; لقاءات «المجتمع» مع الشيخ حسن أيوب | مجلة المجتمع

العنوان لقاءات «المجتمع» مع الشيخ حسن أيوب

الكاتب المحرر المحلي

تاريخ النشر الثلاثاء 02-أبريل-1974

مشاهدات 21

نشر في العدد 194

نشر في الصفحة 36

الثلاثاء 02-أبريل-1974

لقاءات «المجتمع» مع الشيخ حسن أيوب

أسلوب العمل الإسلامي كيف يتطور؛ حتى يتكافأ مع أساليب العصر؟

بداية أي عمل تؤثر في مسيرته، وفي نتائجه، فكيف نبدأ

تبليغ الدعوة، وإيجاد طرق للعمل في كل الظروف

فضيلة الشيخ حسن أيوب من دعاة الإسلام الذين يعيشون قضاياه بعقولهم وأفئدتهم ومشاعرهم يدعون إلى الله على بصيرة، ويجمع الناس على الإسلام، ويوجههم نحو الله تبارك وتعالى.

لقد أفاد روَّاد المساجد من علم الشيخ حسن أيوب، وتوسيعًا لنطاق الفائدة أجرت «المجتمع» هذا الحوار مع فضيلته.

●     بداية أي عمل تؤثر في مسيرته وفي نتائجه؛ فما هي البداية الطبيعية الصحيحة التي ينبغي أن يسلكها العاملون للإسلام؟؟

ـ البداية الطبيعية الصحيحة التي ينبغي أن يسلكها العاملون للإسلام هي حسب رأيي تتبلور فيما يأتي:

1 - دراسة البيئة التي يراد القيام بالعمل الإسلامي في محيطها، وذلك للإلمام بواقعها واتجاهاتها والمؤثرات التي تتفاعل معها، وأنواع الانحراف المسلطة عليها، وإيضاح ما يمكن عمله في هذه البيئة حتى تعيش مع الإسلام، وتتأثر به، وتصلح من نفسها على أساس توجيهاته ومبادئه، وأي بيئة من البيئات الإنسانية ما كان يخاطبها رسولها إلا بالأسلوب المناسب لها، وفي شأن الأمراض التي استوطنت هذه البيئة من أجل علاجها وتطهيرها وإعادة الحياة الصحيحة إليها، سواء أكانت هذه البيئة، بلدًا، أم دولة، أم جماعة، أم أسرة.

2 - دراسة الهدف الذي يراد توصيل البيئة إليه، وحبذا لو كان هذا الهدف مرحليًّا بمعنى أن يوضع لكل فترة هدف يعمل المسئولون بجميع الأساليب المناسبة حتى يمكن الوصول إليه، ثم يوضع الهدف الذي يليه للوصول إليه بالأسلوب المناسب وهكذا. وعملية التدرج هذه هي الأسلوب الذي أتبعه الإسلام حتى وصل بالبيئة إلى أعلى مستوى، وكان المخطط له هو الله سبحانه وتعالى، وذلك معلوم.

3 - إعداد المنهج الذي يسير عليه المربون والمصلحون إعدادًا علميًّا وفنيًّا حتى لا يحدث التشتت أو التخبط أو التناقض مما يكون له أسوأ الأثر في البيئة خصوصا حين يذهب كل داعية مذهبا خاصا به غير عابئ بالأثر السيء المترتب على تعصبه وعناده واتباع هواه مخالفا في ذلك أصول الدعوة وحكمة الداعية، وواجبات التراحم والتآلف. حتى صرنا نجد مسلما يعمل في حقل الإسلام وهو ينظر إلى من يعمل في نفس الحقل نظرة ازدراء واحتقار. ويملأ من حوله حقدا على المسلمين وبغضا لهم تحت شعارات مختلفة، وبسبب غياب المنهج الموحد والهدف الموحد والداعية الحكيم الرحيم الفقيه.

4 - اختيار الدعاة الناضجين المتجردين من الهوى، الدارسين للإسلام دراسة دقيقة مستوعبة، القائمين في أنفسهم بأمر الله ودينه، الغيورين على الإسلام، الحريصين على التضحية في سبيله بكل ما ملكوا من نفس ومال، فقد ثبت من التجارب العديدة أن لا دعوة ناجحة بدون علماء عاملين يقودون ركبها، ويسيرون قافلتها تسييرا آمنًا سليمًا، لا شطط فيه ولا غلو، ولا مجاملة ولا مداهنة، وتكون لهم الكلمة في دين الله، وعليهم تقع مسؤولية الجماعة أو البيئة أو الأمة، وهم المسمون أهل الحل والعقد في كتب الفقه الإسلامي. والحذر كل الحذر من أنصاف المتعلمين فإن ضررهم كبير، ومآسيهم في الأمة والجماعات أكثر من أن تحصر والماضي والحاضر، خير شاهدين على ذلك.

5 - إعداد المال اللازم ليكون التحرك للعمل والوصول إلى الهدف ميسورًا ومضمونًا، وليكن هذا المال خاضعًا للخطة المتفق على تنفيذها، ولا ينفق منه إلا لأجلها، فإن جد جديد رصد له المال المطلوب بعد الدراسة والتمحيص والاقتناع وهكذا تصير كل أمورنا مدروسة، وكل أموالنا موصلة إلى نتائج يرضاها الله تعالى.

6- يجب الاهتمام بالنوعيات المختلفة عند القيام بالدعوة إلى الله تعالى والتخطيط لها. فيخطط للمرأة كما يخطط للرجل، ويهتم بالصبيان كما يهتم بالشباب والرجال والكهول، فلا نترك في البيئة شخصا لا يعمل حسابه، ولا نقدم إليه الزاد الكافي من دعوة الإسلام والشعور بجمال الدين وحلاوته والسعادة في رحابه. وهذا الاهتمام يوفر على الآباء والأزواج متاعب كثيرة، ويحل كثيرا من المشكلات التي تحيا فيها بيوت إسلامية أحد أفرادها فهم الإسلام وعمل به، والآخرون لا يعلمون عن الإسلام شيئًا يذكر، ولا يتفقون مع الفرد المسلم في تفكير أو شعور، أو عمل.

7 - المكان الذي يلتقي فيه الرجال لقاء أخوة ومحبة، والذي يلتقي فيه الشباب بالكبار، ويلتقي الصبية الذكور بالشباب. هذا المكان أساس أصيل وهام في حركة الدعوة الإسلامية، حتى يحصل التعارف والتجاوب بين المتماثلين، وحتى تحصل القدوة والمثالية بين الأصغر والأكبر، وحتى يشعر الصبي بأن كل الشباب إخوانه وكل الكبار أباؤه؛ لما في قلوبهم من رحمة، ولما في صدورهم من سعة، ولما في تصرفاتهم من حكمة وحسن رعاية للآخرين. وبذلك توجد البيئة التي لا بد منها لقيام أية جماعة ناجحة، فلا إسلام له تأثير بدون بيئة إسلامية تعيش تجربة العمل الإسلامي بلا تحوصل أو تقوقع أو تحزب وتعصب ولا بيئة بدون لقاء مفتوح تذوب فيه كل شوائب الجاهليـة وتمحص النفوس فيها على أساس من تقوى الله وحبه وخشيته.

كذلك وبنفس الأهمية يجب إيجاد مكان للبيئة النسوية، بيئة المرأة والفتاة والصبية.

أما ما يجب أن يتوفر في هذا المكان فهو متروك للدراسة الميدانية وللأهداف المنشودة، وعلى سبيل المثال: لابد من مكتبة، ومسرح، وملاعب للرياضة المناسبة الموافقة لديننا وأخلاقنا الإسلامية. كما لابد من مشرف أو مشرفة للرعاية والقيام بواجبات التوجيه والتوضيح...إلخ.

من هنا تكون البداية لأي عمل إسلامي ناجح. وقد يكون البدء بالأهم فالمهم مناسبًا حتى نصل إلى حد التكامل المطلوب.

●     ما هي وجهة نظركم في أسلوب العمل الإسلامي بوجه عام. وكيف يمكن أن

يطور حتى يكون في مستوى العصر؟؟

ـ أسلوب العمل الإسلامي الناجح هو الذي يتوفر له التجرد الكامل لله تعالى بالنسبة للقائمين به، وآية التجرد قبول النصيحة والوقوف عند حدود الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلن- وأن يتوفر له التحرك الواعي الرحيم في جميع الميادين، ويتوفر له الإقناع العلمي المناسب للعصر الذي نعيش فيه.

ويتوفر له العاملون الذين يجعلون الإسلام أولًا والإسلام أخيرًا والإسلام بين ذلك، فإن لم يكن ذلك ممكنًا للجميع فعلى البيئة أو الجماعة أن تعد لذلك أفرادًا وتفرغهم للقيام بما تتطلبه الدعوة الإسلامية نيابة عن الأخرين، وإلا أثم الجميع.، والاعتماد في ذلك على الحكومات لا يجدي ولا يفيد ولا يبرئ الذمة أمام الله تعالى.

أما تطوير العمل حتى يلائم العصر فلا يكون إلا بتطوير العاملين حتى يتخلصوا من كثير من رواسب التخلف والانقسام والأنانية والانعزال، وحتى ينظروا إلى الإنسان على أنه مناط التغيير والتطوير، وأنه محل عناية الله ورعايته ورحمته، وأنه لا جدوى من أي عمل انعزالي مهما بلغ من الكمال، لأن انعزاليته معناها أنه لم يستطع أن يتحمل تبعة الدعوة أو يفتح لها في المجتمع طريقًا، إن استعمال الحجة يجب أن تكون له الأولوية والأصالة، وإن تقديم الخدمات إلى المجتمع يستل من نفسية المعاندين السخيمة والحقد، وإن تقديم المعونة لمن يعاديك هو أول الخطى إلى السلام والمحبة.

●     من الملاحظ أن يد التنسيق الحقيقي لم تدخل في محيط العمل الإسلامي بفعالية وجدية، مما أدى إلى تشتيت الجهود وتكرارها، بل وتناقضها أحيانا فما هو تقديركم لأضرار هذا الشتات، وكيف ترون السبيل لتوحيد جهود العاملين؟؟

وإن المثل الأعلى للعاملين هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون الطريق لجمع الشتات هو التخلي عن الأهواء والنزعات الشخصية، ووضع الراية في يد الكفء. والسمع والطاعة في المنشط والمكره، والاستضاءة بشمس الإسلام كلما ألمت سحابة ظلام. وأخذ الأمور بالحزم بعد الدراسة والاقتناع.

●     التبليغ الكامل للدعوة لا يتم إلا في جو الحرية الحقيقية، فإلى مدى أثر الكبت والقمع في إظهار الحقيقة، وما هو دور الدعاة في أجواء الضغط والإرهاب؟؟.

لن تترك للدعوة الإسلامية حرية حقيقية أبدا. تلك سنة الله في خلقه وفي غمرة القيود، وفي جو الحدود والسدود والتظاهر ضد المصلحين بكل أساليب العنف والشدة، والقسوة سارت مواكب الأنبياء ومرقت كالبرق دعوات المصلحين، وتمكن الحق في النهاية من العلو، ﴿وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ (التوبة: 32).

ولكل جو ما يلائمه ويناسبه، ولو أن الأبواب كلها أغلقت فجئنا بأبنائنا وربيناهم على مائدة الإسلام، وفتحنا كتاتيب يحفظ فيها أبناء المسلمين القرآن ثم نفهمهم ما فيه من إصلاح وحضارة، وعدل وأخوة ومساواة إلخ، ثم دخلنا المساجد نقرأ الحديث والفقه والغزوات وقصص السابقين لا استطعنا أن نعمل الكثير جدًّا لهذا الدين، ولحدث التغيير المنشود.

إذًا هناك أساليب كثيرة مأمونة ولها أثرها العظيم في بناء الجيل المسلم ولكن الخطأ الماثل هو إتباع أسلوب معین درسه أعداؤنا ووقفوا لنا في طريقه فأفسدوا علينا كل عمل به.

●     من هم الدعاة الذين تركوا تأثيرا كبيرا في نفسك، وما هي الصفات التي توفرت بهم وجعلت لهم هذا الأثر؟؟

ـ الدعاة الذين كان لهم أكبر الأثر في نفسي ممن عاصرتهم: هم: الشيخ عبد الله العفيفي والشيخ أمين محمود خطاب، والأستاذ الإمام حسن البنا، والأستاذ سيد قطب، رحمهم الله رحمة واسعة.

●     ألا ترى معنا أن المساجد اليوم عامة غير مستفاد منها كما ينبغي وقد كانت بالأمس جامعات ونوادي لا ترتفع لمستواها أضخم جامعات عصرنا، وأن عدم الاستفادة لسوء اختيار الأئمة والخطباء، ولفرض نظام عليها من الأوقاف؟؟

المساجد في نظري هي خير البقاع وأنسبها للدعوة الإسلامية، والتجمع الإسلامي، والتربية الدينية الواعية، والعمل الإسلامي البناء بشرط أن يختار لها الأكفاء من العلماء العاملين، وأن يكون لهؤلاء العلماء لقاءات دورية للتدارس وتوحيد الرأي، وأن تعمل لهم دورات تدريبية يحاضرهم فيها أساتذة كبار ليعرض فيها كل جديد في علم النفس والاجتماع والتربية مما يتصل برسالتهم. وأن يكون لهم منهج موحد أو متقارب يقومون بتدريسه، وأن يشجع المحسنون، ويحاسب المستهترون، وذلك يستدعي وجود لجنة عليا للتخطيط لرسالة المسجد ثم التوجيه والإشراف والمساعدة والله ولـي التوفيق والهادي إلى سواء السبيل.

  حسن أيوب

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

الافتتاحية

نشر في العدد 1

1861

الثلاثاء 17-مارس-1970

لم كل هذه الحرب؟

نشر في العدد 2

38

الثلاثاء 24-مارس-1970