العنوان لماذا انحسر العمل الشعبي؟
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 05-مارس-1985
مشاهدات 20
نشر في العدد 707
نشر في الصفحة 4

الثلاثاء 05-مارس-1985
تشهد الأمة العربية والإسلامية في عقد الثمانينيات ظاهرة ملفتة للنظرة بشكل كبير.. هذه الظاهرة هي انحسار مد العمل الشعبي وخاصة العمل السياسي..
يكاد لا يخلو بلد عربي أو إسلامي من أحداث دامية تعصف به.. العدو الصهيوني يقتل ويشرد ويتهدد ويتوعد ويهتك الأعراض والحرمات بكل وحشية وصلف وتعجرف في لبنان وفلسطين المحتلة..
معظم الحكام العرب باتوا يتوسلون بكل وسيط لكي يقبل العدو الصهيوني أن يجلسوا إليه مذعنين مستسلمين.. دماء مسلمة تراق هنا وهناك.. ولكن رد الفعل الشعبي يكاد يكون سلبيًّا بالتمام أو باهتًا في معظم الأحيان!
في الخمسينيات كانت تقوم مظاهرات عارمة في معظم أرجاء الوطن العربي تنادي بسقوط الاستعمار أو سقوط فلان لتصريح قاله يمس المشاعر القومية..
في الستينيات خرج الناس في كل البلاد العربية مستنكرين دعوة بورقيبة للقبول بقرار التقسيم الصادر عن هيئة الأمم المتحدة عام 1947.
وفي السبعينيات كثرت الاستنكارات وعبارات الشجب والاعتراض، وإن كانت لا تغير من الواقع شيئًا.
أما الآن فالناس في موات إلا قليلًا..
فلماذا تبدل الناس؟ ولماذا انحسر العمل السياسي الشعبي؟
لا شك أن هنالك أسبابًا مختلفة وراء هذه الظاهرة السلبية. ونحن لا نريد أن نهملها أو نقلل من شأنها، كإنعدام الوعي الجماهيري وشيوع الفكر الإقليمي والعصبية القطرية.. لكننا نعتقد جازمين أن السبب الأساسي وراء هذا التبدل في صور العمل الجماهيري هو أنظمة الحكم.. ولكن كيف استطاعت الأنظمة أن تحدث هذا التغيير؟
هنا نحب أن نشير إلى ما نعتقد أنه أهم وأخطر الأساليب:
* في معظم أقطار الوطن العربي التي تعاني من قلة في الموارد الاقتصادية اتبعت الأنظمة الأساليب التالية:
- التضييق على الناس في المعاش وكسب الرزق، وإشغالهم بالعمل من أجل الحصول على لقمة العيش.
- الانقلابات العسكرية وما يترتب عليها من تحزبات وعداوات وإشاعة عدم الاستقرار.
- ملاحقة الأحرار والزج بهم في السجون والمعتقلات لأتفه الأسباب.
- القضاء على تجمعات الحركة الإسلامية بشكل خاص وإشاعة التوجس لدى عامة الناس في تأييدها أو حتى مجرد التعامل مع أفرادها نظرًا لوحشية التعذيب التي كان يلقاها أفرادها، أو مصادرة ممتلكاتهم، أو حتى هتك أعراضهم، كما جرى في مصر وسوريا بشكل خاص.
- تأميم الصحافة والحجر الكامل على حرية الرأي والصحافة.
- إشاعة الأفكار الضيقة وإثارة النعرات الإقليمية أو القطرية أو العرقية.
- إلهاء الناس بتوافه الأمور كمتابعة ما يسمى بالفن والمبالغة في المسابقات الرياضية، والتعتيم على القضايا القومية والإسلامية.
* أما في الأقطار التي اتسمت بشيء من استقرار أنظمة الحكم وطراوة العيش نسبيًّا، فقد أخذ ترويض الشعوب أسلوبًا آخر:
- فقد عملت هذه الأنظمة على إشاعة عادة الترف والبذخ وروح اللامبالاة لدى الشعب.
- إشاعة حب الحياة والمزيد من الكسب والمباهاة بالأموال والممتلكات.
- استغلال الرياضة والمنافسة بين الأندية والفرق الرياضية لإشغال الناس وملء أوقات فراغهم.
- تبني سياسة إعلامية تقوم على نشر المبادئ الليبرالية والعادات والتقاليد الغربية.
وثمة حقيقة تنطبق على معظم أنظمة الحكم العربية وهي عدم قيامها بمسئولياتها تجاه بناء الشخصية المستقلة، والاقتصاد المتين، والقوة، وكنتيجة لهذه الأسباب مجتمعة، ولأسباب تتعلق بأدوار الأحزاب والحركات السياسية التي عملت على المسرح السياسي العربي، وهي أسباب في كثير من الأحيان كانت مكملة لدور الأنظمة، كانت هذه الظاهرة المؤسفة.. ظاهرة انحسار مد العمل السياسي الشعبي أو الجماهيري وردود أفعالها إزاء الأحداث السياسية التي تعصف بالأمة الإسلامية.
واليوم حيث أصبح واضحًا أن كثيرًا من أنظمة الحكم العربية بما فيها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية باتت قاب قوسين أو أدنى من الصلح مع اليهود والتسليم لهم بأرض الإسراء، يحق لنا أن نقول بأن ترويض الشعوب الإسلامية من قبل حكامها كان المقصود منه في المقام الأول تنفيذ المخططات الأجنبية الهادفة إلى تركيع الشعوب وإذلالها.
ونظر متأنية في تاريخ ملاحقة الحركة الإسلامية منذ فجر تاريخها الحديث، وحتى هذه اللحظات تجعلنا نقرر أن هذه الحرب الضروس ضد الحركة الإسلامية لا بد أن أيادي صهيونية كانت وراءها ولا تزال.
ولا يتأتى خطر الحركة الإسلامية على المخطط الصهيوني الأمريكي من حيث عدد أعضائها ومؤيديها فحسب، وإنما من وضوح طرحها الفكري والسياسي، ومدى تأثير عقيدتها ومنهجها التربوي في الأمة الإسلامية، وما يترتب على ذلك من تعاظم العمل السياسي الجماهيري وعمقه وجديته، وهو ما يكرهونه ويحسبون له ألف حساب.
والذي نود أن نصارح به قادة العرب والمسلمين هو أن الحركة الإسلامية دعوة خير وبركة وقوة واستقلالية، والخير كل الخير في الكف عن ملاحقتها وعدم الاستماع لأعداء الأمة الإسلامية حين يقولون: إن أخطر ما يواجه الحكام العرب هو التطرف الإسلامي الذي يعنون به الحركة الإسلامية.. وما لم تفعلوا ذلك فإنكم تضرون أنفسكم أولًا وأمتكم ثانيًا، وحسابكم على الله، ورحم الله امرأ تاب فأصلح.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
عبدالعالـي حسانـي: «مجتمع السلم» تتبنى مشروع الوحدة بين أبناء الحركة الإسلامية كافة بالجزائر
نشر في العدد 2182
23
الثلاثاء 01-أغسطس-2023

