; لا دهشة!! الشيوعيون في السودان.. تطبيق عملي لمذهب الغدر والهدم | مجلة المجتمع

العنوان لا دهشة!! الشيوعيون في السودان.. تطبيق عملي لمذهب الغدر والهدم

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 27-يوليو-1971

مشاهدات 20

نشر في العدد 70

نشر في الصفحة 16

الثلاثاء 27-يوليو-1971

لا دهشة!!! الشيوعيون في السودان..

تطبيق عملي لمذهب الغدر والهدم

اختاروا السودان قاعدة مطامع الاستعمار الشيوعي.. ونموذجا يعمم على المنطقة

 

﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾ (المجادلة: 22).

ليس غريبا ولا مدهشا أن يقيم الشيوعيون المجازر الرهيبة في السودان المسلم، بل الغريب المدهش ألا يقصوا ذلك؟!

إن وباء الكوليرا -مثلا- لا يمنح الناس عافية، ولا يطيل أعمارهم؛ لأن من طبيعته امتصاص العافية من عروقهم، والتسبب في إنهاء حياتهم.

وحين يحدث ذلك فإن أحدا لا يستغرب ولا يندهش؛ لأنه يعلم أن هذه هي نتيجة انتشار وباء الكوليرا.

والمثل ينطبق -تماما- على الوباء الشيوعي أو المذهب الشيوعي، إن الشيوعيين اقترفوا من الجرائم البشعة وأقاموا من المجازر الرهيبة ما لا يوصف ولا يطاق،

كانوا كذلك بالأمس وهم يسيرون في نفس الطريق ويقترفون نفس الجرائم اليوم وغدا، ومع هذا لا ينبغي الاستغراب، ولا داعي للدهشة!!

لماذا؟؟

أولا: لأن الشيوعيين يستمدون وحشيتهم وشراستهم من أعماق طبيعة مذهبهم، من جوهره، من معدنه الحقيقي، وبقدر ما يكون الشيوعي وحشيا شرسا بقدر ما يكون التزامه بالمذهب، واقترابه من حقيقته وجوهره.

إن المذهب الشيوعي في فلسفته الأساسية جعل الحقد أجمل فضائله، والغدر أروع وسائله، والعنف الدموي تنفسه التلقائي، وهوايته المحببة!!

والإخلاص للمذهب والوفاء الجدي له يقتضي من الشيوعي العقائدي أن يحرز أكبر الأنصبة من القدرة على الحقد، والغدر، والعنف الوحشي.

ولقد كان ستالين شيوعيا وفيا لعقيدته ومذهبه؛ ومن ثم كان ناجحا -بمعيار المذهب- في حقده وغضبه وتعطشه الهائل لإراقة الدم الإنساني.

نعم، وهذا هو التفسير المعقول والواقعي لإصرار ستالين على إنهاء حياة الملايين من الناس تحت التعذيب، وبين المفاصل.

إن الجرائم التي ارتكبها ستالين كانت تعبيرا «فلسفيا» عن طبيعة المذهب، والتزاما «حركيا» التركيب العضوي للحزب.

 

كانت وفاء للمذهب لا خروجا عليه!!

لقد كان ستالين «دكتاتور» والمذهب ينص على ضرورة إقامة دكتاتورية الطبقة العاملة!!، وكان «غدارا» لا حدود لغدره، والمذهب ينص على الكفر بكل القيم السائدة التي تحدد للشيوعيين وسائل عملهم ويحرض -أي المذهب- الشيوعيين على استعمال أي وسيلة للوصول إلى الأهداف الشيوعية، وبتوجيه من هذه الفلسفة التزم ستالين بالغدر وسيلة وأسلوبا.

وكان «دمويا وحشيا»، والمذهب ينص على استخدام العنف في التحولات الاجتماعية والعمل السياسي لمساعدة حركة التاريخ على التقدم، ولقد فسر «لينين» دكتاتورية الطبقة العاملة بقوله: «إن دكتاتورية الطبقة العاملة والعنف وحده»!!

ثانيا: لا داعي للدهشة مما يفعله الشيوعيون؛ لأن تجاربهم كلها -بلا استثناء-

تثبت أنهم جزارون يقدمون على ذبح الإنسان في سهولة قتل برغوت!!

هذا أسلوبهم منذ أن قام لهم أول نظام كامل عام ۱۹۱۷م ومرورا بتجارب بولندا، بلغاريا، والمجر، وتشيكوسلوفاكيا.. و.. و.. وإندونيسيا والعراق، وإلى أن قام لهم حكم كامل عمره ثلاثة أيام - في السودان في الأسبوع الماضي!

كلها تجارب دموية وحشية تؤكد -في حسم ويقين- أن جرائمهم لم تأت مصادفة، ولا عن خطأ في تقدير الظروف، وإنما نبعت من الالتزام العقائدي لمذهبهم، والالتزام الحركي لأحزابهم.

ثالثا: لا موجب للدهشة من جرائم الشيوعيين؛ لأن نظرتهم الفلسفية إلى الإنسان

تملي عليهم استخدام أبشع الأساليب في التعامل معه، وفلسفتهم المذهبية لا تشق بالإنسان أبدا، ومن ثم تقرر عندهم ضرورة تجريد الإنسان من كل شيء، من كرامته لأنه لا يفهمها، ومن عقيدته لأنه لا يحسن الاختيار، ومن حريته لأنه لا يعرف كيف يمارسها؟ ومن إرادته لأنه لا يدرك كيف يريد؟ ومن ماله لأنه لا يؤتمن عليه، وليس كفؤا لحيازته واستثماره!!

إن الشيوعيين لا يثقون بالإنسان ساعة من نهار، ولذلك كثر الرقباء عندهم، وفوق كل رقيب مشرف، وفوق کل مشرف راصد، وفوق کل راصد رقيب أعلى، وحتى هذا النظام لم يفلح بمعنى أنه لم يذهب الشكوك، وبعجز هذا النظام القائم عن توفير الثقة تتابعت عمليات التصفية والتمشيط الدوري منذ لينين وستالين، وإلى عزل رئيس أكبر جمهوريات الاتحاد السوفييتي هذا الأسبوع، وإلى غد.. وبعد غد! 

وعدم الثقة بالإنسان ليست مسألة مرحلية، وليس اجتهادا ظرفيا، وإنما هو مبدأ جوهري في البناء الفلسفي للنظرية الماركسية، مبدأ يقول: إن الفرد لا قيمة له في ذاته، ولا يفهم إلا في إطار المجموع المعبر عن مسيرة حركة التاريخ!!

 

وما هو المجموع؟     

   هم الحاقدون والمعقدون في مجتمع ما، هم الذين تستطيع أن تثير الشيوعية فيهم الأحقاد والأضغان وتدفعهم في طريقها التي تريد، وحتى هؤلاء لا تثق بهم الشيوعية؛ لأنهم كما تقول هي: لا يدركون مصلحتهم الحقيقية، ولذا تعين على الطلائع الثورية أن تنوب عنهم وتتبنى مصالحهم وتدافع عنهم.

 

ما هي هذه الطلائع الثورية؟

هي الحزب الشيوعي، أي اللجنة المركزية، أي المكتب السياسي في التحليل النهائي لهذا التسلسل العجيب.

ومعنى ذلك كله إلا ثقة بالإنسان، ولا بالجموع الإنسانية، ومعناه ـمن ناحية أخرى- إن الثقة والقيادة للحزب الشيوعي ووفق هذه الفلسفة فإن حركة التاريخ في الماضي، وتطورها في الحاضر، ومصيرها في المستقبل كل هذا يتمثل في الحزب الشيوعي، أي حزب شيوعي!!

وما دام الأمر على هذا النحو فإن انقراض العالم -بالمنطق الشيوعي- لا يهم ولا يمثل فاجعة مزعجة، وما دام الآن كذلك فإن الشيوعيين يقدمون على ذبح الملايين، وهم يعتقدون أن الحياة لن تخسر شيئا، نعم لن تخسر شيئا؛ لأن الحزب الشيوعي موجود وفيه الكفاية!!

وبهذا المنطق الفلسفي الاعتقادي الشيوعي كان من السهل جدا على الشيوعيين في السودان أن يبيدوا سكان السودان جميعا ليبقى فقط سبعة آلاف شيوعي هم أعضاء الحزب الملتزمون، يحاورهم الغربان والبوم فوق الأنقاض والخرائب.

 

هنا.. الغرابة والدهشة!!

إذن لا غرابة ولا دهشة فيما يقدم عليه الشيوعيون من جرائم وصناعات؛ لأن مسلكهم هذا تعبير عن فلسفتهم، وامتداد لتجاربهم تطبيقا لنظريتهم في عدم الثقة بالإنسان. 

لكن الغريب والمدهش حقيقة موقف الذين يتعجبون مما يفعل الشيوعيون، موقف الذين يحسنون الظن بالشيوعيين دقيقة من ساعة، وثانية من دقيقة.

ماذا كان ينتظر من الشيوعيين يا رجال؟!

أينتظر منهم الوفاء وهـم الذين مردوا على الغدر سرا وعلانية؟

أينتظر منهم السلام والوئام والوداعة وهم الذين ملأوا الأرض جثثا ودماء؟

أينتظر منهم الخير للإنسان وهم الذين جحدوا ربهم وجحدوا نعمه؟

أينتظر منهم الإخلاص للوطن وهم الذين كفروا بأوطانهم وآمنوا بأوطان أخرى سخروا أنفسهم في خدمتها وحماية مصالحها؟

إن خطة الكافرين -والشيوعيون أعرق الناس في الكفر- حين تكون له الغلبة تأخذ أسلوبين تنفيذيين تجاه الآخرين، إما التصفية الجسدية، أو الإكراه على اعتناق المذهب الإلحادي.

وإلى هذا نبه هدى القرآن الذي غفل عنه المسلمون فغشيهم من الكوارث ما غشيهم:

﴿ إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا ﴾ (الكهف:20).

إن ما فعله الشيوعيون في السودان نذير... أي نذير 

للمتهاونين الذين يتركون المد الشيوعي يستفيد من الفرص المتاحة، أو بتعبير

الشيوعيين يستفيد من التناقضات القائمة، ويعد العدة للانقضاض والسيطرة.

ومن الفرص المتاحة: الشعارات والواجهات الفئوية التي يندس الشيوعيون تحتها التجنيد والتحريض، وإشاعة البلبلة والاضطراب.

نذير.. أي نذير

للمخدوعين الذين يخدعون أنفسهم بالتقليل من الخطر الشيوعي، وأنه بعيد منهم... جد بعيد.

للواهمين الذين يظنون أن كلام الشيوعيين عن السلام يعبر عن اتجاه حقيقي، بينما هو لفافة بيضاء بداخلها خنجر يقطر دما، إن هؤلاء يجب أن يفيقوا قبل وقوع الكارثة:

 ﴿ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ  (القمر: 4).

 

ماذا يعني قيام نظام شيوعي؟

وتصور الخطر -على حقيقته- يفيد ويعجل باتخاذ خطوات جادة لحماية الأمة من كوارثه، ومن ثم نطرح هذا السؤال.. ماذا يعني قيام نظام شيوعي في العالم العربي؟

ونحاول الإجابة عليه:

1 - إن قيام نظام شيوعي في بلد عربي مسلم يعني ضرب الإسلام في الصميم، واجتثاث عقائده وقيمه وأخلاقه.

الشيوعية والدين ضدان لا يلتقيان أبدا، الشيوعية تقوم على إنكار وجود الله –سبحانه-، والدين يقوم على إقرار وجود الله سبحانه والإيمان به والركون إليه.

ولا عبرة بالشعارات التكتيكية المرحلية التي يرفعها الشيوعيون في مرحلة معينة يبدون فيها حسن نياتهم نحو الدين، ذلك أنه ليس من الحنكة السياسية أن يضعوا في برامجهم السياسية المعلنة -قبل أن يصلوا إلى الحكم- خطة لحرب السلام والقضاء عليه، سياسة كهذه تنفر منهم الجماهير، وتصيبهم مع هذا الاحتياط والتحفظ يفلت منهم -أحيانا- ما يكشف حقدهم على الإسلام.

لا عبرة بالشعارات المرفوعة للتخدير فهذا نفاق سياسي، ذلك أن النظرية الشيوعية تعتمد الإلحاد أصلا من أصولها الأساسية، فالدين  في نظرها ومصدر الدين الله -عز وجل- أوهام صنعها خيال المحرومين الذين يتعلقون بأوهام لاستنفاذ حقوقهم، وساهم في صنعها وروج لها الظلمة المستغلين الذين وجدوا في الدين عونا لهم على إخضاع الجماهير لظلمهم واستغلالهم، وماركس لم يقرأ طبعا!! قول الله في قرآنه: ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾ (القصص: 5-6).

إن لينين ينادي بحرارة وإلحاح بضرورة غسل أمخاخ الناس وأفئدتهم من أي إثارة للدين، وبغير هذا -في نظر لينين- لا يتحقق الاشتراكية العلمية ولا يتم تطبيقها.

ونظريتهم الكافرة هذه لا يقوم الدليل عليها من المصادر الرئيسية للماركسية فحسب، ولكن يقوم الدليل عليها كذلك من تجارب الأنظمة الشيوعية مع الدين في كل وطن قام فيه نظام شيوعي.

وبالنسبة للسودان فقد تعجل الشيوعيون هناك، ربما وثقوا بأنفسهم أكثر من اللازم أو لأن ظروفا بعينها خدعتهم واتخذوا أكثر من موقف في حرب الإسلام.

في نوفمبر ١٩٦٥م حاولوا أن يخرجوا بإلحادهم إلى العلن فوقف شيوعي في معهد المعلمين العالي بالسودان لينيب عن الحزب الشيوعي في تدشين حملة صريحة ضد الإسلام، وقف هذا الشيوعي وتطاول على مقام بيت النبوة، وقال كلاما كذب فيه صريح القرآن وثارت الأمة كلها، وسميت الثورة باسم ثورة رجب؛ لأنها تمت في هذا الشهر المبارك، وضغطت على نوابها وطالبتهم بحل الحزب الشيوعي فحلوه!! أثناء الحل وبعده تمت مواجهة بين الشعب السوداني وبين الشيوعيين في الشوارع، وكانت مظاهر الهلع والهرب هي المسيطرة على صفوف الشيوعيين، ولم تعجب هذه المظاهر القيادة الشيوعية فقررت تزويد برامج التثقيف الخاصة بكميات أكبر من الإلحاد والصلابة العقائدية الإلحادية؛ لكي يتمكن أفراد الحزب من مواجهة «المسلمين المتعصبين» حسب تعبيرهم الذي ورد في مجلتهم السرية الدورية، والتي تحمل اسم «الشيوعي».

في مؤتمرها الاستثنائي الذي عقد عام ١٩٦٦م اتخذوا ثلاثة قرارات رئيسية لمحاربة الإسلام، وهي:

أ- مقاومة الدستور الإسلامي على كل مستوى.

ب- محاربة جامعة أم درمان الإسلامية والمطالبة بإلغائها. 

ج- محاربة مناهج الدين الإسلامي في المدارس السودانية.

أواخر عام ١٩٦٩م خطب عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي خطب في جامعة الخرطوم، وبعد أن حرض على حرب القوى الإسلامية قال: ولكن أريد أن أقول لكم بصراحة ووضوح أن محاربة القوى الإسلامية شيء ضروري ومطلوب، ولكن هناك شيء أهم وأكثر إلحاحا وهو مقاومة العقيدة التي تمد هؤلاء بالمواقف المعادية لحركة التقدم في البلاد، وأقول لكم بصراحة: إنه بغير مقاومة العقيدة الأساسية لا تجدي المحاولات، فلا معنى للانشغال بعراك القشور مع ترك الجذور!!

والعقيدة التي يعنيها سكرتير الحزب الشيوعي ليست هي العقيدة البوذية، ولا اليهودية، كلا إنه يعني العقيدة الإسلامية.

وإذا كان الحزب الشيوعي يظهر هذا المدى من الحقد على الإسلام -قبل أن يحكم- فماذا يكون الحال بعد أن يسيطر على مقاليد السودان؟!

إنه ولا شك سيعمل على اقتلاع الإسلام من جذوره، وتنشئة الأجيال في مباءات الإلحاد والتمرد على الله.

 

فقدان الاستقلال

2- وقيام نظام حكم شيوعي في السودان يعني فقدان السودان لاستقلاله، وعودته إلى عهود الاحتلال والاستعمار.

الشيوعيون في السودان تابعون لموسكو، ويسمى السودانيون الشيوعيين هناك بالحزب الشيوعي الروسي فرع السودان.

والدوران في فلك موسكو على هذا المستوى يحول السودان إلى مستعمرة روسية تماما تخطيطا، وتوجيها، وخضوعا.

 

هل السودان أكرم على الروس من تشيكوسلوفاكيا؟

لا بطبيعة الحال؛ لأن ذلك بلد أعرق في الشيوعية، وأقرب إلى الروس في الجغرافيا والجنس، ومع ذلك سحقته الدبابات الروسية حين أراد -فحسب- حربه أوسع داخل الإطار الشيوعي، ولم يكتف الاستعمار الشيوعي بالإجراءات العسكرية لإهدار استقلال تشيكوسلوفاكيا وسيادتها، بل وضع بريجنيف قاعدة نظرية تبرر التدخل وتمنحه الشرعية، فقال: «لا سيادة لقطر اشتراكي إلا في إطار التزامه بالولاء للوطن الاشتراكية الأول»!!

لماذا الردة إلى الوراء إذن؟

لماذا يدفع السودان بعنف إلى الخلف، ومتى في عصر التحرر من السيطرة الاستعمارية؟؟

إن بيان اتحاد الكتاب التشيك -أيام محنتهم- قد كشف حقائق مروعة، وأوضح أن الأمة كانت تشعر بمثل الذي يشعر به الخاضع للسيطرة الاستعمارية، يقول البيان:

«نحن الآن نعيش هواجس مخيفة أسبابها في تدابير الآخرين من ذوي المآرب التوسعية، الذين يريدون استخدام الاحتلال العسكري الأجنبي للتدخل في المسيرة القومية الجديدة لهذا البلد، وأمام هذه القوى العسكرية الأجنبية، فإن أفضل وأشرف ما يمكننا به مجابهة هذا التهديد العسكري الأجنبي الضخم هو أن نتماسك ونتكاتف في وجهه».

وكان الشيوعيون في السودان يريدون قيادة ذلك القطر المسلم إلى هذا المصير.

إن الشيوعية أصبحت نظرية «لتبرير» الاستعمار، وخدمة المصالح القومية للدول الشيوعية القوية النافذة.

إن الماركسيين يقولون: إن الرأسمالية هي أعلى مراحل الاستعمار، وهذه القاعدة تنطبق عليهم من وجه آخر.

إن هنالك حقيقة ينبغي التوكيد عليها أبدا، وهي: أن الاستعمار الروسي أعلى مراحل الاشتراكية.

كيف نعرف الاستعمار؟ وما هي مظاهره؟

هناك الاستعمار الاقتصادي، والدول الشيوعية القوية تخضع بلدانا صغيرة باسم الشيوعية، وتنهب خيراتها وجعلها سوقا لبضائعها.

هناك الاستعمار السياسي الذي يربط وطنا ما بعاصمة شيوعية كبرى عن

طريق حزب شيوعي، يستولي على الحكم ويخضع ذلك الوطن للنفوذ السياسي الأجنبي، وهذا ما يفعله الاستعماريون الشيوعيون.

وهناك الاستعمار العسكري، والدول الشيوعية الكبرى ترسل فرقها الحمراء

لاحتلال أقطار بأكملها، أولا لاستعمار هذه الأقطار وضربها إن حاولت التمرد كما حدث -مثلا- في المجر وتشيكوسلوفاكيا، وثانيا كقواعد وأحزمة أمان تحمي الدولة الشيوعية الكبرى والقوية.

وسيطرة الشيوعيين على السودان كانت تعني إخضاع السودان لاستعمار جديد يفقده استقلاله وأصالته وسيادته، ويفرض عليه أناسا يكون وجودهم -على حد تعبير بيان اتحاد الكتاب التشيك- «خطأ تاريخيا وإهانة للأمة».

 

نموذج للتعميم

3- وقيام نظام شيوعي في السودان كان يعني وجود نموذج شيوعي في المنطقة يثبت نفسه أولا، ثم يمثل ظاهرة تتجه بقوة لتشمل المنطقة العربية.

نعم، إن قيام نظام شيوعي في السودان ليس خطرا على ذلك القطر المسلم فحسب،

وإنما هو خطر على كل بلد عربي وإفريقي أيضا.

إن الشيوعية الدولية لم تكافح -في استماتة- لتدخل العالم العربي من أجل السياحة والفرجة على الآثار، ولم تكافح من أجل إطلاق شعارات نظرية تجريدية، إنها تكافح لتجد لها وطنا خاصا بها، ولما كانت الشيوعية الدولية ولا تنيب عنها في خدمة مصالحها الهامة إلا الأحزاب الشيوعية الكاملة الولاء، فإن استيلاء حزب شيوعي على قطر عربي يعتبر فرصة العمر، وقفزة كبرى وثمرة حلوة لمحاولات دامت أكثر من ربع قرن، وأرادوا في هذه الظروف أن يجربوا حظهم في السودان.

إن هناك ظروفا معينة أقنعت الاستعماريين الشيوعيين بأن لا ضمان لمصالحهم في المنطقة العربية إلا بقيام نظام شيوعي كامل الولاء لهم، ومن هنا ندرك مسارعته في تأييد الحكم الشيوعي -قصير العمر- في السودان!!

إنهم يشتاقون في لهفة بادية إلى قيام نظام شيوعي في العالم العربي..

· يحمي مصالحهم الاقتصادية.

· يهيئ لهم وضعا استراتيجيا جديدا للمساومة، والضغط والتهديد والتطويق. 

· يكون نموذجا يغري البعض -من هواة التعاسة والكبت والحرمان- بتقليده، ويصنع هو نفسه الانقلابات الشيوعية البحتة ويصدرها.

إن سيطرة الشيوعيين على السودان كانت تعني تهديدا مباشرا للعالم العربي كله، كانت تعني -وهنا نجمل المخاطر ونوجزها-: 

· اجتثاث الإسلام من المنطقة.

· ضياع الاستقلال وفقدان السيادة.. والعودة إلى عهود الاحتلال والاستعمار..

· تعريض المنطقة العربية لصراع دولي رهيب يزيدها تمزقا.. ودماء.. وفتنة..

وتعاسة.

 

أقوى الضمانات

حين ينجو شعب ما من كارثة مدمرة ووجب عليه أن يخر لله ساجدا شاكرا، ووجب عليه في الوقت نفسه أن يستفيد من التجربة وأن يتسلح -هو وغيره- بأقوى الضمانات في الحاضر والمستقبل.

إن قيام الأحزاب الشيوعية جاء نتيجة التخريب الاستعماري في مجالات العقيدة والثقافة والفكر، نعم، إن الاستعمار الذي حارب الإسلام بضراوة هو الذي أحدث الخلل وأنشأ الفراغ، ومهد الطريق للزحف الشيوعي.

ومن أقوى الضمانات أن نودع إلى الأبد هذه الفترة، فترة الثقافات والأفكار والتشريعات والأخلاقيات الاستعمارية التي حرمت الأمة من نعمة الاستقرار، وجردتها من أقوى الأسلحة، وفي نفس الوقت لم تستطع الصمود في وجه الزحف الشيوعي.

لا حاجة إلى التأكيد بأن الشيوعية عقيدة وفكرة، والعقيدة لا تقاوم -حقيقة- إلا بعقيدة أقوى منها، وأوفر حماسا، وأشد توقدا، وأطول نفسا، وأسرع خطى إلى التضحية، وكما أننا متفقون على أن الشيوعية عقيدة متفقون كذلك على أن الإسلام هو العقيدة الأقوى والأصلب والأقدر على المواجهة والتفوق.

خلاصة هذا: لا سبيل إلى رد الزحف الشيوعي إلا بالإسلام.

إن التفكير الوطني المجرد لا يستطلع -صراحة- الثبات في وجه الشيوعية؛ لأن قضايا العصر ومشكلاته وتصوراته تخطت التفكير الوطني المجرد للشيوعية، وجهة نظر في هذه القضايا والمشكلات والتصورات لا يستطيع التفكير الوطني المحدود أن يجاريها فيه، ومن ثم ينهزم أمامها أو يخلبه بريقها.

والتفكير القومي  بلا محتوى فلسفي عقائدي متفوق على الشيوعية لا يستطيع مجابهة الشيوعية والثبات في وجه زحفها، وحاول الفكر القومي ذلك لكن تجربة السنوات الماضية أكدت أن الفكر القومي خرج من المحاولة بنتيجتين، هما: إعلان الهزيمة، واختيار الانزواء طلبا للسلامة، والنتيجة الثانية أنه استعار الفكر الماركسي وصبه في قالبه القومي، وهكذا بدل أن يواجه الشيوعية ويهزمها تحول إلى أداة من أدواتها،

وجزء من محتواها!!

شعارات الاشتراكية لم تستطع أيضا سحب الأرض من تحت أقدام الشيوعيين

كما كان يظن، بل إن الأحزاب الشيوعية استفادت من هذه الشعارات ووجدت تحتها مناخا مناسبا للعمل، وأفرغت فيها مفهومها الماركسي- اللينيني.

ولقد دار صراع فكري حول: هل هناك اشتراكية عربية خاصة؟ واستطاع الشيوعيون أن يوجهوا الصراع ويغذوه حتى كانت نتيجته: أن هناك اشتراكية علمية واحدة لا تتجزأ، وأن دعوى الاشتراكية العربية الخاصة جهالة وتضليل، معنى ذلك أن الشيوعيين استطاعوا إفراغ مفهومهم الماركسي في الشعارات الاشتراكية، وبدل أن تقاوم هذه الشعارات الشيوعية والشيوعيين تحولت إلى صالحهم، ووضعت في رصيده!!

وطبعا ليس معقولا أن ينصحنا أحد باستيراد العقيدة اليهودية، أو النصرانية، أو البوذية لمواجهة الزحف الشيوعي؛ فهذه العقائد نفسها لا تستطيع الثبات أمام الشيوعية هذه واحدة، والثانية أنه لا داعي للاستيراد طالما أننا نملك اكتفاء ذاتيا، بل نملك ثراء فائضا.

إن الإسلام -عقيدة وشريعة وثقافة- هو أقوى الضمانات التي تحصن الأمة من الخطر الشيوعي، بل تقابله في الطريق وتصرعه.

ومن هنا فإن التمكين للإسلام معناه المقاومة الجادة الزحف الشيوعي، والعكس صحيح بمعنى أن إضعاف شوكة الإسلام، أو التضييق عليه يؤدي إلى تزايد النفوذ الشيوعي، واستمرار خطر الشيوعيين.

مكنوا الإسلام من تصريف أمور الأمة، ثم انظروا كيف يهزم الشيوعية!

 

علاج المشكلات

إذا كان الاستعمار بغزوه الثقافي والفكري والأخلاقي قد مهد الطريق للزحف الشيوعي فإن هناك سببا آخر لانتشار الشيوعية، هذا السبب هو: وجود المشكلات، وترك القضايا الهامة دون علاج جديد وفعال.

إن الشيوعيين يدخلون على الناس من خلال مشكلاتهم وقضاياهم، والجماهير أسيرة مصالحها ومشاكلها، والذي يستطيع أن يتبنى مصالح الناس وقضاياهم يستطيع التأثير فيهم وإن كانت هناك فجوة عقائدية بينه وبينهم.

والشيوعيون إنما يتاجرون بهذه القضايا؛ من أجل السيطرة على التيار الشعبي وتحريضه على السلطة، أو الوصول بدفعات أمواجه إلى الحكم وإلا فإن الجماهير تحت الأنظمة الشيوعية بائسة ومسحوقة.

ولا نريد -بالطبع- أن تتبنى قضايا الجماهير على الطريقة الشيوعية أبدا، نحن نريد أن تخدم قضايا الناس حقيقة، وأن تقدم لهم الخدمات الواجبة كحق لهم.

ويوم يتم هذا فإن الأبواب تسد تماما في وجه تجار الشعارات، وتحقيق هذا المطلب أمر ذو بال، ولقد سماه القرآن الكريم اقتحام العقبة ﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ  (البلد: 11-12-13-14-15-16).

بتمكين الإسلام من تصريف أمور الأمة، وباقتحام العقبة الممثل في خدمة قضايا الناس تستطيع إخماد النشاط الشيوعي إلى الأبد.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

أحداث السودان

نشر في العدد 4

27

الثلاثاء 07-أبريل-1970

هل السودان في طريقه للتقسيم؟!

نشر في العدد 2184

744

الأحد 01-أكتوبر-2023

صحافة - العدد 8

نشر في العدد 8

24

الثلاثاء 05-مايو-1970