; كلمة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بمناسبة الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج | مجلة المجتمع

العنوان كلمة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بمناسبة الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 19-يوليو-1977

مشاهدات 16

نشر في العدد 359

نشر في الصفحة 6

الثلاثاء 19-يوليو-1977

احتفل العالم الإسلامي في مشارق الأرض ومغاربها بذكرى حبيبة إلى نفوسنا قريبة من قلوبنا هي ذكرى الإسراءوالمعراج، وقد أقيم مساء الثلاثاء الماضي احتفال حاشد في هذه المناسبة الكريمة بمسجد فاطمة في ضاحية عبد الله السالم، حيث ألقى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السيد يوسف جاسم الحجي كلمة دعا فيها الأمة إلى التسلح بالإيمان، والعمل على استعادة مقدساتنا وتاريخنا وحضارتنا.

كما ألقى وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المساعد السيد عبد الرحمن الفارس كلمة حث فيها المسلمين للقضاء على الفتن والتمزق الذي يسود صفوف الأمة، ودعا إلى أن تأخذ أمتنازمام المبادرة في مواجهة الإرهابيين الصهاينة الذين لم يستبيحوا فقط أرضنا في الجولان وسيناء وغزة، بل إنهم يدنسون مقدساتنا ومساجدنا وتراثنا الإسلامي. 

وفي ما يلي نص كلمة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية:

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

أيها الإخوة الكرام 

أحييكم بتحية الإسلام، تحية من عند الله مباركة طيبة، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأحمد إليكم الله -تبارك وتعالى-، وأصلي وأسلم على جميع أنبيائه ورسله وعلى إمامهم وخاتمهم سيدنا محمد بن عبد الله - صلوات الله وسلامه عليه - ورضي الله عن صحابته أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،وبعد.. 

ففي هذه الليلة المباركة من الليالي الخالدة في التاريخ، نحتفل ويحتفل معنا العالم الإسلامي في مشارق الأرض ومغاربها بذكرى حبيبة إلى نفوسنا، قريبة من قلوبنا، هي ذكرى الإسراءوالمعراج، وإن الذكرى التي نحتفل بها الليلة تنطوي على حدث فريد في تاريخ البشرية اختص الله به رسول الإسلام محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وكان له أعظم الأثر في حياته المباركة، والتمكين لدعوته لتأخذ طريقها إلى قلوب الناس وعقولهم.

 فعلى حين فترة من الرسل، وفي حقبة من الزمن عم فيها الفساد، واختلت موازين القيم، وجنحت سفينة الحياة، فضلت طريقها وسطعواصف عاتية من الظلم والفوضى، في هذه الفترة ولد نبي الإنسانية محمد -صلى الله عليه وسلم- والدنيا أحوج ما تكون إليه، فنشأ محبًّا للكمال، متعشقًا للفضيلة، عازفًا عن الباطل، ثم اصطفاه الله وهو أعلم حيث يجعل رسالته، فبعثه رسولًا بالهدى ودين الحق: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾ (سورة الأحزاب: 45-46).

 وقد أكرم نبيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، وأعطاه من الفضل ما لم يعطه أحدًا من رسله فجعله خاتم النبيين، وكتب لرسالته العموم والخلود، فقد أرسل كل نبي قبله إلى قومه خاصة،وأرسل هو -صلوات الله وسلامه عليه- إلى الناس عامة: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ (سورة الأنبياء: 107).

ومن إكرام الله -تعالى- للنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أسرى به ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (سورة الإسراء: 1).

وقد جرت عادة المسلمين على أن يحتفلوا بهذه الذكرى الخالدة ليلة السابع والعشرين من شهر رجب في كل عام، وهم في احتفالهم يرددون قصة الإسراء والمعراج، ويتناولون في حديثهم جوانب هذه الرحلة العجيبة، وليس المهم أن نقص القصص ونسرد الوقائع بقدر ما يهمنا أن نتلمس الموعظة، وأن نقف عند المعالم الواضحة على طريق الإسراء، وأن نستخلص من مواقفها العظة والعبرة لننتفع بالذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين.

 لقد جاءت الرحلة في أعقاب ليل طويل من الحزن حين فقد النبي -صلى الله عليه وسلم- أقوى أنصاره، بموت عمه وزوجته الوفية خديجة -رضي الله عنها- في عام واحد، فتحالفت قوى الشر والبغي، تريد أنتطفئ شعلة الحق، وأن تعوق الركب الزاحف، فأراد الله أن يسري عن نبيه بالإسراء، وأن يريه من آياته الكبرى، ويطلعه على مظاهر قدرته العظيمة؛ ليكون على ثقة من نصر الله وعونه، والآية من أول سورة الإسراء تشير إلى أن بدء الرحلة كان من المسجد الحرام، ومنتهاها إلى المسجد الأقصى، فأولها مسجد، وآخرها مسجد، وفي هذا إشارة إلى أن كل إصلاح يجب أن ينبع من المسجد، وأنه نقطة الانطلاق إلى كل عمل بناء؛ فالمساجد في الإسلام مدارس للتربية، وساحات تدريب على المثل العليا ومكارم الأخلاق، فيها تخرج الأبطال المسلمون، ومنها اندفعت كتائب الرحمن، تنشر في الدنيا ألوية الحق والعدل، ومن فوق منابرها ينطلق صوت الإيمان يرد إلى الإنسانية صوابها بما يحمل من هدى ونور، فأولى بنا أن نشد إليها شبابنا لينبتوا في أرضها غراسًا طيبًا مثمرًا، وأن نعمرها بالعلم والذكر والتسبيح، فبذلك تعمر قلوبنا بالإيمان: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ (سورة التوبة: 18).

نعم.. بدأت الرحلة من المسجد الحرام، وقد جعل الله هذا البيت الكريم مثابة للناس وأمنًا، كما جعله قبلة للمسلمين يستقبلونها في صلاتهم على اختلاف مواقعهم على الكرة الأرضية: ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (سورة البقرة: 150)، لتكون هذه القبلة الواحدة رمز قوة المسلمين ووحدتهم، وأنهم سيكونون منصورين على أعدائهم ما عاشوا متحدين متعاونين، فإذا تفرقت كلمتهم تمكن منهم أعداؤهم؛ فإن الفرقة تضعف الأمم القوية وتميت الأمم الضعيفة.

 وقد ختمت رحلة الإسراء بالمسجد الأقصى، وفي هذا إشارةإلى أن الله -تعالى- قد وضع بيت المقدس أمانة غالية في ضمير الأمةالإسلامية ووجدانها؛ لتكون في حراستها الدائمة، ويقظتها الساهرة، ولن تخرج هذه الأمانة من أيديهم إلا في غفلة عن واجبهم، وفتور عن العمل بدينهم، وتفريط في أمانة الله وعهده.. من الخير للمسلمين أن يجعلوا من حادث الإسراء والمعراج حافزًا لهم مهم، وأن يتخذوه منارًا هاديًا وهم يمضون إلى غايتهم المقدرة، ويشقون الطريق إلى النصر، وهو قريب بإذن الله.

 وإلا فكيف تنحط منزلة المسلمين ويثاقلوا إلى الأرض وقد سما نبيهم فوق السماء؟ كيف يركنون إلى التواكل والعجز وفي أول دينهم تسخير الطبيعة؟ وكيف يخلدون إلى الراحة والاستكانة وفي صدر تاريخهم عمل المعجزة الكبرى؟ وكيف لا يحملون النور للعالم ونبيهم رسول معلم، وأول آية في كتابهم: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (سورة العلق: 1)

 والآن وقد وقفنا على الأسرار الكامنة في رحلة الإسراء، وتأملنا أحداثها الفذة، يجدر بنا أن نجعلها منطلقًا إلى السعي الدائب والعمل البناء؛ لاستعادة مكانتنا في التاريخ، ومن هنا يصبح الجهاد فرض عين على المسلمين جميعًا؛لينفروا خفافًا وثقالًا، ويجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله؛ لإنقاذالأقصى، وفك أسره؛ ليعود إلى الساحة الإسلامية عزيزًا كريمًا.

 على المسلمين أينما كانوا أن يتحركوا لحماية أولى القبلتين وثالث الحرمين من المحتلين الغاصبين.

 بالأمسأحرقوا الأقصى، واليوم يخشى عليه من التصدع بسبب الحفريات التي يتحدانا بها العدو، غير مبال بالاحتجاجات، وغير عابئ بأسلوب الاستنكار على ما يرتكبه من بغي وعدوان.

 لم يكتف اليهود في جرائمهم بالاعتداء على المسجد الأقصى، ولكنهم بالأمس القريب حالوا بين المسلمين وبين صلاة الجمعة في مسجد أقامته هيئة الأوقاف الإسلامية على جبل الطور، وهذا أمر له خطورته، يجب أن نواجه هذه التحديات بتوحيد الجهود وبذل الكثير من التضحيات؛ لنقضي على مطامع العدو فينا، ونستعيد أمجادنا، ونحرر مقدساتنا، ونثبت من جديد أننا خير أمة أخرجت للناس، ومتى خلصت النية وصدق العزم وصح الإيمان فسنتلاقى مع وعد الله -سبحانه-: ﴿وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (سورة الصف: 13).

أيها الإخوة المؤمنون.. إن أمتنا وهي تمر بأقصى مراحلتاريخها إذا كانت في حاجة إلى الأسلحة المادية فحاجتها إلى سلاح الإيمان أشد، في حاجة إلى شباب مسلح بعقيدته، غيور على دينه ووطنه، لهذا أناشد أبنائي أن يقبلوا على الدراسات الإسلامية،وأن يلتحقوا بكليات الشريعة ليتفقهوا في الدين وينهلوا من فيض الإسلام؛ لأن وطنهم بحاجة إليهم.

 احملوا يا أبنائي لواء الدعوة، وتفهموا قضايا الإسلام؛ لنحمي أخلاق الأمة ونصون عقيدتها من خطر المذاهب الضالة وشر الإلحاد والمبادئ الهدامة.

 بالرأي والحجة والمنطق أنقذوا المجتمع من الحيرة والقلق والضياع، سيروا على منهج القرآن؛ لتبقى دعوة الله حية في القلوب والضمائر؛ وليبقى الإسلام قويًّا عزيزًا كما ورثناه قويًّا عزيزًا، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الرابط المختصر :