العنوان لكي.. لا تزرعوا الأشواك في طور النشأة والتأسيس!
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 13-أبريل-1971
مشاهدات 41
نشر في العدد 55
نشر في الصفحة 3
الثلاثاء 13-أبريل-1971
لا ينبغي أن يفزع أحد يحمل مسئولية وعقلًا من النقد الباني؛ لأن تقبل النقد بروح طيبة يعبر عن فضائل ثلاث في آن: فضيلة الشجاعة النفسية، وفضيلة الرغبة في متابعة الترقي والسمو، وفضيلة الإدراك السديد لقاعدة أن الإنسان خطاء وخير الخطائين التوابون، وأن الإقلاع عن الخطأ من ثم خطوة إلى الأمام في طريق التقدم الصحيح، وليس تنازلًا ولا تخاذلًا، ولا ينبغي كذلك أن يفزع أحد يملك شجاعة ونقاء من النقد الباني؛ لأن الإنسان المنتقد أو المؤسسة التي يوجه إليها النقد كجامعة الكويت تزن النقد، أو هكذا ينبغي أن تكون النظرة بأحد معايير ثلاثة:
١- أن تكون هي على صواب، وهنا لا داعي من النقد أبدًا؛ لأن الصواب يورث الثقة والثبات، والصواب هنا ليس وهمًا ولا ادعاء ولا محاولة لتغطية العيوب، كلا إنما الصواب استقامة في المسلك ووجهة نظر مفعمة بالمنطق تدعم المسلك، وتوضح حكمته في الوسيلة والهدف.
٢- أن تكون قد خلطت عملًا صالحًا وآخر سيئًا، وفي هذه الحال ينبغي أن يتسم موقف الجامعة بالثقة والتواضع معًا، الثقة بمقادير الصواب التي لديها، والتواضع الذي يلزمها بالاعتراف بالمساوئ التي فيها، لكي تستطيع الحد من المساوئ، والاستكثار من الصواب.
٣- أن تكون على خطأ وهنا لا يكون من المنطق، ولا من العلم، ولا من الواقعية أن تلتزم الجامعة بهذا الخطأ وتجمد عليه، بل ينبغي أن تفتح صدرها تمامًا لتقبل النقد والنصح، وفي غبطة وحبور، وأن تنظر إلى من يوجه إليها النقد على أنهم أصدقاؤها الذين يحرصون على مكانتها ورسالتها وهيبتها، انبعاثًا من هذه الخلفيات الثابتة في التقدير والتقييم، واعتمادًا على المعايير الراشدة في المحو والإثبات، والإقرار والإنكار، حملت هذه الجريدة مسئوليتها، ووجهت نقدها الهادف لجامعة الكويت.
ولا ينكر أحد معه عقله وإخلاصه أن في الجامعة أخطاء بالغة الخطورة.
· المحاولات الدائبة للخروج على قرار منع الاختلاط، وانتهاز أي فرصة- بل اختلاق الظروف والفرص- لهدم هذا القرار ونسخه، هذه المحاولات، خطر ماثل وعاصف.
· وإقامة حفلات الرقص، نعم حفلات الرقص! لا حفلات السباق العلمي في الرياضيات والمباراة الممتعة في الإبداع والابتكار- إقامة حفلات الرقص والتنافس عليها- بتشجيع وإشادة، وإطلاق الشائعات بأن الفتاة التي لا تعرف الرقص ولا تجيده إنما هي فتاة متأخرة وجاهلة؛ بغية جرها بالضغط النفسي والإرهاب الإغلالي إلى الرقص بعد إخراجها عن حيائها، هذه الظاهرة خطر ماثل وماحق.
· والروح التي يبديها بعض الناس في الجامعة ويتبدى فيها التعصب المذهل للرقص، كما يتبدى فيها الضيق الشديد بالنقد الموجه؛ لمعالجة تلك الأخطاء، هذه الروح أخطر الظواهر جميعًا؛ لأنها روح تؤكد إصرار بعض الناس على السير في هذا الخط، وتؤكد عزمهم غير المحدود على ممارسة هذه الأخطاء في المستقبل.
في الجامعة أخطاء واضحة ليس لها ما يبررها أبدًا، وإذا كان الدين يقول: لا، وإذا كان المنطق يقول: لا، والمصلحة تقول: لا، والتجربة تقول: لا، فماذا بقي لدعاة الرقص من حجة؟ وماذا بقي لهم من مبرر؟!
إن التغافل عن هذه الأخطاء مع وضوحها وضخامتها اشتراك مباشر فيها، وتشجيع لبقائها واستمرارها، وتزايدها!
وليس حريصًا على مكانة الجامعة ورسالتها من يغمض عينيه حتى لا يرى الأخطاء أو يراها، لكنه يؤثر لأسباب غير منطقية طبعًا! ألا ينتقدها إن جامعة ناشئة، وهي الآن ليس في طور تأسيس الكليات والمعامل فحسب، ولكنها كذلك في طور وضع الآداب العامة والتقاليد الجامعية، وما يوضع اليوم سيأخذ طابع الدوام من بعد، وسيكون حجة للذين يريدون توسيع رقعة الأغلال وتعميقه في المستقبل، سيقولون: لقد وجدنا هذا من قبل، وألفينا عليه الجيل الأول المخضرم في الجامعة، وعلينا أن ننميه وفق مبدأ التطور!
والعلاج عندئذ يكون أكثر صعوبة، وأشد تعقيدًا، ولكن الأمر اليوم سهل وميسر والجامعة لا تزال في طور النشأة والتأسيس.
ولتدارك المشكلة قبل تعقدها واستفحالها واصلت جمعية الإصلاح الاجتماعي جهودها في هذا المجال، وبعثت بمذكرة عن أوضاع الجامعة إلى المسؤولين في هذه البلاد، أوردنا نصها في مكان آخر من هذا العدد، وينبغي أن تتضافر كل الجهود المخلصة؛ لحماية الجامعة من التيارات الدخيلة، والتي تمثل طلائع غزو اجتماعي، وثقافي، وأخلاقي منظم، يريد -قصدًا- أن يقوم على أنقاض مقوماتنا الذاتية في الثقافة والاجتماع والأخلاق.
كذلك ينبغي أن تتضافر كل الجهود المخلصة لتهيئة أنسب جو، وأفضل مناخ ينصرف فيه طلابنا تمامًا إلى العلم والتحصيل والتفوق.
فلقد طال انتظار البلاد للخبرة الوطنية في كل المجالات، ولا يمكن أن تتوفر هذه الخبرة الوطنية في أجواء تثني إرادة الشباب عن الجد وتقوده إلى اللهو، وتعلق اهتمامه بمسارح الرقص، لا بمعامل البحث!
· إن حماية هذا الشباب من التيارات المدمرة يجب أن تأخذ الأسبقية على أي مشروع آخر.
· حماية الحدود من غزو مسلح شيء مهم.. نعم، ولكن أهم من ذلك حماية الشباب من الغزو الاجتماعي والأخلاقي الذي تجاوز الحدود وطفق يدق الأبواب.
· المحافظة على استقلال البلاد وسيادتها شيء مهم.. نعم، ولكن أهم من ذلك المحافظة على استقلال مقومات الشباب وخصائصه وشخصيته.
· حماية المؤسسات والبنوك من السطو شيء مهم.. نعم، ولكن أهم من ذلك حماية روح الشباب وضميره من السطو الأجنبي، وإن كل شيء تفقده الأمة يمكن أن يعوض إلا شبابها بعقيدته وخصائصه، فإنها إن فقدته، إنما تفقد روحها الحي، وعزيمتها الماضية، وحياة حركتها، ودم عافيتها، ورصيد مستقبلها.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل