; كلية الحقوق والشريعة بين شريعة القرآن وشريعة الرومان | مجلة المجتمع

العنوان كلية الحقوق والشريعة بين شريعة القرآن وشريعة الرومان

الكاتب أ. عبد الله محمد عبد الله

تاريخ النشر الثلاثاء 02-يونيو-1970

مشاهدات 14

نشر في العدد 12

نشر في الصفحة 20

الثلاثاء 02-يونيو-1970

 خصائص المجتمع المسلم

عـــود إلى التربيـة

كلية الحقوق والشريعة بين شريعة القرآن وشريعة الرومان

بقلم الأستاذ: عـبد الله محـمد عبـد الله

في خضم معترك الحياة وعلى مقربة من نهاية شوط طويل من عام دراسي حافل أوشك حصاد زرعه وآن أوان قطف ثمره، وكل يرتقب حصيلة جهده ويبذل النفيس من وقته، فما هي إلا أيام معدودات تنقضي فتنجلي بانقضائها غشاوات وتبرز الحقيقة بعدها، معلنة بلسان صدق لا تقبل تشككًا ولا تعير لذاهل انتباهًا مثل سنوات مضت كأمس الدابر وسنوات أخرى تأتي مقبلة مدبرة إلى ما شاء ربك، وآلاف مؤلفة من أبنائنا وبناتنا يعيشون في إرهاق عنيف وعنت ومشقة تتزلزل لها الشم الرواسي يبدون صنوفًا من ربطة الجأش ومضاء العزيمة وقوة الصبر والاحتمال وآيات رائعة من المقدرة على تذليل الصعاب وتحقيق الآمال يزيدنا يقينًا وثقة في أنفسنا وفي مستقبلنا ومثلهم مئات الآلاف من بني يعرب من أقصى المحيط إلى أقصى الخليج وجم غفير وعدد كثير يفوق هذا العدد وذاك من بني الإسلام على تنائي الديار وتباين الأقطار من أصل ثلث سكان المعمورة يجمع بينهم عزم وإصرار على تخطي كل داهية دهياء لا تخور لهم عزيمة ولا يتطرق إلى نفوسهم وهن أو صغار..

حشد هائل وجيش جرار وكتل من البشر يفوق عددهم سكان أعظم دولتين معاصرتين من دول الأرض، جمع قلما يتيسر لأمة مثله في ميعان الصبا ومقتبل العمر وعنفوان الشباب لا ينقصهم استعداد ولا يحول بينهم وبين الإبداع والخلق والإتقان حائل ولا يبزهم غيرهم من نظرائهم وأقرانهم شباب الأمم الأخرى ولا يفضلونهم بموهبة، لا ينقصهم شيء من ذلك ولا يعوزهم سوى حسن التوجيه وإحكام التخطيط والقيادة الرشيدة الرائدة لتلم شتات هذا الذرا المتناثر على هدي من الله وبينة من الأمر لا تضليل فيها ولا التواء.

ولست أدعي لنفسي خبرة بفنون التربية وأساليب التعليم ولكن أذر ذلك لأهله ممن تتوافر فيهم صفات الاستقامة والإخلاص والابتكار والشجاعة مع التخصص بالطبع، وأنهم لا يعدمون في أمة مترامية الأطراف فسيحة الجوانب لا تغيب عنها الشمس كأمة الإسلام تسبقها خطوة أراها من الأهمية بمكان تقوم بغربلة وتصفية وزارات التربية والمؤسسات التعليمية والتربوية في كل بلد عربي وإسلامي من العناصر المشبوهة المنبثة فيها من المستغربين والمتنصرين والمتهودين والمتمجسين والمتأثرين بزخارف الشيوعية وألاعيبها من ذوي ضعاف النفوس وطلاب الشهوة وتجار السحت وسماسرة الإجرام.. ليعيدوا لنا بناء مخطط تعليمي مدروس يجتمع له من كل فن وعلم عباقرته وأفذاذه في الدين واللغة والأدب ومختلف أنواع العلوم الحديثة والمعارف الإنسانية بما يوائم البيئـة المحلية وحاجة الأمة العربية والإسلامية ويسد ما ينقصها في خلال فترة زمنية محددة في شتى أقسام وفروع العلوم في مختلف مناحي الحياة المعاصرة تعيد إلى الأذهان عهدي الرشيد والمأمون.

وإن أول مأخذ على منهج التعليم المعمول به سواء كان على المستوى المحلي أم على المستوى العربي والإسلامي أن هذه المناهج وضعها أناس لا تربطهم بالمنطقة رابطة من دين أو لغة أو شعور، اللهم إلا شعور العدو المستعمر الذي يريد أن يثبت أقدامه ويستعبد أهلها ماديَّا ومعنويًّا فأحكم ربط قلوبنا وعقولنا فلا تنبض ولا تفكر إلا وفق ما أوحى به إلينا ولا تنطق الألسنة إلا بما يحب أن تسمعه أذنه وانطمست معالمنا إلا مما تقر بها عينه.

فلا غرو إذا رأينا على أرضنا العربية المسلمة أفواجًا من بني العروبة والإسلام تردد اليوم ما غرسه المستعمر بالأمس لأنها غرس يده وربيبة حجره وصنيع سوء فعله ودليل على ما كاد ويكيده المستبد الغاشم..

فهل آن لهؤلاء أن يتوبوا إلى رشدهم ويرجعوا عن غيهم وضلالهم، ويتدبروا سنن الكون وحقيقة الأمر في مجتمعاتهم وأوطانهم وليتركوا للنور سبيلًا إلى أبصارهم وبصائرهم؟

وليتساءلوا فيما بينهم أين جنود الاحتلال؟ أين المقيم الفرنسي في الجزائر والمغرب وتونس والشام؟ أين الإنجليز في مصر والسودان والأردن والعراق؟ وليتذكروا ويذكروا كم كلف إزاحة هذا الكابوس الرهيب من أنفس وأموال من خيرة شبابنا وأبطال كفاحنا؟ كم من الملايين من الأبرار الأخيار ذهبوا ضحية هذا الأخطبوط الخبيث؟ لماذا كل هذه التضحية؟ ولماذا دفعنا كل هذا الفداء؟ ألنستبـدل بمسيو ومستر الأستاذ فلان والدكتور فلان؟

لا يا ألسنة العصر والزمان وأعاجيب الدهر والأوان! إن القادة السياسيين قطعوا شوطا لتخليص الأمة من الاحتلال السياسي والنفوذ الاستعماري، وعليكم أنتم يا أساطين الفكر تخليص الأمة من الاحتلال الفكري والقلبي والخلقي وتطهير المجتمع من النفوذ الأجنبي في التشريع والقضاء والآداب والعلوم.

وليرجعوا البصر كرتين مرةً تلو مرة وليتأملوا ويتساءلوا لماذا تمد الدول الاستعمارية إسرائيل بكل ما تحتاجه وبأكثر مما تحتاجه وهي الظافرة المنتصرة المتعنتة الخارجة على قرار المنظمة الدولية، ولماذا يصدر الحبر الأعظم بابا الفاتيكان صك الغفران وتبرئة اليهود من صلب المسيح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ليهدم بذلك أهم ركن من أركان الديانة النصرانية..

يا أساتذة العصر ودكاترة الزمان اسألوا أنفسكم وسائلوها مرة تلو المرة عسى أن تتنبه ضمائركم ويتيقظ في نفوسكم الشعور القومي، والإحساس العربي والإسلامي لعل وعسى أن ينفع الله بكم الأمة وتخطوا لها طريقًا رشدًا ولا تثبطوا عزيمتها بتعليلاتكم الغثة وأسلوبكم المقيت وحججكم الداحضة؛ فكم سكبتم من آراء كانت تعد من المكفرات التي لا تقبل توبة عنها ولا تخفيفًا في حكم ولا تترك نفعًا لشفاعة شفيع دنيا وأخرى.

 وليسأل خبراء التعليم بعد ذلك أنفسهم لماذا كل هذا الاهتمام باللغة الإنجليزية، بحيث أصبحت فرضًا عينيَّا على كل فتى وفتاة من أول مرحلة دراسية، من المتوسط إلى نهاية المرحلة الثانوية أو الجامعية  ثماني سنوات أو اثنتا عشرة سنة، تذهب هباءً منثورًا من كل سنة تسعة أشهر وفي كل شهر أربعة أسابيع، وفي كل أسبوع ستة أيام ومن كل يوم ساعة، خمسون ألف طالب علم وطالبة في هذا البلد وأضعاف أضعافه في الأمة الإسلامية، فإذا أردنا أن نحصي عدد الساعات على عدد النفوس، فكم ساعة بل كم مليون ساعة تفوت في اليوم الواحد على أمتنا من محيطها إلى خليجها دون أن تستغلها لمصلحة قومية أو توجيه تربوي سليم، جهـد عاثر ووقت ضائع ووسيلة خبيثة لتبديد الأموال والأنفس والثمرات في سبيل لغة لا يبقى لها أثر في الحياة العملية إلا من القليل النادر والنزر اليسير.

فحبذا لو استغل هذا الوقت الثمين في دراسة أدبنا ولغتنا وديننا ومقومات حياتنا، وما به حفظ كياننا، والتاريخ يحدثنا بأنه في أزهى عصور التاريخ لم يكن في الدولة الإسلامية في عصرها الذهبي إلا أفراد قلائل يعدون على أصابع اليد الواحدة قاموا بترجمة سائر العلـــوم الإنسانية من يونانية وسريانية وفارسية وهندية وقدموها معربة تدارسها العلماء فذللوا وعرها وهذبوا مسائلها وقوّموا اعوجاجها وابتكروا فيها، وأصبحت لهم بها نظريات وآراء حملت أسماءهم فتلقفها الفرنجة وعكفوا على دراستها في جامعاتهم أحقابًا طويلة وبنوا عليها؛ فحققوا لأممهم ما حققوه من تقدم وحضارة نقف لهم اليوم خاشعين ولم نسمع بأنهم تعربوا كما تفرنج العرب والمسلمون، وإنما اكتفوا بأفراد تسموا فيما بينهم بالمستشرقين، نقلوا إلى لغة أقوامهم كل ما يريدون وكالوا لنا فيما بعد السباب والقدح في مقدساتنا وتراثنا وإسلامنا، هذه وقائع وشواهد من التاريخ البعيد منه والقريب فيها تبصرة لمن كان له قلب أَو أَلقى السمع وهو شهيد.

الرابط المختصر :