; كيف تكون محبوبًا؟ (1) | مجلة المجتمع

العنوان كيف تكون محبوبًا؟ (1)

الكاتب علي بن حمزة العمري

تاريخ النشر الثلاثاء 01-يوليو-1997

مشاهدات 13

نشر في العدد 1256

نشر في الصفحة 58

الثلاثاء 01-يوليو-1997

المحبة أمر فطري، مركوز في نفس الإنسان، صحبة موطنها القلب وشعور بالميل نحو الغير، فتتبعه الإرادة نحو المحب، والمحبوب يستحكم قلوب محبيه، حتى يسلب شعور الآخرين بإذن الله، حتى يصلا إلى التناسب الروحي الذي عبر عنه الإمام ابن القيم بقوله: «فإن التناسب الذي بين الأرواح من أقوى أسباب المحبة» (1)

والمحبوب شخصية تميل إليها النفوس، وتتعلق بها القلوب تسعد بلقياها، وتانس بحديثها، فقد حصل التوافق بين روحك وروحه عندئذ، وهذا الميل والإنجذاب للشخصية المحبوبة تسترعي الإنتباه، وتستوقف المحب.

لماذا يميل الناس إلى هذه الشخصية المحبوبة؟ لماذا يأنسون بلقياها؟ لماذا يسعدون بذكرها؟ كيف وصل المحبوب إلى هذه الدرجة؟ وهل يمكن أن تكون شخصية؟ محبوبة هل يمكن أن أكون ممن قيل فيه:

لها أحاديث من ذكراك تشغلها                         عن الشراب وتلهيها عن الزاد

لها بوجهك نور يستضاء به                        ومن حديثك في أعقابها حادي

إذا شكت من كلال السير أوعدها                روح اللقاء فتقوى عند ميعاد(۲)

وما هي إلا الأرواح المجندة التي تأتلف بإذن الله.

إن هذه المحبة، وتلك الوشاجة الموثقة والرابطة المؤكدة، جعلها الله في قلب المحبين كما قال سبحانه ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم: ۲۱) مودة ورافة، وفيض رحمة، وخلة ومحبة.

«إننا لنرى الرجل من المشرق، يتزوج بامرأة من المغرب غريبة عنه، لا تربطه بها روابط قوية من القرابة، تختلف عنه في العادات والصفات، ما إن يقترنا بالزواج ويتم بينهما اللقاء والمعاشرة حتى تصبح كأنها جزء منه، ويصبح الرجل في نظر زوجته كأنه سويداء قلبها، لا تستطيع الحياة بدونه إن غاب عنها شعرت بالكآبة والحزن حتى يرجع إليها، فمن الذي وضع هذه المحبة والعاطفة في قلب كل من الزوجين؟! ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ (الروم: 21) (۳).

إن الإجابة عن هذا السؤال العام، تكفل بها النبي صلي الله عليه وسلم بقوله: «إن الله إذا أحب عبدًا دعا جبريل فقال: إني أحب فلانًا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانًا فأحبوه فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض» (٤).

فهي طريق واضح، ومسار صالح، أن يحبك الله، فيحبك الخلق، فكيف بك إذا أحبك الله؟ ثم كيف بك إذا أحبك الناس؟ ولكن السؤال هنا: كيف يحبني الله لكي يحبني الخلق؟

كي تحصل على محبة الله لابد من التماس هذه المسالك النافعة، والخطوات الرائدة، فهي الطريق الآمن الموصل للمراد:

1- أداء الواجبات: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «إن الله تعالى قال: من عادى لي وليًا فقد أذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما أفترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه» (٥).

أعظم أبواب الجنة

فأداء الفرائض المختلفة أعظم أبواب محبة الله، وهي السبيل لرضاه، وهي الباب الموصل للمحبة فهي الأساس الثابت والمعين النابض، والطريق القوي للمحبة المرجوة.

2- كثرة النوافل: «ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه».

والنافلة هي الزيادة، ولذلك سمي الكريم كريمًا الزيادة ما يتفضل به، فالذي يؤدي الحق الواجب لا يعتبر كريمًا، بل مؤديًا للواجب.

ومنه حديث النبي صلي الله عليه وسلم: «البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي» (٦).

فحتى لا تكون بخيلًا، كلما سمعت ذكر النبي صلي الله عليه وسلم صليت عليه، ولكن تريد أن تكون كريمًا، فلابد من الإكثار والزيادة من الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، والنوافل أبوابها كثيرة من الصلاة المتنوعة «قيام الليل، وصلاة الضحى وصلاة الوتر، والسنن الراتبة..» ومن الصدقات والتذكير بالكلام النافع فهي صدقة «والكلمة الطيبة صدقة» إلى غير تلك النوافل من صيام تطوع، وذكر الله، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر.

3- تلاوة القرآن: إن من أراد أن يحوز على محبة الله فليتأمل هذا الحديث الشريف، قال رسول صلي الله عليه وسلم الله: «من سره أن يحبه الله ورسوله فليقرأ من المصحف » (۷)

وقال خباب بن الأرت: «تقرب إلى الله ما أستطعت، وأعلم أنك لست تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه » (۸).

وليعلم قارئ القرآن أن الملائكة تحبه، بل وتحب قريه، وللتأمل في هذا الحديث المدهش، فعن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم «إن العبد إذا تسوك ثم قام يصلي قام الملك خلفه فيستمع القراءه فيدنو منه، حتى يضع فاه على فيه فما يخرج من فيه شيء من القرآن إلا صار في جوف الملك، فطهروا أفواهكم بالقرآن» (۹)

4- التصدق بالابتسامة : «إنها لا تستغرق أكثر من لمح البصر، لكن ذكراها تبقى إلى آخر العمر» (۱۰).

والابتسامة والملاطفة تدخل السرور على قلب محبك، «وهكذا كان خلق النبي صلي الله عليه وسلم كما روى جرير بن عبد الله رضي الله عنه «ما حجبني النبي صلي الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رأني إلا تبسم في وجهي» «متفق عليه».

وما قاله عبد الله بن حارث: «ما رأيت أحدًا أكثر تبسمًا من رسول الله صلي الله عليه وسلم» (۱۱)، وإن مريد الخير المتبوعيه عليه أن يكثر من هذه الصدقة النافعة.

وتأمل يا أخي هذه الحادثة والقصة المعبرة: عبد الله بن عمرو بن العاص، ظن أن النبي صلي الله عليه وسلم اختصه بالمحبة والخلة، لكثرة ما كان يتبسم في وجهه، وإذا كان في مجلس النبي صلي الله عليه وسلم فكانت عينا النبي صلي الله عليه وسلم تقع علي عيني هذا الصحابي الجليل، فتبتهج النفس وتسر، فأراد هذا الصحابي أن يعمق هذه المحبة بتأكيد السؤال على حبيبه صلي الله عليه وسلم، فينطلق السؤال من المحب: من أحب الناس إليك يا رسول الله؟ قال: عائشة، قال المحب بل من الرجال يا رسول الله؟ قال: أبو بكر «أبوها»، قال: ثم من قال عمر، ولا يزال الأمل كبيرًا أن يكون من الركب الأول، قال: ثم من؟ فعدد رسول الله صلي الله عليه وسلم أسماء من الصحابة، فقال عبد الله بن عمرو إبن العاص ليتني ما سألت!!

فلتنظر ولتتأمل كيف أسر النبي صلي الله عليه وسلم بنظراته وكلامه قلب هذا الصحابي، حتى ظن أنه الحبيب الأول، ولتنظر صراحة النبي صلي الله عليه وسلم في أمر المحبة التي في قلبه، وانظر إلى أثر الابتسامة كيف تخترق القلوب!!.

الهوامش

1- روضة المحبين إبن القيم ٨٤.

2- روضة المحبين إبن القيم ۸۹.

3- الزواج الإسلامي المبكر، محمد علي الصابوني ١٤

٤- متفق عليه رياض الصالحين ۲۹۹.

5- رواه البخاري رياض الصالحين، ۲۹۸.

6- رواه الترمذي، تهذيب الترغيب والترهيب ۲۹۰.

7- صحيح الجامع (6289) عن الكلمات الحسان لأحمد شعیب (۱۳).

8- جلال الإقراء وكمال القراء السخاوي (۲۱۰/۱).

9- صحيح الترغيب للألباني ۹۱/۱ عن ظهور المسلم السعيد القحطاني ٤١.

١٠ - كيف يكون الداعية شخصية محبوبة؟ جاسم مهلهل ۱۹ ۱۱.

11- مسافر في طريق الدعوة د عادل الشويخ، ٢٤٤.

الرابط المختصر :