; قمة التعاون خطوة على طريق الوحدة | مجلة المجتمع

العنوان قمة التعاون خطوة على طريق الوحدة

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الأحد 15-ديسمبر-1991

مشاهدات 17

نشر في العدد 980

نشر في الصفحة 4

الأحد 15-ديسمبر-1991

اجتماع القمة الخليجية في الكويت

في غضون أسبوع، يلتقي قادة دول مجلس التعاون الست على أرض الكويت المحررة، ليعقدوا اجتماعهم السنوي المعتاد في ظروف أقل ما يقال عنها إنها استثنائية. فخلافًا للقاءات سابقة، تأتي قمة الكويت الخليجية وسط إحساس عميق بالنجاح والإنجاز. فهذا المجلس الذي بدا لوقت من الزمن ككيان سياسي تختص به الحكومات دون الشعوب، تأكد الجميع فيما بعد أنه مجلس يعبر عن وحدة حقيقية بين شعوبه. ففي ظروف المحنة الرهيبة التي تعرضت لها الكويت، وعاشتها معها شقيقاتها الخمس، وضح للجميع حقيقة الترابط النفسي والمعنوي الصلب بين أبناء الخليج تجاه إخوانهم المنكوبين في الكويت. وعندما نزح مئات الآلاف من الكويتيين إلى أقطار الخليج، سبقت الشعوب الحكومات في النهوض بواجبات الإيواء والمواساة والنصرة. وفتحت آلاف البيوت في المملكة العربية السعودية والبحرين وقطر والإمارات وعُمان أبوابها للأسر الكويتية. وامتنع أصحاب المتاجر والمطاعم والمرافق الخدمية عن قبول الأموال من الكويتيين نظير الخدمات التي تُقدم إليهم، وما سوى ذلك من صور التعاطف والبذل التي كان لها أبعد الأثر في تقديم العزاء لمن ترك بيته وأرضه فوجد نفسه في بيته وأرضه. هذه الصورة الرائعة من الترابط لم نجد لها مثيلًا في حالات عديدة لشعوب نكبت بما نكب به شعب الكويت، وهي الصورة التي نقدمها الآن لقادة أقطار مجلس التعاون ونقول لهم: الوحدة الخليجية مطلب شعبي.

 

الوحدة طريق النصر

ثم كانت النتيجة التي تحققت بفضل الله، حيث هُزِم المعتدي وسُحِقَت جيوش عدوانه. وكانت مساهمة أقطار الخليج في هذا النصر أعظم من أن تُخفى، فدول الخليج هي التي قدمت الأرض والمال والقرار السياسي والجهد الدبلوماسي من أجل حرب التحرير، ثم هي التي قدمت الجيوش والقوات والسلاح والذخيرة، ثم الشهداء من أجل طرد العدوان. فكانت ثمرة ذلك كله بعد توفيق الله الخيبة للظالم والفرج للمظلومين. هذه الحقيقة نقدمها الآن لقادة المجلس في لقائهم القادم ونقول لهم: الوحدة الخليجية إرادة للنصر.

 

الوحدة قوة مقنعة

والآن تتجه أنظار القوى الدولية للخليج، وتبحث عن الحل الناجح لمشكلة الأمن والاستقرار لهذه المنطقة التي تحوي تحت أرضها نصف نفط العالم، في إطار البحث عن الحلول الإقليمية لأمن الخليج. هل لدى مجلس التعاون الخليجي حل يقدمه؟ إن القوى العظمى تبحث عن مصالحها، ولا تمنح الثقة إلا للدول الإقليمية ذات القوة والجدارة. وبلا شك فإن فرصة دول مجلس التعاون متفرقة في خلق الإقناع الدولي بالكفاءة والقدرة على حماية وتحقيق المصالح الدولية أقل بكثير من فرصتها عندما تظهر للعالم موحدة مترابطة، لها رأي واحد وقرار واحد، وقوة تفاوضية واحدة. في ظل هذه الحقيقة التي تطرح نفسها على المستقبل الأمني والسياسي للخليج، نقول لقادتنا المجتمعين قريبًا في ضيافة الكويت: الوحدة الخليجية قوة مقنعة. علينا أن نخرج من نطاقنا الإقليمي وننظر للعالم الذي يموج بالتغيرات السريعة والمربكة. فبعد انهيار الوهم الشيوعي وآلته العسكرية، نجد الدول الكبرى ذات السيادة الدولية تتحدث عن نظام دولي جديد يُراد له أن يحكم العلاقات في العالم. في هذا النظام الدولي الجديد، ما موقعنا؟ وكيف نؤثر من خلاله أو نتأثر؟ كيف يلعب الاقتصاد والمال فيه دور الجيوش الجرارة أو أكبر؟ إن كل إجابة عما سبق من تساؤلات يدفعنا للنظر فيما لو كان النظام الجديد سيتقبلنا دولًا صغيرة متفرقة، في حين أنه يستقبل أوروبا بأقطارها العملاقة موحدة متجمعة. ندفع هذا التساؤل لقادتنا ليضعوه في جدول أعمال هذه القمة، ونقول لهم: الوحدة الخليجية قرار المستقبل.

 

الوحدة ذراع رادعة

وإذا استعرضنا كل الهموم والقضايا التي ستشغل بال القادة الخليجيين وقلّبنا الحلول والاقتراحات، فإنها ستقودنا في اتجاه واحد وتهتف في آذاننا: الحل هو الوحدة. القلق الأمني والعسكري يجد علاجه في الوحدة، فالجيش الخليجي الموحد والمُقترَح، إذا ما أُحسن تدريبه وتجهيزه وأُسندت قيادته إلى الأكفاء القادرين، فإنه يعطي للمجلس قوة رادعة لها اعتبارها. وكما اقترحت بعض القيادات الخليجية، فإن الجيش المزمع سيضم 100 ألف مقاتل في الخدمة، و200 ألف مقاتل في الاحتياط. ولو تخيلنا أن جيش الغدر البعثي حاول تكرار جريمته ضد قطر من أقطار الخليج ووجد أمامه هذا الجيش الرادع، فهل سينال - بقوة الله - إلا الخيبة؟ مشروع الجيش الموحد يدرسه القادة الخليجيون قريبًا، ونحن نقول لهم: الوحدة الخليجية ذراع رادعة.

 

الوحدة قوة اقتصادية

ولعل أبرز القضايا التي سننشغل بها في الخليج لسنوات ستتركز على الاقتصاد والتنمية. وإذا كان الاقتصاد الخليجي يقوم في الأساس على الصناعة النفطية، والنفط سلعة يعتمد سوقها على القوة الإنتاجية الأفضل للأطراف المنتجة، علمنا أهمية أن تُنسَّق وتُوحَّد جهود دول المجلس في مجالات إنتاج وتصنيع وتكرير وتسويق البترول. ولو حضر لاجتماعات أوبك وزير واحد يمثل قرارًا خليجيًا موحدًا، لما اختلف القرار النهائي لأوبك قيد أنملة عن القرار الخليجي. وفي قضية التنمية، لنا في الخليج هموم كثيرة. فلسنوات طويلة، انغمست المجتمعات الخليجية في نمط مسرف من الاستهلاك، حتى إنها كادت تكون اقتصادات استهلاكية لا تنتج غير النفط. مستقبلنا يتطلب شيئًا غير ذلك، نريد ممارسة التنمية لنتحول إلى الصبغة الإنتاجية المفيدة، ولكي نضمن لأنفسنا ولأجيالنا القادمة مكانة اقتصادية أفضل إذا ما تعرض سوق النفط للأخطار. نريد من التنمية أن تتركز حول الإنسان. فليس لنا موارد في الخليج بعد النفط سوى الإنسان، وهو المورد الأهم. ومورد اليابان مثلًا ليس نفطًا أو معادن أو زراعة، موردها الإنسان الياباني المنتج المبتكر. هذه التنمية لن تحققها دولة صغيرة محدودة في مرافقها، محدودة في مؤسساتها التعليمية، ومحدودة في فرص العمل والإنتاج والابتكار. إن الانفتاح والتواصل الخليجي علاج ناجح آخر لقضايا التنمية في منطقتنا، لذا نقول للقادة أيضًا: الوحدة الخليجية قوة اقتصادية.

 

الوحدة واجب إسلامي

على أن كل ما سبق هو حديث عن الماديات. إذ ما قيمة أن يُبنى كيان على أعمدة من المادة المجردة ما تلبث أن تنحتها رياح الزمن؟ إننا نتساءل: ما هوية الاتحاد الخليجي الذي نريد؟ ما هي مبادئه وأطروحاته الفكرية والثقافية؟ هل هو اتحاد نفطي؟ أم اتحاد جغرافي محض؟ أو اتحاد بين قبائل متشابهة؟ هويتنا الوحيدة في هذا الاتحاد هو الإسلام. ولا غرور، فهذه الأرض التي يضمها الاتحاد هي منبع الإسلام، والتي سار عليها أفضل الخلق - صلى الله عليه وسلم - ومنها انطلق صحابته الأجلاء ينشرون خير دين وأطهر كتاب. وهو الإسلام وحده الذي يقدم للاتحاد الخليجي قيمًا ومبادئ خالدة، وهي القيم التي تحمي الدماء والأعراض والأموال التي أباحتها الشعارات القومية الجوفاء وهددتها النزعة العلمانية العمياء، ورأينا ذلك كله في المحنة الأخيرة. نقول هذا أيضًا للقادة الخليجيين، وندعو الله أن يوفقهم في اجتماعهم القادم لما فيه خدمة الإسلام والمسلمين وأهل هذه الشعوب المسلمة الطيبة التي يحكمون، ونذكرهم بأن: الوحدة الخليجية واجب إسلامي.

 

 

الرابط المختصر :