العنوان قراءات صينية ليست من الكتاب الأحمر
الكاتب د. نجيب الرفاعي
تاريخ النشر الثلاثاء 09-نوفمبر-1982
مشاهدات 13
نشر في العدد 594
نشر في الصفحة 34
الثلاثاء 09-نوفمبر-1982
. هل يكون هنالك تطبيع سياسي بين موسكو وبكين في شرق آسيا؟
. القذافي زار الصين ضمن مناورة على الكرملين لكنه لم يتمكن من أخذ الدرس.
لعل الحركة «اللاثابتة» للأيديولوجية الماركسية في أكثر من بلد كان شيوعيًّا بنسبة عالية جدًّا لفتت أنظار المراقبين في كل من الصين وبولونيا وتشيكوسلوفاكيا.. وفي يوغسلافيا أيضًا. ويبدو أن في النموذج الصيني مثالًا واضحًا على «ردة» النظام نفسه على الأيديولوجية الشيوعية.. ولا سيما تلك التي قننها «ماو» في كتابه الأحمر الذي أحرقه بعض الصينيين بعد أن كان «كتابهم المقدس».
. سقوط الأيديولوجية الماركسية:
مثلما يعالج العرب قضاياهم الاقتصادية فإن عمليات التجميل في الصين تمضي على نفس النمط وبنفس التطلعات «البراغماتية» فلقد غزت المفاهيم الرأسمالية البيئة الصينية وتحمس العمال هناك لمشاريعهم الخاصة ولم تعد الدولة تحدد الأسعار وإنما ترك للسوق تحديدها كما أن أرباحها وفوائدها تعود على هؤلاء الكادحين. لقد ولى زمن كان الصينيون فيه «تروسًا» في آلة .... وارتدت الصين ثوبًا جديدًا تحوطه محاذير شتى، وأصبح قادتها يستخدمون الألفاظ البرجوازية، وساد منطق الحافز المادي على أوهام الحوافز الأيديولوجية.
وأصبحت الأمور توجه بالدوافع الشخصية بدلًا من هيمنة التخطيط المركزي، وفي سنوات قليلة وصلت المشاريع التي منحت إدارة ذاتية في طول الصين وعرضها إلى ستة آلاف وستمائة مشروع.
وتقوم بإنتاج نحو ٤٥% من الإنتاج الصناعي في الصين.. انفجر الحرمان من التملك بطاقة هائلة ليؤكد ذاته ويتحمل مسئوليته بعيدًا عن الاستعباد الماركسي والآن تتعامل نسبة تبلغ النصف من القاعدة التصنيعية في الصين بمنأى عن التخطيط المركزي، وفي الوقت نفسه أخذ الفلاحون في قرى الصين يتحررون من قيود التخطيط المركزي فالفلاح هناك هو الذي يختار محاصيله ويبيعها في السوق حسب قانون العرض والطلب، وأمام هذه الهجمة يصرخ قادة الصين إننا «أمام تنين مطلق السراح» ورغم صراخهم لا يمانعون في تذوق ثمار الملكية الفردية يقول أحد زعماء الصين «لقد قمنا بعدد من الإصلاحات الاقتصادية «أي على النمط الغربي كما سلف» المبدئية خلال السنوات القليلة الماضية وقد أثبتت صحتها ووضحت مكاسبها ولذلك فمن الآن وصاعدًا يجب ألا تهمل دور القيادة في التخطيط في الوقت الذي نزيد فيه من حرية قوى السوق» هذه خلاصة القول في التحول الذي يجري الآن في الصين بعيدًا عن مفاهيم الكتاب الأحمر.
. بين بكين وموسكو
قد تكون هناك دوافع متعددة لسياسة التقارب أو الانفراج بين الصين والاتحاد السوفييتي أهمها كما قلنا أن الاتحاد السوفييتي يلعب بورقة الصين أمام الضغوط الهائلة التي يتعرض لها من جانب الولايات المتحدة واتجاه الصين نحو العالم الرأسمالي سيسفر عن مصيبة كبرى للاتحاد السوفييتي يكفي التقارب المحتمل– مثلًا– بين الولايات المتحدة واليابان والصين ليجعل الاتحاد السوفييتي وحيدًا بلا صديق في آسيا، والملاحظ أن المحادثات التي جرت بين بكين وموسكو هي أول اتصالات رفيعة المستوى بين البلدين منذ قطعت الصين المباحثات بعد تدخل القوات السوفياتية في أفغانستان في أواخر سنة ١٩٧٩ ولهذا فما يهمنا هنا هو ارتباط هذا التطبيع بالمشكلة الأفغانية، فالصين تضع من ضمن شروطها لنجاح هذه المفاوضات انسحاب القوات السوفياتية من أفغانستان لا حبًّا بالأفغان وإنما لتثبيت موقف سياسي تريده الولايات المتحدة. والصين حريصة على تحقيق هذا الشرط لأنها. تعلم مردود هذا في أرجاء العالم عليها وعلى الروس كما أن الصين تتطلع إلى أسواق جديدة.
وفي نفس الوقت تريد فتح أبوابها للاستثمارات الخارجية، هذا من جانب ومن جانب آخر يتبع هذا الانسحاب إخراج القوات السوفياتية من مناطق الحدود الصينية– السوفياتية المتنازع عليها.
. التخبط في دولة المليار نسمة:
ورغم حرص الأطراف المشاركة في الإعداد لهذه المفاوضات على استبعاد من يعنيهم الأمر حقيقة وهم المجاهدون الذين ضحوا بأرواحهم لإرغام الاتحاد السوفياتي على التفكير في الانسحاب اليوم قبل الغد، إلا أن النقطة الثالثة تعني تعيين قوة أشبه بالقوات المتعددة الجنسيات لكي تقوم بحفظ نظام كارمل الماركسي، وهنا يأتي دور الزعامات في البلاد الإسلامية لتوحيد جهودها وتنسيق مواقفها للمطالبة بأحقية مشاركة المجاهدين الأفغان في تقرير مصير أفغانستان، وأن تكون كلمة الشعب الأفغاني هي الشرط الوحيد لضمان أمن أفغانستان– لكن هذه الزعامات الإسلامية غابت في بداية الأزمة، ولا يحتمل أن تظهر بعمل جاد في نهايتها– والله وحده هو الكفيل بتهيئة الظروف والأحوال لنصرة كل شعب مجاهد: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ (الزمر:٣٦)
بقيت في هذه العجالة كلمة نود أن يعيها القارئ المسلم هي أن الحديث عن اتجاه الصين للرأسمالية لا يعني تفضيل هذا الاتجاه على الآخر، ولكن ما يعنينا هو تصوير التخبط الذي تعيشه المناهج الوضعية بعيدًا عن منهج الله. فالماركسية في أكبر دولة في العالم وهي الصين أفرزت في عامنا هذا أكثر من عشرين مليون عامل عاطل عن العمل بينما مئات الملايين يعيشون على الكفاف.
ولعل الرأسمالية لن تنقذ الصين من المحصلة البشعة للانهيار الماركسي.. لذا فإننا نتوقع حصول المزيد من التخبط الاقتصادي والاجتماعي في دولة «المليار» نسمة! الأمر الذي يجعلنا ندعو حكام أمتنا الإسلامية لأخذ الدرس والابتعاد عن الأيديولوجيات الساقطة... ومن ثم الاتجاه نحو الإسلام.
. القذافي لم يفهم الدرس:
أن اختتام الحديث عن الصين بزيارة القذافي له مناسبته ذلك أن الرجل يلعب بورقة الصين ويلوح بها في وجه الاتحاد السوفياتي، والصين تلوح في وجه السوفييت بورقة الاتجاه نحو الرأسمالية.
وفي الوقت الذي أطلقت فيه الصين صاروخها العابر للقارات انطلقت نحوها وبنفس الحماس الوفود الدبلوماسية تخطب ودها وتطلع عن كثب على ما يجري في داخلها من عمليات تجميل للأيديولوجية الماركسية التي عافها العصر وعافتها الصين أيضًا. وآخر تلك الوفود الدبلوماسية التي زارت الصين مؤخرًا وفد العقيد القذافي الذي يقوم بدور «جيفارا»
العرب!! ولسوء حظه لم يجد الصين مهدًا للماركسية كما كان يحلم بل، وجدهم هناك يهمسون في أذنه قائلين «يا قذافي ها أنت قد جربت التعامل مع الاتحاد السوفياتي وتجرعت من التعامل معه كؤوس المرارة، فلقد ملأ
ترسانتك بأسلحة عمياء بعد أن نزع منها الإضافات التكنولوجية مقابل بلايين الدولارات نقدًا وما بقي له منها يطالبك بثمنها فورًا دون جدولة ديون.. يا سيادة العقيد لقد أفلست بلادك بعد أن كان كل فرد فيها مليونيرًا .. يا سيادة العقيد لم ألجأت شعبك للوقوف طوابيرَ والأرض من تحتهم تفيض ذهبًا؟ لو استنصحتنا قبل تعلقك الأعمى بالماركسية لقلنا لك: إنها لم
تعد تناسب الصين وهي بالأخرى لا تناسب ليبيا» هذا ما يتخيله المتابع لزيارة القذافي الأخيرة للصين وإن كان الدافع الرسمي لها هو البحث عن
إيجاد بديل للسوفييت الذين يضايقونه الآن والقيام أيضًا بدور سمسار سلاح
لإيران والقذافي في تخبطه هذا سيقع علانية– في أحضان الغرب– من باب الصين التي تتجه نحو الرأسمالية بخطى دقيقة منظمة!
إنهم ضائعون «2».. العائلة المحطمة
في ليلة عيد الأضحى المبارك لعام ١٤٠٢هجرية جلست أفكر: كيف يمر علينا هذا العيد.. الحجاج في يوم عرفة رفعوا أيديهم إلى الله يشكون ظلم الطواغيت، وما مذبحة الفلسطينيين في لبنان من هذا اليوم ببعيد.
رأيت على شاشة التلفاز الأطفال والرجال والكبار ما بين مقطع ومحروق تمر من بينهم القطط وامرأة تصرخ وتولول وتدعو على كل عربي أو من تسمى بالإسلام خذلها وخذل أهلها وزوجها وأطفالها... إن فرحة العيد قد ذهبت من النفس وسألت الله تعالى أن يفرحني وإخواني المسلمين بنصره الذي ليس منا ببعيد شريطة نصر دينه ورفع راية الإسلام خفاقة في ميدان
المعركة. وبينما كنت ذاهبًا إلى باب البيت لأقفله بأكثر من مفتاح- كالعادة! - فهذه المدينة التي أسكنها والمدن المجاورة انعدم فيها الأمان تمامًا، سمعت صرخات شجار وكلمات سباب وقفت «أتنصت» إلى هذا الشجار وكانت الساعة قد تعدت الثانية عشرة ليلًا، وإذا هي مشاجرة بين زوج وزوجته فتحت الباب وإذا بالزوجة تضرب زوجها باليد تارة، وبالركل والرفس تارة أخرى وبينهما وقفت طفلة صغيرة لم يتجاوز سنها سبع سنين، إنها تبكي.. فالأب قد حمل الصغيرة على كتفه وخرج من
البيت والأم تريد الصغيرة وتأمرها بالعودة إلى البيت وإذا الصغيرة التي في عمر البراعم تكيل لأمها أبشع وأبغض ما عرف في قاموس السباب والشتائم، فلغة التفاهم بين هذه العائلة في الأيام العادية هي:
تعالي يا ابنتي العزيزة يا بنت ال... أو اخرجي يا ... يخرج الأب مسرعًا خائفًا من زوجته الملاكمة وبيده الابنة الصغيرة.. وأنا أشاهد من خلال نافذتي خروج السيارة مسرعة من موقف سيارات العمارة والزوجة تلحقها.... أية عيشة تعيشها هذه الأسرة المحطمة؟ وأية حياة تنمو بها هذه
الصغيرة؟ إن هذه الصورة القائمة لهذه العائلة التي هي نموذج لعائلات كثيرة هنا في أمريكا زادت من همي تلك الليلة وسألت الله تعالى وأنا ذاهب إلى فراشي أن يحيا الإسلام في بلاد الدنيا كلها من جديد ليعرفه هؤلاء، فيخرجون من ظلمات التيه والضلال والجاهلية إلى حياة الفرح والسعادة.. حياة الأسرة المؤمنة المتماسكة المتراحمة.. حياة المجتمع الموحد الذي هو
جسد واحد: «إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالحمى والسهر».
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل