; لسعــات ضمير | مجلة المجتمع

العنوان لسعــات ضمير

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 16-يونيو-1970

مشاهدات 26

نشر في العدد 14

نشر في الصفحة 24

الثلاثاء 16-يونيو-1970

1-    كنا في بعض بيوت الأغنياء وعندنا تاجر جواهر غیر مسلم، فلما أُقيمت الصلاة تقدم الإمام وقرأ بصوت حسن.. ولما قضيت الصلاة- كان التاجر جالسًا خلف الصفوف وعيناه تذرفان الدموع، ولما رآني حاول أن يضبط انفعاله فسلمت عليه وقبل أن أحادثه قال لي بالفرنسية: «هل تستطيع أن تكتب لي هذا الكلام حتى أحفظه وأقوله مثلكم؟»، فلم أستطع أن أجيبه بشيء، لأنه ما خطر لي قط أن أوربيًّا ينفعل بالقرآن إلى هذا الحد. فكرر سؤاله ثم أردف يقول: «هل هذا ممكن؟! إن عبادتنا لا تشبع أرواحنا». فقلتُ في نفسي: «الميادين كثيرة ولكننا مقصرون».

2-    زارنا داعية من نيجيريا- كان في الأصل مشركًا ثم اعتنق المسيحية، ثم التقى بداعية من غرب أفريقيا فأسلم على يديه، ومنذ ذلك الحين وهو منهمك في الدعوة إلى الإسلام... وكان يحدثنا عن الوثنيين في الإقليم الشرقي وكيف أنهم يعانون الحيرة والفراغ وأن من السهل عليه وعلى تلاميذه أن يُدخِلوا المئات من هؤلاء في الإسلام كل يوم. فقلت له: ولماذا لا تفعلون ذلك؟ قال: «لأن وسائلنا تقصر عن حاجتنا» فلا نحن نملك الكتب المناسبة التي تشرح لهم الدين، ولا عندنا الدعاة الذين يتعهدونهم ولا المدارس التي تعلمهم ولا المساجد التي يصلون فيها ولا المجتمع المستنير الذي يعيشون فيه، ولا المستشفيات المجهزة كما هو عند غيرنا- حتى نعالجهم فيها، ونخشى إن رأوا منا كل هذا التقصير أن يرتدوا عن الإسلام فنأثم فيهم، إنما نختار عناصر معينة قليلة حتى نستطيع أن نعتني بها. ولهذا فقد جئناكم نطلب منكم المعونة. وبصعوبة شديدة . قلت له: «أهلًا وسهلًا».

3-    ذهب شاب فقير يطلب العلم في ولاية لويزيانا بالولايات المتحدة وأظهر تفوقًا فنال منحة دراسية.. ولمع هناك لاستقامته وتدينه فجعل يعقد محاضرات في أماكن عديدة للتعريف بالإسلام.. قال: «وذات مرة وكانت المحاضرة في كنيسة كبيرة في المدينة وقع نقاش بيني وبين عدد من الفتيات والشبان وعند نهاية الاجتماع تقدم إليّ عدد منهم يطلبون كتبًا ومعلومات مفصلة عن الإسلام.. وقال اثنان منهم إنهما يريدان اعتناق الإسلام»، فسألته «وماذا قدمت لهم لدراسة الإسلام؟» قال: «لم أجد شيئًا ينفع» قلت ولماذا لا تعمد الحكومات الإسلامية إلى تزويد سفاراتها برسائل للتعريف بالإسلام؟ فقال: «أخشى أن تكون تسمية «الحكومات الإسلامية غير دقيقة».

4-   كنت أشتري بعض الكيماويات من «بادنوهايم» بألمانيا فكلفوا بي سيدة تتكلم الإنجليزية.. وكانت المهمة تحتاج عدة أيام.. ولعلها لاحظت منا طريقة معينة لم تعهدها من قبل في الوافدين من العرب، فجعلت تسألني عن الإسلام وعن تعدد الزوجات بطريقة لا تخلو من اللمز والسخرية.. فأوضحت لها بعض المسائل وقلت إن مجتمعكم متأخر جدًّا من وجهة نظرنا، وإنكم في حاجة إلى هداية جديدة. واستشهدت على ذلك بما تعانيه المرأة الأوروبية من إرهاق في الليل والنهار ومن استغلال ظالم من قبل الرجل - ثم هي لا تجد الطمأنينة ولا تكاد تجد «المنزل» الذي تتخيله كل أنثى، ثم قلت: لكن المرأة عندنا سعيدة مطمئنة بفضل تعاليم الدين... وكأن هذا المنطق صادف عندها قبولًا فقالت: «نحن مظلومات حقًّا في هذا المجتمع المخادع، ولكننا كمن يتناول المخدر لينسى الآلام - ويكره الدواء الناجع».

ومع تقدم البشرية وارتقاء العقول وطغيان المادية اشتدت حاجة الناس إلى هذا الهدي الراشد.

ولكن الوسائل غير كافية، والذين يملكون الخطوات الواسعة والأموال الكثيرة ليسوا مشغولين بهمَّ الدعوة للأسف الشديد إنما شغلوا بما سواها، شغلهم الله...

ع. ب. صقر

الرابط المختصر :