العنوان لقاءات «المجتمع» مع الشيخ أبو بكر الجزائري
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 06-أغسطس-1974
مشاهدات 17
نشر في العدد 212
نشر في الصفحة 42
الثلاثاء 06-أغسطس-1974
• معروف أن الذي فجر حركة الاستقلال في المغرب العربي هو الإسلام، فهل هذا المد مستمر أم تسلم الراية غير المسلمين؟
- نعم الذي فجر حركة الاستقلال في المغرب العربي هو الإسلام بلا شك، وليس غير الإسلام، إذ هو الطاقة الروحية القادرة في كل زمان ومكان على إيجاد الحركات التحررية والإصلاحية، وعلى تفجيرها لتدك كل حصن للباطل، وتهدم كل سور للظلم والطغيان. بيد أن هذه الطاقة الجبارة تتوقف في إنشائها وتفجيرها دائما - كسنة كونية على قيادة إيمانية رشيدة.
ولا يزال مد هذه الطاقة ساريا في المغرب العربي سريان الكهرباء في أسلاكها، قابلا لتفجير كل ينابيع الخير والهدى متى وجد القيادة الإسلامية التي تحسن تسييره وتفجيره ليصنع المعجزات في عالم الإنشاء والبناء، وحياة التحـرر والإصلاح والخير.
• ما الخطر الماثل على الإسلام في المغرب العربي - في رأيكم - هل هو خطر شيوعي أم أمريكي؟
- أنا بحكم تصديقي بأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم لا أومن بوجود خطر لا شيوعي ولا أمريكي لا على المغرب العربي ولا على المشرق بل الخطر كل الخطر الماثل في البلاد العربية والإسلامية عامة هو خطر العرب والمسلمين أنفسهم على أنفسهم، إذ أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قد وعده ألا يسلط على هذه الأمة عدوا من غير أنفسها. فإعراض هذه الأمة عن كتاب الله، وذكر الله، وفسقها عن أمر الله وخروجها عن طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم هو الخطر الماثل لها وهو الذي سبب لها محنة الاستعمار الغربي حقبة من الزمن طويلة، وهو الذي سيجر لها كارثة قد تستهدف وجودها كاملا، وتقضي عليها بالمرة.
وليس معنى هذا أنني أتجاهل سعي الشيوعية العالمية لبسط نفوذهـا على العالم ونشر مبدأ الإلحاد والكفر بين سكانه وبخاصة المسلمين وبلادهم. ولا أنني أتغاضى عن الوسائل المدمرة التي تستخدمها أمريكا عميلة اليهودية العالمية في تدمير العقائد والأخلاق الإسلامية لتؤمن لبنيتها المدللة «إسرائيل» المناخ الملائم لتوسعها في البلاد العربية وبقائها خطرا جاثما على صدر العرب دائما وأبدا.
وإنما أنا أومن بأن أمة العرب أمة الإسلام متى استقامت على منهاج الله تعالى لا يقوى على ضرها أي مخلوق أبدا، ولن يستطيع عدو لها ومهما كانت قوته أن يمسها بسوء، أو ينالها بمكروه، لأن الله تعالى كفيل بحمايتها، والدفاع عنها - ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ( سورة الحج: 38 ) ـ بما يضع في يديها من أسباب القوة والدفاع حتى تقهر كل عدو، وتدمر كل ظالم يريدها بسوء.
أما إذا هي رضيت بأن تعيش معرضة عن ذكر الله هاجرة لكتاب الله، فاسقة عن أمر الله، خارجة عن طاعته وطاعة رسوله كما هي حالها اليوم فإنها لا تبرح متعرضة لا للخطر الشيوعي أو الأمريكي فحسب بل لكل خطر في الحياة وما أكثـر أخطار الحياة لمن لا يتوقاها بسنن الله الواقية منها!!
• نشعر أن هناك قطيعة بين علماء المشرق وعلماء المغرب العربي فليس هناك جسور ثقافية، ولا تبادل إعلامي، فما السر في هذه القطيعة، وكيف يمكن تلافيها؟
- أنا شخصيا لا أشعر بأن هناك قطيعة بين علماء المغرب والمشرق وإن كانت هناك قطيعة - كما ظننتم - فهي القطيعة العامة التي يعيشها علماء المسلمين بينهم وفي كل بلادهم.
فهل رأيتم تجمعا صادقا ما للعلماء المسلمين وفي أي بلد من بلاد المسلمين؟
ولعل السر في ذلك هو أن العلماء غلبوا على أمرهم لسبب وآخر حتى نسوا رسالتهم وواجبهم كقوة موجهة لأمة الإسلام حافظة لها مدافعة عن مقوماتها وكيانها.
أما الجسور الثقافية بين بلاد المغرب والمشرق فإنها موجودة فعلا ولكنها مهجورة لا يمر عليها أحد، لأن المرور عليها يوصل المقطوع الذي أمر الله به أن يوصل، ويجمع الشمل الذي أذن الله أن يجمع ولا يفرق، الأمر الذي قد يؤدي إلى هدم السدود، وإنهاء الحدود.
والمسئولون في بلاد المشرق والمغرب على حد سواء لا يريدون ذلك إبقاء على الأوضاع الراهنة التي أوجدوها لأنفسهم ورأوا أنها الحق والخير، ولا وراءها حق لأحد ولا خير.
وأما التبادل الإعلامي فسواء - في نظري - وجد أو لم يوجد، لأنـه لا قيمة له، إذ هو لا يخدم إلا قضية معينة وهي الحفاظ على الأوضاع الشاذة الراهنة التي لم يرض بها المصلحون بين المسلمين، لما تهدد به الأمة الإسلامية من زوال وفناء.
ولعلي قد أشرت هنا إلى سر القطيعة فلا حاجة إلى ذكرها.
وأما كيف يمكن تلافيها، فإن تلافيها ممكن بالتوبة إلى الله تعالى بالغیمان به، وتنفيذ شریعته، وساعتها تنتهي القطيعة والوقيعة أيضا وكل سبب للفرقة والشر والفساد.
• ما صور النشاط الإسلامي في المغرب العربي على المستوى الحكومي والشعبي، وما مدى تأثير هذا النشاط في التوجيه الإسلامي؟
- في المغرب العربي أنشطة إسلامية مختلفة ومتعددة بعضها على المستوى الحكومي، وبعضها على المستوى الشعبي، وله صور شتى وأشكال متعددة ولولا هذا النشاط لا ندرس الإسلام، ولم يثبت أمام الموجة الإلحادية العاتية التي تجتاح ديار الإسلام اليوم، ولا صبحوا تحت وطأة حكم غير إسلامي يحـكم المسلمين.
ومن هنا كان تأثير هذا النشاط لا يصل إلى حد التأثير على التوجيه الإسلامي، وكان حسبه الاحتفاظ بالمد الإسلامي والطاقة الإيمانية ليوم تفجرها في حركة إصلاحية لا تسعد المسلمين فحسب بل تسعد العالم أجمع بإذن الله تعالى.
• ما مصير جمعية العلماء في الجزائر؟ وحزب الاستقــــلال المغرب؟
- أما جمعية العلماء المسلمـين الجزائريين والتي قادت الحركة الإصلاحية زهاء الثلاثين عاما في ربوع الجزائر فقد انتهت يوم اضطر الشعب الجزائري لتكتيل قواه وتوحيد طاقاته ليجابه قوة الاستعمار الغربي التي كانت تفوقه عددا وعدة حيث اندمجت جميع أحزابه وجمعياته في جبهة واحدة هي جبهة التحرير. ولما تمكن الشعب الجزائري من قهر الاستعمار وطرده عن بلاده، حاول بعض رجالات الجمعية أن يعيدوا بناء هيكلها من جديد غير أن الحكومة التي تشكلت يومئذ عارضت في ذلك بحجة أن أغراض الجمعية قد استنفذتها بوجود الدولة الجزائرية التي ترعى كل مصالح الشعب سواء منها الدينية أو الدنيوية، واعتاضت الحكومة عن جمعية العلماء بتأسيس مجلس أعلى للشئون الإسلامية عامة غير رجال جمعية العلماء - وقد مات أثناء الجهاد خيرتهم - لم يحسنوا استغلال هذه الفرصة التي أتيحت لهم، فتعثر سير هذا المجلس، ولم يقو على سد الفراغ الذي كانت تسده جمعية العلماء، وتخلى عنه بعد التنافس عليه الكثير من بقايا جمعية العلماء، ثم اندمجوا في إطارات الدولة طلبا للعيش وبذلك انتهت جمعية العلماء الجزائريين ودخلت في ذمة التاريخ..
أما حزب الاستقلال المغربي فهو الحزب الذي خاض غمار المعارك التحريرية بصدق، وقاد الأمة المغربية إلى حياة الحرية والاستقلال، غير أنه بعد استقلال البلاد كان المفروض أن يتحول الحزب إلى جمعية إصلاحية تعمل على تطهير العقائد وإصلاح النفوس وتهذيب الأخلاق، لان العمل في هذا الميدان هو العمل الإيجابي بعد الاستقلال، هو الذي يدعم الاستقلال ويحافظ عليه ولأنه لم يبق من معنى لوجود حزب يحمل هذا الاسم بعد الاستقلال وإلا كان من باب تحصيل الحاصل. بيد أن الحزب أسرف في السياسة ونافس في الحصول على كرسي الحكم، ومقاعد النيابة، وبذلك ذهب ذلك السلطان الروحي الذي كان للحزب في نفوس المغاربة المسلمين، ولم تبق له سلطة معنوية وشأن كل من يجري وراء سراب المادة الخادع، ويطلب متاع الحياة الدنيا الزائل. ومنذ شهور نعى إلى الأمة المغربية وفاة زعيم حزب الاستقلال علال الفاسي غفر الله له ورحمنا وإياه.
وبذلك سقط ذلك الركن الشامخ في حزب الاستقلال، ولا يدري ماذا يكون مصير الحزب بعد أفول نجمه وانهداد أکبر دعائمه. ولننتظر فإن الغيام كفيلة ببيان ذلك.
• هل التصريحات البورقيبية في تونس تعبر عن رأي الشعب التونسي أم هي شيء مفروض من فوق؟
- إن كنتم تعنون بالتصريحات البورقيبية: التصريحات السياسية التي يصرح بها الرئيس التونسي في مجال السياسة العربية والعالمية فالأمر واضح، وإن كنتم تعنون بالتصريحات ما نسبته إلى الزعيم التونسي بعض الصحف من طعن في القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم فإني لا أحسب أن أحد من العقلاء يفهم أن ذلك يكون تعبيرا عن رأي شعب مسلم عريق في إسلامه كالشعب التونسي غير أن الذي ينبغي أن يطلع عليه الرأي العام للمسلمين هو أن مثل ذلك الطعن و ســواء صحت نسبته إلى من نسبت إليه أو لم تصح أنه ناجم عن روح الإلحاد التي تجتاح طبقات معينة في البلاد الإسلامية بسبب الثقافة القاصرة والتي تصل بطالبها إلى حافة الكفر وتتركه لا يرقى بثقافته المحدودة إلى مستوى يحصل فيه على الإيمان بواسطة المعرفة الواسعة والعلم الراسخ الذي صاحبه إلى الإيمان.
ولا يقوى على العودة إلى إيمانه الفطري السليم الذي كان عليه قبل أن يتلوث بقشور العلم المادي الزائف.
ولكي نكون واقعيين يجب أن نذكر في صراحة أن المرء متى وجد في قلبه إیمان بالله ورسوله فإن السيئة تؤلمه، وتنغص عليه صفو حياته، ولا يقدر بحال على استدامتها طوال حياته بل لا بد أن يتوب منها ويخلص من آلامها، وفي الحديث الصحيح: «من سرته حسنته، وساءته سيئته فهو مؤمن».
وبناء على هذا. فهذه الطبقات من رجال الحكم والمسئولية في بلاد المسلمين وهي تبيح الربا والخمر والزنا، وتسكت عن ترك الصلاة ومنع الزكاة، وتستبدل بشريعة الله شريعة الإنسان الظلوم الجهول هل هي مؤمنة.. ولو لم تصرح بطعن في الإسلام، أو في كتابه ونبيه!
الرابط المختصر :
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
حين حافظ المسلمون على الغنائم أضاعوا آخر أحلامهم في أوروبا
نشر في العدد 109
21
الثلاثاء 18-يوليو-1972