العنوان لماذا الآن ؟
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر السبت 10-مارس-2001
مشاهدات 7
نشر في العدد 1441
نشر في الصفحة 36
السبت 10-مارس-2001
ما الذي دعا وزيرين يونانيين إلى السعي لإعداد مرسوم يهدف إلى تخليد ذكرى التصفية العرقية للروم في الأناضول التي زعما وقوعها قبل ثمانين عامًا؟
سؤال لماذا الآن؟! لا يتعلق بالحادثة هذه فحسب، بل يمكن أن يُسأل أساسًا بالنسبة للحملة الأرمنية ضد تركيا التي تنتشر في العالم كله.
لقد مرت سنوات عدة على بداية هذه الحملة التي تدعي وقوع إبادة جماعية ضد الأرمن، وفي أعقاب الأنشطة الإرهابية التي قامت بها منظمة "أصالا" الأرمنية، تحركت الفاعليات الأرمنية في كثير من الدول، على رأسها الولايات المتحدة، لتسجيل ادعاءات المجزرة رسميًا. لكن تكثيف وتوسيع هذه الحركة باعتبارها حملة سياسية يُعتبر تطورًا جديدًا بعض الشيء، فلماذا الآن بالتحديد؟
إن لذلك أسبابًا مختلفة:
التطهير العرقي والمجازر الجماعية وغيرها من المصطلحات باتت مفاهيم كثيرًا ما يتم التداول بها في الفترة الأخيرة، وتلقى مزيدًا من التعاطف لدى الرأي العام العالمي.
فبعد التطهير العرقي الذي ارتكبه النازيون بصورة خاصة، فإن المجازر التي وقعت في البوسنة وكمبوديا ورواندا ودول أخرى باتت تُعرف تحت اسم التطهير العرقي وتأخذ مكانها في الأذهان بهذا المعنى. كما أن الحساسية التي تبديها الدول في موضوع التطهير العرقي، ومختلف الفاعليات التي أُقيمت في الفترة الأخيرة هيأت الأرضية المناسبة للحملة الأرمنية، فالتنظيم الجيد للجاليات الأرمنية خارج موطنهم مع دور جمهورية أرمنيا بعد حصولها على استقلالها، أديا إلى ظهور الحملة الأرمنية على المستوى العالمي وصارت قضية التطهير العرقي بالنسبة للجاليات الأرمنية عاملاً في توحيد المجتمعات الأرمنية المغتربة التي تعيش في مختلف الدول حول الهوية نفسها.
هناك أسباب أخرى كثيرة تجعل التطهير العرقي يلقى الاهتمام الآن. مثال على ذلك ما حدث أخيرًا في فرنسا. ومن ذلك أيضًا أسباب داخلية من قبيل رغبة المرشحين في اصطياد أصوات الناخبين.. وعامل آخر هو أن الرأي العام في كثير من الدول تقبل أو تبنى قضية التطهير العرقي للأرمن بتأثير الدعاية الأرمنية منذ أعوام طويلة ويسبب عدم تمكن تركيا من شرح وجهة نظرها بصورة معقولة وكافية.
بعض نقاط الضعف لدى تركيا كان من العوامل المساعدة لتسريع الحملة، فأنقرة التي لم تستطع شرح مشكلتها حتى الآن باتت تكتفي بالرد بتصريحات لم تعد لها أي مصداقية. بينما الحاجة تدعو إلى وضع استراتيجيات جديدة أكثر تأثيراً.
تركيا تقول: "لنترك هذا الموضوع للمؤرخين، لكنها لا تقوم بعد ذلك بأي شيء. وليس هناك أي مبادرة لقطع الطريق أمام الحملة الأرمنية. وهكذا يواصل الأرمن حملتهم بكل سهولة. أما تركيا فتكتفي برد الفعل وتكرر التحذير نفسه ضد أي دولة تتحرك في هذا الاتجاه إذا قدمتم الدعم لهم، فستفسدون علاقاتكم معنا. وفي الحقيقة فإن إفساد العلاقات بين أنقرة والدول الصديقة - وخاصة في هذه الفترة - هو من الأهداف الرئيسة للحملة الأرمنية.
وأخيراً فإن تركيا بسبب بنيتها الداخلية مثل وضعية حقوق الإنسان من جهة والمشكلات الخارجية التي تشهد تزايداً في عددها من جهة أخرى تصبح هدفاً للنقد المستمر من الخارج ومختلف القوى التي تقود الحملة ضد تركيا ومن بينها الأرمن تجد من هذه الظروف فرصة للعب بأوراقها.
اعتداءات الأرمن
من أحسن ما كتب حول تاريخ ديار بكر، الكتاب الذي ألفه شوكت بيسان أوغلو تحت عنوان "تاريخ ديار بكر بأوابدها ونقوشها"، وهو كتاب من مجلدين طبعته بلدية ديار بكر عام ۱۹۹۰م. فبالإضافة إلى غناه بالمصادر، فإن سعة اطلاع الكاتب على التاريخ والثقافة العثمانية جعلت الكتاب يتميز بالسعة والعمق. وننقل هنا مقتبسات عما كتب فيه عن القضية الأرمنية.
شهدت ديار بكر حادثتين تُعتبران من أكبر الحوادث المتعلقة بالأرمن في التاريخ العثماني، إحداهما وقعت في عام ١٨٩٥م والأخرى خلال الحرب العالمية الأولى.
في أعوام الحرب كان الدكتور محمد رشيد واليًا على ديار بكر، وقد نشر مذكراته التي كانت في وقتها جديدة في جريدة "مملكت" الصادرة بمدينة ديار بكر عام ١٩١٩م، يقول الوالي:
"العصابات الأرمنية نظمت نفسها وتسلحت حتى في أصغر القرى، وقامت بشن هجمات على الجنود والأهالي المسلمين فقتلت أكثرهم ومثلت بجثثهم وقطعت رؤوس بعضهم وطعنتهم بالخناجر بعد ربطهم ببعضهم البعض. وكانت تعليمات هذه العصابات للمواطنين الأرمن كما يلي:
'لقد اقترب يوم الخلاص قوموا ببيع أبقاركم وثيرانكم التي تستخدمونها في الفلاحة إذا تطلب الأمر وتسلحوا، فبعد النصر ستكون أملاك المسلمين لكم.
لقد بلغ الأمر بهذه المنطقة بحيث فقدت الحكومة السيطرة على الوضع، فلم تعد قوات الحكومة تجرؤ على الدخول إلى الأحياء الأرمنية. كانت الأناشيد الأرمنية تصل إلى عنان السماء والاستفزازات ضد المسلمين بلغت أشدها، كانوا يقولون: "كنتم حكامنا حتى الآن وسنكون حكامكم وأنتم المحكومون".
يواصل محمد رشيد الحديث فيقول: "الخلاصة أن الأرمن كانوا ينتظرون تقدم القوات الروسية كي يستخدموا القنابل ويفجروا الألغام. لم يكن لدي سوى ثلاثين من عناصر الدرك مسلحين بأسلحة قديمة بالإضافة إلى ما بين خمسين إلى ستين من عناصر الاحتياط، فقد كان الجيش يقاتل في سبع جبهات.
قبل التهجير، جمع الوالي علماء الدين الأرمن وطلب منهم أن يسلموا المليشيا أسلحتها وأمهلهم أسبوعًا. وبعد انتهاء المهلة، جمع الوالي القوات المتوافرة لديه وسد المنافذ على بعض الأزقة المهمة للأرمن، وقام بعملية تفتيش مفاجئة، فكانت حصيلة التفتيش العثور على خمسمائة قطعة سلاح والقبض على خمسمائة من عناصر المليشيا، بالإضافة إلى كميات كبيرة من الذخائر.
كانت لهذه المداهمة وقع كبير على المليشيات الأرمنية. فقد قطعت الطريق عليها ومنعتها من ارتكاب مجزرة ضد المسلمين، وعاد الأمن إلى ديار بكر، لكن العصابات الأرمنية كانت مطلقة اليد في جميع القرى والبلدات من المناطق الشرقية بالأناضول.
وفي هذه الأثناء ولهذا السبب صدر بالتهجير القسري. كان الأمر يقضي بإبعاد الأرمن عن مناطق جبهة القتال إلى أماكن بعيدة، ومن منطقة ديار بكر إلى الشرق من مدينة الموصل.
أحداث مفجعة قال عنها المفكر التركي ضياء كوك ألب - وهو من أهالي ديار بكر - بأنها ليست قتلاً بل قتالاً.
وبعد ذلك أنشأ أهالي ديار بكر جمعية الدفاع عن الحقوق، وكان من بين مؤسسي هذه الجمعية الأديب سليمان نظيف، وهو من أصل كردي - الذي ألهب روح الكفاح الوطني بمقاله اليوم الأسود الذي نشره بجريدة «حادثات» بعد احتلال إسطنبول.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
انتخابات طاجيكستان الأخيرة.. محاولة للبحث عن الهوية المفقودة
نشر في العدد 1393
15
الثلاثاء 28-مارس-2000