العنوان لأهل الفضل ما فعلوا والمعصوم هو صلى الله عليه وسلم
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 26-أغسطس-1980
مشاهدات 11
نشر في العدد 494
نشر في الصفحة 38
الثلاثاء 26-أغسطس-1980
المسيرة في طريق الدعوة تلزم صاحبها بأن يثبت على طريق طويل يمتد إلى آخر الأجل، لذا كان على صاحبها أن يعلم ما قدم سيكتب عند الله إن توفرت فيه شروط القبول، وإن ما سيأتي من الأعمال هو مُحاسب عليه إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر.
وهذا المنهج يبينه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مع ولاته على الأمصار وهم من هم، صحابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحاب بدر، ومنهم من بُشر بالجنة.
كسعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرين بالجنة وفاتح العراق وإيران، صاحب الدعوة التي ليس بينها وبين السماء حجاب، ينم عليه النمامون من أهل الكوفة إلى عمر بأنه بنى في الكوفة قصرًا وجعل بينه وبين الرعية بابًا يُغلق، فهل يسكت عمر؟ لا، فهو لا يكتفي بالخير الماضي، ولا يعتقد العصمة لأحد بعد رسول الله، فإذا كان سعد من أهل الخير فيما مضى، فقد مضى ما مضى، ويجب على سعد أن يكون مصدر خير في كل لمحة ونفس. وعلى قرار ذلك بعث محمد ابن مسلمة إلى الكوفة وأمره إن وجد قصرًا له باب دون الرعية، أن يحرق هذا الباب ويرجع.
فذهب فلم يجد إلا دارًا متواضعة بُنيت لتمنع ضجيج السوق، ومع ذلك نفذ محمد وصية عمر -رضي الله عنه- وحرق الباب، ثم رجع إلى الخليفة وأخبره ما شاهد وفعل.
فقال الفاروق: «إن سعدًا أصدق مما رُوِي عليه، وما بلغني عنه». نعم هذا سعد، ولم يكن أمير المؤمنين يظن به غير ذلك، ولكن منهجية الخلافة والإمارة حتمت عليه أن يتخذ هذا الأسلوب، ولمَ لا؟ وهو القائل: «انقطع الوحي ونحاسب الناس على ظواهرهم!».
وعلى ذلك لا نعتمد في توثيق الناس على ما كانوا عليه من توثيق من قبل فقط.
ملاحظة: «قصة حاطب بن أبي بلتعة ليست من هذا الشاهد، ولنا معها إن شاء الله وقفة».
لا بُد أن نفهم
لا بُد أن نفهم أنَّ كلام من يقول: «الثواب على قدر المشقة» ليس بمستقيم على الإطلاق.
وبطلان ذلك واضح؛ ففي رواية البخاري من حديث أبي إسرائيل الذي نذر أن يصوم وأن يقوم قائمًا ولا يجلس ولا يستظل ولا يتكلم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مره، فليجلس وليستظل وليتكلم وليتم صومه».
ومنفعة العمل تنقسم إلى وجهين من حيث الأمر: فيكون إما طاعة تعمل وإما معصية تُجتنب. ومن حيث العمل نفسه: فيكون إما حسن فيُعمل وإما سيئ فيُجتنب. لكن هناك ملاحظة: وهي أن يكثر الثواب على قدر المشقة والتعب، لا لأن التعب والمشقة مقصودان من العمل، ولكن لأن العمل مستلزمًا للمشقة والتعب. وذلك لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام والبررة، والذي يقرأ القرآن ويتمتع فيه وهو عليه شاق له أجران». متفق عليه.
فحصول الأجرين إذًا ليس للمشقة ذاتها، وإنما لكونها آتية من المجاهدة في طاعة.
فالأجر إذًا على قدر منفعة العمل وفائدته عندما يكون في طاعة الله ورسوله، وإن كان عملًا ميسرًا كما بيَّن حديث الصحيحين: «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم».
ولا فائدة ولا طاعة إلا بأمرين: الإخلاص وموافقة الشرع، فإذا وضح ذلك فاحرص أخي قبل البدء في أي عمل أن تسأل نفسك عن فائدة هذا العمل وكيفية تحقيقه، والغاية من فعله، كل ذلك حتى لا يكون عملك مصاحبًا لمشقة كبيرة وأجر ونفع قليل، فتضيع الأوقات وتخالف بذلك وصية حسن البنا -رحمه الله- في قوله: «الأعمال أكثر من الأوقات، فأعينوا إخوانكم على أوقاتهم».
كما أن معرفة هذه الحقيقة تقينا المهالك في الدين والتربية؛ حيث إن الداعية قد يُحمل نفسه المشاق ويحمل إخوانه معه معتقدًا أنه بذلك ينال الثواب.
من كتاب المجتبي لأبي دريد ص ٤٥ عن أبي بكر بن الحسن المدائني، أن عبد الملك بن مروان دخل على معاوية وعنده عمرو بن العاص، فسلم وجلس ثم لم يلبث أن نهض، فقال معاوية:
«ما أكمل مروءة هذا الفتى!». فقال عمرو: «إنه أخذ بأخلاق أربعة، وترك أخلاقًا ثابتًة، أخذ بأحسن البشر إذا لقى، وبأحسن الحديث إذا حدث، وبأحسن الاستماع إذا حدث، وبأيسر المئونة إذا خولف. وترك مزاح من لا يثق بعقله، وترك الكلام فيما لا يعنيه، وترك مخالطة لئام الناس».
-من هذا نتبين أن السلف -رضوان الله عليهم- كانوا ينظرون إلى الناس فيتعرفون على أخلاقهم، ومواهبهم، فيعلنونها ثم يحاولون تنميتها، والاعتناء بها حتى تستفيد الأمة من ذلك، كما فعل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بعبد الله بن عباس. وكما قال أبو حنيفة عندما زار أبا يوسف في مرض انتابه: أن يعيش هذا الفتى فسيكون أعلم من عليها.
وعلى هذا فقضية الاختيار والانتقاء ليست أمرًا مبتدعًا، وإنما هي من نهج السلف رضوان الله عليهم. فهيا أخي تجول بين إخوانك والناس من حولك، وتفرَّس بهم وعِش معهم وخالطهم أكثر وقتك لكي يتسنى لك أن تختار عن أمانة، ثم تنمي بعد ذلك هذا الذي اخترته من بين إخوانك والناس من حولك.
- كما نتبين أن أساس التقييم مستوى القيم والأخلاق التي يتحلى بها الناس، الأخلاق مع النفس، ومع الغير، في الحديث والاستماع والسكوت، وفي اللقاء والترك، فهو الأدب في جميع شؤون الحياة، حيث تكمل مروءة الإنسان التي هي أساس تقييم الناس في كل زمان ومكان. فاحرص أخي على أن تتحلى بها ليسهل تعاملك مع الناس في دعوتك.
والأجر، وأنه يسمو بنفسه وإخوانه إلى الدرجات العلى، فإذا في التربية، فإذا هو بعد فترة يرى أن إخوانه قد انحرفوا ويكتشف أن عمله قد ذهب هباءً منثورًا.
ولو كان الأجر على قدر المشقة لذاتها لحصل ذلك الصوفي على الأجر والثواب نظير ما يحمل نفسه مما يسمونه «الرياضة الروحية»، حيث يعذب الجسد ليسمو بالروح. وتذكر على سبيل المثال أنك إذا أردت أن تذهب إلى مكان معين تختار أقصر الطرق وأسهلها وأقلها وعورة ومصاعب بعد أن تستحضر الطريق في ذهنك ثم تبدأ بالمسير.
ولا تبدأ دون ذلك متعللًا بأنه على قدر ما يصيبك في الطريق يكون الأجر والثواب.
من قصصهم نستفيد
نستفيد من قصة يحيى بن يحيى التميمي صاحب الإمام مالك وشيخ البخاري، حيث روَى أنه كان يومًا عند مالك في جملة أصحابه، إذ قال قائل: قد حضر الفيل، فخرج أصحاب مالك لينظروا إليه -إلا هو لم يقم من مجلسه- فقال له مالك: «لِمَ لمْ تخرج فترى الفيل؟ إنه لا يكون بالأندلس». فقال له يحيى: «إنما جئت من بلدي لأنظر إليك وأتعلم من هدْيك وعلمك، ولم أجئ لأنظر إلى الفيل». فأعجب به مالك وسماه عاقل الفوائد. «الأندلس- طبقات الفقهاء ١٥٢ والمدارك ٥٣٤».
أولًا- يجب أن يتحمل الداعية المشقة في طلب العلم وفي طلب المدعو، فهذا يحيى جاء ماشيًا من الأندلس للإمام مالك، وأنت يا أخي تحرك في طلب المدعو ولو كان في أقصى مكان من بلدك، «لولا المشقة ساد الناس كلهم».
ثانيًا- يجب أن يعرف الداعية هدف دعوته ولا يميل عنه يمينًا أو يسارًا، بل يكون نُصب عينيه كما فعل يحيى.
ثالثًا- بعض المباحات يجب أن يمسك الداعية المربي نفسه عنها ولا يعامل نفسه مثل أي فرد آخر في العمل الإسلامي، فهذا الإمام مالك المربي لم يذهب ليرى الفيل كما فعل التلاميذ مع أنه مباح له.
رابعًا- حرص الداعية على معرفة ما في العالم الإسلامي، فهذا الإمام مالك يعرف بلاد الأندلس وهي في أقصى الدولة الإسلامية ويعرف ما فيها من حيوانات.
خامسًا- مراعاة النفوس من قِبَل المربي، فالإمام مالك حينما رأى النفوس تطلب رؤية شيء غريب ومباح أباح لها أن تذهب.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل