الثلاثاء 27-أكتوبر-1970
الأُسرَة
كلهن يستطعن ذلك، ولكن..!
تنتشر في شوارع الكويت في هذه الأيام أسراب الفتيات والسيدات ذوات الملابس القصيرة جدًا، يستعرضن واجهات المحال التجارية وفي نفس الوقت يستعرضن أجسادهن المكشوفة المضغوطة، ومن طرف خفي يحصين عدد النظرات الجائعة النهمة التي يوجهها المراهقون إلى أجسادهن، فذلك يطمئن الواحدة منهن على أنها جميلة مشتهاة، وبئس العمل الدنيء.
وأنا أعتقد أن الأصل في كل هذه المظاهر هو الإفلاس الفكري والخواء الروحي الذي أصاب أمتنا منذ أن تراجعت عن دينها العظيم. ولكنني أترك مناقشة هذا الأمر إلى وقت آخر، وأحاول الآن أن أنزل إلى منطق هؤلاء المتبرجات الكاشفات أجسادهن وأستعرض حججهن والغرض من عملهن هذا.
فلابسة الميني جيب كما يطلقون عليه في نظري لا تعدو أن تكون واحدة من ثلاث مقلدة بلا عقل، أو باحثة عن حريتها كما تزعم، أو باحثة عن الجمال وشهوة الاستعراض.
ففي الحالة الأولى أعجب من إنسانة تحترم نفسها وتدين بدين الإسلام وتعيش في مجتمع له أخلاقياته وأبعاده الخاصة التي تختلف كليًا عن تلك التي يدين بها مجتمع المينى جيب. كيف تسمح لنفسها أن تلقي بتعاليم الدين وبأخلاق المجتمع وبعاداته وتقاليده خلف ظهرها فقط من أجل التقليد الأعمى، إنها إذن بلا شخصية أو إرادة تنقاد بسهولة لكل عابر سبيل. أي أنها تافهة لا تستحق شرف الأمومة وبناء أسرة ولا مسئولية المواطنة في مجتمع لا تحترم معتقداته ولا تشعر بالولاء لأخلاقياته أو أفكاره.
وأما الأخرى التي تعتقد أنها بلباسها الفاضح القصير تمارس حريتها وتثبت كيانها وشخصيتها فأقول لها إن لكل شيء حدودًا حتى للحرية، وهذه الحرية التي تسعين إليها من نمط الحرية التي نعطيها للطفل ليلعب بالكبريت فيحرق نفسه والبيت معه.
وهي بحريتها هذه المزعومة تحرق نفسها كإنسانة فاضلة عضوة في مجتمع هو أحوج ما يكون إلى جهودها في مجالات كثيرة غير ميدان التبرج والعري.
وتحرق مجتمعها بإثارة الغرائز الحيوانية وإشعال نار الشهوة في نفوس الشباب المحروم، فيكون نتيجة ذلك مزيدًا من الجرائم التي يعود أصلها إلى الإثارة الجنسية المحرومة، وهذا واضح في أي صحيفة تصدر بأخبار الجرائم والفضائح تملأ حيزًا كبيرًا منها، وبئس الحرية التي تقاس بعدد البوصات المكشوفة من جسد الأنثى وبدرجة كثافة الطلاء على وجهها أو بارتفاع الشعر المستعار وغرابته على رأسها.
إن تاريخنا يزخر بالخالدات من النساء اللائي مارسن حريتهن الحقيقية ضمن إطار المجتمع المسلم بكل عفة وكرامة، لم يحتجن للميني جيب أو لمساحيق ماكس فاكتور.
وأما الثالثة وهي امرأة خطرة على المجتمع خطورة الجنس المحرم لأنها امرأة حيوانية الشهوة لا تهمها إلا إثارة الغرائز البهيمية في الصدور، ويسعدها جدًا أن تتوجه إليها عشرات النظرات غير البريئة مهما كانت الخواطر السيئة التي تكمن وراءها وأما إذا تبعها مراهق محروم أثاره منظرها وألهب خياله فرأى اللحم العاري فاستيقظت في صدره نار الفتنة فإن قلبها يرقص طربًا، وربما زادت من رقاعتها فتقصعت في مشيتها ليهتز جسدها ويتأرجح إمعانًا في الإفساد وإصرارًا على الفتنة.
ربما تكون هذه أنثى، ولكنها على كل حال ليست إنسانة.
إنني كلما قابلت في طريقي امرأة كهذه يقفز إلى خاطري على الفور صورة البائع ذي البضاعة الكاسدة، الذي يملأ الدنيا زعيقًا وضجيجًا لعله يجذب زبونًا فيُنفق بضاعته الكاسدة.
إنها تعلم بأن أخلاقها السيئة وجمالها الطبيعي، بل وحتى التبرج البسيط لن يجذب هذا كله لها زبونًا، وجمال المرأة يكمن في أخلاقها ورقتها وحنانها وهي تفتقر إلى هذه الأخلاقيات كلها، فلذلك تلجأ إلى طريقة صاحبنا البائع.
هو يرفع صوته عاليًا ويملأ الدنيا صراخًا وهي ترفع فستانها إلى أعلى وتعطر نفسها وتطلي وجهها بالمساحيق والألوان، وفي الحالتين الهدف واحد الحصول على زبون لإنفاق البضاعة الكاسدة.
إن المرأة الفاضلة المتمسكة بدينها المتحلية بجمالها الحقيقي النابع من أخلاقها السامية وتصرفاتها المحتشمة وملابسها الوقورة رقتها دون تبذل لتجبرني على أن أرفع يدي محييًا.
وأما المرأة الأخرى فإنها لا تستحق سوى التأفف والاحتقار، فطوبى لأولئك النساء اللائي يقبض على دينهن بقوة وإصرار رغم ما في ذلك من صعوبة ومشقة، وأقفلن عقولهن وبيوتهن عن كل شيء سوى نور الله وهدايته، فعليهن تنعقد الآمال الكبار في تنشئة جيل مسلم فاضل وبناء مجتمع أفضل.
يوسف نصار
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل