الثلاثاء 14-يناير-1975
لقاءات المجتمع
مع الشيخ عَبدالمَلك عَبد الكريم أمر الله
من بين سبعين ألف حاج إندونيسي برز عالم جليل من علماء إندونيسيا وداعية كبير من دعاتهم الطيبين يدعونه في إندونيسيا هحكة وهي عبارة عن مختصر اسمه وشاع عليه هذا الاسم وقد قال لي: إن كسروا اسمي الحقيقي
عبد الملك عبد الكريم أمر الله
نال الشهادة الفخرية من الأزهر سنة ١٩٥٨ وصار بعد ذلك دكتوراً في الدراسات الأدبية.
ونال سنة ١٩٧٤ شهادة دكتوراه من الجامعة الوطنية في ماليزيا في الأدب الإسلامي.
ودرجة البروفسور في جاكرتا في العلوم الإسلامية.
كنا نجري اللقاء معه وكان يجيب وهو يبتسم دائماً ولا يختم كلامه إلا بضحكة تفرح الحاضرين فكان يشيع من حولنا جواً من الألفة والمحبة وكأننا قد عرفناه منذ زمن طويل وقد استسمحنا لعدم تعوده على الكلام باللغة العربية إلا أن الأدب كان يسبق كلماته وتعبيره ولقد اجتهد كثيراً في الحضور إلينا وشق ذلك عليه إلا أن الفرح بأبنائه قد غمر وجهه منذ لحظة رؤيته لنا. وكان لقاء.
فضيلة الشيخ، نحب أن نتعرف عليك.
- إن التعريف العام لشخصيتي قليل جداً لأنني في الحقيقة رجل عادي ولو أن أبي كان من العلماء الكبار في إندونيسيا فقد قال أبي: إن أجدادي من خمسة أجيال كلهم علماء من سومطرة وأنا لست مثلهم ولكنني كقطرة في بحر وأنا أحاول السباحة للوصول إلى الشاطئ.
سمعنا أن لك مؤلفات.
- قد كتبت عدة مؤلفات وقد عدها بعض الإخوان بحوالي ثلاثمائة مؤلف وقد بدأت بكتابتها وعمري سبع عشرة سنة وقد بلغت من العمر ستاً وستين عاماً.
ففي عهد الشباب كتبت روايات غرامية تاريخية ولكنه بحمد الله الإندونيسيون هددوني خاصة كتابهم وانتقدوا على ذلك خاصة لأني من علماء الدين ومنذ خمس وعشرين سنة لم أكتب رواية غرامية استحياء من المجتمع الإندونيسي الذي قال عني ووصفني بأنني «كياي» وهي تعني عالم الدين فلا ينبغي للعلماء الكتابة في هذا المجال.
وتدرس الآن كتبي في جميع مدارس إندونيسيا في مواد الأدب وهي منتشرة في كل البلاد التي تتكلم لغة الملايو «البهاسا» ولم يترجم منها شيء إلى العربية مع الأسف.
- فضيلة الشيخ كم حركة إسلامية في أندونيسيا وما مكانة حزب ماشومي منها؟
- في إندونيسيا حركات إسلامية كثيرة كنهضة العلماء والتربية الإسلامية وغيرها ولكنها حركات غير سياسية لأن الحركات السياسية قد اتحدت مع ماشومي وأظنك سألتني عن ماشومي لأنني منه فكيف تكون إجابتي موضوعية؟
وأنا أتحدث عن جماعتي…
- لقد حلت الحكومة الأحزاب فلم يعد هناك حزب قائم.
- يعني هذا أن حزب ماشومي غير موجود الآن؟؟
- لا إنه موجود ولكن بقلبي.
- لا يعني أن فكرة الحزب قد ماتت ولكن رجال الحزب كمحمد ناصر وهو رجل مرموق وله مكانته في العالم الإسلامي قائم على الدعوة
- متى بدأت فكرة تأسيس الحزب.؟!
- بدأت فكرة تأسيس الحزب في أول عهد الاستقلال في 7 نوفمبر سنة 1945 فكل الحركات الإسلامية في إندونيسيا اتحدت وكونت حزباً باسم الماشومي
- هل كان لكم أعضاء في البرلمان؟؟
- كان الأستاذ محمد ناصر رئيس وزراء إندونيسيا والدكتور سكيمل رئيس الوزراء أيضاً ولكن تنازع الأحزاب كما هو في البلاد الديمقراطية والرئيس سوكارنو الذي كان يميل إلى اليسار والذي عمل بكل قوته ودهائه انحل الحزب فأمسكوا بنا وأدخلونا السجن.
- في مدرسة سيدنا يوسف!
- نعم.. للتربية
- ما ضرورة وجود حزب إسلامي في مجتمع من مجتمعاتنا الحاضرة؟؟
- بالحزب الإسلامي يتقوى الإيمان والعقيدة. فإذا قامت الجماعة بالإمامة والزعامة على أساس العقيدة الصحيحة والمنهج العلمي الصحيح فلن يستطيع أحد أن يحلها «رأينا في مصر مثلا في عهد فاروق إلى عهد جمال عبد الناصر «الإخوان المسلمين» وقد حلت الجماعة ولكن رسوخ العقيدة ووضوح الفكرة في نفوس أبنائها جعل منها فكرة عالمية تنتشر في أقطار العالم لأنه من الممكن إلقاء القبض على الناس ولكنه لا يمكن إلقاء القبض على الفكرة، وفي عهد كمال أتاتورك في تركيا قام أتاتورك بقص شعائر الإسلام، وبعد أيام مات كمال فنبت الإسلام أشد قوة من قبل وفي شهر ديسمبر أواخر سنة ٧٣ ميلادية مات عصمت أنونو هذا آخر ذيل كمال أتاتورك والآن نصف الحكومة تكون من الحزب الإسلامي «1»
- هل يمكن أن تقوم دولة إسلامية في الوقت الحاضر؟؟
وإذا رأيت من الهلال نموه
أيقنت أن سيصير بدراً كاملاً
لأننا نتفاءل بالحركة الإسلامية وقد شاهدنا إمكانية ذلك حتى ولو على الأمـــــــد البعيد وذلك بما حصل من تجمع في حرب رمضان بالنسبة للمسلمين وبغرض الحصار الاقتصادي حيث لا تفهم الدول الغربية غير هذا الأسلوب المواجه وإعلان الحرب.
فنحن نقول لهم هذه أول انتباهة الإسلام فليس في الدنيا دين أشد نضالاً وجهاداً من الإسلام وليس في الدنيا نظام استطاع الصمود رغم التحديات التي واجهها كالإسلام وهو لا يزال ساطعاً نقياً لا تشوبه شائبة؛ فما وجدت ديناً في الدنيا أشد نضالاً وجهاداً في الثبات أمام أعدائه منه رغم محاولة الناس لإماتته ومحوه لأن قوته في عقيدته
وقد مضى الوقت الذي كان يصعب فيه اتعاض الناس من رقدتهم كما قال الكاتب الأمريكي الشهير «لوطرس کودار» قد مضى الوقت الذي لا نستطيع أن نحرك المسلمين من رقدتهم وقد جاء الوقت الذي لا نستطيع أن ننومهم فيه من يقظتهم. خاصة شباب إفريقيا فهم قوة جديدة تخافها الدنيا.
وفي إندونيسيا كان الناس مثلاً في صلاة العيد يصلون في ثلاث ساحات في العاصمة جاكرتا وفي هذه السنة أصبح الناس يصلون في ثلاث وثمانين ساحة غير المساجد والبيوت والجوامع كلها ممتلئة كالساحات لأن المسلمين قد انتبهوا إلى أن إيماننا في خطر وإسلامنا في خطر.
وفي هذه السنة جاء من إندونيسيا سبعون ألف حاج؛ فالمسلمون كذلك إذا لم يضربوا لم ينتبهوا.
- فضيلة الشيخ بالنسبة للأحزاب المعارضة للإسلام؛ هل تبقى بعد قيام دولة إسلامية بناء على حرية الرأي في الإسلام؟؟
- نعم.. إذا لم تشوش هذه الأحزاب الأمر... وهذا من عقيدة الإسلام ﴿الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ (المائدة:33)..
- حتى ولو كانوا من المسلمين ممن يخالفون الإسلام هل يسمح لهم بالمعارضة؟؟
إذا كانت المبادئ التي يخالفون فيها الإسلام من الأمور الجوهرية كالشيوعية فهم إذا دخلوا أي بلد أفسدوه. في عصر بني العباس مثلاً؛ في عصر أبي جعفر المنصور لم يعط للزنادقة والملحدين هناك الحرية فإن كان الزنديق شره لنفسه فليسكت ولا ينشر شره وفساده أما أن يتعدى ذلك إلى غيره فلا لأن هذا يخالف الأمن ويشكل خطراً وهذا هو رأيي.
- في إندونيسيا تبشير وشيوعية وقومية وطوائف أخرى كثيرة؛ فما مدى نجاحكم في التصدي لها؟؟
- الشيوعيون قد خالفوا الأمن وقد ساروا على طريق الشيطان فهم قد قتلوا أنفسهم… فمنذ ٦٥ شهراً لم تقم لهم قائمة ولم يؤذن لهم.
والقومية الإندونيسية تقوم على أساس «البنجسيلا» ومعناه الاعتراف بالدين أي بالإله الأحد
والمبدأ الثاني الإنسانية
والثالث الشورى
والرابع الوطنية والشعبية
والخامس العدالة الاجتماعية
فنحن المسلمين نعترف بالمبادئ الخمسة على تفسيرنا الخاص على التفسير الإسلامي.
لأن هذه المبادئ الخمسة لا يمكن أن تنبت نبتاً صحيحاً إذا لم تؤسس على الإسلام لأن أساس المبدأ الأول الاعتراف بالإله الواحد وهذا لا يوجد إلا في عقيدة الإسلام فالنصارى لا يعترفون بذلك بل هم يثلثون الله
والهندوكيون يقولون بعبادة البقر فأنا أقول بصراحة وأمام الأمة الإندونيسية: نحن –المسلمين- أسـاس المبادئ الخمسة نحن نقيم المبادئ الخمسة على هذه الطريقة أي طريقة التوحيد وإلا فلا مجــال للاعتراف بها على غير هذا.
- وبالنسبة للتبشير؟؟
- التبشير يحاول بكل ما لديه من قوة في كل أقطار الإسلام.
- هل يحاولون تنصير المسلمين؟؟
- نعم يحاولون تحويل المسلمين وتنصيرهم ولكن المسلمين في «مكاسا» ضربوا الكنائس
وقبل ستة أشهر مضت جاء شاب من جاوة الشرقية، جاء إلى جاكرتا ودخل إلى الكنيسة واغتال قسيس من استراليا فظنه رجال الشرطة أنه سارق وبعد اعتقاله قال أنا من الأغنياء وعندي دكاكين في بلادي وزراعة فأنا من الأبرياء فقيل له: لماذا قتلت القسيس؟ قال: هذا دليل على أننا لا نرضى بانتشار النصرانية في هذا البلد وسمعت أن جمعية الكنائس العالمية ستنعقد في إندونيسيا في عام ١٩٧٥ وإذا انعقد المؤتمر سيقتل أكثر من هذا. اعترف بهذا أمام الشرطة وقال فإذا ضربتموني بالرصاص اليوم فأهلاً وسهلًا سأموت شهيدًا
- فضيلة الشيخ هل يلزم تدوين فقه جديد مبني على القواعد الأصولية الثابتة والمأخوذة من الكتاب والسنة لمعالجة قضايا العصر.
- نعم ويقوم العالم محمد صديقي من علماء إندونيسيا بتدوين ما تمنيت وقد قام العالم المغفور له الشيخ أحمد حسان والمغفور له الشيخ منور خليل في جاوة الوسطى وسليمان رشيد وهو ما يزال على قيد الحياة قد قاموا ويقومون بهذه المهمة فهم يكتبون خصوصاً محمد صدیقی فهو يكتب باستقلالية في آرائه بما يوافق مستوى العصر من الإسلام.
- الداعية... ما هي الوسائل التي يمكنه اتخاذها لنشر دعوته؟؟
- ما عندي فكرة عالية في هذه المسألة وأظن أن فكرتي فيها صغيرة فلسان الحال أفصح من لسان المقال.
- هذا تواضع!
- أساس الدعوة الحب، حبنا لله، حبنا للإسلام وحبنا للأمة، فالناس إذا ما دخلوا في زمرة الحب فلا يخافون الموت ويرضون بالتضحية في كل حياتهم. للدعوة بكل ما لهم من استطاعة فلا يعترفون حتى بالراحة فاذا استراحوا قليلاً فكروا وقاموا ولا فرق عند الداعية بين الألم والسرور.
- جزاك الله خيراً وبارك فيك!
- يقول العلماء إن المستقبل للإسلام هل هذه الرؤية قريبة أم بعيدة وما هي مقومات الإسلام التي تستطيع أن تنهض بالمجتمع المعاصر؟؟
- المستقبل للإسلام من أفكار العالم سيد قطب. وينبوع فكرتنا واحد والجواب يكون في قلوبكم إذا قرأتم مؤلفات سيد قطب ومحمد قطب.
- وما هي المقومات؟
- الإسلام ليس متزمتاً وعلى غاية المرونة يوافق كل عصر وزمان والدليل محدود ولكن المسائل ليست محدودة والفروع تقاس على الأصول فيمكن لنا أن نواجه العصر
- المرأة الإندونيسية إلى أين تسير؟
- في هذا الوقت كنا في مفترق الطرق بين الإسلام والغرب ولكن الفتاة في القرى أو التي تكون تحت تربيـة الجماعة الإسلامية لم تزل على استمساكها بمبادئ الدين أما في المدارس فقد وجدت المرأة مغروسة في تربية الغرب لأن رواسب الاستعمار عميقة الجذور في أرواحهن ونحن نتفاعل بوجود العلماء فقد قال الإمام مالك: العلماء سراج زمانهم فإذا أمكن للعلماء مواجهتهن بالمرونة.
ومعذرة منكم أن قلت: إن بعض العلماء في الدول العربية يريدون أن يوصلوا المرأة إلى القمة في آن واحد بحيث يرتدي غطاء الوجه قياساً على بلادهم وهذا لا يمكن عندنا في إندونيسيا والمسألة خلافية أيضا فنحن من أجدادنا ونسائنا لا يغطين وجوههن فمن زار ابن بطوطة أي منذ ستمائة سنة إندونيسيا قال في كتابه تحفة النظار قال رأيت المرأة في جاوة لا تغطي وجهها فإذا استمسك العلماء بأحوال المكان وليس بأصل الحكم فلا يمكن أن يطبق شيء
- هل يطيب للمرأة العمل؟
- أنا شخصياً أوافق أن لها العمل بل يجب عليها أن تعمل
- وهنا عاجلته... وتعمل في كل مجال؟ فقال
- في بيت زوجها وتربية أولادها وفي انشراح صدر زوجها تسره إذا نظر إليها هذا هو عمل المرأة.
أما الآن بعد الحرب العالمية الثانية هذه فقد خرجت النساء إلى المجتمع إلى المكاتب فهذا لا أرضاه…..
كيف نقرب الزيت إلى النار
الناس في جاكرتا يأتون إلي كل يوم يسألونني من الرجـال والنساء المتحضرات وغيرهم من الصباح إلى المساء ماذا أفعل بنتي تشتغل في المكاتب وحصل كذا وكذا.. إلخ
كيف نفعل.. السبب أنتم أيها الآباء لقد أدخلتم بناتكم هذا الأتون.
الرابط المختصر :
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
عبدالعالـي حسانـي: «مجتمع السلم» تتبنى مشروع الوحدة بين أبناء الحركة الإسلامية كافة بالجزائر
نشر في العدد 2182
32
الثلاثاء 01-أغسطس-2023