العنوان كبار المجرمين في حرب البوسنة والهرسك
الكاتب أسعد طه
تاريخ النشر الثلاثاء 18-يناير-1994
مشاهدات 13
نشر في العدد 1084
نشر في الصفحة 30
الثلاثاء 18-يناير-1994
الاستعراض السريع لحياة كبار المجرمين الذين يقودون الأزمة الراهنة في البوسنة والهرسك يكشف عن تناقضات طريفة، فالغالبية لا تحمل أي تاريخ سياسي أو نضالي من أجل بلادها أو القومية التي تنتمي إليها، وغالبيتهم كانوا أعضاء ربما قياديين في الحزب الشيوعي الذي كان يحكم يوغسلافيا السابقة، فلما انهارت الشيوعية وقفزوا إلى سدة الحكم حاكموا معارضيهم بحجة انتمائهم إلى الشيوعية وبعضهم استضافته السجون لفترات طالت أو قصرت لأسباب غير سياسية وبتهم السرقة والنصب والاحتيال أو غيرها.
وفي هذه السطور القليلة نحاول أن نستعرض بإيجاز حياة أولئك الزعماء.
سلوبودان مليوسفتش
ولد الرئيس الصربي مليوسفتش في مدينة «بوجاريفاتس» الواقعة شرق العاصمة بلغراد في العشرين من شهر أغسطس عام ١٩٤١ من آب كان يعمل قسيسًا قبل أن يهجر عائلته ثم ينتحر، ومن أم عرف عنها شيوعيتها المتشددة قبل أن تنتحر هي الأخرى عام ١٩٧٤. إلا أن مليوسفتش التلميذ أقبل على حياته الدراسية بنشاط كبير حتى عُرف عنه أنه كان طالبًا مجتهدًا، يجلس في الصفوف الأولى منطويًا على نفسه، لا يميل إلى مشاركة أقرانه للعب ولا رحلاتهم المدرسية، ويقول زملاؤه إنه كان ضعيف الجسم عاجزًا عن إنجاز ما كان زملاؤه ينجزونه أثناء حصص الألعاب الرياضية، تزوج مليوسفتش لاحقًا بزميلته «ميريانا ماركوفيتش» وهي السياسية النشطة والشيوعية المتشددة التي أصبحت فيما بعد أستاذة علم الاجتماع، وتقول عنها جريدة ST الكرواتية الصادرة في 19/ 2/ 92 إنها لا تتقيد بالمسائل الأخلاقية في حياتها الشخصية وأنها كانت على علاقة مع أحد معاوني مليوسفتش، أما ابنه البالغ من العمر ثمانية عشر عامًا فقد عاش لفترة في أحد المستوطنات الإسرائيلية قبل أن يسافر إلى أمريكا.
تخرج مليوسفتش من كلية حقوق بلغراد عام ١٩٦٤ وفي عام ١٩٦٦ بدأ يعمل كمستشار لرئيس مجلس مدينة بلغراد للمؤن الاقتصادية لشيوعيي، ثم التحق بشركة إنتاج الغاز عام ١٩٦٩ ليتدرج في الوظائف حتى يصبح مديرًا عامًا لها، ثم عمل من الفترة ٧٨- ۸۳ مديرًا لبنك بلغراد، وبدأ اسمه في البروز بصورة واضحة على المسرح السياسي عندما أصبح عام ١٩٨٤ رئيسًا لشيوعيي بلغراد ثم رئيسًا للجنة المركزية لشيوعيي صربيا في مايو عام ١٩٨٦ ثم رئيسًا منتخبًا لصربيا في مايو عام ١٩٨٩.
وهكذا بدأ هذا الرجل صاحب الرأس المربع والوجه المستدير والعينان الصغيرتان سيرته الحقيقية نحو الزعامة فيما لم يكن أحد يتوقع قبل خمس سنوات أن هذا الموظف سيئ المزاج بوسعه أن يصبح بطلًا شعبيًا وأدرك الزعيم الجديد -الشيوعي الأصل- أن اللعب على الأوتار القومية والدينية -سيجلب له شعبية ما كان يحلم بها، وأن الشعب الصربي يحمل بين جنبيه روحًا متعصبة عالية سيكسب مليوسفتش كثيرًا إذا ما نجح في تفجيرها خاصة ضد الألبان المسلمين في مقاطعة كوسوفو المحتلة.
ويعتقد المراقبون أن وصول مليوسفتش إلى كرسي رئاسة صربيا عام ١٩٨٩ كان نتيجة حملته الدعائية التي بدأها في كوسوفو في أبريل عام ١٩٨٧ حيث نظم اجتماعات جماهيرية في كل صربيا بحجة دعم الأقلية الصربية في كوسوفو، وزاد رصيده الجماهيري عندما أعلن في مارس ۱۹۸۹ بصفته رئيسًا لشيوعيي صربيا إلغاء الحكم الذاتي لكوسوفو.
وفي ٢٨ يونيو عام ۱۹۸۹ وصلت روح التعصب القومي الصربية إلى أوجها على يد مليوسفتش عبر الاحتفال المهيب الذي عقده بمناسبة مرور ستة قرون على معركة كوسوفو الشهيرة التي هزم فيها أجداده على يد الأتراك العثمانيين ليدخل الإسلام بعدها ويتمكن من معظم الأراضي اليوغسلافية بما فيها بلغراد وحملت خطب مليوسفتش رسالة خطيرة إلى أوروبا مفادها أنا خط الدفاع الأول عن المسيحية ضد الأصولية الإسلامية.
وخاطب مليوسفتش شعبه في 28/ 6/ 89 قائلًا: نحن اليوم وبعد ستة قرون نواجه المعارك من جديد، نعم لقد كانت صربيا قبل ستة قرون تدافع عن نفسها في كوسوفو ولكنها كانت تدافع أيضًا عن أوربا بعد أن باتت بمثابة درع واق يحمي أوربا وثقافتها ودينها ومجتمعاتها بأكملها.
ولم تكن بعد ذلك أي مفاجأة في فوز مليوسفتش مرة أخرى ولكن هذه المرة في أول انتخابات حرة في ديسمبر عام ١٩٩٠ وأن يحصل حزبه على ثلاثة أرباع مقاعد البرلمان ليحكم قبضته على كل صربيا ويقدم دعمه اللا محدود إلى صرب البوسنة الذين يتحرك قادتهم بأوامر شخصية منه ولا يجرؤون على مخالفته.
رادوفان كاراجيتش
أما زعيم صرب البوسنة كاراجيتش فقد ولد يوم ۱۹ من الشهر السادس لعام ١٩٤٥ في منطقة «تشيرنيك» بجمهورية الجبل الأسود، إلا أنه أتم دراسته الجامعية في سراييفو وعمل بعدها في مستشفاها الرئيسي كطبيب للأمراض العقلية.
انضم إلى الحزب الشيوعي في وقت مبكر من عام ١٩٦٣، ولكن بعد ست سنوات من عضويته أي عام ١٩٦٩ فصل منه بسبب تصرفاته اللا مسؤولة حسب ما أعلن في حينها.
وفي الثمانينات سجن كاراجيتش بتهمة اختلاسه أموالًا من هيئة التأمينات الصحية لكنه ادعى أنه سجن لأسباب سياسية ولمعارضته للشيوعية على حد قوله رغم أنه كان أحد جنودها وواحد من أعضاء حزبها النشيطين.
تزوج كاراجيتش من زميلة له كانت هي الأخرى طبيبة أمراض عقلية وأنجب منها ولدًا وينتًا أصبحت الآن رئيسة مكتبه بعد أن اشتغلت بالغناء لفترة، ويقول أصدقاؤه عنه إنه يهتم كثيرًا بحياته الخاصة، فهو من هواة كتاب الشعر والعزف على الربابة ويؤكدون أنه مقامر كبير.
ويفتقد كاراجيتش لأي تاريخ سياسي غير أن زميلًا له يعمل أيضًا كطبيب للأمراض العقلية دفع به إلى ساحة العمل السياسي عام ۱۹۹۰، حين أسس هذا الطبيب ويُدعى «يوفان راشكوفيتش» الحزب الديمقراطي الصربي وفي نفس العام تمكن كاراجيتش من الفوز في الانتخابات التي جرت في البوسنة والهرسك كعضو في برلمانها وممثلًا عن حزبه.
وعندما بدأت الأمور تتأزم في البوسنة والهرسك اختلف مع زميله رئيس الحزب راشكوفيتش الذي كان يميل إلى حل الأمور بطريقة سلمية مما دفع الأخير إلى الانسحاب من العمل السياسي والسفر إلى بلغراد حيث مات هناك في ظروف مجهولة، فيما تمكن كاراجيتش من الوصول إلى كرسي رئاسة الحزب بسهولة، واعتمد في ذلك على نفس المنهج الذي اتبعه رئيس صربيا مليوسفتش، فراح يستثير المشاعر القومية الكامنة في نفوس الشعب الصربي في البوسنة، ومن على منبر البرلمان البوسني توعد المسلمين بالفناء الكامل من على أرض البوسنة والهرسك إذا ما حاولوا التصدي لأحلامه بضم المناطق «الصربية» في البوسنة إلى صربيا الأم. محددًا هذه المناطق بأنها كل مكان في مدينة أو قرية يعيش فيها ولو صربي واحد أو حتى يوجد فيها مقبرة لصربي، وجمعته مع الرئيس الصربي سياسة ورؤية مستقبلية، وساعده على تنفيذ سياساته الرامية إلى التنظيف العرقي للمسلمين انضمام «راتكو ملاديتش» إلى مليشياته المسلحة التي ارتكبت المذابح الشهيرة والاغتصابات والإعدامات الجماعية حتى إنه أطلق على ملاديتش البالغ من العمر اثنين وخمسين عامًا «الجنرال الشيطان» وهو مولع بالإعلام وبظهوره على شاشات التلفاز، ولا يكترث بحجم ضحاياه ونقل عنه قولته الشهيرة لجنونه «اقصفوا دائمًا اللحم البشري» ويدعى ميلاديتش قائد الميليشيات الصربية في البوسنة وساعد كاراجيتش الأول أن مدينة «ترست» الإيطالية هي صربية وصرح لصحيفة بلغرادية أن هذه الحرب ستنتهي بين ترست وفيينا، مضيفًا «أنني لا أخاف حلف الناتو وإذا قصفوا قواتي فإن أمامي لندن وواشنطن وفيينا وهي في متناول يدي».
فرانيو توجمان
أما رئيس كرواتيا توجمان فهو من مواليد 14/ 5/ 1922 في قرية «فيليكو ترجوفيتشا» في منطقة زاجوريا التي تبعد عن زغرب أربعين كيلو مترًا، أتم دراسته الثانوية في زغرب وعندما أعلن «أنتي بافاليتش» دولته الفاشية عام ١٩٤١ تحت اسم دولة كرواتيا المستقلة والتي رسم حدودها لتشمل مناطق واسعة من البوسنة والهرسك، شارك توجمان حينها في توزيع المنشورات المضادة لفكرة هذه الدولة. وبمساعدة والده وعدد من فلاحي منطقته أسس جماعة من الفدائيين سرعان ما انضموا إلى مجموعة الفدائيين التي أسسها «تيتو» والتي كانت تسمى بالبارتيزان، وانضم ترجمان إلى الحزب الشيوعي معتنقًا أفكاره وخلال فترة الحرب العالمية الثانية تسلم عدة مهام عسكرية حتى أصبح في عام ١٩٤٤ قائدًا للواء للفدائيين الشيوعيين وبقى في هذا المنصب حتى 31/ 1/ 1945 حيث نقل إلى بلغراد ضمن الجيش اليوغسلافي وفي 25/ 4/ 46 وجد أبوه ميتًا في منزله بقريته حيث تردد حينها أنه انتحر نتيجة مرض عصبي رغم أن التصريح الرسمي للسلطات حينها قال إنه قُتل من بعض الأشرار ولتوجمان ولدان وبنت كانت متزوجة من صربي يعمل الآن كوزير مفوض في وزارة الخارجية اليوغسلافية.
وظل توجمان يترقى في رتبه العسكرية حتى وصل إلى رتبة جنرال عام ١٩٦١ حين طلب أن يستقيل للتفرغ للدراسات والأبحاث وكان قد عُين كمدرس في كلية العلوم السياسية في زغرب لمادة التاريخ المعاصر.
وفي عام ١٩٦٥ حصل على درجة الدكتوراه في تخصصه، واحتفظ بمنصب عضو في البرلمان الكرواتي من عام ١٩٦١ إلى عام ١٩٦٧ حيث فصل في هذا العام من الحزب الشيوعي وكانت بداية انقلابه من مرحلة اعتناق الشيوعية والولاء المطلق لتيتو إلى الانقلاب عليها وبدء ميوله القومية وتعرض للسجن عام ۱۹۷۲ لمدة سنتين، وفي عام ۱۹۸۱ لمدة خمس سنوات بسبب اتجاهاته القومية الجديدة وحرم من رتبته، العسكرية، وفي عام ۱۹۸۹ أسس توجمان ما سمى بجمعية الكروات الديمقراطيين على أسس قومية الذي أصبح بعد ذلك حزبًا سياسيًا. وفي المؤتمر السياسي لهذا الحزب عاد توجمان ليمتدح فكرة «دولة كرواتيا المستقلة» العنصرية، وبدأت شعبية توجمان ترتفع على عاتق الفكرة القومية ليتم انتخابه رئيسًا لكرواتيا المعترف بها دوليًا في أول انتخابات حرة عام ١٩٩٠. وفضلًا عن خلافاتهم مع سياساته في منحنيات كثيرة يأخذ المعارضون على توجمان أمورًا ثلاثة: أولها عنصريته الشديدة التي تنامت في الفترة الأخيرة ودعوته إلى «الكرواتية» وكرواتيا الكبرى وحدودها القديمة وإقدامه على الحديث عن ذلك علانية في خطبه العامة وكذلك عداؤه الشديد للإسلام وكذلك اليهودية، وله كتابات كثيرة في هذا الشأن غير أنه حاول في الفترة الأخيرة إقامة علاقات قوية مع إسرائيل وفيما يخص الإسلام فقد أطلق صحفه للتهجم على المسلمين وعلى الإسلام نفسه كدين مما آثار زعماء المعارضة الذين رأوا في ذلك مغالاة وسلوكًا غير حضاريًا.
أما الأمر الثالث الذي يردده المعارضون فهو تورط توجمان في مخالفات مادية كثيرة وسعيه إلى جمع المال بأي طريقة وجنونه بالمظاهر وحب الذات والعظمة، ويقولون إنه بدأ يسلك نفس مسلك تيتو حتى في طريقة مشيه وحركاته، وكذلك في مظاهر البذخ والترف حيث فرض على حكومته أن تشتري له طائرة خاصة فاخرة ويختا خاصًا تقدر قيمته باثنين مليون مارك ألماني بالإضافة إلى قصر استراحة بنفس القيمة تقريبًا.
ماتي بوبان
هو زعيم كروات البوسنة والهرسك الانفصاليين ولد في الثاني عشر من شهر فبراير لعام ١٩٤٠ في قرية «سوفيتشي» الواقعة على مقربة من بلدة «جرودي» في البوسنة والهرسك له شقيقتان وأخان أحدهما كان ضابطًا في الجيش اليوغسلافي السابق والآخر كان قائدًا في الشرطة، أنهى دراسته المتوسطة في المعهد الاقتصادي بزغرب، وعمل بعد ذلك في مصنع لبناء السفن في جزيرة «كورتشولا» بكرواتيا ثم مديرًا لشركة «نابريداك» الكرواتية بدءًا من عام ١٩٦٦ وهو لا يجيد أي لغة أجنبية ويكره بشدة أن يوجه له أحد أي انتقادات.
وتذكر مجلة «داناس» الكرواتية في 24/ 8/ 92 وقبل أن تصبح مجلة رسمية تابعة للحكومة أن بوبان كان يحتفظ بعلاقات قوية مع رموز النظام الشيوعي السابق والمعروف عنها انحرافاتها الأخلاقية وأشارت إلى أن بوبان نفسه تورط في مغامرات عاطفية كثيرة.
وتردد كذلك أنه كان يعمل لصالح المخابرات اليوغسلافية المعروفة باسم كوس «Kos» وأنه لعب دورًا كبيرًا لخنق حركة ربيع كرواتيا التي قام بها كروات قوميون عام ۱۹۷۱ وكان يستهدف منها الحد من الهيمنة الصربية على كرواتيا وقضى بوبان عامًا كاملًا في السجن متهمًا بجريمة السرقة وهي واحدة من سبع تهم وجهت إليه في السبعينات كان من بينها النصب والاحتيال وتزوير الوثائق والمستندات والتجارة بالعملة الأجنبية والذهب فضلًا عن تهمة اختلاس أموال عامة التي أدين بها. وحكمت عليه محكمة مدينة سبليت بالسجن لمدة خمس سنوات خفضتها المحكمة العليا في زغرب إلى سنتين وثمانية شهور تبعًا للحكم الصادر تحت رقم 5- 1983/ 768 قضى منها عامًا واحدًا في السجن ثم أفرج عنه.
انضم بوبان إلى الحزب الشيوعي اليوغسلافي في وقت مبكر من عمره في عام ١٩٥٨ وصار بعد ذلك عضو قيادة فرع الحزب الشيوعي في دالماتسيا.
بعد خروجه من السجن عمل في عدة شركات في زغرب وبعدها عاد إلى منطقة الهرسك في جمهورية البوسنة والهرسك، وعندما بدأت الانتخابات في هذه الجمهورية رشح نفسه عن منطقته «جرودي» ونجح ودخل إلى البرلمان وبدأ ظهوره على الساحة السياسية من جديد وسرعان ما نجح في تدبير انقلاب ضد رئيس فرع الحزب الكرواتي الديمقراطي في البوسنة «ستيبان كليوتش» الذي كان يؤمن ويدافع عن وحدوية البوسنة والهرسك، وتولى بوبان رئاسة فرع هذا الحزب الذي يدير دفة الحكم في كرواتيا برئاسة توجمان.
ومثلما فعل مليوسفتش وكاراجيتش ثم توجمان فعل بوبان وهو دغدغة عواطف الشعب الكرواتي على الأوتار القومية إلا أنه زاد وبدأ الحديث عن الحرب المقدسة ضد المسلمين، وكان ذلك واضحًا في رسالة بعث بها إلى الكاردينال فرانيو كوهاريتش رئيس الكنيسة الكاثوليكية الكرواتية بعد ندائه الشهير للسلام واتهامه لكروات البوسنة بتفجير القتال مع المسلمين، وقال بوبان في رسالة إلى كوهاريتش متحدثًا عما كان يتعرض له الكروات أيام العثمانيين على حد قوله «لقد كنا نتعرض للقتل بدق الأسافين في أجسادنا وسلخ جلودنا، وكان الكروات في هذه الأراضي يمنعون من أن تكون لبيوتهم أبواب وأضاف بوبان «أن الحديث عن التعايش لا محل له في زمن الحرب ويجب أن تمنحنونا مساعدة من نوع آخر».
ورغم ذلك يعتقد أن بوبان قد يفقد منصبه أخيرًا بعد الخسائر التي حصدها شعبه في البوسنة نتيجة سياساته العدوانية ورغم ولائه الشديد للرئيس الكرواتي توجمان، ونقل عنه عقب الإعلان عن اعتراف الأمم المتحدة بجمهورية البوسنة والهرسك «نحن جميعًا عبارة عن يد توجمان الطويلة» وسعى بعدها إلى إعلان منطقة الهرسك كجمهورية مستقلة عن البوسنة والهرسك تحت اسم «هرسك -البوسنة».
فكرت عبديتش
عضو مجلس رئاسة البوسنة والهرسك المفصول نتيجة تزعمه مجموعة من الانفصاليين الذين يرغبون في الانفصال عن البوسنة والهرسك والانضمام إلى إحدى الجارتين الصربية أو الكرواتية.
وقد ولد عبديتش عام ١٩٣٩ في بلدة «دوني فيروفسكا» التابعة لمنطقة «فيلكا كلادوشا» التي تكون مع «بيهاتش» و«تسازين» و«بوسانسكي كروبا» دائرة بيهاتش حسب التقسيم الجديد للبوسنة بعد الحرب، تخرج عبديتش من كلية الزراعة وفي عام ١٩٦٤ تم تعيينه مديرًا للمؤسسة التعاونية الزراعية في «فيلكا كلادوشا» ثم ساهم بعد ذلك في تأسيس الشركة المعروفة باسم «أجرو كوميرتس» والمتخصصة في إنتاج المواد الغذائية، وهي التي أصبحت فيما بعد من أكبر التجمعات الصناعية في يوغسلافيا السابقة، تنتج ستمائة نوعًا من المنتجات الغذائية وتقوم بالتصدير إلى ٣٨ دولة في العالم وبلغ عدد عمالها في عام ١٩٨٦ حوالي أربعة عشر ألف عامل، وتمكن عبديتش من تحقيق نجاح كبير في هذا المجال، وأثبت وجوده كرجل أعمال ناجح إلا أنه في شهر سبتمبر من عام ١٩٨٧ سجن بتهمة الاختلاس ثم أفرج عنه لاحقًا وعاد إلى وظيفته وشغل عبديتش مقعدًا في اللجنة التنفيذية للحزب الشيوعي، ومع سقوط الشيوعية سارع إلى الانضمام لحزب العمل الديمقراطي الذي أسسه عزت بيجوفيتش إلا أنه احتفظ بموقعه كمعارض شديد له داخل الحزب وخارجه، وفي المؤتمر السنوي الأول للحزب طالب عبديتش بتنحية بيجوفيتش عن منصبه كرئيس للحزب إلا أن مطلبه رفض بالكامل وأعلن تأييده قبل نشوب الحرب لفكرة عادل ذو الفقار رجل الأعمال البوسني الشهير في سويسرا والذي أصيب بخسارة فادحة لدى ترشيح نفسه كمنافس لعزت بيجوفيتش على رئاسة البوسنة والهرسك، وهي الفكرة الرامية إلى رفض استقلال البوسنة والهرسك والقبول بالانطواء تحت العلم الصربي.
ظل عبديتش في سراييفو بعد أن ندبت الحرب لعدة شهور ثم غادرها متجهًا إلى مسقط رأسه في فيلكا كلادوشا وهناك أقام مملكته الاقتصادية واستطاع بمركزه كعضو مجلس رئاسة البوسنة والهرسك وبماله كرجل أعمال بارع أن يفرض هيمنته على المنطقة إلى حد أنه فرض المارك الألماني عملة محلية واستطاع عبر علاقات مشبوهة أن يؤمن وصول كافة المواد الغذائية والاستهلاكية إلى منطقته وحقق من وراء ذلك مكاسب مالية ضخمة.
وذكر مراسل الواشنطن بوست بعد زيارته لمنطقة عبديتش أن الرجل تمكن من الاستفادة من مهارته ونفوذه الذي تحصل عليه خلال عشرين عامًا في إدارة شركته الغذائية واستغل في ذلك شبكة من العاملين بما فيهم البنوك الأجنبية والموانئ الكرواتية والقيادات من المعسكر المعادي، وأضاف المراسل أن عبديتش الذي أطلق عليه غني حرب تمكن من إقامة علاقات قوية مع أفراد الوحدة الفرنسية التابعة للأمم المتحدة والذين كانوا يقومون بنقل بضاعته مقابل تسعيرات محددة.
ونجح عبديتش في إقامة علاقات قوية مع القيادات الصربية والكرواتية وراح يطرح نفسه كبديل للرئيس عزت بيجوفيتش رغم أن ذلك قد تزامن مع طلب السلطات في النمسا بالقبض عليه بتهمة سوء استخدام الأموال المرسلة إلى منطقته للأعمال الإغاثية بالإضافة إلى تورطه في عقد صفقات مع القيادات الصربية كان يتحصل بمؤداها على أموال ضخمة من أهالي المعتقلين المسلمين في معسكرات الاعتقال الصربية مقابل قيامه بالتوسط للقيادات الصربية للإفراج عنهم أو التخفيف عن أوضاعهم حسب المبالغ المدفوعة.
وبعد تطور الأحداث أصدر مجلس رئاسة البوسنة والهرسك قرارًا بفصل عبديتش من عضويته فسارع إلى الإعلان عن منطقته كمقاطعة للحكم الذاتي وعقد معاهدات تحالف وتعاون مع القيادتين العسكريتين الصربية والكرواتية وبدأت المواجهات بين الميليشيات التابعة له وبين الجيش البوسني.ٍ
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
الملف الأسود لحكومة الحاخامات والجنرالات في إسرائيل- حكومة نتنياهو.. خليط من مجرمي الحرب والجنرالات والحاخامات المتطرفين
نشر في العدد 1206
9
الثلاثاء 02-يوليو-1996