العنوان كيف تنظر تركيا لاتفاقات التطبيع؟
الكاتب د. سعيد الحاج
تاريخ النشر الخميس 01-أكتوبر-2020
مشاهدات 22
نشر في العدد 2148
نشر في الصفحة 40

الخميس 01-أكتوبر-2020
حالة العالم الإسلامي
كيف تنظر تركيا لاتفاقات التطبيع؟
العدالة والتنمية ورث تركيا ولها علاقات راسخة مع الاحتلال فلم ينقلب عليها بل أعاد صياغتها
في أكثر من محطة عبّر الطرفان عن مشاعر سلبية تجاه بعضهما بعضاً
تركيا طوّرت بالسنوات القليلة الأخيرة من دورها في القضية الفلسطينية ورفعت من سقف خطابها
أنقرة تنظر لاتفاق التطبيع على أنه لتصفية القضية الفلسطينية وإعادة صياغة المنطقة بما يضرها ويتعارض مع مصالحها
د. سعيد الحاج
في 15 سبتمبر الماضي، وقعت دولتا الإمارات العربية المتحدة والبحرين اتفاقاً لتطبيع علاقاتهما مع «إسرائيل» برعاية أمريكية مباشرة من الرئيس الأمريكي «دونالد ترمب»، خطوة أدت لردود فعل كثيرة وكبيرة على المستوى العربي، لخطورتها وتوقيتها وارتداداتها المتوقعة على القضية الفلسطينية والمنطقة.
لكنها كذلك استحثت رد فعل تركياً مندداً ورافضاً رغم العلاقات السياسية والدبلوماسية القائمة بين أنقرة وتل أبيب؛ ما يدفع للبحث في أسباب هذا الموقف التركي اللافت.
ورث حزب العدالة والتنمية، الذي تأسس في عام 2001م، وتسلم الحكم في بلاده في عام 2002م، دولة تركية وهي لها علاقات راسخة مع الاحتلال؛ فقد كانت تركيا أول دولة مسلمة تقيم علاقات دبلوماسية معه في عام 1949م، وهي علاقات نمت وتطورت مع الوقت والأحداث لتصل لمرحلة التحالف الإستراتيجي في تسعينيات القرن الماضي.
لم ينقلب الحزب تماماً على سياسات بلاده الخارجية، بل أعاد صياغتها وتفسيرها، وبالتالي استمر على العلاقات مع «تل أبيب» في سنواته الأولى، بل وسعى للوساطة بينها وبين دول أخرى في مقدمتها سورية والباكستان.
بيد أن العدوان الصهيوني على قطاع غزة نهاية عام 2008م، خلال المحادثات غير المباشرة بين سورية والكيان الصهيوني بوساطة تركية، ترك أثراً سلبياً جداً لدى الحكومة التركية، وفي عام 2009م حدثت حادثة دافوس الشهيرة بين «أردوغان»، و«شمعون بيريس»، التي دقت إسفيناً آخر في العلاقات بين الجانبين، وفي عام 2010م اعتدت القوات «الإسرائيلية» على سفينة «مافي مرمرة» التي حملت متضامنين ضد حصار غزة موقعة 10 شهداء أتراك؛ ما أدى لقطيعة في العلاقات الثنائية.
اشترطت أنقرة لعودة العلاقات ثلاثة شروط؛ الاعتذار، وتعويض عوائل شهداء السفينة، وكسر الحصار على غزة، مع الوقت، وبوساطة أمريكية، وصل الطرفان للحظة تطبيع العلاقات مجدداً بعد 6 سنوات من القطيعة (عام 2016م)؛ فقد كان رئيس وزراء الكيان الصهيوني «بنيامين نتنياهو» قد اعتذر هاتفياً عن الحادث، وتضمن اتفاق إعادة العلاقات بنداً لإنشاء صندوق لتعويض عائلات شهداء «مافي مرمرة»، وإشارة لسماح «تل أبيب» لأنقرة بإرسال مساعدات إلى غزة، وهو الأمر الذي تعثر ثم توقف لاحقاً.
رغم عودة العلاقات الدبلوماسية، لم تعد العلاقات بين الجانبين لسابق عهدها؛ ففي أكثر من محطة وحدث، عبّر الطرفان عن هواجس بل ومشاعر سلبية تجاه بعضهما بعضاً، بما في ذلك «شماتة إسرائيلية» ببعض التطورات السلبية في تركيا، وهو أمر يضاف إلى تناقض رؤية الطرفين لقضايا المنطقة وتعارض مصالحهما وأهدافهما فيها بشكل كبير.
أكثر من ذلك، فقد أعادت تركيا سفيرها لدى الاحتلال وأعلنت سفيرَهُ لديها شخصاً غير مرغوب به، في مايو 2018م؛ احتجاجاً على قرار «ترمب» نقل سفارة بلاده إلى القدس، وتعامل الاحتلال الأمني الفظ مع مسيرات العودة في قطاع غزة؛ ما يعني أن العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الطرفين حالياً في مستوياتها الدنيا، رغم أن العلاقات الاقتصادية والتجارية بينهما بقيت على حالها ولم تتأثر سلباً.
لماذا الإدانة؟
والحال كذلك (أي وهناك علاقات دبلوماسية بينها وبين «تل أبيب») سيبدو غريباً أن تدين أنقرة اتفاق تطبيع العلاقات -أو ما سمي بـ«اتفاق سلام»- بين الاحتلال من جهة، والإمارات والبحرين من جهة أخرى، لكن الأمر يصبح مفهوماً بالنظر إلى زاوية تقييم تركيا للاتفاق من جهة، ودورها المتنامي مؤخراً في القضية الفلسطينية من جهة أخرى؛ فقد طوّرت تركيا في السنوات القليلة الأخيرة من دورها في القضية الفلسطينية ورفعت من سقف خطابها؛ حيث كانت في مقدمة الدول التي دعمت الجهود الفلسطينية الرسمية في الأمم المتحدة والمحافل الدولية، كما أنها تتمتع بعلاقات جيدة مع فصائل المقاومة الفلسطينية، ولا سيما حركة «حماس»؛ حيث استقبل الرئيس «أردوغان» قياداتها مراراً، وآخرها لقاؤه مع رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية الذي اعترضت عليه الولايات المتحدة.
كما أن تركيا، وخلال رئاستها الدورية لمنظمة التعاون الإسلامي، قادت المنظمة في مواجهة قرار «ترمب» نقل السفارة للقدس، منظِّمة قمتين باسم القدس، التي تنشط فيها المؤسسات المدنية التركية رغم قيود الاحتلال وتشديده على عملها.
لا تنظر أنقرة للاتفاق على أنه تطبيع لعلاقات طرفين سادت بينهما أزمات أو توترات سابقة، وإنما كاتفاق يهدف من جهة لتصفية القضية الفلسطينية، ومن جهة أخرى لإعادة صياغة المنطقة بما يضرها ويتعارض مع مصالحها.
فوفق الرؤية الأمريكية، التي تحدثت عن «تغيير الشرق الأوسط» أو بلورة «أجندة إستراتيجية جديدة» للشرق الأوسط، وفق ما نصّت عليه الاتفاقية، ثمة سعي لإنشاء «ناتو شرق أوسطي» يضم الكيان الصهيوني، بمعنى التعاون والتحالف بينه وبين الدول العربية بعد قبوله في المنطقة وإدماجه بها كدولة طبيعية.
وفق هذه الرؤية، يتحول الاحتلال لدولة طبيعية وجارة، بينما تتحول كل من إيران وتركيا إلى خصوم وأعداء، وبالتالي؛ ترى الأولى نفسها مستهدفة من هذا الاتفاق؛ بما يعني أنه لا يسعها البقاء في صفوف المتفرجين أو الصمت عنه.
أكثر من ذلك، ترى تركيا أن الاتفاق قد جمع بين خصمين لها في المنطقة؛ فكما سبق، لا تربطها حالياً علاقات جيدة مع الاحتلال، فضلاً عن وقوفه إلى جانب اليونان في نزاعه معها في شرق المتوسط، ومن جهة أخرى تبدو دولة الإمارات العربية المتحدة في الجهة الأخرى المواجهة لتركيا في معظم قضايا المنطقة؛ فهي تنظر لتركيا كدولة داعمة للتيارات الإسلامية في العالم العربي، وهي من الدول المنددة بدورها وعملياتها العسكرية في سورية والعراق، وهي من الداعمين للجنرال خليفة حفتر في ليبيا، بينما تدعم تركيا حكومة الوفاق الوطني بقيادة السراج، ورغم أنها ليست من دول حوض المتوسط، فإنها كانت إحدى 5 دول وقعت على بيان يندد بالأنشطة التركية في شرق المتوسط، ناعتة إياها بـ «الأنشطة غير القانونية»، فضلاً عن مشاركتها أكثر من مرة في مناورات عسكرية مع كل من اليونان و«إسرائيل».
الأهم وربما الأخطر أن أنقرة تتهم أبو ظبي باستهدافها والإضرار بأمنها القومي، حيث ترى أنها من داعمي المنظمات الانفصالية الكردية في شمال سورية، كما تتهمها بالتدخل في الشأن الداخلي التركي، ومن ضمن ذلك دعم المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا صيف 2016م.
وعليه، فإن قراءة أنقرة للاتفاق أبعد بكثير من كونه اتفاقاً عادياً لبدء علاقات دبلوماسية بين جانبين كانا في قطيعة ومواجهة، وإنما كخطوة إضافية في مسار إعادة تشكيل المنطقة بطريقة تجعلها هدفاً لعدة أطراف لا تحمل لها الود وتتناقض معها في المصالح والرؤى والأهداف.
وبالتالي، ورغم أن تركيا ما زالت تقيم علاقات دبلوماسية وسياسية مع الاحتلال، وإن بحدها الأدنى حالياً، فإنها اختارت التنديد بالاتفاق الموقع بين «تل أبيب» وأبو ظبي والمنامة، خصوصاً أنه يتجاوز الحد الأدنى المتوافق عليه عربياً والمتمثل في المبادرة العربية للسلام، وكذلك الحل الذي تدعو له المجموعة الدولية؛ وهو حل الدولتين.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

