; كشمير بين ظلم الهندوس وظلم ذوي القربى | مجلة المجتمع

العنوان كشمير بين ظلم الهندوس وظلم ذوي القربى

الكاتب أمجد الشلتوني

تاريخ النشر الثلاثاء 15-سبتمبر-1998

مشاهدات 13

نشر في العدد 1317

نشر في الصفحة 36

الثلاثاء 15-سبتمبر-1998

  • تقارير هندية منصفة تعترف بمسؤولية الجيش الهندي عن المذابح في كشمير.

  • هل نطالب مسلمي كشمير بأن يدفعوا ثمن فرقة مسلمي الهند؟

للدكتور ظفر الإسلام خان رأي تعودت احترامه، وأسلوب عرض متميز أحسب أنه فيه تلميذ مبتكر لشيخنا أبي الحسن الندوي، ولقد تعرفت عليه من خلال كتاباته منذ نحو ثماني سنين، حين كتب عن مسلمي الهند، وغير ذلك من كتاباته في البعث الإسلامي» و«الصحوة الهندية»، و«قضايا دولية» و«الإصلاح» وأخيراً في مجلة المجتمع.

أقول ذلك مقدمًا بين يدي تعليقي هذا لأوضح العبء الذي انتابني، وأنا أسطر هذه الكلمات، ردًا على مقالته الموسومة بوجهة نظر أخرى حول القضية الكشميرية، وذلك أنني شعرت انني أمام أفكار جديدة اضطرتني إلى حمل أوراقي والسعي إلى أهل الاستنباط في القضية، حيث أدركت أن الأستاذ على جلالة جهوده وبحثه الدائب لم يوفق في توصيف القضية الكشميرية في كثير من المواضع توصيفًا محايدًا، ولم يتناولها من الزاوية الإسلامية التي أحسب أن قراء المجلة ينتظرونها منها.

لم يفعل، وكنت أود لو فعل، ولعلي أعود بهذا كله إلى عامل أساسي هو أن عامل الإعلام والدعاية الرسمية للحكومة الهندية قد غلب على ثقافته الدينية، كما لا أنكر أن نحو عقد من السنين قضيتها شخصياً في باكستان قد دفعني إلى التأثر بوجهة النظر الباكستانية الرسمية حول القضية، ولست أرى في ذلك عيباً ما دام المرء قادرًا على العودة إلى المسلمات ومناقشتها قبل الاقتناع بها.

وابتداء أرجو أن أشير إلى نقطة أحسبها جوهرية تساعدنا في فهم ملابسات الاختلاف في تناول القضية، وهي أن النظرة الشرعية التي تحكم وجهة نظرنا نحن المسلمين تجعلنا نتناول القضايا من وجهة تحليل مرتبطة بالعامل الديني وهنا فلابد من الوقوف أمام بُعدين:

البعد الأول: لا مكان للقول إن مجرد أن يعيش المرء في بلده دون أن يتعرض للتهديد بالقتل أو الإجلاء عن أرضه كاف للقول بأن رفع الظلم عنه ليس قضية إسلامية كما جاء في المقالة، فعندما جاهد الأفغان في نهاية السبعينيات ضد الشيوعية السوفييتية لم يقل أحد إن الروس أرادوا تهجيرًا قسريًا للأفغان ولم يزعم زاعم أن أهل أوزبكستان أو طاجيكستان أرغموا على الهجرة والتخلي عن بلادهم إبان الحكم الشيوعي، وإنما كان البعد في ذلك كله متعلقًا بـ الهوية التي يراد لها أن تمسخ وتمسح، والأرض التي يراد أن تحكم بالشيوعية، وتلك قصة ولاية كشمير التي تمارس فيها نيودلهي عملية مسخ للشخصية الإسلامية عبر فرض الثقافة الهندوسية وتغيير معالم الوضع الديموجرافي لصالح الهندوس على المدى البعيد.

وأما البعد الثاني: فهو أن استعارة المصطلحات يجب أن تكون دقيقة وموثقة، فمجرد قول الحكومة الهندية إن مجموعة من الأجانب أو الأفغان العرب يقاتلون في كشمير لا يعني التسليم بها واستعمالها في كتاباتنا، وإلا كان محمد بن القاسم أجنبيًا عن السند والهند يستحق الطرد من البلاد باعتباره من العرب الذين جاؤوا قسرًا إلى البلاد ولربما لو كان لديهم ذلك الإعلام المغرض لسموه وأصحابه آنذاك في الهند السنود العرب، ولكان المجاهدون الذين دخلوا فلسطين في عام ١٩٤٨م من العراق ومصر أجانب أيضاً، فالمسلم –كما أفهم– إذا ما ساند أخاه المسلم فلا يمكن بحال أن يعترض عليه بسبب تقسيمات جغرافية قسمها الاستعمار، وأما مصطلح الأفغان العرب فله جهاته التي تنعب به ليل نهار، وكتابه الذين يسترزقون به كلما وجدوا عملًا إسلاميًا يراد به وجه الله –وآخرها في بروناي– ولا أظن أن مجلة المجتمع من أهله.

ولكي أدلل على التأثر الواضح بالدعاية الهندية أشير إلى مواضع عديدة وردت في المقال اقتبست نصًا حرفيًا من أقوال الساسة الهندوس، أو ممن هم محسوبون في الولاء عليهم في باكستان أو من وسائل الإعلام الهندية الحكومية الرسمية بكل أمانة:

   • القول إن باكستان تحكمها أقلية شوفينية من البنجاب «مقولة لخان عبد الولي خان – زعيم الحزب القومي الباكستاني في باكستان»، وهو يسكت عنها إذا كان جزءًا من الحكومة، ويرددها إذا رفضت الحكومة طلبه بتسمية إقليم سرحد بأرض البشتون في خطوة عرقية لا تؤيدها بقية العرقيات، ولا تستند هذه المقولة إلى أي حقائق تاريخية سيما إذا أدركنا أن عددًا واسعًا من الساسة الذين حكموا باكستان كانوا من أقاليم أخرى غير البنجاب، ومنهم بنازير بوتو، ومحمد ضياء الحق، وغلام إسحاق خان، كما أن حزب نواز شريف الحاكم حالياً، يحكم في معظم الأقاليم كأكبر الأحزاب في برلماناتها، مما يدل على وجوده في كافة أنحاء البلاد.

   القول إن نظرية باكستان قد انتهت بانفصال بنجلادش وهي مقولة لأنديرا غاندي -رئيس الوزراء الهندية السابقة- وهي كالقول إن النظام الإسلامي قد انتهى بالفتنة الكبرى بين علي ومعاوية –رضي الله عنهما– وغني عن القول أن ظهور خلل في التطبيق لا يعني بالضرورة فساد النظرية وانهيارها، وبخاصة مادامت باكستان تقول حتى اليوم إن بناءها لم يكتمل، وأنها عازمة على الوصول إلى النموذج الذي سعت من أجله، وأما بنجلاديش فلم تدع يومًا أنها وريثة باكستان ولا أنها عازمة على تحقيق الجزء الذي لم يتحقق من التقسيم الذي تم لشبه القارة.

  باكستان تشجع الكشميريين على الثورة للانتقام من الهزيمة التي منيت بها القوات الباكستانية في حرب دكا عام ١٩٧١م، وتستغل الشعب الكشميري كأداة في هذا الاتجاه (المقاومة الكشميرية ما كانت لتكمل سنواتها العشر لو كانت نبتاً طارئاً على الشعب مدفوعاً من الخارج كما تحاول المقالة أن تقنعنا).

   القول إن الجنود الهنود وحزب المجاهدين عملوا على تصفية عناصر جبهة تحرير جامو وكشمير القومية، ثم ضعفت بذلك حركة المقاومة واستطاع الجيش أن يظفر بحزب المجاهدين.

   القول إن الحركة المسلحة منحصرة الآن في بعض مناطق جامو الجبلية المتاخمة للحدود الباكستانية، ويسيطر عليها مسلحون أجانب وخصوصًا الباكستانيين والأفغان العرب.

   رئيس الوزراء الباكستاني ذو الفقار علي بوتو وعد الهند خلال اتفاقية شملا بجعل خط الهدنة حدوداً نهائية بين البلدين.

   الكشميريون وقفوا إلى جانب الهند في جميع الحروب التي دارت مع باكستان.

إن من مسلمات منهجنا الفكري الإسلامي التحقق والتثبت من الفاسق، فما بالك بالهندوسي الكافر، وذلك قبل أن تصبح أساساً يعتمد عليه في الحكم، ويؤسفني أن أقول إن الاعتماد على المصادر الهندية قد أفضى إلى جملة من المتناقضات أجملها فيما يلي:

1 – القول إن ما يحدث في كشمير حرب غير معلنة بواسطة تشجيع باكستان للحركة المسلحة، وتهريب المسلحين إليها من جانبها، ثم القول إن الشعب الكشميري يقف إلى جانب الهند في معاركه، ولكن المقالة عادت إلى القول بعد ذلك في تناقض واضح إن نحوًا من عشرة إلى عشرين بالمائة من الشباب الكشميري قد ذهبوا ضحية العنف، فأي شعب هذا الذي يبذل هذا العدد من أبنائه في مسرحية موهومة لصالح دولة عدو له هي باكستان القول إن الحركة الكشميرية المسلحة قد انتهت الآن في المناطق الحضرية وما بقي منها فهو شتيت هزيل، فإذا كان الأمر كذلك فما معنى وجود نصف مليون فرد من الجيش الهندي في الولاية فهل يجتمع كل هؤلاء من أجل شرذمة من العصابات المشتتة؟

حقائق ناقصة:

وبين المتناقضات والاعتماد على الدعاية الهندية حفلت المقالة بعنصر ثالث هو الحقائق الناقصة، وفيما يلي عرض لنماذج منها:

 - القول إن أي استفتاء سيعني أن تسعة بالمائة من كشمير فقط هو نصيب باكستان، ولعل الكاتب أغفل أن الاستفتاء في حالة إجرائه فإنه سيكون في كامل كشمير بقسميها، مما يعني أن الأغلبية ستكون للقطاع المسلم الذي يتجاوز السبعين بالمائة على أقل التقديرات، ولن يكون الاستفتاء خاصًا بالجزء الذي تسيطر عليه الهند ثم فات المؤلف أن السيخ الذين يقدر عددهم بمليون ونصف المليون من سكان الجزء المحتل ليسوا موالين لنيودلهي، وقد لا يقبلون بسيطرة الهند، فهم في ذلك تيار داعم للمسلمين.

 - الإلقاء على المقاومة بالعبء الأكبر من متاعب الشعب الكشميري، والجرائم التي تمارس في حقه مع أن جميع التقارير النزيهة التي قامت بها منظمات هندوسية نسوية، ومن جماعات حقوق الإنسان أكدت أن أغلبية الشعب الكشميري تدرك أن الجيش هو المسؤول عن تلك التصرفات الوحشية.

القول إن باكستان قد أهدت جزءًا من کشمیر إلى الصين، والحقيقة أن الرواية الباكستانية تقول إن ذلك الجزء قد منح مؤقتًا للصين مقابل جزء آخر حصلت عليه باكستان من الأراضي التي تخضع للصين، وذلك في اتفاقية تعاون تشترط بموجبها باكستان على الصين إعادة تلك الأراضي في أي حل نهائي للقضية.

وليسمح لي القارئ أن أتوارى لأترك للقاضي في إم تاركونده -رئيس اللجنة الانتخابية في كشمير المحتلة- أن يدلي برأيه حول شعور الشعب الكشميري بشأن الانتخابات والانضمام للهند فهو يقول: إن أولئك الذين هم على صلة بحقائق الأمور يعلمون أن إجراء الانتخابات دون تفاهم مع القيادة الشعبية للشعب الكشميري مهزلة جديدة، كما أن أي حكومة تشكل سيكون بناء على هذه الانتخابات المزورة ستعمق مشكلةكشمير بدلاً من حلها.

ويقول حول الانتخابات السابقة في الولاية: إنه مما لا جدال فيه أن تلك الانتخابات كانت دائمًا تحتكر من قبل الحكومة المركزية من دلهي لضمان نجاح مرشحين موالين يؤيدون الضم للهند والقليلون يعلمون أن الذين سجلوا أسماءهم للتصويت في انتخابات الولاية ليس إلا جزءا من الحل العسكري الهندي متغافلة عن الحل العملي وهو الاستفتاء.

والقاضي المذكور ليس إلا عينة من مئات العينات من الهندوس التي اعترفت بالشعور العارم لدى معظم الشعب الكشميري بالاستياء من الهند، ولكن د. ظفر الإسلام أغفلها جميعًا والتفت إلى الدعاية الهندية التي تقول إن الكشميريين هم أغلبية صامتة تقودهم أقلية متمردة من عملاء باكستان والأفغان العرب.

إن الشعب الكشميري -كما تقول أدبيات المقاومة لا يطالب بأكثر من حقه الشرعي، بأن يكون حرًا في اختيار الشكل السياسي الذي سيكون عليه مستقبله، وهذا ما تطالب به باكستان، وهو نفسه ما مارسه كل مسلمي الهند من قبل، فاختار بعضهم البقاء طواعية في الهند واختار بعضهم طواعية الانضمام لباكستان فبأي حق تقر لهم بريطانيا المستعمرة والأمم المتحدة هذا الحق، ويحرمهم منه إخوانهم مسلمو الهند بعد أن قاموا بدورهم فيه؟ قد يقال إنه ليس من المصلحة أن ينفصل مسلمو كشمير في هذه المرحلة لما قد يسببه ذلك من الضعف لمسلمي الهند ولكن ذلك مردود عليه بأمرين:

الأول: أن مسلمي كشمير ظلوا ضمن الهند أربعين سنة قبل أن يرفعوا السلاح للاستقلال فهل ساهم ذلك في توحيد مسلمي الهند أو تقويتهم سياسيًا؟

الثاني: يدرك الأستاذ ظفر الإسلام أكثر من غيره -وهو صاحب المقالات العديدة حول مسلمي الهند وأوضاعهم- أن ضعف المسلمين هناك ليس عائدًا إلى قلتهم، مما يستدعي بقاء الكشميريين تحت الحكم الهندوسي، وإنما بسبب تفرقهم وعدم اجتماع كلمتهم.

وأحسب أني بعد هذا الاستعراض أجد لزامًا علي أن أوضح مظهرًا مهمًا من مظاهر القضية، وهو أن الوقوف إلى جانب الشعب الكشميري المضطهد في قضيته واجب شرعي، كما أفتى بذلك رهط من العلماء الأجلاء على رأسهم الشيخ عبدالعزيز بن عبد الله بن باز، ولكن ذلك لا يعني بحال التغاضي عن مجموعة من السلبيات التي تجد طريقها إلى حركة المقاومة، وبخاصة الفرقة ذات الطابع الشخصي التي تنتاب الأحزاب المسلحة مع ما بينها من وحدة الفكر والهدف.

ثم إن الدعاية والإعلام والحرص على الوصول إلى التعاطف الإسلامي قد يؤدي أحيانًا إلى اختلاق بطولات مصطنعة وحوادث موهومة لمواجهة الإعلام المتناسي للقضية، في حين أن الواقع الكشميري قد يكون أكثر إيلامًا، وهنا فإني اعتقد أن للإعلام الإسلامي في تغطية أحداث أفغانستان أخطاء يجب أن تكون تجربة مفيدة في هذا الميدان خدمة للأمانة التي يحملها الإعلام.

وأرجو أن أختم ردي هذا بمجموعة من الأسئلة لم أجد جوابًا عنها في مقالة الدكتور وهي: إذا كانت الأوضاع كما وصفتها المقالة فلماذا ترفض الهند كل دعوات الصليب الأحمر والأمم المتحدة، والصحفيين الأجانب لزيارة الجزء الذي تسيطر عليه من كشمير ليتعرف العالم على حقيقة الوضع؟ وإذا كان الأمر– كما ذكرت المقالة- فلماذا تقف مجموعة من مفكري الهند في كل مناسبة لتعلن على الملأ أن على الحكومة إعادة النظر في سياساتها تجاه كشمير، لأنه ليس من الممكن أن تستمر في احتواء شعب يرفض أن ينتسب إلى الهند؟

وإذا كان الأمر كذلك فلماذا ترفض السلطات الهندية منذ خمسين سنة إجراء انتخابات نزيهة لمعرفة ممثلي الشعب الكشميري الحقيقيين، ولماذا ترفض إجراء الاستفتاء الذي أقرته الأمم المتحدة؟ هل ترفض ذلك طمعًا في أن يظل المسلمون أكبر أقلية في البلاد؟ وهل بلغت النزاهة الهندوسية حد الحرص على زيادة أعداد المسلمين ضمن أراضيها مع ما في ذلك من الحرج لها، والضغوط عليها؟.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 2

1091

الثلاثاء 24-مارس-1970

نشر في العدد 1

957

الثلاثاء 17-مارس-1970

نشر في العدد 2

962

الثلاثاء 24-مارس-1970