العنوان لا أمل في التغيير من خارج المؤسسات
الكاتب إبراهيم الخشباني
تاريخ النشر الثلاثاء 18-مايو-1999
مشاهدات 20
نشر في العدد 1350
نشر في الصفحة 34
الثلاثاء 18-مايو-1999
المغرب
عبد الإله بنكيران آخر الملتحقين بالنواب الإسلاميين في البرلمان المغربي و المجتمع :
فكرت في الانسحاب من المعركة الانتخابية. لا خوفًا من المسؤولية ولكن تقديرًا لها
تأثيرنا في المجتمع محدود.. وهذا درس مفيد ومطلوب والنتائج محدودة.. ولكنها موجودة
لا ندخل في السياسة بدون أخلاق.. ولا حاجة لنا بها إذا كانت كذلك
لا ندعي أننا نستأثر بالمجتمع.. هناك قوى حقيقية في المجتمع لا يمكن أن نعاملها بالقمع.. ولا بد من أن نفسح لها المجال لكي تتكلم وأن ندافع عن حقها في ذلك
حظي ترشيح عبد الإله بنكيران للانتخابات الجزئية التي جرت في نهاية أبريل الماضي في المغرب باهتمام بالغ من المهتمين والفاعلين السياسيين في المغرب لدرجة أن أحزاب اليسار -حتى من خارج الكتلة الديمقراطية- اعتبرت الأمر معركة من أجل الحفاظ على آخر قلاع اليسار في مدينة سلا التي كان اليسار وخصوصًا الاتحاد الاشتراكي يفوز في جميع دوائرها في كل الانتخابات التي عرفها المغرب منذ الاستقلال إلى أن اكتفى في انتخابات ١٤ نوفمبر ۱۹۹۷م، ولأول مرة في تاريخه. بدائرة واحدة هي دائرة المزرعة التي قضى المجلس الدستوري بإعادة الانتخاب فيها يوم ۲۹ أبريل المنصرم، فدخلت الكتلة بمرشح مشترك لأول مرة في المدينة وانضم إليها حزبان يساريان من خارجها لدعم مرشح الاتحاد الاشتراكي بعد أن أعلن حزب العدالة والتنمية (إسلامي) عن ترشيح أحد رموزه المعروفة وهو عبد الإله بنكيران. وحظي هذا الترشيح كذلك باهتمام كبير من وسائل الإعلام سواء المغربية أو الدولية بحيث ذهبت وكالة رويترز وكذلك قناة سي إن إن إلى اعتبار الاقتراع امتحانًا لمدى قوة الإسلاميين في المغرب، وقد فوجئ بالفعل سكان حي تابريكت الشعبي باسم حيهم يذكر لأول مرة في فضائية دولية.
عن هذا الاهتمام الخاص وعن تجربته الانتخابية الأخيرة وعن أمور أخرى تهم الشأن السياسي والإسلامي المغربي تحاور المجتمع النائب عبد الإله بنكيران:
كيف تقيمون الحملة الانتخابية؟
هذه التجربة اعتبرتها بالنسبة إلي درسًا لا يقدر بثمن فلم يسبق لي أن رشحت لانتخابات من هذا القبيل، ولهذا لما نزلت بالدائرة واتصلت مباشرة بالناس أصبحت وجهًا لوجه أمام المجتمع في إطار مباشر وليس من خلال الصحف أو الاتصالات عبر أبناء الحركة أو من خلال الحركة والدعوة، بل نزلت إلى المجتمع في عمقه مباشرة ونظرًا لكوني مرشحًا للانتخابات البرلمانية فقد سمعت من الناس مباشرة وبصراحة فكان في الحقيقة درسًا كبيرًا، وأول ما هالني المشكلات الكبيرة في هذه الدائرة وأرجو ألا تكون كل الدوائر في المغرب بهذه المواصفات فالمجالس المحلية مع الأسف الشديد التي تعاقبت على هذه الدائرة منذ عشرين سنة، لم تقم بواجبها ولا بدورها، والمسألة الثانية هي أنني وجدت عزوفًا عند عموم الناس عن المشاركة في الحياة السياسية وألا استعداد لديهم للخروج إلى الانتخابات، وهذه مسألة سلبية ويجب أن يعمل كل من يهمه الأمر على تداركها في أقرب وقت بإرجاع الثقة للناخب وللمواطن حتى يعود للمشاركة في العمل السياسي، فالإشكالات الكبرى في المجتمعات كان دائمًا يسبقها انسحاب المواطن من تحمل مسؤولياته وعزوفه عن إبداء رأيه والإدلاء بصوته وعن الانتقاد وغيره، وهذه كانت ربما حتى أعظم من المشكلات التي تعاني منها الدائرة.
والمسألة الثانية أنني قد واجهت حدة كبيرة من قبل المواطنين وعلى رغم التعاطف الذي كنت أجده نظرًا الصلتي القديمة بالدائرة وعلى رغم أنها دائرة معروفة بتدينها، فالشباب يتساءلون ماذا يمكن أن تقدم بنا؟ وماذا يمكنك أن تقدم للدائرة حتى أنني في الحقيقة فكرت في وقت معين في الانسحاب وعدم إتمام المباراة، ليس خوفًا من المسؤولية ولكن تقديرًا لها.
ولكن مع ذلك قلت هذا ليس معقولًا ولابد من أن أستمر وإن شاء الله تعالى إذا قدر لي أن أكلف فسوف أبذل جهدي في التخفيف عن المواطنين ولو نفسيًا، والحقيقة أن التطلعات التي ينتظر الناس من النائب البرلماني أن يحققها لهم راجعة إلى خلل في فهم دور النائب، ربما ساهم فيه الذين سبقوا إذ كانوا يعطون وعودًا كبيرة متعلقة بالخدمات، وهذا بطبيعة الحال ليس من مسؤوليات النائب ولكن بدون شك له مسؤولية معنوية ومادام قد قرر أن يتحملها فهو يتحمل المسؤولية بكل ما فيها.
ومن جانب آخر فقد كانت الحملة ولله الحمد إيجابية، لأنني ربما أكون قد أدخلت على سكان المزرعة ثقافة جديدة، فقد كنت لا أعدهم بشيء معين، كل ما أعدهم به هو التواصل المستمر معهم وفتح مكتب لاستقبالهم والاستماع إليهم وبذل الجهد في كل ما يطلبونه مني قدر طاقتي، بالإضافة إلى أنني كنت أدعوهم إلى التصويت لمن يعتقدون أنه أضمن لخدمة مصالحهم، وقلت لهم بصريح العبارة من كان منكم يريد أن يراعي مصلحتي فلا يصوتن لي ومن كان يريد أن يراعي مصلحته أو مصلحة دائرته فذلك شأنه، والحمد لله لقيت تجاوبًا جيدًا واعتقد أنه سيكون علينا أن نقوم بدور كبير على المستوى الفكري أكثر منه على مستوى الخدمات وحل إشكالاتها.
اعتبرت دائرة المزرعة دائرة استثنائية فقد حظيت باهتمام خاص على رغم إجراء انتخابات جزئية في اليوم نفسه في جهات أخرى من المغرب، واعتبرت الانتخابات في الدائرة بمثابة امتحان للحركة الإسلامية ومعيار لقياس مدى قوتها في المغرب، وكذلك فلاول مرة في تاريخ التحالفات السياسية في المغرب تضامنت ستة أحزاب وراء مرشح الكتلة الديمقراطية، فكيف تنظرون إلى هذا الاهتمام؟
لقد رفضت اعتبار هذه الانتخابات امتحانًا للحركة الإسلامية، ولكن يبدو أن الأمور هكذا ففي عالم السياسة، فإن الأمور في تقديري ليست دائمًا عادية، والذي وقع من جهة أخرى أن أحزاب الكتلة الديمقراطية إضافة إلى حزبين يساريين آخرين ومركزيتين نقابيتين ساندت كلها المرشح الذي كان منافسًا لي، وحيث إن الله تعالى كتب لي التوفيق فهذا أمر نحمده عليه، وفي الوقت نفسه نقدره باعتبار أن الحركة الإسلامية لاتزال تتمتع بثقة الجماهير، طبعًا بفارق محدود فنحن لم نفز على مرشح الاتحاد الاشتراكي إلا بفارق ثلاثمائة صوت، بمعنى أن السباق لا يزال بيننا طويلًا، وهذا الاهتمام الذي أولته وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الوطنية والدولية ناتج في الحقيقة عن طبيعة الإشكال المطروح سياسيًا الآن على المستوى الدولي والمتعلق بالحركة الإسلامية هل الحركة الإسلامية لها مستقبل سياسي ويثبت الآن أن الحركة الإسلامية يمكن أن يكون لها مستقبل سياسي إذا أحسنت اختيار الطريق الذي يجب أن تسلكه وأعطت الدليل تلو الدليل على كفاءتها السياسية لأن الناس حتى وإن تعاطفوا إيمانيًا إلا أنهم في السياسة يقيمون الأداء السياسي ولا ينظرون إلى غیره، لكن الذي لا شك فيه كذلك أن الأحزاب الأخرى مازالت لها مكانتها.
يعتبر العديد من أبناء الحركة الإسلامية الأستاذ عبد الإله بنكيران رائدًا في مجال النقد الذاتي للحركة الإسلامية ومهندس التحول الذي عرفته الحركة من ثقافة المواجهة والصدام إلى ثقافة المشاركة والتفاعل، فلماذا لم يشارك مهندس هذا التحول في الانتخابات السابقة ولماذا المشاركة الآن في الانتخابات الجزئية وكيف شعوره بعد عشرين سنة من النضال من أجل ترسيخ ثقافة المشاركة وهو يرى الإسلاميين المغاربة يدخلون البرلمان لأول مرة في تاريخهم؟
لم أشارك في الانتخابات السابقة لأنه كانت هناك ظروف بالنسبة للحركة وبالنسبة للحزب لم يكن مناسبًا في إطارها أن أشارك والآن وقد ارتفعت هذه الظروف نسبيًا أصبحت مشاركتي معقولة دون الدخول في التفاصيل بالنسبة لقراء المطية، من قبيل معرفة أننا كنا قد قررنا في الحركة ما سمي بالفصل بين العملين، فالذي يشترك في الحزب لا يشترك في الحركة، وكنت على هذا الأساس قد فضلت العمل في الحركة وفي المجال الدعوي على العمل في المجال السياسي من داخل الحزب، وكنت على هذا لكي أبقى في الحركة مستعدًا إلا التحق بالحزب، لكن لما تراجعنا عن القرار وأصبح من الممكن أن يكون الإنسان عضوًا في هيئات الحركة وعضوًا في هيئات الحزب خصوصًا في الهيئات المسؤولة دون أن تكون لأي جهة وصاية على الأخرى، بحيث تكون الحركة مستقلة برجالها حين يكونون فيه والحزب مستقل برجاله حين يكونون فيه. شعرت حينئذ بأن الظروف تسمح بأن أشارك، وقد حصل والحمد لله، وكان كذلك إشكال بيني وبين بعض الإخوة في قيادة الحزب حول قضية الدستور وما رافقها سنة ١٩٩٦م، وهذه الإشكالات تم تجاوزها نسبيًا، وهذا كل ما حصل، أما عن شعوري والإخوة يدخلون البرلمان فهو أن الله سبحانه وتعالى لم يحبط أعمالنا وأن الأمور تسير في اتجاه إيجابي فقد كنا نعيش على هامش المجتمع، ونملأ عقولنا بمجموعة من الأوهام التي لا ترقى إلى مستوى الأحلام، ونتصور القدرة على التغيير من خلال مسار غير واضح وغير مستوعب لتحقيق أشياء أقرب إلى المثال وإلى الخيال، وكل هذا ما هو إلا مجموعة من الهلاميات ليس فيها شيء واضح، فقد انتقلنا من الأماني المثالية وغير الواقعية إلى مباشرة الأمور على أرض الواقع، فنزلنا إلى الساحة وإلى المجتمع فتحنا مراكزنا - وإن لم يرخص لنا في ذلك. قمنا بدعوة الناس مباشرة، دخلنا إلى المساجد للوعظ والإرشاد أسسنا جمعيات ثقافية، بدأنا المشاركة في الحياة السياسية، وهذا أوصلنا إلى القناعة التالية:
أولًا: أن تأثيرنا في المجتمع جد محدود، وهذا درس قاس، ولكنه درس مفيد ومطلوب لأن الإنسان الذي يصعد إلى برج عاجي ويعتقد أن الكون ينتظره لكي يأتي ويخلصه، دون أن ينزل إلى الواقع ويبل قدميه ويعلم إلى أي درجة الماء بارد، فهذا قد حكم على نفسه بالتهميش، والمسألة الثانية أننا بدأنا فعلًا وأن التحولات أخذت بسرعة تعطي نتائج ولو محدودة وصغيرة ولكنها موجودة، والآن التغيير لم يعد كلامًا في الفضاء ولا وهمًا ولا حلمًا، بل أصبح حقيقة معيشة تدريجية جدًا، صغيرة جدًا. ولكنها ملموسة، وبتعاون مع نوايا خيرة في المجتمع، وإرادات طيبة، وصلاح حقيقي موجود في المجتمع بنا وبدوننا، ولما دخل إخوتنا إلى البرلمان شعرت بفضل الله الكبير، وإن شاء الله غدًا لناظره قريب، ولا أدعي هنا أننا ستكون لنا الأغلبية في البرلمان المقبل ولا أننا سنشكل الحكومة، ونحن بالفعل لا نملك ذلك، ولا نقدر عليه، ولكن بدون شك سوف تكون لنا بإذن الله تعالى تمثيلية أكبر وتأثير أكبر.
وإلى أي حد التغيير ممكن من داخل المؤسسات؟
الشيء الوحيد الذي لا شك فيه هو أنه غير ممكن قطعًا من خارج المؤسسات، فإذا كنت خارج المؤسسات فلا أمل لك في التغيير، لكن من داخل المؤسسات تملك أن تبدي رأيًا، تملك أن تجلب نفعًا ولو محدودًا وأن تدفع ضرًا ولو دفعًا محدودًا. وهذا وقع والحمد لله، فأعتقد أن موضوع الزكاة لولا بروز الحركة الإسلامية في الجانب السياسي في إطار قبولها بالمجتمع ومؤسساته، لولا هذه الأمور لما تم الحديث عن الزكاة بهذا الشكل فموضوع الزكاة كان مجمدًا منذ عقود ولكنه انطلق من جديد، وأعتقد أننا ساهمنا في إحداث ظروف وجو إيجابي سمح بالحديث عن موضوع الزكاة والدفع بها مرة أخرى إلى الواجهة، وكذلك مسألة الصيغة الربوية للسلفات الصغيرة وغيرها من الأمور.
كان حزب العدالة والتنمية يتوافر على تسعة مقاعد في مجلس النواب قبل فوزكم الأخير، فهل كان دخولكم إلى هذه المعركة السياسية في إطار سعي الحزب إلى استكمال العدد ۱۲ المطلوب لتشكيل فريق نيابي؟
هنالك بعض الأسئلة الصغيرة التي تأخذ حجمًا كبيرًا.
ولكنها تطرح على الساحة؟
ليس المشكل أننا نسعى إلى تشكيل فريق نيابي، ولكن أن يبدو أن هناك آخرين يريدون منعنا من تشكيل هذا الفريق، أما الفريق النيابي فكان طبيعيًا أن نشكله منذ البداية فعدد الذين وفقوا من حزبنا في الانتخابات السابقة هو على الأقل عدد فريق نيابي لولا أنه كان هناك تزوير، وبطبيعة الحال لما أصبحنا اليوم عشرة فسوف نحاول أن يكون لنا فريقنا النيابي، بأن يبت المجلس الدستوري في قضية إخواننا الذين سلبت منهم مقاعدهم، أو على الأقل الأخوان مصطفى الحيا وعبد الرزاق توفيق اللذان نتوافر على أدلة قاطعة في تغيير نتيجتيهما لصالح مرشحين من الاتحاد الاشتراكي أو أن نحاول أن نجد أسلوبًا آخر، فمازالت هناك دوائر ستجري فيها انتخابات جزئية، وممكن أيضًا من داخل البرلمان أن نجد الدعم لتشكيل فريق ممن هم قريبون من تصوراتنا.
وإذا لم يتم الحصول على فريق ما الإضافة التي يمكن أن يضيفها التحاق شخصكم إلى مجموعة التسعة الآخرين؟
إذا لم يتم التوصل إلى تشكيل فريق فسنرى هل ستكون هناك إضافة أم لا، والتجارب أثبتت أنني دائمًا عندي إضافة قد لا تكون دائمًا إيجابية ولكنها موجودة، لا تنتظروا مني المعجزات ولكن ستكون إضافة في حدود المعقول.
هذا موقفنا من الحكومة
تعيش تجربة التناوب على إيقاع تقييم حصيلة سنة من عمل الحكومة وقد كان موقفكم من هذه الحكومة ولا يزال موقف المساندة النقدية فما معنى ذلك؟
إننا نساند الحكومة دون المشاركة فيها والمساندة النقدية تعني أننا لا نتخندق في خندق المعارضة لمجرد المعارضة ولا المساندة المطلقة للحكومة في كل ما تقوم به بل نحتفظ بحق النقد والمعارضة عندما نرى منها ما يخالف توجهاتنا الإسلامية، ونحن نساندها فيما فيه مصلحة البلد ما لم تمس المرجعية الإسلامية وقد كان لنا موقف معارض للحكومة في مسألة السلفات الصغيرة عندما حصرت إمكان الحصول على هذه السلفات في صيغة التعامل الربوي، وقد نضطر إذا اقتضى الأمر إلى الانتقال من المساندة النقدية إلى المعارضة البناءة، هذا يتوقف على عمل الحكومة.
ولكنكم تساندون الحكومة دون التزام منها لكم بشيء، بينما في السياسة ليس هناك موقف بدون مقابل، فهل تساندون الحكومة لوجه الله؟
ولم لا؟
لأن المعروف أنه لا أخلاق في السياسة؟
لماذا؟ إننا نريد أن تسود الأخلاق في المجال السياسي أيضًا، هل السياسة حسابات فقط نحن لا ندخل السياسة بدون أخلاق، ولا حاجة لنا بها إذا كانت كذلك مهما كانت منافعها، إننا ندخل السياسة في إطار نموذج جديد فالغاية عندنا أن يكون بلدنا بخير وإذا كانت الحكومة تقوم بتصرفات معقولة وفيها مصلحة المجتمع والدين، فنحن نساندها سواء كانت هذه الحكومة أو غيرها، وأظن أننا تجاوزنا بصفة عامة المعارضة بمفهومها القديم.
ماذا تعنون بالتصرفات المعقولة؟
أعني بالتصرفات المعقولة كل ما لا يسيء إلى المجتمع ولا يخرج عن حدود الدين، فعندما تقدمت الحكومة الحالية أمام البرلمان بمشروع قانون السلفات الصغيرة، طالبناها بتعديل ذلك القانون بفتح مجال آخر للتمويل بعيدًا عن التمويلات الربوية، لكنها لم تستجب لندائنا ولهذا لم نساندها في ذلك لأنها من منطلقنا خالفت الدين وفي المقابل ساندناها في أمور أخرى كتخليق الحياة السياسية والحد من تبذير المال العمومي.
إذن فأنتم ستعارضونها إذا خالفت مرجعيتكم الدينية؟
<< لقد أكدت مرارًا أننا نساند الحكومة في كل شيء فيه مصلحة المجتمع ولا يخالف المبادئ الإسلامية.. نعم المرجعية مهمة بالنسبة لنا وعلى أساسها وفي إطارها نراعي كذلك مصلحة المجتمع.
وما تقييمكم لعمل الحكومة بعد مرور سنة على تشكيلها؟
تقييمي لعمل الحكومة إيجابي، لأنها جاءت في ظروف جد صعبة، وورثت ملفات ثقيلة، ولم يمض على تحملها للمسؤولية أكثر من سنة، ومع ذلك لاحظنا بعض التحسنات الإيجابية، وبدأنا نسمع عن تحسن أداء العدالة حيث إن وزارة العدل تتصرف الآن في إطار الاختصاصات التي وضعها القانون، إن هناك تحسنًا ملموسًا على العموم، ومع أنه ضئيل فإن له دلالته الرمزية، وأنا شخصيًا متفائل، أما حملات الضغط حتى من طرف بعض الأحزاب المشاركة في الحكومة فمن شأنها أن تدفع الحكومة لاتخاذ قرارات متسرعة فمن الواجب إعطاء فرصة حقيقية وكاملة للحكومة لكي تتصرف بحكمة وتحقق المصالح المرجوة قبل محاسبتها.
لننتقل إلى محور آخر من حوارنا حيث تعيش الجامعة المغربية حاليًا توترات متصاعدة بين الفصائل الطلابية، خصوصًا بعد سيطرة فصيل العدل والإحسان على المنظمة الطلابية -الاتحاد الوطني لطلبة المغرب-، فما تقييمكم لهذا الوضع؟
شخصيًا اعتبر إيجابيًا وصول الإسلاميين إلى قيادة المنظمة الطلابية ولو بشكل ما لأن هذا فيه
كلام، فالانتخابات لم تجر بطريقة عادية والفصائل الطلابية لا تعترف بأن المنظمة تسيرها قيادة من فصيل العدل والإحسان، ولكن مع ذلك إذا تجاوزنا هذه الإشكالات الشكلية فإن وصول تيار إسلامي إلى قيادة المنظمة شيء إيجابي، سواء كان من التوحيد والإصلاح التي أنتمي إليها أو من العدل والإحسان، على الرغم من أن إخواننا في العدل والإحسان لهم موقف سلبي منا على العموم، لكن هناك إشكالًا، هل يكفي أن تأتي مجموعة أصولها إسلامية وأشكالها إسلامية لنمضي العمل داخل الجامعة، وهي ملاحظات مبنية على معطى بسيط وهو أن إخوة العدل والإحسان داخل الجامعة يتصرفون بالمنطق نفسه الذي تصرفت به كل الفصائل التي هيمنت على العمل الطلابي عبر تاريخ المنظمة على مدى العقود الأربعة الماضية بمعنى أن أي فصيل استطاع أن يصل إلى رئاسة المنظمة ويعتبر الجامعة ملكًا له فيهيمن عليها ويقصي الآخرين، فاليسار في يوم من الأيام حاول أن يمنع حتى الأستاذ علال الفاسي - رحمه الله. من إلقاء محاضرة داخل الجامعة، وأطفؤوا الأنوار في قاعة المحاضرات، وتصرفوا تصرفات إرهابية وإقصائية، واليوم أصبحنا نرى أمورًا شبيهة ولكن مع الأستاذ عبد العزيز رباح ومع الدكتور الحسن الداودي وهما إسلاميان من التوحيد والإصلاح ومع شخصيات من اليسار، وهذه تصرفات تتم على أننا لا نستوعب التاريخ، بينما الإضافة الأعظم التي كان يمكن لإخوتنا في العدل والإحسان أن يضيفوها داخل الجامعة هي أن يجعلوا الجامعة فضاء للحرية والديمقراطية، وأن يكونوا هم حراس هذه الحرية وهذه الديمقراطية -في حدود الإسلام بطبيعة الحال- فإذا منع الإخوة في العدل والإحسان مثلًا عرض شريط فاضح في الجامعة فأنا سأساندهم، وإذا منعوا مسابقة لاختيار ملكة جمال فسوف أساندهم، ولكن أن يمنعوا أنشطة ثقافية لفصائل طلابية أخرى، وأن يتصرفوا بهذه الطرق الإقصائية فأنا هنا أعتبر أنهم على خطأ.
فالعدل والإنصاف والدفاع عن القيم الحقيقية التي لها أصول في الإسلام كالحرية بطريقة إيجابية هو الضامن الوحيد للاستمرار وللدوام والاعتداد بالعدد وبالكثرة وبالقدرة على إقصاء الآخرين، كإيقاف معرض للكتاب الإسلامي مثلًا المجرد أن فصيل الوحدة والتواصل المنتمي طلبته الحركة التوحيد والإصلاح هو الذي ينظمه، وأمور من هذا القبيل، فهذا بدون شك تكون مدته محدودة جدًا، ويجري الآن بيننا وبين قيادة الإخوة في العدل والإحسان حوار من أجل هذا، وقد توصلنا إلى اتفاقات وخطوات معقولة، نرجو أن تتبعها خطوات أخرى إن شاء الله تعالى حتى يرشد العمل، لأن إخواننا الطلبة المنتمين إلى التوحيد والإصلاح موجودون كذلك لا ندعي أنهم أهم فصيل ولكن لهم وزنهم، ونحن حريصون على الحرية والمشاركة مع الفصائل الأخرى، نعم نريد أن تشارك معنا الفصائل الأخرى كلها بما فيها الفصائل المنتمية إلى الأحزاب اليسارية، ما لم تمس المقدسات، لأنه لا يمكننا أن ندعى بأننا سنستأثر بهذا المجتمع فهنالك قوى حقيقية في المجتمع لا يمكن أن تعاملها بالقمع، لابد من أن نفسح لها المجال لكي تتكلم وأن ندافع لها عن حقها في ذلك، وأن نحميها إذا أريد الاعتداء عليها، لنجعل الجامعة مختبرًا لمدى إمكان تطبيق الديمقراطية في هذا المجتمع، أما إذا كنا سنكرر ما تفعله وزارات الداخلية في بعض الدول العربية والإسلامية فلا حاجة لوجودنا.
يبدو أن هذه الممارسات قد أثارت بالفعل ردود أفعال معاكسة، لدرجة أن بعض أحزاب اليسار، خصوصًا تلك التي هي الآن في الحكومة عقدت اجتماعات خاصة بالجامعة وهي تخطط لإيجاد صيغة تمنع بها الإسلاميين من السيطرة على قيادة المنظمة الطلابية، ولعودة اليسار إلى الاستيلاء على قيادتها، وربما كان ذلك بمساعدة السلطات، فما رأيكم؟
اليسار في الحقيقة ليس عنده درس يعطيه لنا فقد سيطر فيما سبق ولم يتصرف برشد ما يقع له اليوم هو في الحقيقة رد فعل لما سبق أن تصرف به عندما كانت الجامعة تحت سيطرته ولا يجب إذن أن يلوم إلا نفسه، ولكن نحن نقول لابد من أن يتوقف مسلسل الإقصاء ومسلسل الاستئثار، ولابد من أن نتوصل إلى توافق حقيقي يسمح من خلاله لكل الأطراف بممارسة عملها في الجامعة سواء كان عملًا ثقافيًا أو سياسيًا أو نقابيًا أو دعويًا، وذلك بكل حرية، لكن حين يقع تجاوز بشكل أو بآخر، فإن كل طرف يفكر في طريقة يخرج بها من الأزمة، واليسار ذهب إلى الحديث عن كونه يخطط ويبرمج، وبطبيعة الحال سيستعين بالسلطة التي هو الآن فيها، ونحن ننبهه الآن ونقول حذار من اللعب بالنار، فالإقصاء لا يقابل بالإقصاء ولا حل المشكلة الجامعة إلا أن تكون فضاء للحرية وللممارسة الديمقراطية الحقيقية، أما إذا أصر على الاستيلاء على الجامعة بطرق غير ديمقراطية فقد تحدث ردات أفعال وأمور لا تحمد عقباها، لا نريد أن تتكرر عندنا تجربة دولة عربية شبه مجاورة حيث أصبح عند باب كل جامعة مخفر للشرطة.
إذن أنتم مع الدعوة القائمة الآن إلى تنظيم مؤتمر حقيقي للاتحاد الوطني لطلبة المغرب بطريقة شفافة وديمقراطية؟
نعم، وهذا هو المخرج الوحيد، وأنا أرى أنه إذا كان هناك مؤتمر وأجريت انتخابات نزيهة فسوف يحصل إخواننا في العدل والإحسان لا أقول على أغلبية مطلقة، ولكن على الأقل على أغلبية نسبية ولكن ستكون لهم مشروعية غير مطعون فيها حينذاك، مع فتح المجال للآخرين ليعبروا عن رأيهم بكل حرية..
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
عبدالعالـي حسانـي: «مجتمع السلم» تتبنى مشروع الوحدة بين أبناء الحركة الإسلامية كافة بالجزائر
نشر في العدد 2182
32
الثلاثاء 01-أغسطس-2023