; كيف يلعب عسكر تركيا في مرمى الأحزاب السياسية ؟ | مجلة المجتمع

العنوان كيف يلعب عسكر تركيا في مرمى الأحزاب السياسية ؟

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 24-مارس-1981

مشاهدات 17

نشر في العدد 521

نشر في الصفحة 18

الثلاثاء 24-مارس-1981

الإرهاب الحكومي لا يستهدف من الاتجاهات السائدة في تركيا سوى الاتجاه الإسلامي الذي يمثله حزب السلامة الوطني.

 

كيف يفسر المراقبون السياسيون استمرار الحكومة في سجن أربكان وإخلاء سبيل جميع زعماء الأحزاب السياسية الأخرى؟

 

النساء المحجبات في تركيا ترفع رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية من أجل ضمان الحرية الدينية لهن. 

 

•عندما ظهر الاتجاه الإسلامي اهتزت قواعد الأحزاب السياسية في تركيا.

 

منذ شهر سبتمبر من العام المنصرم 1980 والعسكر يحكمون قبضتهم على تركيا... حيث جاءوا بعد فترة طويلة من الصراع الدموي الناتج عن اختلال الموازنة السياسية بين اليمين واليسار داخل تركيا، تلك الموازنة التي تمكن الإسلاميون الحركيون من اختراقها منذ أوائل السبعينات بقوة وصلابة، وبما أن الغرب الاستعماري حذر من تحطم الموازنة السياسية الداخلية على يد الاتجاه الإسلامي، فإن المنظور الغربي الذي أراد معالجة هذه الموازنة وجد في الانقلابيين العسكر أداة فعالة لتحقيق غرضه. ودفع خوفه من الاتجاه الإسلامي، فتركيا بلد مهم في الشرق الأوسط، وجميع سكانه مسلمون، وهو آخر معقل للحكومة الإسلامية، وهذا عامل يدفع بالمسلمين لإعادة أمجادهم، وإنهاء الأوضاع الشاذة العلمانية التي أصابتهم، وفي الوقت نفسه كانت محطة التجربة الأولى للغرب.. فمنها خرجت القيادات الفردية المصطنعة، وعلى أرضها نبتت التيارات الغربية.. لذلك فإن الصوت الإسلامي الذي علت نبرته في تركيا كان صوتًا نشازًا مزعجًا لأسماع الغربيين، ومع سماع هذا الصوت الذي بدأ يهتف عاليًا باسم الله. كان لا بد للغرب ورجاله أن يحكموا قبضتهم على الأوضاع في تركيا. وعسكر تركيا الذين جاءوا إلى الحكم تحت شعار الأمن.. نسوا الأمن، وتركوا القتلة، وانصرفوا نحو المسلمين يضطهدونهم ويعذبونهم.. لكن.. هل سيحقق هؤلاء العسكر هدف الغرب في تركيا؟

 

استهداف الحركة الإسلامية:

 

على الرغم من أن الانقلابيين العسكر في تركيا قاموا باحتجاز زعماء الأحزاب السياسية الرئيسية في بدء حركتهم، إلا أنهم -كما هو معلوم- أخلوا سبيل الجميع عدا رجال حزب السلامة الإسلامي التركي الذي يرأسه البروفسور نجم الدين أربكان.. وإذا كان هناك من يعتقد بأن إعادة الموازنة -السياسية في تركيا اقتضت اعتقال زعماء- حزب السلامة فحسب. فإن سلوكية عساكر تركيا تشير إلى أن الحركة الإسلامية ومنجزاتها الاجتماعية والسياسية هي المستهدفة في الأساس. ولعل مسلك العنف الذي سلكه الانقلابيون مع رجال الحركة الإسلامية.. ومواقع العمل الإسلامي خير دليل على ما تقول. فقد ذكر أحد التقارير ما يفيد ذلك بقوله: 

 

«قامت السلطة العسكرية التركية في سبيل التضييق على المسلمين بالإجراءات التالية:

 

1- الحد من مدارس الأئمة والخطباء. وتغيير مناهجها الإسلامية إلى مناهج علمانية.

 

2- منع المدرسين والموظفين من أداء صلاة الجماعة. ومنعهم من سنة إعفاء اللحى. 

 

3- طرد الطالبات والمعلمات المحجبات والتضييق عليهن بسبب زيهن الإسلامي.

 

إن هذه الإجراءات تأتي بعد اعتقال معظم زعماء حزب السلامة التركي لتؤكد أن الحركة الإسلامية هي المستهدفة.. بل إنها مستهدفة من الجذور. وليس سوى القبضة الحديدية التي يستحوذ عليها العسكر بقوة السلاح أداة تستهدف الاتجاه الإسلامي. وهذا ما حصل أيضًا في بعض البلدان العربية. حيث وجّه المستعمر عملاءه في القوات المسلحة من خلال عمل انقلابي في مصر وسورية وليبيا وعدن وغيرها.. وكان في رأس جداول أعمال الانقلابيين استئصال الحركة الإسلامية.

 

 الأحزاب السياسية وحوادث الأمن قبل الانقلاب:

 

 كانت الأحزاب السياسية في تركيا قبل الانقلاب العسكري تتحرك داخل أتون يلعب بناره كل من اليمين واليسار.. ويحيط بلعبته أكبر حزبين في تركيا وهما حزب الشعب الذي يرأسه بولنت أجاويد، وحزب العدالة الذي يتزعمه سليمان ديميريل..

 

وقد شهدت الساحة التركية في ظل هذين الحزبين المتنافسين أسوأ الحوادث. ولعل ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى عدم الاستقرار والاطمئنان لدى القواعد الحزبية. تلك التي لم تكن لتقف على منهج لدى تلك الأحزاب تستقر على خطوطه. اللهم إلا حزب السلامة الإسلامي الذي بدأ يكتسح قواعد الأحزاب في الفترة الأخيرة من الحياة البرلمانية في تركيا.. أما حوادث العنف التي شهدتها الساحة التركية فقد بلغت الذروة بسبب اختلال الموازنة السياسية التي يريد المستعمر ترسيخها في تركيا لخدمة مصالحه بعيدًا عن أماني وتطلعات الشعب التركي.

 

وهنا يحسن أن نشير إلى ما وصلنا من أرقام حوادث العنف تلك.

 

 أولًا.. ففي فترة حكم أجاويد زعيم حزب الشعب اليساري الذي حكم بمفرده «خلال الفترة من عام (1978) إلى عام (1979) بلغت حوادث العنف كما يلي:

 

 ١- القتل: 1740 حادثة.

 

۲- الاعتداء والتهديد بالسلاح: 9730 حادثة.

 

٣- السرقة والاغتصاب: 5230 حادثة.

 

ثانيًا: أما في فترة حكم سليمان ديميريل زعيم العدالة اليميني الذي حكم بمفرده خلال الفترة من عام 1979- إلى عام 1980. فقد كانت حوادث العنف كما يلي:-

 

١- القتل: 1890 حادثة.

 

۲- الاعتداء والتهديد بالسلاح: 16787 حادثة.

 

٣- الاغتصاب والسرقة: 13820 حادثة.

 

الأحزاب السياسية بعد الانقلاب:

 

على الرغم من انقلاب حبل الأمن وتردي الأوضاع الاقتصادية، وانهيار الأوضاع من جميع النواحي بسبب السياسات التي كان ينتهجها كل من حزب الشعب اليساري وحزب العدالة اليميني.. على الرغم من كل ذلك فقد أطلق الإرهابيون العسكريون سراح جميع قادة الأحزاب المسؤولة بشكل مباشر عن ضياع تركيا الاقتصادي والأمني والروحي.. فخرج أجاويد من السجن.. وأخلي سبيل ديميريل.. وترك الحبل على غاربه لقادة الشيوعيين.. وصار المجرم بريئًا. بينما تتمسك حكومة الانقلاب بمحاربة الاتجاه الإسلامي لاستئصاله من جذوره، وتصر أيضًا على اغتيال واعتقال جميع مسؤولي حزب السلامة بدون ذنب أو جرم.. وهذا الأمر يدل دلالة واضحة على أن الانقلاب لم يكن ليقوم لولا وجود حزب السلامة.. ولولا دخوله في المعترك السياسي للحياة التركية المعاصرة.. ذلك الدخول الذي كان يهدف إلى إعادة الوجه الإسلامي الجميل لتركيا.

 

ومع هذا يلاحظ المراقبون الإسلاميون خلط الحكومة التركية بين التوجه السياسي عن كل من الشيوعيين ورجال الحركة الإسلامية.. ففي مقابلة مع رئيس وزراء تركيا بولند أولوسو قال:

 

«إن حكومته ضد الإرهاب الشيوعي الأحمر وضد الإرهاب الأسود، وقد شرح هذا النوع -الإرهاب الأسود- فقال مشبهًا رجال الحركة الإسلامية التركية بالخميني على الرغم من فوارق المنهج بينهما».

 

«إن المتزمتين من أمثال آية الله الخميني والإخوان المسلمين لا مكان لهم في الدولة التركية الحديثة، فقد انتهكوا العلمانية، وهي إحدى أهم الخطوات التي جاء بها أتاتورك، وخلال الفوضى المتعاظمة جرت محاولات لإعادة النظام الديني إلى البلاد».

 

الشرق الأوسط 7/1/1981

 

وإذا كان الحزب الشيوعي الذي أشار إليه رئيس الوزراء التركي لا يعادي العلمانية، ولا يطمح لإيجاد الحكومة الدينية.. فإن الاتجاه المعادي للعلمانية هو العدو الوحيد الذي يجب على العسكر استئصاله.. وهو الذي يمثله حزب السلامة بشكل خاص.. وقد اعتبر تصريح رئيس الوزراء التركي في أوساط الحركات الإسلامية بمثابة إعلان الحرب الشرسة على حزب السلامة من ناحية وعلى الصحوة الإسلامية التي عمّت نواحي تركيا جميعها لتبقى بقية الأحزاب السياسية خارج أتون المعركة التي يشنها العسكر على الاتجاه الإسلامي.

 

أربكان في قفص الاتهام:

 

 أعتقل البرفسور المسلم نجم الدين أربكان بعد حركة 12 سبتمبر 1980 الانقلابية دونما ذنب أو جريمة أو مخالفة للقوانين المرعية في تركيا العلمانية، ومثل أربكان في قفص الشرف «قفص الاتهام» لتؤخذ الإفادة منه أمام الحاكم الذي يشرف على تدقيق ملفاته. وقد قدم البروفسور أربكان إلى المحاكمة الصورية كما أشارت صحيفة ميللي قازتيا الصادرة يوم 7/2/1981 حيث قالت:

 

«قدم البروفسور نجم الدين للمحاكمة مرتين في يوم واحد وطلب إليه الإجابة على التهم الموجهة إليه. وكانت التهمة أنه أطال في إحدى خطبه أيام حملته الانتخابية مدة (10) دقائق زيادة على الوقت المحدد له». 

 

وكان رئيس حزب العدالة التركي سليمان ديميريل قد وُجهت إليه تهمة مماثلة إلا أن النتيجة كانت البراءة والإفراج عنه.

 

 وقد أجاب البرفيسور المجاهد هيئة المحكمة بقوله:

 

«بدأت بإلقاء الكلمة في مدينة «سوش» في الوقت المحدد من قبل هيئة الانتخابات وانتهت في الوقت المقرر. وإن المادة (180) من قانون الانتخابات العامة تفيد بأنه ليس لديكم الحق بتقديمي للمحاكمة بعد مرور ثلاثة شهور على زمن هذه التهمة، وقياسًا على المادة (526) من الدستور الدائم فإنه لا توجد أية تهمة يمكنكم توجيهها لي. لذا فإن هذه الدعوى يجب أن تسقط.

 

لكن محكمة صلح مدينة «شبين قره حصار» طلبت من أربكان المثول أمامها في اليوم نفسه لإجراء محاكمة صورية. وعلى هذا الطريق.. يصمم أعداء الإسلام في تركيا على الاحتفاظ بأربكان في زنزانات السجون العسكرية الرهيبة. بينما ينعم جميع قادة الأحزاب العلمانية بالحرية خارج السجن.

 

 رسالة مفتوحة إلى كنعان أورن:

 

 وسط ما ذكرناه من ظروف تركيا الإسلامية يمارس حكم العسكر ضغوطًا على الفتيات المسلمات المحجبات للتخلي عن الحجاب؛ لأنه رمز الدين الإسلامي، ولأنه يتعارض مع علمانية أتاتورك التي يريد الانقلابيون في تركيا ترسيخها من جديد.

 

وقد امتد هذا العدوان على حجاب المرأة المسلمة إلى المدارس والجامعات والدوائر الرسمية، ومن أجل ذلك بادرت النساء المسلمات المتمسكات بحجابهن إلى إرسال هذه الرسالة المفتوحة إلى مجلة المجتمع لترفع إلى رئيس الجمهورية التركية، وهي كما يلي:-

 

رئيسنا المحترم:-

 

بكل تقدير تلقينا كلمتكم أثناء جولتكم شرقي تركيا «الأناضول» حيث قلتم:

 

«كل فرد من الشعب التركي له حرية دينية مطلقة، ولا يستطيع أحد أن يمس هذه الحرية مهما كانت الظروف».

 

ونحن نعتبر أن هذه الجملة هي الضمان لحقوقنا الشرعية كمؤمنات بالدين الإسلامي، فقد التزمنا نحن- مسلمات تركيا بالستر والزي الإسلامي وذلك كما أمر الله بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ (الأحزاب: 59) صدق الله العظيم.

 

ومن هنا يا سيادة الرئيس. فلنا وطيد الأمل بأن فخامتكم لن ترضى سلبنا حريتنا البسيطة في اختيار الزي الإسلامي الذي نريد. ولنا كذلك أمل كبير في أن يلغى الأمر الإداري الصادر عن الحكومة والذي عُمّم على جميع الدوائر الحكومية وطُلب من الموظفات المسلمات التبرج أو الاستقالة. وإننا يا فخامة الرئيس نعلمكم أننا لا نستطيع خلع الحجاب ولا نستطيع الاستقالة من أعمالنا الوظيفية لأننا نعمل من أجل كسب لقمة العيش الحلال وسط ظروف مادية سيئة جدًّا.

 

إننا يا سيادة الرئيس شعب واحد نعبد الله ونؤمن به، وعلينا أن ننسى الأحقاد والخلافات الماضية. وأخيرًا يا سيادة الرئيس، فإنه لا توجد أية دولة علمانية تتخذ إجراءات مثل تلك التي اتخذتها الحكومة التركية. لذا فإننا ننتظر منكم التدخل السريع مع فائق الشكر والتقدير والاحترام.

 

هذا وقد وقّعت على هذا الكتاب إحدى وأربعون أختًا من بنات المسلمين في تركيا...

 

ومجلة المجتمع تضم صوتها إلى أصوات الشعب المسلم في تركيا مطالبة رئيس الجمهورية التركية بالعمل والتدخل الفوري لضمان حرية المسلمين في دينهم وعقائدهم ومسلكهم.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

الرابط المختصر :