; لقاء مع الأستاذ محمد عبد الله السمان | مجلة المجتمع

العنوان لقاء مع الأستاذ محمد عبد الله السمان

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 25-أبريل-1978

مشاهدات 14

نشر في العدد 396

نشر في الصفحة 16

الثلاثاء 25-أبريل-1978

لقاءات المجتمع

  • وأحاديث عن أرتيريا والأزهر والزحف الصليبي في ديار المسلمين.. 
  • عدم إحساس الدول العربية والإسلامية بمأساة الإرتيريين جريمة توصم بها ولا سيما الدول الفنية.
  • مجموعات من البعث السوري والعراقي مبثوثة في جبهات التحرير الإرتيرية.
  • حركات التحرر الارتيرية أما: شيوعية أو نصرانية أو علمانية؟.
  • كارتر يقول للبابا المصري: أريد أن أطمئن على عدد الكنائس في مصر، وشيخ الأزهر يلقى محاضرات في التصوف على المسلمين السود!
  • إصلاح الأزهر يكون في اليوم الذي يخرج منه رجال يقولون لا بملء أفواههم.

قلت: للدكتور الفاضل: 

- لقد عدتم أخيرًا من زيارة لشرقي السودان حيث عشتم أيامًا مع اللاجئين الأرتيريين، فهل يمكن أن تحدثوا القراء عن انطباعاتكم عن هذه الزيارة

*أن انطباعاتي عن هذه الزيارة مليئة بالأسى والمرارة، فما كنت أتصور على الإطلاق أن يعيش زهاء ربع مليون عربي مسلم العدم ذاته أو ما هو دون العدم أن جاز أن يوجد وضع دون العدم.

وأعتقد أن وصف اللاجئين لا ينطبق على هؤلاء التعساء، لأن اللجوء يكون إلى ركن أمين، ولكن لجوء هؤلاء إنما هو إلى الضياع وفقدان كل أمل في الحياه.

- هل معنى هذا أن العرب والمسلمين لا يحسون بمأساة هؤلاء التعساء؟

- هناك بعض الأحاسيس، التي لا تغني ولا تسمن من جوع، وما يتطوع به بعض الدول العربية من معونة متواضعة مفرطة في تواضعها، يكاد لا يصل منها إلى أيدي هؤلاء التعساء إلا أقل القليل، أما أكثره فهو من نصيب الأيدي القذرة، والنفوس المجردة من كل مروءة وإنسانية معًا..

- إنه لتقصير شائن إذن من الدول العربية والمسلمة؟

* بل هي الجريمة التي يجب أن توصم بها الدول العربية والمسلمة، ولا سيما الدول الغنية التي تبعثر أموال المسلمين في بذخ وسفاهة بأسلوب يوجب عليها الحجر.. 

- لننتقل الآن إلى العمل السياسي والعسكري، فما هي رؤيتكم لهذا العمل؟.

* أود أن أشير أولًا- إلى أن هناك جبهات ثلاثًا تعمل في الميدانين: السياسي والعسكري: جبهة التحرير الأرتيري- المجلس الثوري- وتهيمن على هذه الجبهة الشيوعية، والجبهة الشعبية، وتهيمن عليها الصليبية المتوارية، ثم جبهة قوات التحرير الشعبية وهي مزيج من العناصر العلمانية والنوعيات المسلمة وتسيطر الجبهة الأولى على ٦٠ بالمئة من الأرض المحررة، والثانية على زهاء 30 بالمائة بينما تسيطر الأخيرة على الوقعة الصغيرة الباقية والمتاخمة للسودان.

هذا ومما يجدر الإشارة إليه، أن لكل من البعث العراقي والسوري مجموعات في الجبهات الثلاث، ويكاد لا يوجد تكتل إسلامي واحد، بمعنى أن الإسلام ليس له مجموعة واضحة كالمجموعات البعثية والشيوعية والصليبية السافرة المتحدية..

- لكن بم تعللون هذا الوضع المؤسف للإسلام في الوقت الذي أوشك أن يقرر فيه مصير دولة عربية مسلمة؟

* أن للمأساة الإرتيرية أبعاد مخزية فإذا كانت مسئوليات الاستعمار الصليبي تتجسد فيها الجناية، فإن مسئوليات الأنظمة الحاكمة في ديار العرب والمسلمين تتجسد فيها الجريمة والخيانة معًا، هذه الأنظمة التي ضحت من قبل بشعوب تنجانيقا وتشاد وكشمير وحيدر أباد المسلمة وضحت مع ذلك بشعب فلسطين العربي المسلم، والتزمت الصمت المخزي إزاء حروب الإبادة المادية والمعنوية التي تشن على المسلمين في الفلبين وفي تايلاند، وفي بورما، والأقليات المسلمة التي تعيش في الفلك الشيوعي، وباركت في وضاعة وجبن ونذالة ضربات الأنظمة الماركسية والبعثية التي وجهت- ولا تزال توجه- إلى شعوب الصومال واليمن الجنوبية والعراق وسوريا.. 
لقد أستقطبت الأنظمة المعادية للإسلام الثورة الارتيرية، لأن هذه الأنظمة تربصت بشعب أرتيريا الدوائر فاحتضنت الثورة ليكون لها في النهاية نصيب الأسد.. ولن يكون للإسلام حتى نصيب الفأر..

- هل تبرئون حركات التحرير من المسئوليات..؟ 

- على عاتق حركات التحرير يقع أضخم المسئوليات، فزعماء هذه الحركات متفاهمون، بل ومتفقون على التآمر على الإسلام، فحتى جبهة القوات الشعبية التي كنا نمنحها بعض الاطمئنان إليها، لوجود نوعيات إسلامية إلى هذه الجبهة تنكرت للإسلام، فنصت في دستورها على أن أرتيريا سوف تكون دولة علمانية. 

- إذن فهناك أخطأ تنسب إلى حركات التحرير.. ؟

- هذا شيء لا جدال فيه، فأول أخطاء هذه الحركات أنها منقسمة على نفسها، وقد أدى ذلك إلى وقوع معارك داخلية بينها، سالت فيها الدماء، كما أن من أبرز أخطاء هذه الحركات أن زعماءها أصبحوا يعيشون لأنفسهم، في معزل عن الشعب الأرتيري المناضل الصمود، وأنت لا تجد وجها للمقارنة بين حياة هؤلاء الزعماء المترفين، وبين حياة الشعب الأرتيري بعامة، وحياة اللاجئين بخاصة، فأولئك يعيشون فوق قمة البذخ والترف. وهؤلاء يعيشون في قاع الحضيض.. 

- وما المخرج إذن؟

إن أرتيريا دولة عربية مسلمة دخلها الإسلام قبل نهاية القرن الأول الهجري، وقد ظلت هكذا حتى لعب الاستعمار الصليبي لعبته، في غفلة من المسلمين أنفسهم، وصارت أريتريا إلى ما صارت إليه اليوم ومنذ أكثر من عشرين عامًا..

ولا مخرج لإرتيريا من مأساتها وإنقاذ الإسلام فوق أرضها إلا أن تتحرك الشعوب المسلمة وتحمل حكوماتها على العمل من أجل أرتيريا.. وهذا أمل أقرب إلى الخيال.. ولكنه ليس على الله ببعيد..

- الحق أننا في حاجة إلى المزيد من الحديث عن مأساة أريتريا لكن بقي هناك أمران مهمان نحرص على أن نستمع إليك بشأنهما.

الأمر الأول يتصل بالأزهر.. فهل ترون أن الأزهر لا يزال يؤدى رسالته ثم إلى أين هو يسير اليوم؟ والنقطة الثالثة: هل هناك أمل في إصلاحه؟

- هناك اصطلاح مشهور يقول: فلان فقد ظله.. وهذا الاصطلاح إنما ينطبق على الأزهر منذ زهاء عشرين عامًا وإلى اليوم، وقبل أن نجيب عن النقطة الأولى التي تتصل برسالة الأزهر، يجب أن يتضح لنا ماهية هذه الرسالة، فإن كان مضمونها إنشاء المعاهد الدينية والكليات، ثم تخريج مئات من الشباب كل عام وأن يكون فيه مجمع البحوث مجرد لافتة لا أكثر، فلا شك أن الأزهر يؤدي رسالته، مع ملاحظة أن الأزهر لم يعد يخرج علماء دين، وإنما يخرج شبابًا يحمل مؤهلات..

أما إن كان مضمون هذه الرسالة أن يكون الأزهر إلى جانب رسالته التعليمية إشعاعات مضيئة تشع على العالم بأسره، لتضيء له الطريق إلى الإسلام، وتشع على الشعوب المسلمة فتوقظها من مرقدها، وتجعلها تبحث عن وجودها الذي افتقدته أو فقدته، وأما إن كان مضمون رسالة الأزهر أيضًا الدفاع عن قضايا الإسلام عقيدة ونظامًا وتراثًا وشعوبًا فلا جدال في أن الأزهر لم يؤد مثل هذه الرسالة، بل وليس بمستعد أن يؤديها..

أما عن النقطة الثانية: إلى أين يسير الأزهر اليوم، فإن الذي فقد ظله لا يسأل: إلى أين يسير، لأنه سوف يظل إلى الأبد يدور حول نفسه في حلقة مفرغة.. ثم أن الأزهر لم يعد يملك اليوم إرادته حتى يقال: إلى أين يسير؟ فهو مسير وليس مخير وإذا كان لا بد أن يسير الأزهر، فإن مساره إلى الخلف وليس إلى الأمام.. 

إن فكرة الأزهر نبتت أول ما نبتت في أذهان الدولة الفاطمية الشيعية التي رأت أن تكون لها قاعدة في مصر ثم دالت دولة الشيعة في مصر وقدر للأزهر أن يستقل، وألا يكون تابعًا إلا للسنة، ولعب الأزهر في عصره الذهبي أخطر الأدوار لا في حياة مصر الإسلامية -فحسب- بل في حياة العالم الإسلامي بأسره، لكن أبى التاريخ إلا أن يعيد نفسه وأن يرتد الأزهر إلى الوراء على أيدي الإدارة الحديثة، ولم يعد للأزهر اليوم أي دور في حياة المسلمين.. ربما كان له دور ولكن في تنمية التصوف الدخيل على الإسلام.. 

والواقع هو الشاهد على ما أقول، فهل أدى الأزهر بعلمائه أي دور حيال حروب الإبادة على الشعوب في كل مكان..؟

وأما بالنسبة للنقطة الثالثة والأخيرة هل هناك أمل في الإصلاح؟ ونحن نقول: إن الإصلاح ممكن في كل زمان لكن الإصلاح ليس شيئًا يهبط من السماء على الأرض.. وإنما هو عمل يعتمد على الرجال، ويوم أن يوجد في الأزهر رجال يستطيعون أن يقولوا:لابملء أفواههم. سوف يكون مثل هذا اليوم بداية الإصلاح.. 

- الأمر الثاني الذي نود أن نستمع إليكم في شأنه، هو الزحف الصليبي الحديث في ديار المسلمين.

- إن الزحف الصليبي الحديث إلى ديار المسلمين وفي ديار المسلمين أمر لم يعد خافيا على أحد، والعجيب أن سائر الشعوب المسلمة لا تكاد تحس بهذا الخطر المحدق بهم وبدينهم وبحاضرهم وبمستقبلهم فهم يغطون في سبات عميق، وكان هذا الخطر لا يعنيهم في قليل أو كثير، ولم يعد أمرًا مجهولًا أن الصليبية الدولية تخطط في دقة لكي تغزو ديار المسلمين، وإن الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي هي التي تتواطأ مع أمريكا وغيرها حتى يمكن للمسيحية في الأرض.. الأرض المسلمة بالطبع، وما أمر أندونيسيا عنا ببعيد، فأمريكا هي التي مكنت للشيوعية في أندونيسيا، وأمريكا هي التي مكنت النظام الجديد- بعد سوكارنو- أن يسحق الشيوعية ويصفي وجودها في أندونيسيا وأمريكا لم تفعل ذلك حبًا في أندونيسيا المسلمة، ولكن لتمكن للصليبية أن تحل محل الشيوعية هناك.

ولك أن تتصور قيام الكنائس وانتشارها حتى في الدول المسلمة التي ليس بها مواطن مسيحي واحد..

إن المسيحية تتحفز في كل بلد مسلم وتأبى إلا أن تثبت وجودها في تحد وصفاقة، ولك أن تتصور أن القلة المسيحية في مصر تعتبر الأكثرية المسلمة هنا كدخلاء عليها، بل إن مسلمي الحبشة أكثر من خمسين في المائة، ومع ذلك فقد صرح أسد يهوذا الذي هلك، بأن المسلمين في الحبشة قلة دخلت الإسلام على أيدي التجار العرب، وقريبًا سيعودون إلى دين آبائهم  وأجدادهم لأنه لن نسمح بأن يقوم دينان في الحبشة. 

ولك أن تتصور كيف وصلت الصفاقة بأن هذه القلة الضئيلة أعلنت رفضها جهارًا لمشروع لا يزال على الورق وهو مشروع تطبيق الشريعة الإسلامية، وجهرت بامتعاضها لمجرد اقتراح بتطبيق شريعة الله على المرتد، ثم مات الاقتراح في مهده.

أليس من المخجل أن يزور البابا المصري كارتر ويبحث معه شئون الأقباط ومتطلباتهم، حتى لقد ذكرت الصحف المصرية أن كارتر قال للبابا أريد أن أطمئن على عدد الكنائس في مصر.. أما حين زار شيخ الأزهر أمريكا، فكل ما فعله أنه ألقى عدت محاضرات في التصوف على المسلمين السود هناك.

لقد استسلمنا من قبل للصهيونية العالمية حتى حلت بنا الكارثة، ونحن اليوم نستسلم للصليبية حتى تحل الكارثة، وقد نستيقظ ولكن بعد فوات الأوان..

ولله الأمر من قبل ومن بعد.

الرابط المختصر :