; كيف ربّى النبي جنده؟ | مجلة المجتمع

العنوان كيف ربّى النبي جنده؟

الكاتب د. عبد المنعم تعيلب

تاريخ النشر الثلاثاء 19-مايو-1970

مشاهدات 32

نشر في العدد 10

نشر في الصفحة 30

الثلاثاء 19-مايو-1970

وسط هذا الصخب الدامي وقصف المدافع، وفي خضم معاركنا مع الأعداء ينبغي أن نظل دائمًا نتحسس سبيل النصر؛ حتى لا تعوج بنا السبل فإن أعداءنا قد تألبوا علينا وأجمعوا أمرهم على إفنائنا، أو فتنتنا عن ديننا، ولقد تواطأ على هذا المشارقة والمغاربة، والصليبيون والملاحدة وجربنا مسالك ما وصلت بنا إلى الغاية، ولم يعد لنا من ملاذ إلا حمى الله الذي لا يضام، وولاية الحق التي تبلغنا ما نريد.

وإن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة؛ فحين أحس بالأعداء يريدون أن يخرجوه أو يفتنوه، أعد المؤمنين لمواجهة المعاندين الباغين على منهاج رب العالمين، علمهم كيف ينتصرون على زيغ العقول بالتفكير والتدبر، والنظر والتأمل، حتى ترسخ فيهم العقيدة الصحيحة، ويستضيئوا بنور الإيمان واليقين، وعلمهم كيف ينتصرون على هلع النفوس بالثقة في الله والاطمئنان إلى عدله ورحمته، ولطفه وحكمته، فلم يعد فيهم الشحيح المنوع، ولا القنوط الجزوع.

وعلمهم كيف يغلبون الأهواء والشهوات، بدوام مراقبة الله وعظيم الحياء من هيبته سبحانه.

علمهم كيف يتسامون بغرائزهم وميولهم، فأصبحوا حراصًا على البقاء لكن بقاء في النعيم المقيم وليس في نار الجحيم، رباهم على أن يكرموا أنفسهم بصيانتها عما يدنسها، وليس بتعاليها على بني جنسها.

ونزلت أكثر من ثمانين سورة من القرآن الكريم تؤدب المؤمنين بهذه الآداب الرفيعة، وتعدهم هذا الإعداد الرباني الحكيم، وخلال هذا الإعداد وقبل أن يستكمل هذا المنهج، لم يؤذن لهم حتى ولا في مجرد الرد على تنكيل المشركين بهم، ويشكون إلى رسول الله قائلين: يا رسول الله كنا أهل شرك فلم يكن يجرؤ واحد من هؤلاء على النيل منا، أفبعد أن هدانا الله إلى الإيمان نسكت حتى نمسي وما منا إلا مخدوش ومجروح، فيرد عليهم النبي بقوله: «كفوا أيديكم فإن الله لم يأذن لي في قتالهم».

وذلك تقدير العزيز العليم. فقد تدرعوا بالصبر حتى أصبحوا أهلا للظفر والنصر بتوحيدهم لربهم واتباعهم لقرآنهم واستعانتهم على فضائل دينهم، وعندها أذن الله لهم في قتال أعدائهم، فقاتلوا والله وليهم ﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ (المائدة: 56)

وحين انتصروا على أنفسهم، أيدهم الله بجنده، وأمدهم بمدد، وحقق لهم كريم وعده ﴿وكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الروم : 47)

صبروا في البأساء والضراء وحين البأس فما عرفوا الفرار ولا التولي وشكروا في السراء فما أبطرهم نصر ولا أطغاهم، وإنما كانوا يبرءون من حولهم وقوتهم إلى حول الله العظيم وقوته ﴿ۚوَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (الأنفال : 10)

فإذا أردنا أن يمكن الله لنا ديننا، ويرد علينا قدسنا، ويعيد إلينا أرضنا، فلنقتد بإمام المجاهدين وقائد الغر المحجلين، والأبطال الميامين من أهل الإيمان الصادقين، فننتصر على أنفسنا فإنها أعدى الأعداء. فلنغالب أهواءنا وشهواتنا.

فلنصحح عقيدتنا ولنخلص لله نيتنا، فلنُقوّم سلوكنا على منهاج کتاب الله، وهدي رسول الله يتحقق فينا صادق وعد الله ﴿بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ (آل عمران : 125)

أيها المسلمون: إذا تذكرتم فضل رسول الله وتطلعتم إلى حب الله؛ فالطريق أن تتبعوا رسالته وتلتزموا شريعته ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ (آل عمران : 31)

أيها المجاهدون: قاتلوا لتكون كلمة الله هي العليا، ولا تبتغوا بجهادكم غير وجه الله ﴿وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾  (محمد : 35)

أيها المحبون لرسول الله: رووا أنفسكم وأولادكم مغازي رسول الله وحببوا إليهم افتداء دين الله، وانفروا وإياهم لنصرة المستضعفين لتكونوا من وراث سيد المرسلين، وويل للقاعدين المخلفين.

إن نفسا ترتضي الإسلام دينا       ثم ترضى بعده أن تستكينا

أو ترى الإسلام في أرض مهينا     ثم تهوى العيش نفس لن تكونا

في عداد المسلمين العظماء

اللهم إنا نسألك عيش السعداء ونزل الشهداء والنصر على الأعداء

 

الرابط المختصر :