; قبل أن تصبحوا جميعًا لاجئين | مجلة المجتمع

العنوان قبل أن تصبحوا جميعًا لاجئين

الكاتب عبدالله خليل شبيب

تاريخ النشر الثلاثاء 09-يونيو-1970

مشاهدات 22

نشر في العدد 13

نشر في الصفحة 28

الثلاثاء 09-يونيو-1970

في سنة ١٩٤٨ وقعت النكبة الأولى بفلسطين بعد صراع عنيف ومقدمات طويلة، وفعل اليهود ما فعلوا -بدعم كامل من الإنجليز- وتسببوا في تشتيت نحو مليون فلسطيني هجروا أرضهم وديارهم وممتلكاتهم، وسموا آنذاك «لاجئين».

وحاولت الدول الغربية خاصة، وغيرها من الجهات الاستعمارية الشرقية والغربية حصر قضية فلسطين في نطاق حل مشكلة اللاجئين وتوطينهم وتعويضهم وإغاثتهم، وكانت مؤامرات التصفية والتوطين والتهجير والمشروعات المشبوهة تدور على مدى عشرين عاما.

ولعبت وكالة الغوث دورًا هائلًا فيما ظنته تصفية قضية فلسطين ظنًّا منها أن الفلسطيني إذا فقد بطاقته بعد توطينه أو تعليمه أو تهجيره أو توظيفه أو غير ذلك؛ يفقد حقه في الانتساب إلى مسقط رأسه، وظنت الوكالة -ومن ورائها القوى الصهيونية العالمية والمخططون الاستعماريون الأبالسة- أن قطع بطاقة لاجئ فلسطيني تعني حكمًا على فلسطينيته ووطنيته بالإعدام، وهكذا وبالتدريج ومع إسقاط الوفيات وعدم تسجيل المواليد- وهذا جانب آخر من تلك السياسة الخبيثة اتبعته وكالة الغوث لتنقص عدد الفلسطينيين- ومن وجهة نظر دولية تآمرية تمهيدًا لتصفية القضية برمتها- ظنوا أن القضية ستنتهي مع الزمن ومع انقضاء هذا الجيل، بل حينما يقل عدد اللاجئين المسجلين على بطاقات سارية المفعول.. ظنوا أنه يمكن تعويضهم وشراؤهم وتنتهي المشكلة.

ولكن رصاصات بدأت تنطلق في الأرض المحتلة حطمت رأس ذلك المخطط الاستعماري الهش السخيف، وحين سقط أول شهيد على ثرى فلسطين -من جبهة التحرير الفلسطينية- وفجرت «فتح» ثورة العاصفة أول سنة ١٩٦٥ بعد حوادث فردية عديدة كان يقضى عليها وعلى فاعليها بمنتهى العنف على جميع الجبهات، ولكن المارد انطلق من القمقم.. والمقيد تمرد على مقيدته.. والشعب المغلول شب عن الطوق وبدأ يأخذ زمام أمره بيده، حينذاك ذهل الاستعماريون -ومن فوقهم ومن تحتهم- حين رأوا أن أكثر المساهمين في الثورة هم جيل بلا بطاقات، وكثير منهم ولد خارج وطنه.. يعني أنهم غير لاجئين في نظر دهاقنة الاستعمار وخنازير وكالة الغوث فأسقط في أيدي القوم، وكانت مسيرة شاقة وشائكة وعظيمة التضحيات وكأنما كانت سباحة ضد التيار، وحاول الاستعماريون اتباع تكتيك آخر كعادتهم، فتمكنوا من القضاء على بعض التنظيمات الفدائية بطرقهم الجهنمية الخبيثة، فاستطاعوا تحطيم طاقات كبيرة، وتعطيل أخرى.. لكن وعي حركة «فتح» وبعد نظرها وجهدها، وتجنبها الاصطدام حتى بمضطهديها من العرب -إذ كانت ولا زالت تعتبر العدو اليهودي هو العدو الأول وربما الأخير حتى تحرير فلسطين- كل ذلك جعلها تجتاز أصعب المراحل بطول صبر وأناة كما أن رفضها التبعية لأية جهة وإصرارها على استقلالها الكامل -مع ما كلفها ذلك من فقدان الموارد والأنصار أول الأمر، جعلها مرشحة لثقة عموم الشعب الفلسطيني- لا كمنظمة بدأت الكفاح فحسب، بل وحافظت على حيادها إلى حد كبير- وإن كانت هنالك محاولات مشبوهة دائبة دائمة لضربها من الخارج بالسلاح في أكثر من جبهة، ومن الداخل بالتسلل اليساري، ومحاولة سيطرة ما يسمى باليسار على الإعلام وصبغه بالصبغة اليسارية الكاملة، ولكن لا زالت فتح بالرغم من كل ذلك وغيره -أكبر المنظمات المحايدة والتي تقود كفاح الشعب الفلسطيني وكثير من جنودها وجنود غيرها من المنظمات الفدائية.. ليست لديهم بطاقات إعاشة سارية المفعول من وكالة الغوث.

ثم كانت كارثة حزيران سنة ١٩٦٧.. وهجر فلسطينيون آخرون وغير فلسطينيين -هذه المرة أيضًا- أرضهم وديارهم، وكما تفنن الدجالون في تسمية هذه النكبة «نكسة» كذلك سموا لاجئيها «نازحين»، ثم كان العدوان اليهودي المستمر وخاصة على قناة السويس، وكأن البعض قد أعلن حرب استنزاف موارد شعبه؛ إذ إن الأسلحـة المصرية حين تقصف صحراء وتحصينات عسكرية عدوة على الضفة الشرقية للقناة، يقصف اليهود المدن والمرافق الحيوية فتكون ضرباتهم أكثر إيذاء بل مضمونة الإيذاء، فغادر كثير من أهالي غربي القناة - في السويس والإسماعيلية وبورسعيد وغيرها ديارهم.. وذهبوا ليعيشوا في أماكن أخرى عيشة يرثى لها وسموا هذه المرة  «مهاجرين».

وحين تحول اليهود إلى جنوب لبنان وأخذ عدوانهم يشتد يومًا بعد يوم؛ بدأ أهالي جنوب لبنان هجرة جماعية إلى بيروت وضواحيها طلبًا للسلامة، كما هاجر من قبل أهالي الكرامة والأغوار وكثير من سكان الشمال والجنوب في الأردن إلى عمان حتى تكدست الكتل البشرية في العاصمة المخنوقة التي تقذف جبالها بتلك الكتل البشرية إلى وديانها الضيقة، فتكاد الأجساد البشرية تلتحم، وكأن الناس في مظاهرة مستمرة وكان أن احتملت العاصمة أضعاف طاقتها، وما كانت معدة لاستيعابه -ولا زالت تحمل.. ويعلم الله إلى متى ستظل تحمل.. وهل سيزيد الحمل أم يخف؟

والآن.. وبعد كل ذلك.. وبعد ولادة مشكلة لاجئين جدد في جنوب لبنان.. ماذا ينتظر العرب؟

إن أطماع اليهود في غاية الوضوح، ولن يرتاح لهم بال ما داموا يرون عربيًّا أو مسلمًا في وطنه.. فماذا ينتظرون؟

إن غرّت أحدًا ملايينه.. فقد كان قبله أصحاب ملايين لم يعودوا يملكون             «الملاليم».

فهلا تبرع بسخاء للفدائيين المجاهدين -إن لم يستطع مشاركتهم بنفسه- ولينفق ربع ماله أو نصفه أو عُشره أو أقل ليحافظ على بقيته وإن غر صاحب سلطان سلطانه، أو صاحب مقام مقامه، أو صاحب جاه جاهه.. فإن قبله من كان ذا سلطان أضخم، ومقام أكرم، وجاه أعظم.. ففقده وندم.. أو أصبح في خبر كان.. أو طواه الموت فيمن طوى.. وهو يطوي كل حي.. أفلا يبذل من سلطانه وجاهه ما يعين أولئك المجاهدين الذين يحاولون صد الغزو الهمجي اليهودي عن أن يحتاج كل شيء.

یا قوم.. والله لن يبقى لأحد لأحد ما في يديه إن لم يبذل النفس والنفيس في سبيل الله، ويتدارك نفسه قبل فوات الأوان.

 فانظروا.. ماذا أنتم صانعون؟

                                                                          عبد الله شبيب

الرابط المختصر :