العنوان قمة«دنفر» نظرة عابرة على مشاكل الفقراء
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 01-يوليو-1997
مشاهدات 9
نشر في العدد 1256
نشر في الصفحة 44
الثلاثاء 01-يوليو-1997
موسكو: المجتمع
اختتمت قمة «دنفر» للدول الصناعية الكبرى أعمالها بإصدار بيان مشترك بشان القضايا التي تم بحثها والتي تناولت الأوضاع السياسية والاقتصادية في عالم ما بعد انتهاء الحرب الباردة، إلى جانب قضايا الأمن النووي والبطالة والفساد السياسي والإرهاب وتجارة المخدرات، وأشاد البيان المشترك الصادر عن قمة «دنفر» بالإصلاحات الروسية وأعرب عن دعم الدول الصناعية الكبرى لها ودعا الصين إلى الالتزام بالمبادئ والتقاليد الديمقراطية في هونج كونج بعد عودتها إليها، وحذر القادة البوسنيين من فقدان الدعم الدولي، ما لم يتم الالتزام الدقيق باتفاق «دايتون»، وتسليم المتهمين بارتكاب جرائم الحرب لمحاكمتهم أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي.
كما دعت قمة دنفر القيادة الأوكرانية إلى الاستمرار في الإصلاحات الاقتصادية كشرط التدفق المساعدات والاستثمارات الأجنبية ووعدت بتقديم مبلغ ۳۰۰ مليون دولار إضافية المساعدة أوكرانيا في إغلاق مفاعل «تشيرنوبيل» النووي
والبحث عن مصدر بديل للطاقة. ومن خلال نظرة عابرة على مشاكل الفقراء في العالم، وعد بيان الأغنياء بالمساعدة في التصدي للمرض والأوبئة ومكافحة الإيدز، وشدد البيان من انتقاداته للفساد السياسي والاقتصادي وحذر من عواقبه في تقويض دعائم الأنظمة السياسية والإساءة إلى مبدأ تكافؤ الفرص والمنافسة الحرة لدى عقد الصفقات التجارية. وكالعادة لم يبخل المشاركون في قمة «دنفر» ببضع كلمات حول قلقهم تجاه التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط ودعوة أطراف النزاع لاستئناف الحوار والجلوس إلى مائدة المفاوضات، وهل كان بمقدور قمة «دنفر» أن تذهب إلى أكبر من ذلك تجاه النزاع في الشرق الأوسط رغم تواجد راعيي التسوية - روسيا والولايات المتحدة – فيها؟ إن مثل هذه المعالجة لن تغير كثيرًا من الوضع القائم في الشرق الأوسط في ظل الانحياز الكامل من جانب الولايات المتحدة لإسرائيل والسلبية الروسية، مما يضيف أبعادًا دراماتيكية على هذا النزاع. ولم تقدم القمة حلولا ذات شأن المعالجة البطالة في بلدانها وفي العالم، رغم أنها «أي البطالة»، غدت الشغل الشاغل للقيادات السياسية في الغرب، ولم تضع القمة «وصفة» للانتقال من اقتصاد الحرب إلى اقتصاد السلم بعد سقوط الشيوعية للحيلولة دون تكرار مأساة البانيا وتفادي وقوع هزات اجتماعية عنيفة في بلدان أوروبا الشرقية، ناهيك عن بلدان العالم الثالث المنسية. وباختصار لا ينبغي النظر إلى لقاءات الأغنياء «مجموعة الدول الصناعية السبع التي تضم اليابان والولايات المتحدة وكندا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا»، بوصفها المخلص أو المنقذ لحالة الفقر التي تفاقمت في مناطق كثيرة من العالم في الآونة الأخيرة، بل هي أكدت عجز قمة «دنفر» وغيرها من القمم السابقة أو اللاحقة لمنتدى الأغنياء، عن السعي لتخليص البشرية من الفقر والأمراض وتحقيق التنمية المتوازية وتقليص الفوارق الاجتماعية والحضارية والاقتصادية بين مختلف شعوب العالم. لقد جسدت القمة صراع العمالقة فلا مكان للصغار فيها، هذا ما جسده الصراع الأمريكي مع اليابان حول ميزان التبادل التجاري ومع بلدان أوروبا بشأن أولوية الدول المرشحة للانضمام لحلف الناتو. إنه عالم الكبار حقًا، حيث تسيطر الدول الصناعية السبع المعروفة بمجموعة «السبع»، على أكثر من ٥٠ ٪ من التجارة الدولية، وتحوز على أكثر من ٤٥% من إجمالي الطاقة الاقتصادية في العالم.
فيتو ياباني ضد روسيا
وعلى هامش أعمال القمة عقد زعماء الدول المشاركة فيها سلسلة من اللقاءات الثنائية استهدفت تنسيق المواقف تجاه القضايا المطروحة وتسوية الخلافات القائمة بين بعضها البعض، على غرار القمة الأمريكية - اليابانية لبحث الفائض في الميزان التجاري لصالح اليابان ، والذي تخطى ٦٠ مليار دولار في العام والقمة الروسية – اليابانية لبحث سبل تسوية النزاع حول جزر الكوريل. وفي الوقت الذي نجحت فيه القمة الأمريكية- اليابانية في تسوية القضايا العالقة بين البلدين حول التبادل التجاري لمنح الولايات المتحدة فرصًا أكبر للدخول إلى أسواق أجهزة الاتصالات والأجهزة الطبية اليابانية، جددت روسيا واليابان التمسك بالوثيقة التي وقعها الطرفان عام ١٩٩١م والتي نصت على تسوية النزاع حول جزر الكوريل على أساس من العدالة التاريخية والقانون الدولي. غير أن الرئيس الروسي يلتسين أعرب في أعقاب لقائه برئيس الوزراء الياباني روتاروا هاشیموتو عن خيبة أمله في وضع العلاقات بين روسيا واليابان. وبدوره نفی هاشيموتو احتمال زيارته لروسيا الاتحادية خلال العام الجاري، مما يعني فشل القمة الروسية - اليابانية في «دنفره» في تسوية القضايا المتنازع عليها وتقريب وجهات نظر الطرفين بشأنها. ويرى المراقبون أن «الفيتو» الياباني واستمرار معارضة طوكيو الشديدة لانضمام روسيا المنتدى الدول الصناعية الكبرى، أملًا في ممارسة الضغوط على الكرملين وحمله على تقديم التنازلات فيما يتعلق بالنزاع على جزر الكوريل، حال دون انضمام روسيا كامل العضوية المنتدى الدول الصناعية الكبرى في العالم. كما أوقع الإصرار الياباني على عدم مشاركة الرئيس الروسي في المناقشات الخاصة بالشق الاقتصادي والمالي في قمة «دنفر» الرئيس الأمريكي في حرج بالغ، بعد أن وعد نظيره الروسي، أثناء قيمة هلسنكي في مارس الماضي، بتسهيل مهمة انضمام روسيا الكامل للمنتدى الاقتصادي الدولي مقابل سحب اعتراضها على توسيع عضوية حلف الناتو والكف عن النظرة السلبية لهذه الخطوة. لقد اضطر كلينتون إلى إدخال تعديلات على برنامج لقاءاته مع قادة البلدان المشاركة في قمة دنفر، ليلتقي برئيس الوزراء الياباني قبل لقائه بالرئيس يلتسين «بعد أن كان مقررًا العكس، في محاولة أخيرة لإقناعه بالتخلي عن «الفيتو» الياباني لإعاقة الضمام روسيا إلى المجموعة، لكن دون جدوى. وبدلًا من التفهم للموقف الأمريكي الداعي لإبداء المرونة تجاه انضمام روسيا للمنتدى الاقتصادي الدولي، دعا هاشيموتو قادة الدول الست الآخرين إلى التضامن مع موقف بلاده للحيلولة دون انضمام روسيا للمجموعة وعدم السماح للرئيس الروسي بالمشاركة في الشق الاقتصادي والنقدي من أعمال قمة دنفر، وكان لسان حال رئيس الوزراء الياباني يقول لرفاقه داخل مجموعة الدول الصناعية الكبرى: لقد أخذتم كل شيء من روسيا، فماذا أخذنا نحن كي توافق على انضمامها إلى المنتدى؟
يذكر أن النزاع حول جزر الكوريل أعاق- ومازال - التوقيع على معاهدة السلام بين اليابان وروسيا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا.
وبهذا يكون الرئيس الروسي قد فشل في تحقيق الهدف الرئيسي من وراء مشاركته في قمة «دنفر» بتحويل منتدى السبع إلى ثمان. على حد تعبيره قبل مغادرته موسكو متجهًا إلى الولايات المتحدة.
الفيتو الياباني يحول دون انضمام روسيا لمنتدى الأغنياء
وإلى جانب الفيتو الياباني، كثيرًا ما طالب الغرب من القيادة الروسية خلق نظام سياسي ثابت يستبعد وصول المتطرفين إلى السلطة ويحترم حقوق الأقليات العرقية والقومية ويؤمن مستوى معيشيًا لائقًا لمواطنيها، كشروط لا غنى عنها لانضمام روسيا إلى نادي الدول الصناعية الكبرى. وتقود المشاركة الروسية، وهي الثامنة من نوعها في أعمال قمم الدول الصناعية الكبرى إلى عام ١٩٩١م، حيث شارك الرئيس السوفييتي جوريا تشوف لأول مرة في قمة لندن كمراقب، بحثًا عن المساعدات الغربية للبيروسترويكا، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي واعتراف العالم بروسيا وريثًا له واظب يلتسين على حضور الشق السياسي من اجتماعات قادة الدول الصناعية الكبرى، ولم يكف عن المطالبة بالعضوية الكاملة فيها.
وترى القيادة الروسية في انضمامها للمجموعة انتصارًا سياسيًا ضخمًا يمكن استثماره داخليًا في وقت تتاكل فيه مواقع ونفوذ الإصلاحيين الروس، خاصة مع اقتراب نهاية الفترة الرئاسية الثانية والأخيرة للرئيس الحالي يلتسين.
كما راهنت القيادة الروسية على أن يؤدي انضمامها لمجموعة الدول الصناعية الكبرى إلى تسريع تكاملها مع الاقتصاد العالمي، وإلى تحسين وضع روسيا داخل المنظمات المالية والاقتصادية الأخرى، مما قد يساعدها في انتشال الاقتصاد الروسي من أزمته الراهنة وتحقيق النمو الاقتصادي.
يلتسين لن يشارك في قمة مدريد
وقد أثار المراقبون أن يؤدي وصول الاشتراكيين إلى السلطة في فرنسا وبريطانيا إلى نسف الإجماع الذي ساد القمم السابقة لقادة الدول الصناعية الكبرى تجاه
اقتصاد السوق، في وقت دعا فيه الرئيس الأمريكي إلى تسويق أفكاره بهذا الشأن إلى مختلف بقاع العالم لتحقيق نظام العولمة، لقد أكد كلينتون على أهمية الإجماع على اقتصاد السوق عندما أشار في خطابه في قمة دنفر إلى أنه وللمرة الأولى يسود الإجماع بين الدول الرأسمالية والشيوعية السابقة والنامية على الأخذ بنظام
الاقتصاد الحر. ولم يقتصر الأمر على حد المخاوف من اختفاء «الإجماع» على اقتصاد السوق بعد وصول الاشتراكيين إلى السلطة في بريطانيا وفرنسا، بل انفجرت الخلافات داخل حلف الناتو ذاته حول أولوية الدول المرشحة للانضمام للحلف أثناء انعقاد قمة مدريد في الثامن من الشهر المقبل. لقد بادرت الولايات المتحدة بالإعلان عن موقفها الداعي لقبول انضمام ثلاثة من المرشحين العضوية الحلف - بولندا والمجر وتشيكيا - في قمة مدريد المقبلة وإرجاء البت في باقي الطلبات لإشعار آخر، ومن المتوقع أن تصر الإدارة الأمريكية على موقفها هذا لعدة أسباب منها:
- عدم استنفار أو استفزاز روسيا بقبول أكبر عدد من الدول المرشحة للانضمام للحلف دفعة واحدة.
- التأكيد على السيادة الأمريكية داخل الحلف.
- اختبار سير عملية انضمام الأعضاء الجديد والنفقات المالية المطلوبة لها، في وقت لم يوافق الكونجرس فيه سوى على تخصيص ۲۰۰ مليون دولار في العام للإنفاق على توسيع الحلف.
هذا في الوقت الذي تصر فيه بون وباريس على قبول دولتين أخريين من دول شرق أوروبا للحلف هما سلوفاكيا ورومانيا، ليصل عدد الدول المرشحة للانضمام له خلال قمة مدريد إلى خمس. وقد استبعد يلتسين مشاركته في قمة مدريد لقادة الدول الأعضاء في حلف الناتو، بحجة النقاط الأنفاس بين الجانبين - روسيا والحلف- بعد التوقيع على اتفاق باريس في السابع والعشرين من مايو الماضي. وطبقًا لما ذكرته مصادر مقربة من الرئيس الروسي، فإن الكرملين سوف يرسل مبعوثًا له «لا يرتقي لدرجة وزيره » إلى قمة مدريد لقادة دول حلف الناتو، طبقًا لاتفاق باريس. ويربط المراقبون . المشاركة في ق بين رفض الرئيس الروسي قمة مدريد وبين الرغبة في نفي ما يتردد بشأن مقايضة الكرملين انضمامه لمجموعة الدول الصناعية بسحب اعتراضه على توسيع عضوية الحلف أو الكف عن رؤيته السلبية لهذه الخطوة، فرغم التوقيع على اتفاق باريس بين روسيا والناتو، إلا أن القيادة الروسية قد أعلنت مرارًا عن موقفها السلبي تجاه توسيع الحلف و اقترابه من الأراضي الروسية، كما تتمسك القيادة الروسية بموقفها المتشدد تجاه انضمام بلدان الاتحاد السوفييتي السابق، بما فيها دول البلطيق« إستونيا ولاتفيا وليتوانيا» للحلف، وهددت بإعادة النظر في اتفاق باريس إذا تم قبول هذه البلدان في عضوية حلف الناتو .
جورباتشوف: مجموعة الثماني كذبة
اعتبر الرئيس السوفييتي السابق جورباتشوف أن تعبير «مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى»، مجرد كذبة، وقال في مقال صحفي له إن روسيا لم توجه لها الدعوة للمشاركة في المناقشات الاقتصادية، وكان وجود يلتسين في القمة مجرد مظهر احتفالي ولم يشكل حضوره أي أهمية تذكر.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
لقاءات المجتمع.. مع أحمد البزيع الياسين حول «شركة الاستثمارات العامة»
نشر في العدد 189
22
الثلاثاء 26-فبراير-1974