; قضايا حية تتبدى في أجوبة العالم الثقة | مجلة المجتمع

العنوان قضايا حية تتبدى في أجوبة العالم الثقة

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 06-سبتمبر-1977

مشاهدات 21

نشر في العدد 366

نشر في الصفحة 17

الثلاثاء 06-سبتمبر-1977

المجتمع تسأل والشيخ بن باز يجيب 

قضايا حية تتبدى في أجوبة العالم الثقة

س 1: كيف السبيل إلى خروج المسلمين مما هم فيه من واقع سيئ في كل مجال تقريبًا؟

ج1: إن المريض إذا أريد علاجه شُخِّص أولا داؤه؛ فإذا عرف نوع المرض وتعين الداء تيسر لأهل الطب معرفة الدواء وسهل عليهم العلاج، وكان الأمل في الشفاء كبيرًا إذا نصح الطبيب والتزم المريض إرشاده في تناول الدواء وطريقة استعماله.

إن الأمراض الروحية والأدواء النفسية وفساد السلوك والأعمال الأشد خطورة على الإنسان في حياته من الأمراض البدنية؛ فهو أولى بالكشف عنها وأحرى بتشخيصها وتعيينها حتى إذا ما تبين أمرها وظهر مأتاها ومدخلها علم دواؤها وسهل علاجها.

ومن نظر فيما أصيبت به الأمة الإسلامية من ضعف وفتور وقلق واضطراب وتفرق وتناحر وجهل كثير بأصول الشريعة وفروعها وجد أن ذلك من انحرافها عن كتاب ربها وانصرافها عن هدي رسولها صلى الله عليه وسلم وسيرها في عقيدتها وأخلاقها وأعمالها على غير هدى وبصيرة، إلحادا في الدين وتقليد الأعداء دينهم فيما يعود عليهم بالخبال والساد، حتى تفرقت بهم الأهواء وأعجب كل ذي رأي منهم برأيه وتناحروا فيما بينهم، وضرب بعضهم رقاب بعض وبهذا ضعفت شوكتهم وذهبت ريحهم وتمكن منهم خصومهم، فزادوهم خبالا، وساموهم سوء العذاب.

وعلى هذا فلا سبيل إلى إنقاذهم مما هم فيه إلا أن يرجعوا إلى أنفسهم وعقولهم، ويثوبوا إلى رشدهم، فيعتصموا بحبل الله المتين، وهدي رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم ففيهما الهدى والنور، وفي العمل بهما العصمة من التفرق والتقاطع، وتحقيق الوحدة والألفة والحياة في عزة وقوة في ظل دولة إسلامية رشيدة حصينة، وقد أرشدنا الله تعالى إلى ذلك بقوله: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الآية (إبراهيم:1)، وبعد أن ذكر سبحانه أصول الإسلام في العقيدة ونظام الأسرة وسائر المعاملات أوصانا باتباع ذلك وحذرنا من الأهواء والطرق المضلة فقال سبحانه: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (الأنعام: 153)

وروى الإمام أحمد والنسائي والحاكم وغيرهم من طرق عدة عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال خطّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًّا بيده ثم قال: هذا سبيل الله مستقيمًا، وخطّ عن يمينه وشماله ثم قال هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ (الأنعام: 153).

وروى الإمام أحمد والنسائي والترمذي من طريق جبير بن نفير عن النواس بن سمعان رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ضرب الله مثلا صراطًا مستقيمًا، وعن جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول يا أيها الناس هلم ادخلوا الصراط المستقيم جميعا ولا تفرقوا، وداع يدعو من فوق الصراط فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه فإنك أن فتحته تلجه؛ فالصراط الإسلام، والسوران حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله، والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم. وقال الترمذي بعد أن رواه حسن غريب.

س2: ما هي أهم المقومات التي تجعل العالم المسلم قائدًا اجتماعيًّا ومعلمًا صادعًا بالحق على كل حال، وجامعًا بين الفتوى وإدراك القضايا المعاصرة؟

ج2: من أهم مقومات المسلم الذي يعد نفسه للدعوة إلى الإسلام دعوة صادقة في نفسها سليمة في منهجها تؤتى ثمارها مباركة طيبة ما يأتي:

  • أولا: أن يتضلع من اللغة العربية، مفرداتها وتراكيبها قواعدها وأساليبها ومن معرفة مغازيها ومقاصدها ليتمكن بذلك من فهم كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهمًا مستقيمًا وليكسب حسن بيان وفصاحة لسان، فيقوى بذلك على نشر الإسلام بلسانه دروسًا ومحاضرات، وبقلمه تأليفًا للكتب ونشرًا للمقالات، إلى غير ذلك من وسائل الإرشاد وأنواع الدعوة والبلاغ.
  • ثانيا: أن يتدبر آيات القرآن وأحاديث السنة النبوية ويتفقه فيها فإنهما أصل الإسلام، ويعرف ما ثبت عن أئمة السلف الصالح من الآثار في فهمهما واستنباط الأحكام منهما، ويعرف ما أجمعوا عليه من ذلك حتى لا يخرج في فهمه واستنباطه عما أجمعوا عليه من العقائد والأحكام، وقد أمرنا الله بذلك وأرشدنا إليه قال تعالی ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (ص: 29)، وأنكر على الذين لم يتدبروا آياته ولم يتفهموها فقال سبحانه ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (النساء: 82) ﴿وقال أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (محمد: 24).

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمرنا باتباع سنن أئمة الهدى، وحذّرنا من البدع والمحدثات فقال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» وقال «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».

  •  ثالثا: عليه أن يتعرف واقع الحياة وأعراف الناس واختلاف أحوالهم ليتمكن من تطبيق قواعد الشريعة وعمومات النصوص على ذلك تطبيقًا صحيحًا، فإن العالم قد يكون واسع الاطلاع خبيرًا بالأدلة ضابطًا لكنه يخطئ كثيرًا في تطبيقها لجهله بأعراف الناس واختلاف عاداتهم وأحوالهم وبالظروف والملابسات المحيطة بالقضية التي يحكم فيها أو المسائل التي ينظرها ليفتي فيها، ولا يتحقق ذلك إلا بمخالطة الناس مخالطة دراسة وتعرف لأحوالهم مع محافظته على حسن سمته ووقاره ودينه، أو بسؤال من يعرف أحوالهم وأعرافهم واصطلاحاتهم.
  • أن يكون مثالاً حسنًا في الاعتصام بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والتزام هديهما والسير على ما كان عليه السلف الصالح عقيدة وعملاً وخلقًا ليصدق حاله علمه وليكون قدوة صالحة وأسوة حسنة لغيره. وليكون داعية إلى الإسلام بقوله وعمله وسلوكه فيطمئن إليه الناس ويأمنوه على دينهم، وبذلك يصلح المجتمع الإسلامي ويسود فيه الأمن والسلام ويصير مثلا أعلى يرشد الناس إلى صلاحية دين الإسلام لإقامة مجتمع فاضل وتحقيق حياة سعيدة للعالم ويكون برهانًا عمليًّا قاطعًا يدحض شبهات من يسيئون الظن بالإسلام من أجل ما يشاهدونه من أحوال من ينتسب إلى الله من المبتدعة والمجاهرين بالمعاصي والمنحرفين والملاحدة الذين حرّفوا الكلم عن مواضعه، وانحرفوا قولاً وعملاً وخلقًا عن شريعة الله من الصوفية وغيرهم، فأساءوا إلى الإسلام وصاروا وصمة عار على المسلمين ويحسبون على الإسلام ويذكرون في عداد المسلمين والإسلام منهم براء.

خامسًا: أن يلتزم المدرس والكاتب الإسلامي والداعية إلى الله الطريقة المُثلى في التعليم والكتابة والإرشاد، طريقة الرسل عليهم الصلاة والسلام التي اختارها الله لهم وعلّمهم إياها، وأرشد الأمم الإسلامية إليها في كتبه التي أنزلها على رسله عليهم الصلاة والسلام، من ذلك قوله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (النحل: 125).

س 3: ينطوي تراث المسلمين أو ينطوي الكثير منه على خرافات وأوهام تشوه الحقائق وتنفر المحدثين من ذراري المسلمين من هذا التراث؛ فهل ترون ضرورة القيام بتطهير ثقافي يحاكم التراث إلى الكتاب والسنة، فيمحو السيئ، ويستبقي الحسن، كيف يتم ذلك؟

ج3: ما ذكرت من وجود كثير من الخرافات والبدع والأوهام في كثير من الكتب والرسائل التي ألّفها بعض المسلمين هو الواقع المؤلم الذي يحز في نفس المسلمين الصادقين الذين اتبعوا كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، وهدي الخلفاء الراشدين المهديين ومن سلك سبيلهم من بعدهم. ولم يشوبوا أصول الدين ولا فروعه بشوائب البدع والخرافات، لم يلبسوا الحق بالباطل، بل صانوا عقائدهم وأعمالهم من المحدثات فكانوا الفرقة الناجية التي صدق فيها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى».

إن ما أحدثه المبتدعة من البدع في الدين، وما ألصقوه به من الخرافات قد فتح باب شر على الإسلام والمسلمين، فإن كثيرًا من جهلة المسلمين وأشباه الأميين من المتعلمين قد اعتقدوها دينًا فضلوا بها عن سواء السبيل، وفتحت ثغرة لأعداء المسلمين وأرباب الأهواء للطعن في الإسلام بما ليس منه، بل الإسلام منه براء، وشوهوا بذلك معالم الإسلام ولبسوا على الناس فصدوهم عن دين الحق أو شككوهم فيه، وأحدث ذلك أيضًا تفرقًا في صفوف المسلمين، فصاروا شيعًا وأحزابًا، وصدق فيهم قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (الأنعام: 159)، وما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «ليأتين على أمتي ما أتى على بني "إسرائيل" حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية كان من أمتي من يصنع ذلك، وأن بني "إسرائيل" تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا من هي يا رسول الله، قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي» رواه أبو عيسى الترمذي وقال: هذا حديث غريب مفسر لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وهو بجميع طرقه حسن جيد صالح للاحتجاج.

قال شيخ الإسلام ابن تيميه بعد أن ذكر هذا الحديث: «وهذا الافتراق مشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وسعد ومعاوية وعمرو بن عوف وغيرهم رضى الله عنهم».

وقال ابن كثير في تفسيره قد ورد في الحديث أن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة، وأن النصارى اختلفوا على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، منها واحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار، قيل من هم يا رسول الله، قال: ما أنا عليه وأصحابي» رواه الحاكم في مستدركه بهذا اللفظ وهو في السنن والمسانيد».

لذا يجب على أهل السنة والجماعة من حكام وعلماء أن يسعوا جهدهم ويبذلوا وسعهم في إرشاد الناس إلى دين الله الحق، وأن يحثوهم على الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وأن ينكروا على المبتدعة والملاحدة ما هم فيه من بدع وإلحاد، عسى أن تذهب عنهم الأهواء التي مزقتهم وفرقت جمعهم، وأن تأتلف قلوبهم ويكونوا على بينة وبصيرة في أمور دينهم ودنياهم، وبهذا ينتظم شملهم وتجتمع كلمتهم وتقوم دولتهم ويكون الدين كله لله وحده لا شريك له.

وإنما يتحقق ذلك بأمور، من أهمها:

1- العناية بأجهزة التعليم وحسن اختيار القائمين به من جهة الأمانة والقوة العلمية والشعور بالمسئولية، ليحسنوا القيام به إداريًّا وفنيًّا كل فيما يخصه، وليكونوا مثالاً حسنًا وقدوة صالحة الطلاب.

2- العناية بمناهج التعليم وحسن اختيار كتب الدراسة فيوضع أقوم المناهج العلمية ويختار أنفع الكتب للطلاب في تغذية أرواحهم وتثقيف أفكارهم وحفظ عقائدهم وأخلاقهم.

3- العناية بالاختبارات من جهة الدقة في الأسئلة عبارة ومعنى، وإحكام الرقابة وقت الإجابة وجودة التصحيح لأوراق الإجابة مع رعاية الاعتدال في كل ذلك فلا تعسف ولا استبداد ولا فوضى ولا تساهل.

4- العناية بالإعلام إذاعة وتلفزة وصحافة، فإنه لسان الدولة وأداة توجيه الأمة إلى ما فيه صلاحها أو هلاكها، فإذا اختير القائمون عليه اختيارًا سليمًا وكانوا من ذوي العلم والفضل والرغبة الصادقة في توجيه المسلمين إلى أسباب النجاة في عقائدهم وأعمالهم وأخلاقهم وتحذيرهم من أسباب الهلاك وإرشادهم إلى كل ما فيه صلاح أمر دينهم ودنياهم وسلامة مجتمعهم مما يفسد العقيدة والأخلاق ويوغر الصدور ويسبب الشحناء والعداوة. إذا كان القائمون على الإعلام بهذا الوصف حسب الإمكان. فإنه يحصل به ما ذكرنا من الخير ويزول به ما ذكرناه من الشر، ويكون عاملاً عظيمًا وأداة قوية في إصلاح الأمة وتوجيه شبابها وفتياتها إلى كل ما فيه خير للجميع السلامة وصلاحهم وتمكينهم دينهم والسلامة من مكائد عدوهم.

الرابط المختصر :