; قراءة جديدة للتاريخ.. الصفحات الأخيرة من حضارتنا.. | مجلة المجتمع

العنوان قراءة جديدة للتاريخ.. الصفحات الأخيرة من حضارتنا..

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 07-نوفمبر-1972

مشاهدات 18

نشر في العدد 125

نشر في الصفحة 33

الثلاثاء 07-نوفمبر-1972

  • السقوط مهما كثرت المقويات.. مصير كل الحركات الانفصالية

في تخوم السنوات التي تصل شطري القرن الثاني الهجري تفككت وحدة المغرب العربي «تونس - الجزائر - مراكش».. وبدلًا من خضوع الدولة الإسلامية الجامعة سواء دولة الأمويين أو دولة العباسيين.. بدلًا من هذا انقسم المغرب الإسلامي على نفسه إلى قوى ثلاث تحكمها زعامات ثلاث: الرستميون في تيهارت (الجزائر)، والأغالبة في تونس، والأدارسة في المغرب الأقصى.

وليس من السهل تلمس الأسباب الحقيقية لهذا الانفصال سوى أنه مطية لتحقيق أغراض شخصية ومذهبية..

بيد أن كثيرًا من المؤرخين لا يفوتهم البحث عن أسباب لكل الظواهر، حتى ولو كانت الظاهرة مجرد حادث مفتعل يخلف نتائج مضادة.. ويكون حصاده وبالًا على الأمة التي خضعت له.

وليس من شك في أن الحياة ليست سلبًا كلها.. وبالتالي ليست إيجابًا كلها، فنحن لن نعدم أن نجد في الدولة الحضارية الجامعية سلبيات.. كذلك لن نعدم أن نجد في كل الحركات الانفصالية التي تمثل -في رأينا- بوادر غروب للحضارة الجامعة- لن نعدم أن نجد فيها إيجابيات، بيد أنه لا السلبيات تصلح للحكم على الدولة الجامعة بالموت وبالانقضاض عليها من داخلها.. ولا الإيجابيات تصلح كمبرر للوجود.. إذا قيست هذه الإيجابيات الجزئية بما تخلفه حركات الانشقاق من هدم في روح الحضارة، ومن صراع يجهد الدولة الجامعة والبلد المنفصل معًا!

وكان إدريس بن عبدالله بن الحسين قائد حركة الانفصال عن دولة العباسيين في المغرب الأقصى...

وكان إدريس قد ساهم مع إخوته ومع العلويين في إشعال ثورة الحجاز ضد العباسيين.. لكن الثورة فشلت وأخمدت..

فهرب إدريس إلى بلاد المغرب.. وهناك استطاع أن يجمع حوله بعض قبائل البربر وأن يكون له إمارة مستقلة دامت حوالي قرنين من الزمان.. وكان ذلك في مطلع القرن الثالث الهجري، أي إن حركة إدريس كانت متأخرة عن حركة الرستميين في الجزائر والأغالبة في تونس.

وقد نجح الخليفة العباسي هارون الرشيد في أن يدس على إدريس من يسمه.. ونجح في ذلك.. وكان هارون الرشيد يضحك ويتندر بقوله: «إن لله جنودًا من عسل» لأنه سمه بواسطة العسل.

وقد ترك إدريس زوجته حاملًا فولدت بعد موته ذكرًا التف البربر حوله وبايعوه باسم إدريس الثاني.. وفي عهد إدريس الثاني هذا حاول العباسيون بواسطة ولاء الأغالبة الموجودين في تونس لهم.. حاولوا القضاء على الأدارسة.. لكنهم فشلوا.. ركن العباسيون إلى السكوت.. واستمرت الدولة الإدريسية - كما ذكرنا- قرنين من الزمان.

وكان من أعظم حكام الأدارسة يحيى الرابع بن إدريس الذي حكم ثماني عشرة سنة (٢٩٢ - ٣١٠ه‍) وازدهر المغرب الأقصى في حكمه أيما ازدهار..

كما بلغت مدينة فاس عاصمة الأدارسة ذروة مجدها وأصبحت مركزًا هامًا من مراكز الحضارة الإسلامية في أنحاء المغرب العربي..

وأيضًا فقد ساعد الأدارسة على رسوخ قدم الإسلام في بلاد المغرب.. بين البربر.. وانتشر بواسطة البربر في إفريقيا الغربية..

وكانت جامعة القرويين التي قامت بدور بارز في نشر وإنماء الثقافة الإسلامية من أهم آثار الأدارسة في المغرب الإسلامي، وقد قامت في المغرب بما قام به الأزهر -أو على نحو قريب منه- في المشرق العربي.

لقد كان الأدارسة أول دولة لها هذا الطابع في التاريخ.. وفيما نعتقد لم تكن دولتهم شيعية إلا بمقدار حب آل البيت والولاء لهم، وهي صفة يشترك فيها السنة والشيعة معا.. فحب آل البيت من حب الرسول عليه الصلاة والسلام ما كانوا قائمين على كتاب الله وسنة رسوله.. أما إذا خالف أحدهم كتاب الله وسنة رسوله.. فإنه يقف من الله موقف أي إنسان «يا فاطمة بنت محمد.. اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئا» -هكذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام .

ولهذا الوضوح في دولة الأدارسة أحبها أهل السنة وانتصرت بهم، وكانت القبائل البربرية السنية في المغرب حاميتهم وعمـاد دولتهم.

ولهذا السبب عاشت دولة الأدارسة نحوًا من قرنين من الزمان وأدت دورًا حضاريًا لا بأس به في المغرب الإسلامي.. بيد أنها كأي حركة انفصالية كانت تفتقد مبرر الوجود والبقاء.. فظلت على الرغم من قرنيها مجرد حركة انفصالية ولم تستطع -لا جغرافيًا ولا فكريًا- أن تزيد على حدودها التي ضمها إدريس الأول شيئا ذا بال.

وقد وقعت كذلك بين عديد من القوى الراغبة في الابتلاع.. وقعت بين الأمويين في الأندلس، الذين كثيرًا ما سددوا إليها الطعنات.. وبين مصر التي انتقلت إلى الفاطميين منذ سنة ٣٥٩ هجرية.. فوجهوا إلى الأدارسة طعنات كذلك على الرغم من القرابة المذهبية.. ولا يمكن إغفال ضربات القبائل البربرية الراغبة في حكم نفسها لاسيما قبائل زناتة وهوارة..

وقد أدى ذلك كله إلى غروب شمس الأدارسة عام ٣٧٥ه‍، فانتهت إحدى الحركات الانفصالية في تاريخنا الإسلامي، لأن السقوط -وإن كثرت المقويات والمساعدات- هو مصير كل الحركات الانفصالية.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

تفسير زئبقي للقرآن

نشر في العدد 11

40

الثلاثاء 26-مايو-1970

مِرْآة الرأي العالمي

نشر في العدد 17

20

الثلاثاء 07-يوليو-1970

من أخبار العالم الإسلامي

نشر في العدد 97

22

الثلاثاء 25-أبريل-1972