العنوان قصتنا مع.. النصر والهزيمة
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 20-نوفمبر-1973
مشاهدات 21
نشر في العدد 176
نشر في الصفحة 16
الثلاثاء 20-نوفمبر-1973
قصتنا مع.. النصر والهزيمة
• تاريخنا هو ۱۳۹۳ هجرية، فبالهجرة بدأ كياننا كمجتمع ودولة، وكحضارة ذات إشعاع ورسالة، وقبل الهجرة كنا محاولة للحياة، كنا إرهاصًا بالبلاد، كنا جنينًا يحيا في بطن الزمان.
ومرت حضارتنا كما يمر كل كائن حي، مرت بكل ظروف القوة والضعف، وانتشت أمتنا بالنصر، وبكت بحسرة عند بعض الممرات الحزينة، لكن أمتنا - مع كل ذلك - بقيت كأمة، ولكن حضارتنا بقيت على الرغم من كل ظروفها حضارة عظيمة عالية.
وقد يكون الجسم في حاجة إلى بعض الأمراض الطارئة، وقد يكون التلميذ في حاجة إلى بعض صور الإخفاق، لكي يعرف نقاط ضعفه، ولكي يبني عقله على أسس متكاملة وسوية في فروع المعرفة المختلفة.
ولم يقل أحد أن قضية التاريخ هي قضية نصر أو هزيمة عابرة، إن قضية التاريخ أعظم من ذلك وأشمل، إنها قضية إرادة الحياة والشعور بأهليتها، وقيادتها، أو افتقاد هذه الإرادة.
لقد كان في الإمكان لو لم تكن هناك إرادة الحياة، وامتلاك رسالة خاصة ذات مستوى تاريخي وحضاري ضخم، أن يسقط المسلمون وهم القوة الناشئة - بعد «أحد» فما كانت قوة ناشئة كقوة المسلمين بقادرة على امتصاص هزيمة في أول الطريق!!
وقد كان في الإمكان أن تسقط إرادة البقاء والانتشار لدى النفسية الإسلامية بعد «الخندق»، وبعد أن زلزل المؤمنون وبلغت القلوب الحناجر، وظن المسلمون بالله الظنونا، نعم بعد أن ظنوا أن إرادة الله ربما تكون قد اتجهت إلى شيء آخر غير انتشار دينه في ذلك الوقت وعلى يد هؤلاء الرجال.
ومع ذلك فقد أقلت المؤمنون من الساعات الحرجة، وأصبحوا بعد هذا الامتحان قوة «تهاجم الباطل» بعد أن كانت مجرد قوة «مدافعة عن الحق»!!
وفي «مؤتة» حيث تصدى ثلاثة آلاف مسلم لمائتي ألف من الروم النصارى وأعوانهم من العرب في «الحيرة»، وحيث قتل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، ورضي المسلمون من الغنيمة بالإياب سالمين.
في مؤتة هذه كان من الممكن أن تهتز النفسية الإسلامية، لولا امتلاكها لإرادة الحياة، وشعورها بأنها صاحبة رسالة خالدة لا يمكن أن تقهر أو تموت!!
وفي فترة من الفترات وجدت القافلة الإسلامية نفسها أمام حركة الارتداد الخطيرة، وكان المسلمون في المدينة يكادون يخشون على أنفسهم، فانقضاض القبائل كان عامًا، أو نحو ذلك، ولولا الشعور بالرسالة الخالدة، وأن هذه الأمة قد خلقت لهدف ما، وأنها لا يمكن أن تقهر أو تموت، لولا هذا لما قال أبو بكر كلمته الحاسمة «والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلهم عليه»، وانتصرت الأمة الناشئة المسلمة، لأنها تملك الرسالة الحية الخالدة. ولأنها مصممة على أداء رسالة الحياة!!
وعبرت أمة الإسلام في الطريق منزلقات كثيرة كان في الإمكان أن تتروى فيها، وأن تهوى إلى مكان سحيق في التاريخ. عبرت «الفتنة الكبرى» - كما يسميها بعض المتأدبين - وعبرت حركات الزندقة
والحشاشين والباطنية!!
عبرت كل ذلك، وعلى امتداد التاريخ، بقيت حقيقة هذه الأمة قوية، وبقيت المرفأ الحنون لكل المعذبين والمضطهدين في الأرض ومنذ نهاية القرن الخامس الهجري - الحادي عشر الميلادي - والجحافل الصليبية تحاول أن تقضي على العالم الإسلامي - والعربي بخاصة -، لقد بدأوا بضرب السواحل المغربية، وجزر البحر الأبيض المتوسط، وحقيقة أنهم في ظل غفلتنا وابتعادنا عن إسلامنا تمكنوا من التهام الأندلس - مثلًا - والتهام بعض جزر البحر الأبيض المتوسط كصقلية ورودس،
لكن الشيء الجدير بالاهتمام أن هذا العصر نفسه الذي شهد هذا السقوط في بعض المناطق الإسلامية هو الذي شهد كذلك - وعلى الرغم من كل عيوب العالم الإسلامي - سقوط أكبر إمبراطورية مسيحية صليبية في التاريخ، وهي الدولة البيزنطية على يد القائد المسلم: «محمد الفاتح» فاتح القسطنطينية!!
وهذا العصر نفسه - وإن كان المؤرخون لم يلتفتوا كثيرًا لهذا الجانب التعويضي الذي أراده الله، هذا العصر هو العصر الذي شهد زحف دولة «المرابطين»، وتجار المغرب العربي المسلمين، وفقهائهم، على أفريقيا، وقيام ممالك إسلامية كثيرة في أفريقيا، ودخول شعوب كثيرة في أفريقيا إلى الإسلام.
لقد تمكن المسلمون بواسطة الإسلام من امتصاص الهزيمة، وتبين آثارها في كثير من الظروف التي مرت بهم، ولعل أقرب مثل لذلك هو زحف المغول البرابرة التتريين على العالم الإسلامي والعربي.
فبعد دخول هؤلاء المغول تركستان التي كانت قد استقلت عن الخلافة العباسية، وخراسان وأذربيجان وبعض مدن فارس.
بعد هذا زحفوا على الشام والعراق وحاصر هولاكو بغداد في المحرم من سنة ٦٥٦ هـ «۱۲٥٨ م» بجيش يبلغ عدده أكثر من مائتي ألف مقاتل، ونجح المغولي الكبير في اقتحامها وتمكن من قتل الخليفة «المستعصم» الذي كان قد أمنه، وقتل معه ولدين له، ثم زحف على حلب ودمشق فاستولى عليهما، واقترب المغول من مصر.
وعلى مقربة من مدينة بيسان بفلسطين دارت رحى معركة بين الجيش المصري يقوده «سيف الدين قطز» صاحب الراية العالية المنتصرة دائما: «وا إسلاماه» وبين البربرية الزاحفة، وذلك في شهر رمضان المبارك من سنة ٦٥٨ هـ، وانتصرت راية «وا إسلاماه» التي قاتلت، بعد أن أخفقت سياسة الاستسلام وعهود الأمان التي انتهجها مع المغول آخر وأتعس الخلفاء العباسيين «المستنصر» والتي تسببت في قتل سبعين ألفًا من مساكين بغـداد وضعفائها.
كما تسببت نفس السياسة في إبادة أهل حلب وأهل دمشق، وتخريب المدن الإسلامية الكبيرة التي لجأ ساستها إلى الحلول الاستسلامية، وصدقوا وعود الأعداء!!
وأنقذت مصر الحضارة البشرية كلها - في عين جالوت - من الدمار والفناء!!
وقصة الصليبيين مع الأمة الإسلامية صفحة أخرى من صفحات الشعور بالذات، وإرادة البقاء، والتصميم على أداء رسالة السماء.
ومنذ «عماد الدين زنكي» و «نور الدين محمود»، أي منذ قررت الأمة القتال، والصليبيون في تدهور مستمر، وما أن جاء صلاح الدين الأيوبي، حتى وجد أمامه طريقًا ممهدًا للعمل الجاد.
فصمم على القتال، وجهز الأمة ماديًا ونفسيًا لذلك، ولم يرهبه أن أوروبا كلها ضده، وأن الصليبيين قد ملكوا أربـع إمارات هي الرها، وبيت المقدس، وأنطاكية، وطرابلس، لم يرهبه كل ذلك، ورفع
«وا إسلاماه» فامتص كل هذه الهزائم، وزحف سنة ٥٨٣ ه فانتصر على جموع الصليبيين في حطين، بعد أن أسر الأمراء وقتل من الجنود أكثر من تسعة آلاف مقاتل.
وفي العام نفسه دخل «صلاح الدين» القدس، واستولى عليها، وانطلق في أجواء بيت المقدس صوت المؤذن يردد «الله أكبر» بعد انقطاع دام «۸۸ سنة» «ما بين ٤٩٢ - ٥٨٣ هـ» وتتابع الأمراء من الأيوبيين والمماليك بعد صلاح الدين، فاستنقذوا كل مكان بأيدي الصليبيين من ممالك، ورجع «قطاع الطرق» باسم «الصليب» إلى بلادهم مخذولين!!
وانتصرت المبادئ الأعلى، وانتصرت الأمة التي رفعت «وا إسلاماه»، والتي أيقنت أنها تملك رسالة جديرة بالإنسان، وجديرة بالبقاء وجديرة بالانتصار!!
لقد أثبتت صفحات تاريخنا كلها، أننا نملك أهلية السير في طريق الحضارة، والنصر.
فقط أن نبدأ البداية الصحيحة، وألا تهزمنا الهزائم، وألا يختل الميزان في أيدينا، وأن نرتفع فوق العصر، وأن نبرز القيم الأعلى التي ابتعثنا الله بها لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله،
ولنخلص بها البشرية من التتار والصليبيين واليهود!!
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
بسرعة الصاروخ.. كيف سرَّعت دول عربية التغيير فـي المناهـج الدراسيــة لمصلحــة اليهــود؟
نشر في العدد 2180
29
الخميس 01-يونيو-2023