; لحظة غروب | مجلة المجتمع

العنوان لحظة غروب

الكاتب عبد العزيز محمد الجبرين

تاريخ النشر الثلاثاء 19-يناير-1993

مشاهدات 12

نشر في العدد 1034

نشر في الصفحة 66

الثلاثاء 19-يناير-1993

في أصيل يوم الثلاثاء تراجعت الشمس كثيرًا إلى الوراء باحثة لها عن موقع آخر.. فلقد حان موعد الظلام.. ويا للمغيب حزنًا.. فالشمس فيه كهنيهة خجل تكومت أشعتها اللامعة حول جراح الشفق.. ففي ذلك الأصيل حم القضاء إذ شاء الله تعالى للشيخ حمود بن عبد الله التويجري منازل جديدة، نرجو أن تكون مع الأنبياء والصديقين وحسن أولئك رفيقًا.

وكيف لا نرجو الله له ذلك ونلح في الرجاء والضراعة وقد عرفنا عن الشيخ التويجري زهده وتواضعه وعزته ورعايته لطلاب العلم والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.. كان الزمن يتقدم به وكان من الطبيعي أن تهن قوته في العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكفاح المبتدعين والمنحرفين والمتخاذلين عن النهج السوي، وكان من الطبيعي أن يكتفي بما أنجز وقدم، ولكن شيئًا من ذلك لم يكن؛ إذ ما زاده الزمن إلا مضاء وعزيمة وتطلعًا إلى غد أفضل يندفع فيه من رحم الأمة جيل جديد يساهم في النهضة والعزة.

وكيف لا نرجو الله له ذلك وندعوه في سجداتنا وخلواتنا وقد تنصل من جميع حقوقه الذاتية وأدى جميع ما عليه -فيما نحسب- متفرغًا لصناعة الجيل وتوجيهه إلى حيث مواطن العزة والكرامة، وإلى بناء البيت المسلم، وليس العلم فحسب، بل والعمل به واستثماره وتزكيته.

كيف لا وهمته لم تفتر منذ أن كان تلميذًا ملازمًا للشيخ عبد الله العنقري رحمه اللهعالم وقاضي بلدته في ذلك الوقت، ومنذ ولي القضاء لمدة خمس سنوات كان فيها يتململ على أحر من الجمر إلى أن طلب الإعفاء وأصر عليه حتى حصل له ما أراد.. ومنذ أن تفرغ للعلم والعبادة إلى يوم وافته المنية؟! حيث ودعته الجموع بحشد لا يكون ولم يكن -وأظنه لن يكون- إلا لأمثاله من العلماء العاملين، ورحم الله الإمام أحمد حينما قال لأعدائه: «بيننا وبينكم يوم الجنائز». وقد صدق؛ حيث أدلى المجتمع بشهادته النادرة.

كان الشيخ حمود قد جرد من قلمه سيفًا مصلتًا للدفاع عن العقيدة والشريعة، وكانت له صولات وجولات مع العلمانيين والمتحللين.. وكان يتصدر العلماء الشباب في مسيرة النصح والتقويم والإصلاح.. كان طليعة القوائم في أحلك المواقف.. وحتى آخر لحظة، ولقد نصحه الأطباء بالتوقف عن الانهماك في البحث والكتابة لأن ذلك يؤثر على صحته، ولكنه كان يأبى ذلك؛ لأنه من أولئك الذين يأبون مغادرة الحياة إلا واقفين، يريد المساهمة في مواجهة المشكلات التي تواجه الأمة من كل حدب وصوب.. وكان موضوع بحثه الذي كان منكبًّا عليه في أيامه الأخيرة ونشر قبل أن تدق ساعة الرحيل يدور حول نصائح للشباب والدعاة ضمنها خلاصة تجاربه في التعامل مع الفتوى ومواجهة المعضلات.

وقد تعارف جماعة المصلين في حيه وتوارثوا أن شيخنا لم تفته تكبيرة الإحرام جوار المؤذن طوال خمسة عشر عامًا معهم في الحي؛ إلا أن يكون في سفر أو خارج الحي!

كما حدثني أحد تلامذته أنه جالسه طويلًا في آماد مختلفة، ما تذكر خلالها أنه تطرق إلى شيء من أمور الدنيا، فإذا كان مدار الحديث في غير العلم كان إلى الصمت أقرب.

رحل الشيخ في وقت نحن فيه أشد ما نكون حاجة إليه وإلى أمثاله من العلماء.. فله منا الدعاء بأن يبدله الله دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرًا من أهله، وصحبًا خيرًا من صحبه في الفردوس الأعلى من الجنة.. نرددها في أحضان الليل البهيم همسات خاشعة لتنساب كالمرجان مضيئة ظلمة الوحشة في صدورنا، وننسل تحت جناح القمر تخنقنا عبرات الشوق والأمل، ونرنو بطرفنا نحو الشروق حيث يرحل الألم.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل