العنوان قمة طهران الثلاثية.. هل انتهى مسار أستانا
الكاتب د. سعيد الحاج
تاريخ النشر الاثنين 01-أغسطس-2022
مشاهدات 19
نشر في العدد 2170
نشر في الصفحة 27
الاثنين 01-أغسطس-2022
قمة طهران الثلاثية.. هل انتهى مسار أستانا
الجولات السابقة من مسار أستانا كانت نسخاً مكررة ولم تقدم إنجازاً يذكر
القمة لم تصل لتوافق الدول الثلاث على الملف الأبرز وهو العملية التركية المحتملة بسورية
التصريحات التي سبقت القمة أظهرت فجوة واضحة في المواقف من العملية التركية
عُقدت في العاصمة الإيرانية طهران، في 19 يوليو الماضي، النسخة السابعة من قمم إطار أستانا الثلاثي على المستوى الرئاسي، بمشاركة الرؤساء الروسي «فلاديمير بوتين»، والتركي «رجب طيب أردوغان»، مع صاحب الاستضافة الإيراني «إبراهيم رئيسي».
وعلى عكس الجولات السابقة، فقد كانت هذه القمة في بؤرة الاهتمام السياسي والإعلامي ليس فقط في سورية والمنطقة ولكن حتى دولياً لعدة أسباب؛ فهي القمة الأولى التي جمعت الرؤساء الثلاثة منذ مدة ليست بالبسيطة، منذ ما قبل جائحة «كورونا» على أقل تقدير، رغم أن الجائحة ليست بالتأكيد السبب الوحيد الذي حال دون عقدها مؤخراً.
لم يصدر عن القمم السابقة ومحادثات أستانا بأجمعها قرارات مصيرية أو اختراقات مهمة في القضية السورية مؤخراً، لكن رغم ذلك كان ثمة اهتمام واسع بالقمة الأخيرة، في المقام الأول بسبب التطورات الدولية والإقليمية التي سبقتها وتزامنت معها.
فقد جاءت القمة في وقت تلوّح تركيا فيه بتنفيذ عملية عسكرية جديدة في الشمال السوري تستكمل فيه إنشاء منطقة آمنة خالية من مسلحي قوات سورية الديمقراطية (قسد)، بعد أن أخلّت كل من موسكو وواشنطن بتعهداتهما السابقة في التفاهمات التي أبرمتاها مع أنقرة التي أنهت عملية «نبع السلام» في عام 2019م، فالحديث عن قمة ثلاثية في طهران أتى أولاً على لسان وزير الخارجية الروسي «سيرغي لافروف» لدى زيارته أنقرة، وتباحثه مع المسؤولين الأتراك بخصوص العملية، في يونيو الماضي.
وكذلك، وبما لا يقل أهمية عن ذلك، أتت القمة على هامش الحرب الروسية - الأوكرانية الممتدة منذ شهور، ولا سيما تداعياتها على روسيا، فالأخيرة تتعرض لعقوبات غربية من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وحلف «الناتو» ومساعٍ لعزلها وعزل مسؤوليها، بما في ذلك منع طائرة وزير خارجيتها من الطيران فوق بعض الدول الأوروبية.
ولذلك، فقد كانت القمة بمثابة رسالة من «بوتين» لواشنطن وبروكسل على وجه التحديد بأنه ما زال يملك خيارات بديلة ومساحات للمناورة، وأنه لا يمكن عزله، كما أن لقاءه مع «أردوغان» أتى في سياق المفاوضات مع أوكرانيا بوساطة تركية ورعاية أممية حول أزمة تصدير الحبوب الأوكرانية للعالم.
وقد أتت القمة كذلك بعد توتر غير معلن بين أنقرة وطهران على خلفية الصراع والهجمات المتبادلة بين الأخيرة والكيان الصهيوني، حيث ادعى الأخير أنها بصدد استهداف «إسرائيليين» في تركيا، داعياً إياهم لترك الأراضي التركية فوراً، في حين نفت إيران هذه الادعاءات، ودعت تركيا لتجنيب أراضيها أي تصفية حسابات، لكن ذلك لا ينفي توتراً حصل بين الجانبين ولا سيما وأن كل ذلك ترافق مع مسار تطوير العلاقات بين تركيا والكيان، ومن مؤشرات ذلك التوتر الخفي تأجيل زيارة وزير الخارجية الإيراني لتركيا، التي تمت لاحقاً كمؤشر على تجاوز التوتر مرحلياً.
وإضافة إلى تطورات دولية وإقليمية مهمة أخرى، فقد جاءت القمة الثلاثية بعد زيارة الرئيس الأمريكي «جو بايدن» للمنطقة واجتماعه في جدة مع زعماء 9 دول عربية، في سعي معلن منه لضبط سوق الطاقة المتأثر بالحرب الأوكرانية – الروسية، وتحديد موسكو كميات غازها المصدّر لأوروبا، وإدماج الكيان الصهيوني في المنطقة وزيادة منسوب التعاون معه في مختلف المجالات والقطاعات، وهو أمر يهم إيران وتركيا أيضاً وإن بدرجات متفاوتة.
نسخ مكررة
خلاصة القول: إن الجولات السابقة من مسار أستانا كانت نسخاً مكررة من بعضها إلى حد كبير، ولم تقدم إنجازاً يذكر في السنوات القليلة الأخيرة باستثناء الإطار التنسيقي الذي يحول دون تصادم الدول الثلاث الضامنة في سورية، وباعتبار أنه مسار بدأ في الأصل لما يخص القضية السورية، ورغم أن لقاءات ثنائية خطط لها أن تقام على هامش القمة الثلاثية، فإن القضية السورية -وخصوصاً العملية التركية المحتملة– كانت الملف الأهم على جدول أعمالها.
التصريحات التي سبقت القمة أظهرت فجوة واضحة في المواقف من العملية التركية المحتملة في سورية، فتركيا أكدت ضرورة مكافحة الإرهاب ومنع تشكيل «ممر إرهابي» على حدودها الجنوبية، بينما ركزت كل من روسيا وإيران على معاني الحل السياسي في معالجة التهديدات الأمنية التي تحيط بتركيا.
اللقاءات الثنائية لم تنتج اختراقاً ذا بال، بل أتت ضمن المتوقع، فاقترب الطرفان التركي والروسي من التفاهم حول أزمة الحبوب الأوكرانية؛ ما مهد لتوقيع الاتفاق بعد القمة بأيام في إسطنبول برعاية أممية، كما أن الاجتماع السابع لمجلس التعاون الاقتصادي رفيع المستوى بين تركيا وإيران نتج عنه 8 اتفاقيات اعتيادية في عدة مجالات.
أما البيان الختامي للقمة الثلاثية بين «بوتين»، و»أردوغان»، و»رئيسي»، والمكوّن من 16 بنداً، فقد جاء تكراراً للبيانات الختامية السابقة في تأكيده احترام وحدة أراضي سورية وسيادتها، وعدم وجود حل عسكري للأزمة السورية، ومكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، ورفض خلق حقائق جديدة على الأرض بما في ذلك مبادرات الحكم الذاتي غير المشروعة، وضرورة التنفيذ الكامل للاتفاقات السابقة بخصوص إدلب، وضرورة تسهيل العودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين، ولكن كان اللافت في هذا البيان التركيز على الانتهاكات «الإسرائيلية» بما في ذلك الهجمات العسكرية وتدمير البنى التحتية التي عدَّها البيان انتهاكاً للقانون الدولي والإنساني، فضلاً عن التأكيد على القرارات الدولية بخصوص الجولان السوري المحتل.
ولذا، وبالعودة لكل ما سبق، نجد أن القمة لم تصل لتوافق الدول الثلاث على الملف الأبرز على جدول أعمالها وهو العملية التركية المحتملة في سورية، حيث أكد الرئيس التركي، في حديث صحفي بعد انتهاء القمة، استمرار مكافحة بلاده للمنظمات الإرهابية، بينما قال وزير الخارجية الإيراني «أمير عبداللهيان»: إن بلاده ستعمل على تهدئة الهواجس الأمنية التركية ولكن عبر مسار سياسي، بل إن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران أكد، خلال لقائه مع «أردوغان»، أن العملية ستضر بسورية وتركيا والمنطقة، وهو ما فهم على أنه تهديد مبطن.
لا يعني ذلك أن القمة فشلت، فهي قد نجحت على المستويات الثنائية، من خلال الاتفاقات الموقعة بين تركيا وإيران من جهة، وتقارب وجهات النظر بين تركيا وروسيا بخصوص أزمة تصدير الحبوب من جهة أخرى، وهو ما نتج عنه الاتفاقية التي وقعها بعد أيام فقط من القمة الجانبان الروسي والأوكراني بوساطة تركية ورعاية أممية في إسطنبول.
أما على المستوى الثلاثي، فلا يبدو أن القمة قد أضافت جديداً، وهو ما دفع البعض للقول بأن المسار قد استنفد أغراضه ووصل إلى نهايته ولم يعد ذا فائدة، وهو ما نختلف معه للأسباب المهمة التالية:
أولاً: أن الهدف الرئيس للمسار ما زال قائماً ولا يمكن الاستهانة به، وهو ضمان عدم الصدام المباشر بين الدول الضامنة الثلاث.
ثانياً: أن الأوضاع الميدانية غير مستقرة ولا مضمونة ويمكن أن تتبدل في أي لحظة، ما سيزيد من أهمية هذا الإطار التنسيقي مستقبلاً.
ثالثاً: رغم الخلاف السياسي بين الدول الثلاث في سورية على وجه الخصوص، فإن الاقتصاد عامل مجمّع لهم، وهو حيوي ومؤثر ولا سيما في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية حالياً بسبب جائحة «كورونا» ثم الحرب الروسية - الأوكرانية.
رابعاً: يشكل هذا الإطار، وفي ظل الأوضاع الاقتصادية المذكورة والمعروفة في الدول الثلاث، فرصة للتبادل التجاري بالعملات المحلية، وهو أمر تسعى له كل من أنقرة وموسكو وطهران.
خامساً: تجمع الدول الثلاث علاقات سلبية في المجمل مع الغرب، وإن بدرجات متفاوتة، فروسيا في حالة حرب معه، وإيران في مفاوضات شاقة ومتذبذبة وعقوبات ما زالت قائمة، وتركيا في حالة جفاء مع من يفترض أنهم حلفاؤها التقليديون مع فجوة ثقة لا تخفى على مراقب.
ولذلك، في الختام، رغم عدم القدرة على إنجاز اختراقات مهمة في القمة الثلاثية وعدم التوافق بل الاختلاف بخصوص العملية العسكرية التركية المحتملة (بما انعكس لاحقاً وبشكل سريع في كل من العراق وسورية)، فإن الدول الثلاث ستبقى حريصة على إطار أستانا الثلاثي الذي يجمعها لما سبق ذكره من مصالح، ولذلك فهي لم تتوانَ عن تحديد القمة الثلاثية القادمة في روسيا بدعوة من «بوتين»، والتأكيد على الإعداد للجولة رقم 19 من محادثات أستانا بمشاركة مختلف الأطراف.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل