العنوان للحقيقة والتاريخ
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 10-يوليو-1979
مشاهدات 11
نشر في العدد 453
نشر في الصفحة 22
الثلاثاء 10-يوليو-1979
تابعت في مجلة المجتمع الغراء سلسلة المقالات الخاصة بجامعة الكويت وفيها أن بعض أساتذتها سواء العرب، أو الأجانب العاملين فيها يتهجم على الدين الإسلامي الحنيف.
وقد قيض لي الله سبحانه وتعالى كتابين عن موضوع مماثل هما «تحت راية القرآن» للكاتب مصطفى صادق الرافعي والآخر «نقض مطاعن في القرآن الكريم» لمؤلفه محمد أحمد عرفة وكان وكيلًا لكلية الشريعة الإسلامية بالأزهر. وقد تبين لي من هذين الكتابين أن الدكتور طه حسين كان يعمل بالتدريس في الجامعة المصرية عقب ضمها إلى وزارة المعارف سنة 1925م وأنه ألقى فيها محاضرات فيها هجوم على القرآن الكريم وعلى الرسول الأمين محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكتف بهذا بل ألف كتابًا اسمه «في الشعر الجاهلي» اعترف في مقدمته بأنه يتضمن ما ألقاه على طلبة الجامعة. وقد أثارت المحاضرات ومن بعدها الكتاب ثائرة المصريين فألفت المقالات والكتب لمناقشة الكاتب ونقد آرائه، وأرسلت البرقيات من أنحاء البلاد من الغيورين على الدين للمسؤولين لتنبههم لهذا المحاضر ومنع خطره عن طلبة الجامعة حتى لا يفسد دينهم.
وقد ناقشت لجنة من الأزهر هذا الكتاب ووصفته بأنه «مملوء بروح الإلحاد والزندقة وفيه مغامز عديدة ضد الدين..». وبعد أن محصت الافتراءات قالت «ولا ريب أن هذا هو عين ما يطعن به المشركون على القرآن..» واختتمت بحثها «مطالبين فضيلتكم -شيخ الأزهر- والحكومة بوضع حد لهذه الفوضى الإلحادية ... هدم الدين بمعول الزندقة..».
وتتلخص المطاعن التي ادعى دكتور طه حسين في كتابه على القرآن الكريم:
1- إن القسم المكي يمتاز بالهروب من المناقشة وبالخلو من المنطق أما القسم المدني فيناقش بالحجة والبرهان.
2- إن القسم المكي يمتاز بكل مميزات الأوساط المنحطة كالعنف والشدة والقسوة والغضب والسباب والوعد والتهديد.
3- إن في الرقي الذي حدث للقرآن في القسم المدني أثرا واضح من آثار التوراة والبيئة اليهودية التي ثقفت المهاجرين. يريد من كل هذا أن القرآن من وضع محمد صلى الله عليه وسلم وأنه ثأر من اليهود ومن التوراة.
4- إن الحروف العربية في أوائل السور إما قصد منها التعمية أو التهويل أو إظهار القرآن في مظهر عميق مخيف، أو هي رموز لتميز بين المصاحف المختلفة ثم ألحقها مرور الزمن بالقرآن فصارت قرآنًا.
5- أنكر وجود سيدنا إبراهيم وإسماعيل رضي الله عنهما وأن ورودهما في القرآن وبناءهما الكعبة -كما ورد في القرآن- لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي، كما وصف قصتهما بالأسطورة.
وكانت حجة الدكتور طه حسين هي البحث العلمي المنبني على التحقيق والتمحيص وأن البحث يمكن أن يتناول الباطل كما يتناول الحق، ولكنه في بحثه ضل وغوى وأكثر من الطعن في القرآن الكريم متأثرًا في هذا بآراء المستشرقين ومرددًا آراءهم.
وقد رد الكاتبان رحمهما الله ردودا مفحمة في كتابيهما، كما تضمن الكتاب الأول مقالات لبعض كبار الكتاب في الرد على طه حسين، كما ذكر الكتاب الثاني قيام السيد محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار في الرد على ذلك الإفك.
هذا وقد أثيرت المسألة في البرلمان في سبتمبر 1926م وبرغم ثورة الأعضاء فقد أصرت الحكومة على الاكتفاء بما اتخذته وزارة المعارف من إجراء، فقد اشترت الكتب لمنع تداوله بين الجمهور، وتأكيد مدير الجامعة لوزير المعارف أن الطعن على القرآن لم يلق على الطلبة في الجامعة، وأن المؤلف صرح في الجرائد بأنه مسلم. ولما طالب الأعضاء باتخاذ إجراءات أشد، هدد رئيس الحكومة بطرح الثقة بالوزارة. ولتسوية المسألة تنازل مقدم الاقتراح إلى البرلمان نظرًا لأنه قام بإبلاغ النيابة للتحقيق مع طه حسين. ولكن القضية حفظت واستمر طه حسين في الجامعة في إلقاء محاضراته وبها آراؤه في الطعن على الدين، لم يرتدع ولم يرجع عن غيه برغم ثورة المفكرين وأعضاء البرلمان ضده، وقد قيل في ذلك إن أصدقاءه قاموا بحمايته والدفاع عنه إلى أن نوقشت المسألة من جديد في مجلس النواب سنة 1932م. وليس لدينا ما وصلت إليه المناقشة من نتيجة، ولكن تم نقل الدكتور طه حسين إلى وزارة المعارف.
يتبين من هذا أنه بالرغم من الهجوم السافر على القرآن الكريم والادعاء بأنه من وضع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وبالرغم من ثورة المفكرين في مصر، فقد قام أصدقاء طه حسين بحمايته والدفاع عنه وتمكينه من الاستمرار في عمله من 1925 إلى 1932 على الأقل في الجامعة والاستمرار في تلقين طلبته هذه المطاعن في القرآن الكريم وتسميم عقولهم وفتنتهم عن دينهم، والغريب أنه بعد نقله من الجامعة لم يأفل نجمه بل سطع أكثر حتى وصل إلى منصب وزير المعارف، وكان يلقي المحاضرات في الإذاعة ويكتب المقالات في المجلات والجرائد وأسبغت عليه الألقاب والرتب وسمي بعميد الأدب العربي ومنح رتبة «بك» ولما مات حزنت لموته الأمة واشترت الحكومة بيته وجعلته متحفًا يحج إليه عشاقه ومريدوه والمخدوعون فيه.
فهم بعض ضعاف النفوس والطامعون في المناصب أنهم يمكنهم أن يهاجموا الدين فيتولى البعض حمايتهم، يتبين هذا من توالي وتكاثر المهاجمين للدين الإسلامي ومدعيي الأدب الذين يكتبون المقالات أو الكتب في الغمز بالدين أو كتابة القصص المكشوفة والمسرحيات الماجنة، ثم انضمام بعض أبناء البلاد إلى الأحزاب الشيوعية، ثم اضطهاد المتدينين وحبسهم في المعتقلات وتعذيبهم وتشريد ذويهم، وأخيرًا ارتماء مصر في أحضان الشيوعية واعتناق المذهب الاشتراكي لحكم البلاد.
توالى إرسال الشباب المصري إلى الخارج للحصول على درجات الماجستير والدكتوراه ولا شك أن بعضهم قد عاد كما عاد طه حسين ليعمل في هدم الدين وإضعافه وليسيطروا على وزارة المعارف وغيرها، فوضعوا ما يلائمهم من برامج ومقررات تبعد الطلبة عن الدين، حتى نشأت أجيال لا تعرف عن الدين إلا القشور، إلى أن أتت حكومة أرادت قطع كل صلة لنا بالدين فقررت تطوير البرامج في الأزهر ومعاهده، فأصبح تدريسه مقصورًا على القشور وأصبح للأزهر كراس وأساتذة مساعدون وحاملو دكتوراه وماجستير، وكلما زاد عدد حاملي الدكتوراه كلما قل ما يحصله طلبة الأزهر من الدين والقرآن حتى تخرجت أجيال لا يمكن تسميتها علماء أو حملة كتاب الله. ونسي أساتذة الأزهر الشيوخ السابقين الذين كانوا يفترشون الأرض بجوار عمود بالأزهر ويلقون الدروس على طلبتهم ويناقشونهم ويحاورونهم، وقد خرجوا علماء حقًا. ونسوا أحد هؤلاء المشايخ عندما زار الخديوي توفيق الأزهر وكان الشيخ يمد رجله، وأراد الخديوي أن يعطيه شيئًا فقال الشيخ رحمه الله من مد رجله لا يمد يده. رحم الله الشيخ وأمثاله.
نتيجة لكل هذا قل من العلماء من يقوم بالرد على الطاغين في الدين وغدا الميدان خاليًا إلا من هؤلاء الطاعنين في الدين والحاقدين عليه، كما زاد الحكام في طغيانهم وفجورهم ولم يجدوا من ينهى عن منكر ومن يأمر بمعروف. وقد صدقت الأحداث ما تنبأ به الكاتب مصطفى صادق الرافعي إذ قال في كتابه «... فالأمر بين الأمة والجامعة في هذا الخلاف الذي شجر بينهما، أشبه بالمصادمة بين دينين لا بد من غلبة أحدهما، ثم إذا غلب عم، فالأمة على مرحلة إلى جاهلية أو إسلام».
من طريف ما جاء في كتاب تحت راية القرآن عن مدير الجامعة في ذلك الوقت أحمد لطفي السيد دفاعًا عن جامعته ورغبته في بقائها مستقلة بدون إشراف أو توجيه من الحكومة «الجامعة تبتدئ ولا شبهة أن السنة الأولى لإقامة معهد علمي كبير -كان طه حسين يقوم بإلقاء مطاعنة على القرآن على طلبة الجامعة في هذه السنة- يراد به ترقية التعليم العالي من ناحية ونشر المعلومات التي تحبب العلم إلى الجماهير من جهة أخرى ينبغي اعتبارها «سنة تجربة». قد يكون من قبيل توارد الخواطر أن يرد مثل هذا القول على لسان حاكم أتى بعد هذا الوقت -أو أنه قرأ هذا الكتاب، إحنا بنجرب وبنعترف إن إحنا بنخطئ-. وكما كانت تجربة الجامعة خطأ، كذلك كانت تجارب ذلك الحاكم خطأ في خطأ، فقد كانت تجاربه تتأرجح بين الارتماء في أحضان المعسكر الغربي ثم الارتماء في أحضان المعسكر الشرقي وما تلاه من مصائب، كما جرب التدخل في شؤون الدول الأخرى وحرب الوحدة وجرب إرسال الجيوش تارة إلى اليمن وتارة إلى الحدود بين الجزائر والمغرب وجرب قتال المسلمين فكان المسلم يقتل أخاه فأصبح ذلك مودة العصر، وكانت أسوأ تجاربه مضايق تيران وما تلاه من سقوط أجزاء من الأوطان العربية واندحار الجيش. والغريب أنه لم يشأ أن يتوارى ويبتعد عن قيادة البلاد مكتفيًا بما أصابها من خذلان وتفكك واضمحلال بل استمر في حكمه وطغيانه ليزيد من ارتمائنا في أحضان المعسكر الشيوعي، تمامًا كما استمر طه حسين في الجامعة وفي وزارة المعارف ليتمادى في الطعن على الدين ليفقد الأمة ما تبقى لها من دين.
-انتهى-
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلهل تتوفر الاستقامة الفكرية لشخص.. لا تزال كتبه تحمل الاعوجاج الفكري؟ طه حسين أَلف كتبا تهاجم القرآن والإسلام.. ولا تزال موجودة!
نشر في العدد 177
28
الثلاثاء 27-نوفمبر-1973