; المغرب هل ينصاع للإستراتيجية الأمنية الأمريكية الجديدة ؟! قانون «مكافحة الإرهاب» يحدث قنبلة سياسية أدت إلى توقف إصداره | مجلة المجتمع

العنوان المغرب هل ينصاع للإستراتيجية الأمنية الأمريكية الجديدة ؟! قانون «مكافحة الإرهاب» يحدث قنبلة سياسية أدت إلى توقف إصداره

الكاتب إدريس الكنبوري

تاريخ النشر السبت 03-مايو-2003

مشاهدات 8

نشر في العدد 1549

نشر في الصفحة 34

السبت 03-مايو-2003

أثار وضع الحكومة المغربية لمشروع جديد يسمى قانون مكافحة الإرهاب، جدلًا حادًا في الأوساط السياسية والحقوقية والرأي العام. ورغم توقف الحكومة عن السير في إجراءات وضع القانون في حيز التنفيذ إلا أن ردود الفعل لم تهدأ إذ يتساءل الجميع عن مدى حاجة البلاد إلى تشريع كهذا، وما موجباته الداخلية، وهل يعكس ذلك سعي الدولة إلى مسايرة المخططات الأمريكية واستكمال الجوانب الأمنية والعسكرية بعد الجوانب التجارية والاقتصادية في مشروع الشراكة الذي تريد الولايات المتحدة الأمريكية تنفيذه مع المغرب نهاية العام الجاري؟ وهل حقيقة يعاني المغرب من الإرهاب أم يراد جره عبر تشريع يقود إلى مصادمة  الدولة والحركة الإسلامية، وقطع حبل التعايش؟ بينهما وما حقيقة وطبيعة الأهداف الأمريكية الأمنية في المغرب؟

السياسيون والمراقبون لا يخطئون وجود علاقة مباشرة بين الإملاءات الأمريكية وضغوط إدارة جورج بوش الابن على الدول العربية في إطار حملاتها على ما يسمى بالإرهاب، وبين وضع المغرب لهذا القانون الذي - إن صدر - يعود بالبلاد إلى الوراء ويقضي على ما تحقق في السنوات العشر الأخيرة من مكتسبات هشة في مجالات حرية الرأي والتعبير والصحافة والعمل السياسي

التقارب المغربي - الأمريكي بعد سبتمبر

بعد أحداث 11 سبتمبر ۲۰۰۱م أصبح المغرب في مركز الاهتمام الأوروبي والأمريكي كحلقة مهمة في محور مكافحة الإرهاب، نظراً إلى موقعه الاستراتيجي على البحر المتوسط المطل على أوروبا، وقد جاءت تلك الأحداث لتعيده إلى مركز الضوء سواء بالنسبة لأوروبا بخلفية ملف الهجرة السرية، وما يسمى بالخطر الأصولي في المغرب العربي، أو بالنسبة للولايات المتحدة بسبب وجوده على بوابة بحرية مهمة بالنسبة للتجارة الدولية. وقريبًا من القواعد الأمريكية في إسبانيا المجاورة. وقد كان المغرب من أوائل الدول العربية والإسلامية التي سارعت إلى شجب تلك الأحداث والإعراب عن دعم الولايات المتحدة في حربها ضد ما يسمى بالإرهاب، ولم تكد تمضي سوى أسابيع حتى أقامت الحكومة قداسًا دينيًا في إحدى الكنائس المسيحية في الرباط، حضره أعضاء من الحكومة وأمناء الأحزاب السياسية وأفراد من اليهود المغاربة والجاليات المسيحية، علاوة على سفيرة الولايات المتحدة في الرباط الأمر الذي دفع بمجموعة من القيادات الإسلامية والعلماء إلى استنكار تلك المبادرة، وتوقيع بيان قوي يدينها وهو ما خلف موقفًا عدائيًا من السلطات حيالهم. جسده قيام السلطات بشن حملة ضد هؤلاء ضمن خطتها لمواجهة الإرهاب، وذلك بعد قضية خلية القاعدة النائمة في جبل طارق وفي أكتوبر ۲۰۰۱م بادر المغرب إلى الدعوة العقد الدورة الاستثنائية للمنتدى الأورو - متوسطي على أراضيه، وتم عقد اللقاء في ٢٥ و ٢٦ من الشهر نفسه في مدينة أغادير، وخرج المنتدى - بقرارات تؤكد أهمية التعاون الدولي والإقليمي المحاربة الإرهاب والتنسيق الاستخباراتي وتجفيف مصادر تمويل الحركات الإرهابية وضمان أمن وسائل النقل، وتطوير التعاون الثنائي مع الولايات المتحدة، كما أن المنتدى عمل على - تحريك آليات العمل في الجانب الأمني من الشراكة الأورو - متوسطية الموقعة في مؤتمر برشلونة – المتوسطي في ١٩٩٥م.

 وتعتبر زيارة العاهل المغربي محمد السادس للولايات المتحدة بين ٢٥ أبريل و ۷ مايو ۲۰۰۲م بداية ترسيخ التعاون بن البلدين فيما يخص ملف

مذكرة للجيش تحظر الحجاب واللحية على العاملين في المؤسسات العسكرية 

الإرهاب والمخطط الأمني، إذ شمل برنامج الزيارة مباحثات مع الرئيس الأمريكي حول التعاون الأمني، والوضع في منطقة المغرب العربي، وملف الشرق الأوسط، كما عقد المسؤولون المغاربة لقاء مع وزير الدفاع الأمريكي تركزت حول التعاون العسكري الثنائي، وناقشوا سبل التعاون الاستخباراتي مع مدير وكالة الاستخبارات جور تينيت. وقد قادت تلك الزيارة إلى بروز قناعة لدي الإدارة الأمريكية بضرورة تطوير علاقاتها التقليد مع المغرب ورفع درجة التنسيق والتعاون بـين البلدين في ضوء الانشغالات الأمريكية الجديدة . بعد الأحداث، وشملت تلك الرؤية ثلاثة محاور رئيسة المحور الاقتصادي الذي تبلور في مشروع الشراكة والتنقيب عن النفط والمحور السياسي الأمني الذي يقضي بالتنسيق الأمني بين البلدين وتبادل المعلومات وتدريب أطر مغربية في المجال الاستخباري، ولعب واشنطن لدور مقبول من الرباط في قضية الصحراء والخلاف مع الجزائر، وهـنا نلاحظ أن واشنطن كثفت تقاربها مع النظر الجزائري من خلال التعاون العسكري وتقدم وعودا برفع الحظر على السلاح المفروض عليها من عشر سنوات، وتشجيع الحكومة الجزائرية على الإصلاح الاقتصادي، وتحرير قطاع الطاقة لحفز الشركات الأمريكية على الاستثمار في الجزائر ثم يأتي بعد ذلك محور التعاون العسكري والمناورات العسكرية المشتركة بين البلدين.

خلية جبل طارق والدور الأمريكي

وتكشف قضية ما سمي ب«خلية جبل» طارق النائمة التي أعتقل أفرادها العام الماضي، وتأخر الحكومة في الإعلان عن ذلك ثلاثة أشهر، ثم الطريقة التي ديرت بها السلطة والمخابرات الملف قضائيًا وسياسيًا - حيث إنها أقدمت على تغيير هيئة المحكمة في الطور الأخير للمحاكمة، مما أثار الاستياء العام في صفوف الدفاع والمحامين والمنظمات الحقوقية المغربية الذين عدوا ذلك تعليمات أمريكية، واستبعاد الهيئة الجديدة المطالب الدفاع التي وافقت عليها الهيئة الأولى، إلى صدور الحكم مؤخرًا الذي اعتبرته هيئة الدفاع والمهتمون حكمًا سياسيًا - تكشف عن وجود أيادي أمريكية وقد لعبت المخابرات الأمريكية والإسبانية دورًا كبيرًا في الكشف عن أفراد تلك الخلية واعتقالهم. كما اعترف هؤلاء بمشاركة عناصر من المخابرات الأمريكية في استجوابهم. 

وفي السنة الماضية كشفت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية عن أن عناصر من المخابرات المغربية قامت بزيارة إلى معسكر جوانتانامو التابع للولايات المتحدة في كوبا، حيث يعتقل ما بين ١٦ و ١٧ مغربيًا، وأن هؤلاء نقلوا إلى المغرب للتحقيق معهم قبل إعادتهم إلى القاعدة العسكرية الأمريكية، وقالت الصحيفة إن هذه التحقيقات هي التي قادت إلى الكشف عن أفراد خلية جبل طارق

ويربط المراقبون والمنظمات الحقوقية المغربية بين حملة الاختطافات التي شنتها الحكومة وجهاز الأمن السري على خلفية ما عرف بقضية السلفية الجهادية، وبين التعليمات الأمريكية، وقد أكد عدد من المختطفين أن رجالًا من المخابرات الأمريكية شاركوا في التحقيق معهم. كما أكدوا أن بعض المغاربة المعتقلين في قاعدة جوانتانامو كانوا معهم في المعتقل السري للمخابرات المغربية قرب الرباط والواقع أن المغرب أقدم في الأشهر الأخيرة 

خطة لمراقبة المساجد ومدارس تعليم القرآن وحملة اعتقالات في صفوف الدعاة نشاطات علنية للسفارة الأمريكية تروج للسياسة الأمريكية في المدارس. والضغط على الحكومة لمنع أي أنشطة سياسية معارضة 

على إجراءات عدة كشفت أبعاد السياسة الحكومية في الانسياق مع الاستراتيجية الأمنية الأمريكية الجديدة، حيث شنت حملة قوية في صفوف الدعاة وخطباء المساجد وأعضاء الدعوة السلفية والعائدين من أفغانستان في الأعوام الماضية ووضعت خطة المراقبة المساجد ومراكز العبادة والتعليم القرآني، كما وزع الجيش مذكرة داخلية تمنع العاملين والموظفين نساء ورجالاً من وضع الحجاب أو الإعفاء من اللحية، ولوحظ أن هذه الخطوات ترافقت مع نشاطات علنية للسفارة الأمريكية بالرباط كالقيام بحملة في المدارس للترويج للسياسة الأمريكية، والتدخل لدى الحكومة المنع بعض المظاهرات أو الندوات المعارضة السياسة واشنطن في القضايا العربية، وإدلاء السفيرة الأمريكية مارجريت توتوايلر بعدد من التصريحات

تمس الشؤون الداخلية للمغرب في أول سابقة من نوعها، كما شهد المعرض الدولي للكتاب في الدار البيضاء في شهر ديسمبر الماضي حضورًا بارزًا للبعثة الثقافية الأمريكية، وقد شجبت كل المنظمات والصحف هذه الممارسات.

القانون يجرم بطريق غير مباشر من يؤيد العمليات الاستشهادية أو يمتدح الاستشهاديين 

قانون غير عادي

ضمن هذه الرؤية والخطة الأمنية الجديدة أعدت الحكومة مشروع قانون مكافحة الإرهاب بشكل فاجأ الجميع نظرًا للسرعة التي أنجز بها. وقدمته للبرلمان للتصديق عليه دون أن تأخذ بعين الاعتبار مواقف المنظمات والجمعيات الحقوقية والأحزاب السياسية، كونه ليس قانونًا عاديًا في ظروف عادية، خاصة وأن هناك قوانين أكثر أهمية مثل قانون الشغل الذي لا يزال في أرفف الحكومة منذ أكثر من ثلاثين عامًا ولم يقدم إلى البرلمان بالرغم من إلحاح النقابات والأحزاب والمنظمات الحقوقية، وكذا القانون التفصيلي لتنظيم الإضراب في مراكز العمل ويعرف القانون الجريمة الإرهابية بأنها تلك التي تهدف إلى المس بالأمن العام بواسطة القوة أو العنف أو الترهيب أو الترويع وحدد تلك الجرائم في المس بأمن وسلامة الدولة الداخلي والخارجي، والمس بحياة الأشخاص، والتخريب والإتلاف وتحويل الطائرات أو السفن أو أية وسيلة من وسائل النقل والسرقة وانتزاع الأموال، وصنع أو استعمال أو ترويج أو نقل الأسلحة والمتفجرات وتكوين عصابة، وتقديم وسائل الإعانة لهذه الأفعال، والإشادة أو الدعاية الأفعال تكون جريمة إرهابية بصفة علنية.

ويرى منتقدو القانون أن هذه النقطة الأخيرة قد تقود إلى تجريم أي إشادة بالعمليات الاستشهادية في فلسطين، أو امتداح الاستشهاديين ما دامت هذه العمليات جرائم» في العرف الأمريكي. 

أما الجانب المتعلق بالعقوبات، فقد نص على رفع العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي البعض هذه الجرائم المذكورة به، ونص على عقوبات قاسية في حق الجرائم الجديدة، مثل تحويل وسائل النقل، بحيث ضوعفت العقوبات في حالات معينة وفي حالات أخرى تم رفع عقوبة السجن المحددة في القانون الجنائي إلى السجن مدى الحياة وتحويل عقوبة السجن مدى الحياة إلى الإعدام ومنح القانون للحكومة حق تقدير العقوبات في بعض هذه الجرائم وسحب السلطة التقديرية من القضاء، وهي المرة الأولى التي تتم فيها الإشارة بوضوح إلى حق السلطة التنفيذية في التدخل في السلطة القضائية، كما رفع من مدة الحراسة النظرية للمتهم لدى الشرطة من ٤٨ ساعة إلى ١٤٤ ساعة، وأجاز الممثل النيابة العامة تأخير اتصال المتهم بمحاميه بل يمكنه منع الاتصال بالمحامي أو تأخيره إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية، وخول الحق في تفتيش المنازل والمساكن في أي وقت ليلًا أو نهارًا، وأعطى النيابة حق التنصت على المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المتخذة بوسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخ منها أو حجزها وتجريد المتهم بجريمة إرهابية من حقوقه المدنية حتى بعد قضاء مدة العقوبة. 

وقد حرصت الحكومة على أن يكون القانون المذكور مرفقًا بقانون آخر يتعلق بالأجانب المقيمين بالمغرب، ومحاربة الهجرة غير الشرعية، حيث وضع قيوداً على المهاجرين، وحول السلطة حق طرد الأجانب بصفة تلقائية ما لم يتم الطعن في القرار في خلال ٤٨ ساعة ونص على معاقبة المقيم غير الشرعي بغرامة مالية والسجن لمدة عامين، وهـي كلها مقتضيات ترمي إلى الحد من تسلل المهاجري نحو أوروبا عبر المتوسط والتضييق على الأفارقة الذين يعبرون بلدان المغرب العربي نحو المغرب للانتقال منه إلى أوروبا، كما يأتي القانون تلبي الرغبة أوروبية ظلت تحرص على أن يشرع المغرب، قانونًا يقيد حركة الهجرة السرية من أراضيه إليه واستجابة للهاجس الأمني المتولد بعد اعتقال أفراد الخلية النائمة في جبل طارق.

الإسلاميون.. المتضرر الأول

ويبدو أن المغرب قد حسم خياره في الانضمام إلى النادي الأمريكي بوضعه لهذا القانون الذي سيشكل بالتأكيد ردة إلى الخلف فيما يتعلق بالحريات المدنية والسياسية، وذلك بعد مصادقته على الاتفاقيات الدولية والإقليمي الخاصة بالإرهاب، مما يفتح الباب أمام مواجهه تلوح في الأفق بين المجتمع المدني وبين الدولة حيث بادرت مجموعة من الهيئات المدني والسياسية والحقوقية والثقافية إلى تشكيل الشبكة الوطنية لمناهضة مشروع قانون الإرهاب والمطالبة بسحبه من البرلمان ونظمت حركات احتجاجية أمام مقر البرلمان، كما أعدت برنامج شاملًا للتصدي للقانون، كما أصدرت جمعيات ومنظمات عدة بيانات تندد به وطالب حزب العدالة والتنمية ذو التوجه الإسلامي الموجود في البرلمان بسحب القانون من هذا الأخير أو عدم المصادقة عليه من قبل الأحزاب السياسية ووصفه رئيس الفريق البرلماني للحزب مصطفى الرميد بأنه قانون إرهابي غير أن الحكومة مصرة على تمرير القانون بأي شكل، حتى من قبولها لبعض التعديلات التي لا تمس الجوهر، إن صرح وزير الاتصال والناطق باسم الحكومة إذ إن القانون سيحظى بالأغلبية داخل البرلمان، وهو م يفيد وجود مساومات أو حتى ضغوطات على البرلمانيين. لكن مخاوف التيار الإسلامي تكاد تكون الأكبر بين الهيئات السياسية والمدنية المختلفة لأنه المتضرر الأول وربما الوحيد من القانون إن دخل حيز التنفيذ فالحملة التي انطلقت في البلاد منذ الصيف الماضي، تاريخ الكشف عن خلية جبل طارق استهدفت بالخصوص أعضاء مختلف التيارات الدينية، وأتبعت هذه الحملة بتعيين وزير جديد للأوقاف والشؤون الإسلامية معروف بانتمائه لإحدى الزوايا الصوفية كسابقة أولى في الحكومات المغربية، مما اعتبر إشارة إلى التيار السلفي الذي تشن الحكومة حملة على أتباعه ودعاته.

فهل يكون قانون مكافحة الإرهاب بداية العد العكسي في العلاقة بين الإسلاميين والنظام خاصة من ينعتهم الخطاب الرسمي بالمتشددين مثل جماعة العدل والإحسان، والانتقال من زمن التعايش إلى مرحلة الصدام؟

الرابط المختصر :