العنوان كيف صارت القاديانية أقلية غير إسلامية في باكستان؟
الكاتب البروفيسور عبد الغفور أحمد
تاريخ النشر الثلاثاء 28-يناير-1975
مشاهدات 17
نشر في العدد 234
نشر في الصفحة 19

الثلاثاء 28-يناير-1975
كيف صارت القاديانية أقلية غير إسلامية في باكستان؟
أصدر البرلمان المركزي الباكستاني في السابع من سبتمبر عام ١٩٧٤ الميلادي قرارا إجماعيا يقضي باعتبار جميع الفئات القاديانية أقلية غير إسلامية، إن هذا القرار التاريخي العظيم الذي يحمل في طياته آثارا بعيدة المدى قد نال الترحيب الكبير في العالم الإسلامي كله والاخوة المسلمون في كل مكان يحبون بحق أن يحيطوا علما بمحتويات ذلك القرار وأنا أتوجه إلى الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بشكري الجزيل، التي أتاحت لي الفرصة لألقي الأضواء على خلفيات القرار وأهميته لكوني عضوا في البرلمان الباكستاني الذي استصدر القرار من هذا المنبر العظيم في بلد الله الحرام.
مهبط الوحي ومصدر الهداية.
إن جميع المسلمين مجمعون إجماعا كاملا على أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وأنه لا نبي بعده أيا كان نوعه، ولأجل ذلك كلما قام كذاب يدعي النبوة بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم طيلة التاريخ الإسلامي لم تتحمل الأمة الإسلامية ذلك الكذاب أبدا، وقضي على جميع من سولت لهم أنفسهم من اقتراف هذا الكذب، كما عومل من صدقه معاملة يستحقها وهذا الموقف الحاسم للأمة الإسلامية طول تاريخها من المدعين الكذابين وأتباعهم قد أدى إلى انتهائهم حيث لا نرى لهم أثرا ولا عينا في أي ناحية من نواحي العالم. ولكن الذي هو مؤسف للغاية كما هو في منتهى الغرابة في الوقت ذاته أنه قام كذاب هندي سمي بالميرزا غلام أحمد وولد في قرية (قاديان) إحدى القرى الهندية في عام ۱۸۳۹ الميلادي فنال الاستثناء من تلك القاعدة المطردة أو الموقف الثابت للأمة الإسلامية.
شرع هذا الرجل في ادعاءاتــــــه المختلفة خطوة خطوة منذ عام ۱۸۸۲ الميلادي حيث ادعى أول ما ادعى أن الله تعالى ألهمه مهمة خاصة ثم تقدم وادعى بعد فترة أنه نزل عليه جبریل بوحي من الله تعالى، وتمادى في الغي وادعى بأن الله تعالى لقبه برسول وسماه محمدا، وفي عام ۱۹۰۱م صرح بدون غموض وإبهام بأنه نبي مرسل من الله، وأصر الكذاب على زعمه هذا حتى وافاه الأجل المحتوم، وجعل يعتبر المسلمين الذي لا يؤمنون به كفارا ولا تزال جماعات كبيرة من أتباعه توجد في باكستان والهند وفي العديد من المناطق الأخرى تصدقه وتعلن إيمانها وتواصل نشر نحلته.
وبحق ينشأ هنا سؤال وهو أن مسلمي الهند وباكستان الذين يمتازون بقوة إيمانهم وحبهم لمحمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم وتعلقهم به لماذا تحملوا هذا الكذاب؟ والرد على هذا السؤال بسيط كل البساطة وهو أنه بمجرد أن قام الكذاب يعلن زعمه طرأ المسلمين اضطراب بالغ وقلق شديد فأنكروا زعمه وذموه كما بذلوا كل جهد في قمع حركته المعادية للإسلام في مهدها ولكن كما يعرف القاصي والداني، أن شبه القارة الهندية كان يحكمها حينذاك الاستعمار البريطاني والميرزا غلام أحمد كان صنيع الاستعمار البريطاني نفسه.
فلذلك جاء الاستعمار البريطاني يحميه يدافع عنه ليستخدمه بسهولة في توطيد دعائمه وتخليد حكمه في الهند بل إن الاستعمار البريطاني هو الأخير أوعز إلى غلام أحمد أن يعلن زعمه بكونه نبيا وأن يعلن إبطال الجهاد وكان الاستعمار البريطاني يقصد من وراء ذلك تفكيك صفوف المسلمين وإرغامهم على قبول الاحتلال الإنكليزي عقيدة وواقعا وهذا هو السر في أن الجنود الإنكليز هم الذين كانوا يحرسون الميرزا غلام أحمد دائما كما دعمه الإنجليز ماديا ووفروا له كل التسهيلات الممكنة، ليتمكن من نشر دعايته بين المسلمين بسهولة كما أن الإنجليز أتاحوا لأتباعه فرصا كبيرة لإقامة مراكزهم التبليغية في أنحاء العالم لا سيما في المستعمرات الإنجليزية وكان الإنجليز يحثون المسلمين من أسر وبيوتات بارزة بل يجبرونهم بصورة مباشرة وغير مباشرة على اعتناق القاديانية ثم إن الذين كانوا يعتنقون القاديانية منهم بترغيب من الإنجليز واندفاعا وراء المصالح المادية تصرف لهم ألقاب وأوسمة.
وخلاصة القول: إن الاستعمار الأجنبي هو الذي فرض الميرزا غلام أحمد على المسلمين حيث وفر له كل التسهيلات وأسباب الحماية ليوجه ذلك الأخير ضربة قاصمة إلى الإسلام من داخل الصفوف الإسلامية باستغلال جهل الجماهير المسلمة.
وعاشت القاديانية في ظل وارف وحماية موفورة من الحكومة الإنجليزية إلى أن قامت باكستان في عام ١٩٤٧م
وإن إخوتنا المسلمين الذين يسكنون في أنحاء مختلفة في العالم يصعب عليهم إلى حد كبير أن يفهموا كيف أن باكستان التي أقيمت على أساس الإسلام أمكن فيها للقاديانية أن تبقى وتعيش لا هذا فحسب بل تنمو وتزدهر.
وها أنا أحاول أن أشير إلى العوامل التي مكنت القاديانيين من استغلال باكستان وجعلها ذريعة لنشر نحلتهم الضالة في داخلها وخارجها
وإن باكستان يوم بروزها إلى حيز الوجود في عام ١٩٤٧م كانت دولة تنقصها الإمكانيات والوسائل كما أن الحكام الانجليز لم يدخروا جهدا في تدمير هذه الدولة الناشئة بكل صورة ممكنة فمثلا إنهم لم يسددوا نصيب باكستان من ممتلكات الهند الموحدة في حينها وزد على ذلك لجوء الملايين من المسلمين من الهند إلى باكستان التي كانت المأوى الوحيد لهم بعد أن سلبت أموالهم وانتهكت حرماتهم على أيدي الهندوس كما أن القوى العالمية التي لم ترد بقاء باكستان هي أيضا وضعت العراقيل في سبيلها لكي لا تقوم هذه الدولة الإسلامية على دعائم قوية وبالتالي تقترن بدايتها بنهايتها .
ثم إن باكستان التي ولدت محاطة بالمشاكل المستعصية أرغمت كما قلت على إيواء الملايين من المهاجرين من الهند فانتهز القاديانيون وسادتهم هذا الوضع ونقلوا مركزهم الذي يقع في قاديان بالهند والذي هو مولد الميرزا غلام أحمد ومنشؤه نقلوا هذا المركز من قاديان إلى باكستان في جانب وفي الجانب الآخر أرغموا باكستان على جعل الزعيم القادياني الشهير السير ظفر الله خان وزير خارجيتها وقد احتج المسلمون على هذا الإجراء في حينه ولكن بدون جدوى وقال المرحوم الخواجا ناظم الدين رئيس وزراء باكستان في غاية من العجز إنه لا يقدر على التخلي عن السير ظفر الله خان لأن هذا الإجراء يحرم باكستان من المساعدات الأجنبية وخاصة المواد الغذائية بينما باكستان أحوج ما يكون إليها لكي تعيش وتبقى على وجه الأرض وفي هذا الوضع الشائك أجبرت باكستان على توفير التسهيلات الممكنة للقاديانيين التي يحرم منها المواطنون الآخرون وانتهازا لهذه الفرصة النادرة وضع القاديانيون العديد من مشاريع قصيرة الأجل وطويلة الأجل طبقوها بكل نجاح لتعميق جذورهم في باكستان بشكل سهل لهم اتخاذ باكستان وسيلة لنشر دعايتهم في العالم
ولا يسعني إلا أن أسلم بأن القاديانيين أنجزوا جميع ما وضعوا من مخططات ومشاريع بغاية من النجاح وأنهم وإن كانوا أقلية قليلة من حيث التعداد إلا أنهم بعد أن تغلغلوا في كل مجال من مجالات الحياة وسعوا نفوذهم إلى أبعد الحد ولكم أن تقدروا مدى ما وصلوا إليه من قوة ونفوذ من خلال ما يلى من الحقائق:
1 - ربوة مدينة خاصة بالقاديانيين
بعد أن وضع القاديانيون أقدامهم في باكستان تمكنوا بطريقة وأخرى، من شراء مساحات كبيرة من الأراضي التي بنوا فيها مدينتهم ربوة لقــــــاء قيمة زهيدة وهذه المدينة لا يسير دفتها اليوم إلا القاديانيون أنفسهم.
ولهم فيها نظام بوليسي خاص ولهم فيها محاكم خاصة ولا يسمح لأحد من المسلمين أن يشتري فيها قطعة من الأرض بل لا يستطيع أحد من المسلمين أن يستأجر فيها بيتا لنفسه
وكل الوظائف في تلك المدينة سواء أكانت رسمية أو غير رسمية لا يشغلها إلا القاديانيون كما لهم فيها مدارس مستقلة وكليات مستقلة ومستشفيات مستقلة وهكذا فإن هذه المدينة ليست إلا بمثابة دولة داخل الدولة
وأقام القاديانيون في ربوة سكرتارية فخمة مجهزة بأحدث الآلات يستخدمونها كمركز رئيسي لنشر التضليل القادياني داخليا وعالميا.
2 - نفوذ القاديانيين في الوظائف.
استغل السير ظفر الله خان نفوذه الرسمي في عهد كان يتولى فيه منصب وزير الخارجية فشحن المناصب الهامة في الجيش والإدارة المدنية بالقاديانيين كما أمكنه لكونه وزيرا للخارجية أن يشغل أكثر ما يمكن من المناصب والوظائف في السفارات الباكستانية بالشباب القادياني.
3- المدارس والكليات والمستشفيات
استجمع القاديانيون الإمكانيات والوسائل اللازمة وأقاموا بهـــــــا على مستوى عال وقد كانوا يتيحون للمسلمين الاستفادة منها لكي يستدرجوهم بهذا الأسلوب إلى شباك القاديانية.
-4الدعم المالي.
يمنحون الطلبة الفقراء المنح التعليمية ويوفرون للعاطلين العمل كما يقدمون للمستحقين مساعدة مالية بشرط أن يعتنقوا القاديانية.
5- الاستغلال غير الشرعي للمناصب الحكومية
إن القاديانيين حيثما يعينون كموظفين من الحكومة يخلقون ظروفا بالنسبة إلى من يتبعونهم من الموظفين تربط ترقيتهم في الوظيفة بشرط اعتناقهم للقاديانية.
6 - المؤسسات الصناعية والتجارية التي يملكها القاديانيون
نال القاديانيون كل مساعدة من الحكومات لكي يتقدموا بصورة غير عادية في مجالات الصناعة والتجارة والزراعة وإن جميع الأعمال في تلك المجالات إما تسلم إلى القاديانيين أو تعطي الأولوية للذين يقعون في فخهم بسهولة.
7- الكتب والنشرات
اتخذ القاديانيون التدابير اللازمة لطبع كميات كبيرة من الكتب والنشرات القاديانية تثير الشبهات حــــــــول العقائد الإسلامية في أذهان المسلمين وتحاول إبعادهم من سواء السبيل.
بقي المسلمون ينظرون إلى هذا الوضع الغريب بنظر ملؤه القلق البالغ، وقد قاوموا القاديانيين بكل جرأة في كل مجال من المجالات، وقد طالب المسلمون الحكومات، أكثر من مرة، بجعل القاديانيين غير مسلمين بصفة رسمية ومنعهم من استغلال المسلمين. ولكن كل الحكومات التي تعاقبت على باكستان لم تجد في نفسها من الجرأة لاتخاذ موقف حاسم في هذا الشأن وذلك لأسباب ذكرناها آنفا وأدى هذا الأمر إلى زيادة اضطراب الجماهير المسلمة وقلقها إلى أن أقيمت مظاهرات عمت أرجاء البلاد، وكرس الضغط على الحكومة للموافقة على مطالب المسلمين بشأن القاديانية وكان عام ١٩٥٣م حافلا بهذا النوع من المظاهرات والاضطرابات ولكن من سوء الحظ أن الحكومة في ذلك الوقت بدلا من أن تفيق لمطالب المسلمين بادرت لسحق الحركة القومية التي قام بها المسلمون ضد القاديانية بكل همجية وتعسف.
وإن إقليم بنجاب الذي تقع فيه ربوة أعلن فيه الحكم العرفي فلقي حوالي عشرة آلاف مسلم مصرعهم في هذا السبيل وآلاف مؤلفة منهم زج بهم في السجون والمعتقلات كما أن المحكمة العربية أصدرت حكما بإعدام الأستاذ أبو الأعلى المودودي ثم استبدلته فيما بعد بالسجن المؤبد
وجاء موقف الحكومة هذا يشجع القاديانيين ويزيد من سورتهــم .
وتضاعفت بعد ذلك نشاطاتهم الهدامة ولكن على رغم استشهاد آلاف من المسلمين ومعاناة آلاف مؤلفة منهم أنواع التنكيل والاضطهاد لم يستطع أحد القضاء على حركة المطالبة بجعل القاديانيين خارجين من دائرة الإسلام
ولا يخفى على أحد أن القاديانيين أيدوا حزب الشعب الباكستاني (الحزب الحاكم حاليا) بصورة جماعية في الانتخابات التي أجريت في عام ۱۹۷۰م كان رئيس وزراء باكستان الحالي هو رئيس ذلك الحزب ولذلك يدعي القاديانيون أن حزب الشعب الباكستاني ما فاز في تلك الانتخابات إلا بمساعدتهم إياه وتعاونهم له. ويدعون أن السيد ذو الفقار علي بوتو بمساعدتهم تمكن دستوريا من التربع على كرسي الحكم وإن هذه الدعاوى وإن كانت غير صحيحة إلا أن الذي لا يشك فيه أحد أنهم اقتربوا من الحكومة وشرعوا في بذل المحاولات لأجل الحصول على قيمة تعاونهم وأوصلوا أهم رجالهم مناصب الحكومة الرئيسية وعمقوا المزيد من مخالبهم في قطاعات التجارة والصناعة وبدأوا بوضع مخطط يمكنهم من إخضاع الحكومة لهم بصورة كاملة.
كما أنهم أصبحوا ينشرون في الدنيا فكرة قائلة بأن باكستان دولة قاديانية كل السكان فيها قاديانيون وهم الذين يملكون أزمة أمورها وقد بلغت بهم الثقة في تحكمهم في أجهزة دولة باكستان لحد أن لم يتوان بعض الشباب القاديانيين مرة في الهجوم على العديد من العلماء المسلمين لا لشيء إلا لأنهم ألقوا خطبا حول موضوع عقيدة ختم النبوة وكان من الطبيعي أن يشتاط المسلمون غيظا تجاه هذا الوضع.
الرابط المختصر :
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
حَياة شودَري غلام محمد.. سيرة عَلم من أعلام الإسلام في بَاكستان
نشر في العدد 1
825
الثلاثاء 17-مارس-1970

