العنوان ثقافة وفنون- العدد 1038
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 16-فبراير-1993
مشاهدات 14
نشر في العدد 1038
نشر في الصفحة 50
الثلاثاء 16-فبراير-1993
قراءة في عقل علماني (2)
بقلم: كمال درويش
جهل مفضوح
قال لي صاحبي: ما زلت مصرًا على المضي في سباحتي ضد التيار الديني.
قلت: يا للفخر المخزي، لقد أرحتنا فأعلنت عن هويتك المعروفة لنا - من أول كلمة. والجواب يظهر من عنوانه.. ما علينا .. لتسبح كما شئت، لكن لسنا مستعدين أن نغرق معك.
قال: أرأيت إذ سمعنا أحد رموز التيار الإسلامي، إنه في أحيان غير قليلة لا يكتفي بمهمة المفسر المتعمق والخطيب الذكي، بل يتقمص شخصية المفكر الأخلاقي والعالم الفلكي ورجل السياسة والاقتصاد وحين يتجاوز الشيخ حدود موضوعه الأصلي، ويخوض ميادين مثيرة للجدل يكون من حق المرء بل من واجبه أن يدخل معه في مواجهة حاسمة.
- يا للشجاعة العنترية! مواجهة حاسمة! ومع من؟ لا أدري لماذا يقحم المرء نفسه فيما لا يعلم؟!لكني أريد أن أسألك أيها اللوذعي النِّحرير.. هل ستدخل مع الشيخ في هذه المواجهة كمفكر أخلاقي؟ أم كعالم فلكي؟ أم كرجل سياسة واقتصاد؟ وإذا كنت ستواجهه في هذه الشخصيات مجتمعة.. فكيف منحت نفسك هذا الحق وحجرته على «الشيخ»: لابد أنها صكوك غفران من نوع جديد، تمنح من تشاء وتمنع من تشاء أو أنها مواهب لدُنِّية وسبحان العالي الوهاب.. ولله في خلقه شؤون.
قال: إن الشيخ يزعم أن المرأة يجب أن تكون مستورة «محجبة» حتى لا يشك الرجل في بنوة أبنائه، أي أنه يربط بين ستر المرأة وعدم تبرجها من جهة وسلوكها الأخلاقي من جهة أخرى. وحين يعرض «الشيخ» نظرية أخلاقية كهذه، لا يملك المرء إلا أن يشعر بالألم والحزن على نوع التفكير الذي يوصل إلى مثل هذه النتائج. - أود أن يتسع صدرك أيها الفيلسوف الألمعي.. وأن تُصغي إلى ما سنلقيه عليك من درس في موضوع العلاقة بين أخلاق المرأة وسترها، ولئن كان الجهل عيبًا يشين صاحبه، فالمكابرة وعدم اتباع الحق أخرى وأشد وعسى الله أن يفتح بهذا الكلام قلوبًا غُلفًا، وآذانًا صُمًّا وأعينا عُميا وأن يهدينا وإياك سواء السبيل.
يقول تعالى ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32﴾ (الإسراء: ٣٢) وكما ترى.. فإن النهي ليس عن الزنا فحسب بل النهي عن القرب منه.. يقول الإمام ابن كثير نهى الله عباده عن الزنا، وعن مقاربته ومخالطة أسبابه ودواعيه، ومن ثَم فإن الإسلام أوجب على المرأة أن تلتزم بجملة آداب وأخلاق، لتسهم في بقاء طهارة المجتمع، ونظافته مما يشين، ولتبقى هي نفسها بعيدة عن مظنة التُّهم ومزالق الشيطان.
فقد منع الإسلام المرأة أن تخلو بأي رجل يحل له نكاحها، ولو كان قريبًا، كما منع الرجل أن يخلو بامرأة حتى ولو لم يكن هناك شك فيهما أو في أحدهما وتعليل هذا المنع والتحريم هو سد منافذ الشيطان، فإن الشيطان - كما جاء في الحديث يجري من ابن آدم مجرى الدم فيزين له الخطيئة، ويهيج فيه الشهوة، والحديث يخاطب المؤمنين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم خيار خلق الله بعد رسول الله، فكيف بغيرهم ممن عشش الشيطان في قلبه، وباض وفرخ، وإن ملأ رأسه ببعض ما يسمى ثقافة وعلمًا؟!
كما أن الإسلام ألزم المرأة بالابتعاد عن الاختلاط الفاحش بالرجال خوف الفتنة، فلم يفرض عليها صلاة الجمعة، ولم يوجب عليها صلاة الجماعة ولا يستحب لها اتِّباع الجنائز، وإذا حضرت للصلاة في المسجد وجب عليها أن تقف مع النساء في الصف الأخير خلف الرجال، فإذا كان الأمر هكذا في بيوت الله، فكيف يجوز الاختلاط في غير أماكن العبادة؟!
وأيضًا طلب الإسلام من المرأة إخفاء زينتها، فقد جاء في القرآن الكريم ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30﴾ (النور: ٣٠).
كما يجب أن يكون لباس المرأة شرعيًّا أي وفق ما أمر به الشرع قال تعالى ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ﴾ (النور: 31). والخمار ما يوضع على الرأس، فالآية الكريمة تأمر المرأة بإنزال الخمار إلى العنق والصدر لإخفائهما.
وقال تعالى مخاطبًا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمر أزواجه وبناته - وهن مَن هن طهارة وخُلقا - ونساء المؤمنين بالستر والحشمة فقال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (59﴾ (الأحزاب: ٥٩)
ومن آداب الإسلام في مشي المرأة وكلامها ما أشار إليه القران الكريم في قوله ﴿ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا﴾ (النور: ٣١)، فينبغي أن تمشي المرأة مِشية لا تغري الفساق وضعيفي الأخلاق، وقال تعالى ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (32﴾ (الأحزاب: ٣٢-٣٣) والخطاب لأمهات المؤمنين زوجات الرسول الطاهرات اللواتي أكرمهن الله بصحبة رسوله وبشرف خطابه في القرآن أمرهن الله أن يكون قولهن جزلًا وكلامهن فصلًا، ولا يكون على وجه يُحدث في القلب علامة بما يظهر عليه من اللين المطمع للسامع، إلى غير ذلك مما يدخل في باب سد الذرائع توقِّيا للوقوع في المحظور، ليحفظ الجماعة الإسلامية من التردِّي والانحلال أفهمت؟ أم أن الغشاوة تمكنت من البصر والبصيرة ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ (الحج: 46)
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل