وأسى. وقال: إن المرحوم برهن برفضه متاع الحياة الدنيا من منصب وسلطان ومن ذهب وفضة، وبتقلده مسئولية لا تجلب إلا المحنة والبلاء: مسئولية قيادة الحركة الإسلامية، تجاه الحركات الهدامة وتجاه الطواغيت، برهن بذلك أن المؤمن الحقيقي الذي عبأ الله قلبه بنور من جلاله وحبه، لا يكترث بشيء في الدنيا غير مرضاة الله. وكل همه أن يرى راية الإسلام مرفوعة فوق سائر الرايات، وقارن الشيخ كالزار أحمد بين ما تم على أيدي حركة الإخوان المسلمين، من بعث إسلامي رائع في البلاد العربية، وما تحقق من جهاد إسلامي مليء بالبطولات والروائع، في معارك فلسطين وقناة السويس، وما تحمل زعماء الحركة في سبيل الدعوة والجهاد من آلام ومتاعب، بدءًا من الشهيد البنا إلى حسن الهضيبي والشهيد سيد قطب، قارن بين ذلك وبين ما قام به الأستاذ أبو الأعلى المودودي، مؤسس الحركة الإسلامية في القارة الهندية الباكستانية، من حركة قوية لإحياء الإسلام وتطبيق نظامه ،وما لقي من المتاعب والمحن في هذا السبيل.
ثم خلص إلى أن الدعوة التي دعا إليها الإخوان المسلمون هي نفس الدعوة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، كما أن دعوة الإخوان هي نفس الدعوة التي تجاهد لأجلها الجماعة الإسلامية.
ولذلك إن كل ما يصيب إخواننا المسلمين في البلاد العربية من ألم وأذى، من الطبيعي أن نشعر نحن كذلك بمرارته وأثره. وفي الختام دعا الشيخ كلزار للمرحوم بمغفرة من الله ورضوانه، ودعا لذويه ولأتباعه بالصبر والسلوان.
● وتبعه الأستاذ ظفر أحمد الأنصاري «عضو البرلمان المركزي»، وأشار في كلمته القصيرة إلى لقاءاته مع المرحوم الهضيبي، إلى ما قبل عشرين سنة، وكيف أن المرحوم بذل جهدًا جبارًا، في القضاء على الفتنة التي حاول بها الخصوم تمزيق صف الجماعة.
● ثم ألقى الأستاذ خليل أحمد الحامدي «مدير دار العروبة للدعوة الإسلامية» مقالًا مفصلًا، تناول فيه ترجمة حياة المرحوم، وقسمها إلى ثلاثة أقسام:
- الهضيبي كقاض مسلم لا يؤمن إلا بشريعة الله.
- والهضيبي كقائد جريء، يقود سفينة الحركة الإسلامية، في لجج من المشكلات والأزمات والمصاعب، لا يضعف ولا يستكين.
- والهضيبي كأسیر صابر، ضرب مثلًا رائعًا من الصبر والمصابرة، والتمسك بالمبدأ تحت وقع السياط.
وعلى كلٍّ، إن هذا المقال كان محاولة ناجحة، لعرض جهاد الهضيبي المرير في سبيل إعلاء كلمة الحق وإعادة كرامة الإسلام. وقد بادرت الصحف الباكستانية لنشر هذا المقال مزينًا بصور الهضيبي في المناسبات العديدة، كجريدة «جمهور» اليومية، وجريدة «وفاق» اليومية، وجريدة «زندكي» الأسبوعية و«آسيا» الأسبوعية، و«آئين» الأسبوعية، و«بيباك» الأسبوعية، وما إلى ذلك من الجرائد في لاهور وكراتشي وراولبندي.
● ثم قام الأستاذ طفیل محمد «أمير الجماعة الإسلامية في باكستان»، وأشاد بدعوة الإخوان المسلمين، وجهادهم لتحرير فلسطين، وتحقيق الجلاء، وكفاحهم لأجل إحياء الإسلام، وتطهير المجتمع من شوائب الجاهلية والنفاق، ومحاولاتهم في إنقاذ الشباب العربي من الخليج إلى المحيط، من جاهلية القرن العشرين.
وقال:
ما قامت به جماعة الإخوان المسلمين تحت قيادة مؤسسها الإمام البنا، وتحت قيادة الشيخ حسن الهضيبي وزملائهما الأكارم، هو حلقة متصلة من الحركات الإصلاحية، التي نشأت في مختلف عصور التاريخ الإسلامي، متمثلة في جهود الأئمة والفقهاء، والمصلحين والمجددين، والمجاهدين في أقصى العالم الإسلامي إلى أقصاه، وأشاد الأستاذ طفيل محمد، بدور الشيخ الهضيبي بصفة خاصة في هذا المضمار، وشبهه في الوقار والاتزان بالإمام أبي حذيفة، وفي حماسة الملتهب والغيرة على الإسلام بالإمام ابن تيمية، وفي قيادته الحكيمة بالقائد الإسلامي المعروف صلاح الدين الأيوبي، وفي تحمله المشاق والآلام بالإمام الممتحن أحمد بن حنبل. وأضاف قائلًا إن الأستاذ الهضيبي، عرض بمواقفه الحاسمة على الحركات الإسلامية المعاصرة، نموذجًا أعلى للتضحية والفداء، والثبات على العقيدة ونزاهة السلوك، وسمو الأخلاق ورحابة الصدر، والجهر بالحق دون الاكتراث بالنتائج، ومواصلة الدعوة إلى الله، حتى في زنزانات السجون وظلمات المعتقلات. وقال: إن هذا الدور العظيم، الذي نرى الشيخ الهضيبي يؤديه في سبيل الإسلام وأمة محمد صلى الله عليه وسلم، يجب أن يدرسه كل من ينسب نفسه إلى الدعوة الإسلامية، ويدعي العمل لأجلها، ليفهم جيدًا أن الطريق الذي يريد أن يسلكه، ليس طريقًا مفروشًا بالورود والأزهار ومتع الحياة الدنيا، بل هو طريق محفوف بالأشواك والمكاره، وليفهم جيدًا معالم هذا الطريق، ومسئوليات هذا الطريق كما قال الشاعر الهندي غالب: «الذي يحرص على الحياة ويحب النفس، لا يدخلن حي الحبيب أبدًا».
وفي ختام الكلمة، ناشد الأستاذ طفيل محمد، رجال القانون والقضاء بصفة خاصة، دراسة الشيخ الهضيبي ليعرفوا كيف أن الرجل كان يعيش عيشًا رغيدًا، ويكسب دخلًا كبيرًا، ويتقلب في فرش الحرير والسنجاب، ضحى بكل ذلك في سبيل الدعوة التي اقتنع بها، ولأجل إقامة دولة العدل والقانون، حيث تخلى عن حياة النعمة والرغادة والدعة والرفاهية، إلى حياة الجد والكد والتقشف والمحنة، حياة باطنها فيه الرحمة، وظاهرها من قبله العذاب. فهل من دارسي القانون وطلاب الحقوق وأصحاب القضاء عندنا من يتخذ طريق الهضيبي سبيلًا، ويرضى بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا، ثم لا يبالي في أي شق في الله يكون مصرعه؟؟ وختم الأستاذ طفيل كلمته الملتهبة بدعاء من الله سبحانه وتعالى، أن يتقبل جهاد الهضيبي وجهاد زملائه، ويعلي درجاته في جنات الفردوس، ويجعله كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون.
● وأخيرًا جاء دور سماحة الأستاذ الكبير، مؤسس الحركة الإسلامية في القارة الهندية الباكستانية، المجاهد الجليل «أبو الأعلى المودودي» وبدأ كلمته وهو جالس على الكرسي، من مرض لا يسمح له بالقيام قائلًا: الحمد لله العلي العظيم، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وأصحابه أجمعين: وبعد إخواني الأعزاء..
من المصادفات التاريخية الرائعة، أن الأيام التي بدأ فيها الأستاذ الشهيد حسن البنا رحمه الله، بحركة البعث الإسلامي في مصر، هي نفس الأيام -على وجه التقريب- التي قامت فيها الحركة الإسلامية، في القارة الهندية الباكستانية. وليس هناك فرق بين عمر الحركتين إلا يسير جدًا، يكاد لا يتجاوز سنتين، أما العصر الذي واجهته الحركتان فهو متجانس تمامًا.
ثم بقينا لا نعرف عن الإخوان شيئًا، ولا يعرفون عنا شيئًا لسنوات عديدة، رغم وحدة الهدف ووحدة الطريق، وبعد أن مضى على هذا الوضع مدة من الزمن، قرع أسماعنا صوت بليغ، يأخذ بمجامع القلب وينفذ إلى سويدائه، فالتفتنا إليه فإذا هو صوت الإمام الشهيد حسن البنا، ببيانه القوي وأسلوبه المشرق وحلاوته الربانية، وإذا مصدره القاهرة التي كانت ترزح حينذاك، تحت نير الحكم الملكي المستبد، والاستعمار الإنكليزي الغاشم، وأدركنا أن هذا الرجل الملهم أنشأ حركة باسم: «الإخوان المسلمون» التي تعمل لنفس الغايات والمبادئ، التي تعمل لها الجماعة الإسلامية في القارة الهندية الباكستانية. كما أن الإخوان كذلك أدركوا بعد فترة من الزمن، دعوة الجماعة الإسلامية وأهدافها وآمالها. ثم تلاقت الدعوتان، وتعارفت الأرواح، وتجانست القلوب، وتوثقت عرى الألفة والتعاون، وتوحدت الآمال ولا شيء يفصل بينهما إلى اليوم، من ناحية الغاية والهدف، ومن حكمة الله البالغة، وقدره المقدور أن نال مؤسس حركة الإخوان المسلمين ومرشدها الأول: حسن البنا الشهادة في سبيل الله. ثم جاء مرشدها الثاني وقام بواجبه أحسن القيام، وها قد لقي ربه أخيرًا.
أما الذي أنشأ الحركة الإسلامية في القارة الهندية الباكستانية فهو باق على قيد الحياة، ليتحمل آلام فقدان زميليه الجليلين، أسكنهما الله فسيح جناته، ونحن الآن في صدد رثاء الشيخ الهضيبي، والعين تدمع والقلب يحزن وإنا بك أيها الشيخ الهضيبي لمحزونون.
● وللأسف البالغ أن الذين يقدرون حركة الإخوان المسلمين وخدماتها حق التقدير، هم قليلون جدًا في بلادنا، لأن الدعاية التي قامت بها القوى المعادية للإسلام ضللت الكثير من الناس. ولكن أولئك الذين عرفوا بهم جيدًا، هم يعلمون -علم اليقين- أن العمل الإسلامي الذي تم في الفترة الأخيرة في البلاد العربية بصفة خاصة، وفي الدول الأخرى بصفة عامة، والجهود التي بذلت فيها لبعث الوعي الديني والخلقي، ولتبصير المسلمين: عامتهم وخاصتهم، بالإسلام الصحيح، كل هذه كانت ثمرة جهاد الحركة الإسلامية، التي أنشأها الأستاذ الشهيد حسن البنا، ونماها الأساتذة حسن الهضيبي، وعبد القادر عودة، وسيد قطب رضي الله عنهم.
● أيها الإخوة الكرام.. لو قدر لأحدكم أن يتجول في العالم العربي، لرأى بأم عينيه من الخليج إلى المحيط، أن أي رجل يتحمس للإسلام ويعض عليه بنواجذه، ويتمتع بالفهم الإسلامي العميق والغيرة على دين الله، والسلوك الإسلامي الحميد، فهو من الإخوان المسلمين، ينتمي إليهم أو يتأثر بدعوتهم أو على الأقل له صلة بهم. حتى في أمريكا وأوروبا، كل أولئك الذين تراهم مشبعين بروح الإسلام من الشباب العرب، معظمهم من أتباع هذه الحركة. إلى أن صارت «الإخوانية» -إن صح هذا التعبير- رمزًا للإسلامية. فأيما رجل التقت فيه الثقافة الحديثة بالتدين، اعتبره الناس بدون بذل الكثير من الذكر، أنه أخ من الإخوان ملتزمًا أو منتسبًا أو متأثرا أو مستفيدًا، ولهذا عندما أصيبت بعض البلدان العربية بداء اللادينية، والقومية والأنظمة الأخرى المعادية للإسلام، أصبح الأمر فيها أن كل شاب رؤي يتجه إلى الجامع، ويصلي بانتظام، لاحقته المباحث وطاردته. ولقد كان من فضل الله تعالى على البلدان العربية كبيرًا، إذ بدأت حركة الإخوان في هذه المرحلة من التاريخ، التي أخذت فيها البلدان العربية تصاب بأدواء العلمانية والقومية والانحلال الخلقي، ولا ندري ماذا سيكون أمر هذه البلدان بعد كل ذلك، لو لم يقدر الله لحركة الإخوان أن تبرز إلى الوجود، وتمسك بالموقف، وتقف في وجه التيارات المدمرة لكل قيمة فكرية أو خلقية.
● وفي هذه المناسبة، من الجدير بالإشارة إلى أنه ما قبل ۲۵ أو ٣٠ سنة، عندما كانت حركة باكستان في قمة النشاط، فإن جميع أولئك الذين كانوا متعرين من الشعور الإسلامي، أو المتحمسين للقومية والعلمانية في البلاد العربية، كانوا من مؤيدي «المؤتمر الوطني الهندي»، وزعيمه «المهاتما غاندي» الذي كان يحارب فكرة قيام باكستان، ففي هذه الدوامة العاتية من الأفكار الزائفة، والدعوات المنحرفة، كان الإخوان المسلمون هم الوحيدون في تأييد فكرة باكستان والدعوة إليها.
بل هم لا يزالون يناصرون باكستان في الملمات، ويدافعون عنها في كافة المجالات.
لا نزال نذكر كلمة الدكتور مصطفى السباعي -رحمه الله- في إحدى المؤتمرات الإسلامية: باكستان لا تحتاج إلى تعيين سفرائها في البلاد العربية، فإننا معشر الإخوان نعتبر أنفسنا سفراء لبکستان: الدولة التي قامت على الإسلام. ومع هذا فقد كان غريبًا، أنه عندما تتابعت على الإخوان حلقات متصلة من الاضطهاد والتنكيل، لم نر هنا إلا قلة من الناس تعاطفت معهم، وتألمت بآلامهم، وأغلب الناس قد تضللوا بدعاية الأعداء من افتراءات ملفقة، واتهامات كاذبة ألصقت بهم. وعندما صبت على الإخوان تلك الضربات القاسية، الضربات التي اقشعرت منها الجلود، وتندى لها جبين الإنسانية، حيث ذهب ضحيتها خيرة قادتهم وخيرة شبابهم، لم يفقد هذا البلد -باكستان- من حبذ هذه الإجراءات، وبارك القائمين بها.
● وندعو الله تعالى بإخلاص وصدق، أن يغمر الله تعالى الشيخ حسن الهضيبي بفضله وحنانه، وأعلى درجاته في جنانه، ويجزل مثوبته لما قام به من تضحيات وخدمات، وينتقم -بمحض عدله- من الذين اضطهدوه واضطهدوا زملاءه طيلة عشرين سنة، ويكتب للإخوان أجرًا حسنًا لما صبروا واستقاموا، وتحملوا من المصاعب ما لا يتصوره الإنسان، وخدموا الحركة الإسلامية في غياهب السجون والمعتقلات.
● وندعو الله تعالى أن يعلي درجات المجاهدين من الإخوان، الذين قاتلوا اليهود في حرب فلسطين، فاستبسلوا وقاموا ببطولات رائعة، حتى أصبح اليهود وأعوانهم، لا يخافون من الجيوش المصرية وجيوش الدول العربية، كما خافوا هؤلاء المجاهدين الأبطال. فالذين نالوا الشهادة في هذه الحرب، نسأل الله أن يتقبل شهادتهم، والذين جاهدوا وحققوا ما عاهدوا الله عليه، أعطاهم خير ما يجزي به عباده المجاهدين.
● نسألك اللهم أن ترفع درجات الإمام حسن البنا في الملأ الأعلى، وأن تجعله من المقربين لك. لأن هذا هو المجاهد الذي أنشأ حركة الإخوان الإسلامية، وغير مجرى حياة ألوف مؤلفة من الناس، ونفخ في روعهم حب الجهاد والاستماتة في سبيلك، وأنشأ منهم جيلًا مؤمنًا صامدًا صابرًا، لم يستطع العدو أن يميل به عن جادة الحق، أو يمحو آثار الحركة الإسلامية، رغم ما صب عليه من الظلم والعدوان والعذاب.
اللهم ربنا تقبل بفضلك وكرمك، خدمات الذين شنقوا في سبيلك، كالأستاذ عبد القادر عودة، والشيخ محمد فرغلي، والأستاذ يوسف طلعت وزملائهم، وسيد قطب وزملائه عبد الفتاح إسماعيل ومحمد هواش. واكتب لهم ما كتب للشهداء الأبرار من أجر وعطاء، واجعلهم من الذين أنعمت عليهم، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وحسن أولئك رفيقًا.
وأخيرًا أتقدم إلى جميع الإخوان في العالم، وأقارب الأستاذ الهضيبي وأسرته الكريمة بأحر التعازي، داعيًا المولى الكريم أن يلهمهم الصبر. والله مع الصابرين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلحَياة شودَري غلام محمد.. سيرة عَلم من أعلام الإسلام في بَاكستان
نشر في العدد 1
851
الثلاثاء 17-مارس-1970