; قراءات في الوضع الدولي العام | مجلة المجتمع

العنوان قراءات في الوضع الدولي العام

الكاتب د. أحمد يوسف

تاريخ النشر الثلاثاء 27-أبريل-1993

مشاهدات 13

نشر في العدد 1047

نشر في الصفحة 26

الثلاثاء 27-أبريل-1993

هل عالمنا العربي يعيش حالة مؤامرة أم لم يحن وقت الخلاص؟

 يتميز الوضع الدولي الراهن باختلال واضح في ميزان القوى لصالح الخيار الأمريكي عقب انهيار الاتحاد السوفياتي السابق وبدايات تشكل منظومات قوة جديدة على رأسها اليابان وأوروبا الموحدة والصين ودول جنوب شرق أسيا والجمهوريات المستقلة أو الكومنولث الجديد.

لقد نجم عن زوال الاتحاد السوفياتي صعود الدور الأمريكي وتفرده بالقيادة وانفراده بإعادة صياغة المنظومة الدولية والتحكم إلى حد كبير في عجلة النظام الدولي، ومع ذلك فإن تعاظم هذا الدور أصبح عاملًا مساعدًا على تصدع المعسكر الغربي «حلف الناتو» وبداية الصراع على مركز النفوذ.

لقد تبلورت رغبة أوروبا الغربية في أن تصبح قطبًا دوليًّا رئيسيًّا بعد اتفاقية ماستريخت ومشروع الوحدة السياسية والاقتصادية وكذلك بعد الاتفاق على إنشاء نظام دفاعي أوروبي موحد وتكوين نواة فرنسية ألمانية لجيش أوروبي مشترك.

من جهة أخرى يسعى اليابان لتطوير قدراته العسكرية والدفاعية في محاولة منه لملء الفراغ الإستراتيجي الذي خلفه زوال الاتحاد السوفياتي آسيويًّا ودوليًّا، فضلًا عن تعاظم قوته الاقتصادية ونموها المتصاعد بشكل يؤهله لأن يصبح قطبًا ثالثًا في الخارطة الدولية الجديدة.

وباختصار -لقد بدأت هذه المراكز- أو القوى البازغة- تحقق من التقدم ومن الثقل في الميزان الدولي ما لم يعد يمكن الولايات المتحدة من محاصرته أو توجيه خط سيره، وهو ما ينبئ بتوازن دولي جديد في أفق القرن الواحد والعشرين.

 ويتسم الوضع الدولي أيضا بتوتر العلاقات الاقتصادية الدولية وبروز حالة من الحرب الاقتصادية والتجارية بين أمريكا وأوروبا واحتدام التنافس على الأسواق والتنازع على مراكز النفوذ، مما أدى بالرئيس الأمريكي الجديد أن يعلن عن عزمه بتدشين حكمه في البيت الأبيض بتأسيس مجلس الأمن الاقتصادي وهو بذلك يكشف عن جوهر المعركة القادمة التي تدفع إليها بلاده.

كما يتسم الوضع الدولي بتسارع وتيرة الانهيار العربي وتفكك أواصر الرباط الإسلامي وتعري حقيقة الولاءات الرسمية العربية خاصة بعد حرب الخليج وفرض المشروع الأمريكي الإسرائيلي لتسوية القضية الفلسطينية، ويتسم الوضع الدولي أخيرًا ببروز الخيار الإسلامي كبديل أيديولوجي وسلاح ثقافي وسياسي ضد الخيار الغربي الاستعماري وخاصة في المواقع الأكثر توترًا اشتعالًا: فلسطين، الجزائر، البوسنة، الصومال.

هذه المشاهد مجتمعة تجعل من الخيار الإسلامي أكثر الخيارات تمايزًا وتناقضًا مع شروط النظام الدولي الجديد الذي يراد فرضه بمنطق القوة على الجميع بأسلوب انقلابي سافر وأكثرها ترشحًا للمواجهة والمصادمة.

 أما على الصعيد الإقليمي فيبدو أن المنطقة المغاربية شرعت في دفع ثمن موقفها الشعبي المتقدم أبان حرب الخليج المتمثل في وقوفها ضد الخيار الأمريكي بشكل واضح؛ فالجزائر تعيش أزمة سياسية واقتصادية خانقة أثر إجهاض تجربة ربما كانت تكون رائدة في النظامين العربي والإسلامي فانتكس الوضع الديموقراطي هناك وتحول إلى حالة من الاستبداد والاضطهاد والفوضى لم تشهد الجزائر مثلها منذ إزاحة الاستعمار الفرنسي المباشر، ولا تزال البلاد تحت الهلع والقمع وعدم الاستقرار قد يقودها إلى حرب أهلية.

أما ليبيا فهي تعيش تحت الحصار الدولي والعزلة الإقليمية والتهديدات الأمريكية المستمرة مما يفقدها أي دور إيجابي على الساحة ويضعف من قدرتها على الصعود ويفقد ثقتها في كل الجيران والأشقاء.

ولا يختلف الوضع أيضًا عن ذلك في كل من موريتانيا والمغرب بشيء من التقارب النسبي، فالأولى ترزح تحت أزمة سياسية بعد تزييف أول تجربة انتخابية عُلقت عليها آمال كثيرة، والثانية المغرب تعيش التردد بين الانفتاح والانغلاق وبين الحفاظ على السند الفرنسي –القديم- أو البحث عن إسنادات بديلة (إسبانيا وإيطاليا وخاصة الولايات المتحدة) من أجل تسوية نهائية القضية الصحراء.

وعلى صعيد العلاقات الثنائية تعيش المنطقة وضعًا مشابهًا لما كان عليه في السبعينات. فالعلاقات الجزائرية المغربية عادت لوضعها القديم بعد فترة قصيرة جدا من التطبيع والهدنة المؤقتة (فترة من جديد)، وهي اليوم مرشحة أكثر من ذي قبل إلى التأزم والتصادم بحكم موقف الملك من الصراع اليومي الدائر بين السلطة الإسلاميين من جهة وموقف رجال الحكم الجدد في الجزائر من قضية الصحراء.

العلاقات التونسية الليبية ليست أحسن من ذي قبل من جراء موقف النظام التونسي من الحصار الدولي المفروض على ليبيا. والعلاقات التونسية المغربية والليبية الجزائرية على نفس الوتيرة أو تكاد، بحيث يجمع الملاحظون أن منطقة تعيش حالة من التصدع والتمزق وعدم استقرار لم تشهدها من قبل، حتى أن القمة المغاربية الأخيرة التي تأجلت مرات عديدة نتيجة الخلافات القائمة بين الأنظمة، لم يحضرها سوى ثلاثة رؤساء ولم تفض إلى أية نتيجة ملموسة على مستوى الاتفاقيات والمشاريع والمعاهدات.

ولا شك أن الغرب يسعى بكل جهد إبقاء المنطقة سوقًا للاستهلاك وترويج بضائعه، وضرب أي محاولة للنهوض الاقتصادي الإقليمي أو التغيير السياسي الديمقراطي؛ حفاظًا على تبعية القرار لهذه الأنظار، مع العمل على تشكيل نمط سياسي داخلي يضمن للدولة هيمنتها ويكرس هامشية المجتمع ويحطم دفاعاته خلال المحاصرة التدريجية لكل القوى «المضادة» وفق سياسة الخنق البطيء.

الرابط المختصر :