; لماذا نطالب بمعسكر إسلامي؟ | مجلة المجتمع

العنوان لماذا نطالب بمعسكر إسلامي؟

الكاتب المهندس م. بنقسلي

تاريخ النشر الثلاثاء 06-أكتوبر-1970

مشاهدات 20

نشر في العدد 30

نشر في الصفحة 20

الثلاثاء 06-أكتوبر-1970

لماذا نطالب بمعسكر إسلامي؟

بقلم الأستاذ: م. بنقسلي

المعركة مع إسرائيل معركة دينية في أصلها وأعماقها، وهي في حدودها اجتماعية ثقافية تسبر غور الفرد؛ لتتلمس مكامن القوة فتحركها، وهل يقدر على هذا غير الإسلام؟ّ!

والمعركة تشمل أيضًا التخلف الديني والاجتماعي والرجعية السياسية بكل أبعادها وأنماطها؛ لأن المناخ الاجتماعي لا يكيف الانطلاق المادي فحسب، بل إنه أعطى للعدو مادة استغلها أسوأ استغلال في حربه الدعائية والنفسية ضدنا؛ ليسلبنا أي رصيد في معركتنا المقبلة. وما أكثر ما عزف معزوفته الرتيبة من أنه واحة التقدم في صحراء الجهل العربي..!

لا تزال السياسة العربية تتيه في متاهات السياسة الدولية، وخاصة تجاه القضية الفلسطينية بالذات، فالقضية الفلسطينية بحقيقتها قضية عالمية لا تخص العرب واليهود فقط، وإنما لا بد أن نتائجها تصيب كلًا من المعسكرين الشرقي والغربي على السواء، بما في ذلك العالم الإسلامي، ولقد دللت الحوادث المتعاقبة على صحة هذا التصور والتصريحات الغربية والشرقية، ومؤتمر الأربعة الكبار في واشنطن واجتماعات غلاسبورو؛ وانشغال الدول الأوروبية والشرقية بمشكلة إسرائيل؛ كلها تدل على عالمية القضية، ونحن مع الأسف وبكل غباء نريد أن نحصر القضية بين عرب ویهود.

ثانيًا: إن القضية الفلسطينية قضية دينية قبل أن تكون قومية، ولهذا حرصت الصهيونية دائمًا وأبدًا على إدخال الدين كعنصر قوي في بناء الدولة، فخصصت مقعدًا وزاريًا للدين وسمت نفسها دولة إسرائيل، ومعنى إسرائيل في العبرية «عبد الله»، وكثيرًا ما خضعت الوزارة كلها لإصرار وزير الأديان على بعض الأمور التي تهم الدولة، ويحضرني في هذا المجال ما وجدته في مذكرات وایزمن حول هذه النقطة ما نصه الحرفي:

قال وايزمن في الصفحة ١٧ من مذكراته: «لقد قابلت اللورد بلفور وزیر خارجية بريطانيا الذي بادرني بسؤالي على الفور، لماذا لم تقبلوا إقامة وطن قومي لكم في أوغندا؟، قلت لبلفور: إن الصهيونية حركة سياسية قومية هذا صحيح، ولكن الجانب الروحي منا لا يمكن إغفاله وأنا واثق تمام الوثوق أننا إذا أغفلنا الجانب الروحي فإننا لا نستطيع تحقيق الحلم السياسي القومي...».

وهنا يقفز السؤال على منصة البحث: لم لا نثير القضية على مستوى إسلامي ديني؟!

لم لا نعلنها حربًا دينية كما فعلت إسرائيل؟!

لم لا ننادي في العالم الإسلامي واإسلاماه أن القدس قد ضاعت؟!

لم كل هذا العناد يا عرب؟!

وهل إذا نادينا هذا النداء فلن نسمع صدى وستذهب أصواتنا في صحراء الجهل الإسلامي المطبق الآن؟!.

البترول سيف المعركة

من جهة أخرى؛ يمكننا عمليًا أن نقول إن المعركة العسكرية تشكل وحدة الصف العربي الدرع لها، بينما يشكل البترول سيف هذه المعركة، إن أيًا من الدول العربية أضعف من أن تقف وحدها في وجه الحصار السياسي ودبلوماسية الضغط والقوة التي يمارسها أعضاء نادى أصدقاء إسرائيل، بل إن منها ما هو متهافت ومفكك سياسيًّا بحكم ضآلة مساحته الشديدة أو تخلفه الخطير، وبترول العرب هذا الذي تفرضه سلاحًا قاطعًا لا تكمن قوته حقًا إلا في وحدة الصف العربي، وبغيرها يفقد الكثير من فاعليته وتأثيره ومضائه.

فقوة العرب بهذا المعنى؛ إنما تستمد من تماسكهم وسلوكهم ككتلة واحدة، ولا نقول كدولة واحدة؛ لأن الأمر بعيد أكثر مما نتصور، وإن توقع له توينبي أن يحدث في السبع سنوات القادمة، أمام هذا الواقع يبقى أخيرًا سلاح وحيد في أيدينا؛ ألا وهو توازن الكتل، وهو عامل لا يمكن إغفاله ولا ينبغي التواني عنه في المعركة المقبلة، ونمط التوزيع الحالي للكتل السياسية الكبرى في العالم يجعل كتلة في الصف العربي بوضوح مقنع؛ وكتلة مضادة في صف إسرائيل بوضوح أشد، وكتلة ثالثة ما لبثت أن انهارت ولم يعد لها وجود؛ نعني بها كتلة عدم الانحياز أو ما نتج عن مؤتمر باندونغ، ولقد كان أهم أسباب نكبة سنة ١٩٤٨م السياسة العربية الدولية الغبية، لقد نجحت هذه السياسة نجاحًا باهرًا، وهو ما لم تستطعه الأوائل في الجمع بين النقيضين المتنافرين؛ الكتلة الشرقية والغربية على كلمة سواء ضد العرب.

العالم الماركسي لا يرفض إسرائيل کوجود

ولكن يا ترى هل نستطيع اعتماد الكتلة الشرقية اعتمادًا كليًا؟!، وهل يمكن اعتباره مساويًا بالدعم كالكتلة الغربية بالنسبة لإسرائيل؟!.

إن الملاحظ الفاحص لفلسفة وأيديولوجية الكتلة الشرقية؛ یری بوضوح أن العالم الماركسي لا يرفض إسرائيل کوجود؛ وإنما يرفض الصهيونية كفلسفة عنصرية فقط، ولكنه متعامل معها، بل معترف ومحترم لإسرائيل، ولقد وضح ذلك في حادثين:

الأول عندما زار الرئيس نيكيتا خریتشوف الجمهورية العربية المتحدة؛ كان في نفس الوقت يزور نائبه إسرائيل ويقف خطيبًا في تل أبيب مطمئنًا إسرائيل.

ولقد طفح السوق بالكتب التي تكشف التعاون الصهيوني السوفييتي في المجالات السياسية والعسكرية بحيث لم تبق زيادة لمستزيد.

والحادث الثاني هو إصرار الاتحاد السوفييتي على تحديد الاستراتيجية العربية بإزالة آثار العدوان بعد سنة ١٩٦٧م، وكأن ما حدث في سنة ١٩٤٨م كان شرعيًا ومنطقيًا.

لذلك كان من واجبنا أن نوازن كتلة إسرائيل القوية والضالعة معها حتى المخاطرة بالحرب، وذلك في سبيل دعم الوليد المدلل وتثبيت كیانه، أقول واجبنا أن نوازن هذه الكتلة بكتلة أخرى تدعمنا حتى الحرب ومستعدة بالقدر الكافي والرادع بآن واحد.

العقيدة الإسلامية- فيما نعتقد- الأساس القاعدي لكل تفكير سليم بإنشاء مثل هذه الكتلة، ولن ألقي الكلام جزافًا فلكل دعوة برهان.

الرصيد الإسلامي

إن لنا رصيدًا لا حدود له في عقيدتنا الإسلامية، فالشعوب الإسلامية منتشرة متناثرة في أكثر بقاع الأرض، وتكاد توحد هذه الشعوب صفتين هامتين:

۱- إنها جميعها مستعدة لتقبل الزعامة العربية وبكل رحابة صدر؛ وإن كانت تتفاوت بهذا الاستعداد، دل على ذلك مواقف الدول الإسلامية غير العربية من القضية الفلسطينية أمثال باكستان وماليزيا و..

۲- إن آمال وآلام هذه الشعوب تكاد تكون هي نفسها الآمال والآلام العربية، وليس لأي متمرس سياسي أو سائح متفحص أن ينكر هاتين الحقيقتين الواضحتين، واليوم تفكر الاستراتيجية الأميركية بأمر الشعوب الثائرة في المنطقة- وهي شعوب إسلامية- وهو يدرك خطرها وأهميتها، وبدا ذلك واضحًا عندما طرح المستر شستر بویلز وکیل وزارة الخارجية الأميركية؛ أمام مجموعة محترفة من الشخصيات العسكرية والمدنية الأميركية، إذ سأل الوكيل عن تعريف القوة فما كان من المسؤولين إلا أن بادروا بتعريفها على أنها مجموعة أدوات حربية وأساطيل وقوى نووية مع استراتيجية عسكرية وقواعد، إلا أن الوكيل المذكور قال بمرارة: وأين تأييد الشعوب المحيطة بتلك الآلات؟!.

وبنظرة سريعة على العالم الإسلامي؛ نرى أن معظمه قد تمركز في الشرق الأوسط؛ وهو قلب العالم؛ والذي درسنا استراتيجيته سابقًا.

إن جوهر المعركة يا عرب يكمن في انتهاج سلوك يغاير كل المغايرة أساليب الصهيونية الماكرة، وبعبارة أخرى أساليب لا تستطيع الأيدي الصهيونية أن تتناولها أو تأتي بمثلها أو تحطمها، وفي التحليل الأخير ترجع المعركة إلى خلق قوة ذاتية منبثقة من أعماق الداخل، والتي تمثل الخط الخلفي للمعركة النهائية وقلب كل هذا العقيدة الصحيحة.

ويحضرني في هذا شهادة أحد كبار الضباط المصريين؛ أوقعته يد الخيانة أسيراً عام ١٩٤٨م، قال هذا الضابط أثناء حواره مع الضابط الإسرائيلي:

المصري: لمَ تهجمون على صور باهر؟.

الإسرائيلي: سؤال سليم.. هل تريد جواباً صحيحاً؟.

المصري: بالطبع.

الإسرائيلي: لم نهجم على صور باهر؛ لأن فيها جماعة من الإخوان المسلمين المتدينين، ذلك لأن المتطوعين هؤلاء يختلفون عن غيرهم من المقاتلين النظاميين، فالقتال عندهم ليس وظيفة يمارسونها، بل هواية يندفعون فيها بشغف وحماس..

 فالعقيدة من الدعائم الأولى لإسرائيل كما بينا سابقاً، فلمَ لا تكون من دعائم معركتنا أيضًا؟..

إذن المعركة معركة دينية في أصلها وأعماقها، وهي في حدودها اجتماعية ثقافية تسبر غور الفرد لتتلمس مكامن القوة فتحركها، وهل يقدر على هذا غير الإسلام والمعركة تشمل أيضاً التخلف الديني والاجتماعي والرجعية السياسية بكل أبعادها وأنماطها؟!؛ لأن المناخ الاجتماعي لا يكيف الانطلاق المادي فحسب بل إنه أعطى للعدو مادة استغلها أسوأ استغلال في حربه الدعائية والنفسية ضدنا؛ ليسلبنا أي رصيد في معركتنا المقبلة، وما أکثر ما عزف العدو على معزوفته الرتيبة من إنه واحة التقدم في صحراء الجهل العربي وجزيرة الحضارة في محيط التخلف العربي.

تطهير البيت من الداخل أولًا

المعركة الحضارية ذات شقين، تطهير البيت من الداخل، وبناء سور قوي من الخارج..

وعلى هذا عقيدة صلبة تنظف وتنزه الأشخاص القائمين على الحكم عن الدنس الرخيص، وتكتل مجموع هؤلاء النزهاء إلى صف القادة القادرين على تغيير وجهة التاريخ ومجرى الأحداث.

ولا بد بعد هذا من أن ننظر إلى اقتصاد سليم يحمي تلك العقيدة، بعد أن عرفناه حديثاً عصب الحضارة وبانيها وتكنولوجيا راقية أقطابها التصنيع الثقيل وتكثيف الإنتاج واستقلال عن الاقتصاد الأوروبي، وذلك بالاعتماد على إنتاج وسائل الإنتاج أما المواد الخام فهي متوفرة لدينا وقلما نقصنا شيء منها.

ولكن بعد التوسع وبث الأمل في تلك العقيدة؛ من أن نلتفت قليلًا إلى الواقع لنرى أشلاء مجزأة وهياكل لا روح فيها، ولا تدري من أمرها شيئًا، فهي ضائعة بين الأوهام التي عاشتها، وبين قوى التكالب التي عليها وهي غارقة في رومانسية عاطفية لا تستطيع الفكاك منها.

ومن البداهة لحل أي مشكلة من أن نعترف بها أولًا، ثم نُقيّم أبعادها ونعرف كنهها مهما كانت بعيدة ومؤلمة، ومن ثم وضع الحلول لها.

وهنا أترك القلم لقادة المسلمين أن يضعوا الحل أمام السياسيين؛ لتدارك الموقف.

إذن بات علينا مضطرين أن نبحث في المجتمع الإسلامي وأمراضه إن صح التعبير لنسبر غور هذا المجتمع ونتبين أيديولوجيته، وهي ضرورة حتمية لكل حركة لها سمات التجديد والكفاح، وما حل بالبلاد العربية من كوارث ومحن؛ وما فشلت معركة ميسلون في سوريا، ومعركة التل الكبير في مصر إلا من جراء إهمال الجانب الفكري للفرد المسلم، حيث كان الاستقلال العسكري أو السياسي هو الغاية المثلى التي ناضل ويناضل من أجلها القوميون العرب.

ولو لم يكن هذا، ولو أن الفرد الوطني قد أعد مسبقاً؛ لكان من الواجب أن تنتقل المعركة تلقائياً إلى دمشق بعد ميسلون، وإلى القاهرة بعد التل الكبير، وبسبب هذا الإهمال للناحية الفكرية؛ عجز المسلمون المكافحون للآن عن اكتشاف غمام قضية الكفاح الإسلامي والإحاطة بها إحاطة شاملة.

المعسكر الإسلامي

إن تأليف معسكر إسلامي لن يكون مخيبًا للآمال، فلقد جرب العالم الماركسي هذه الطريقة فنجحت أيما نجاح، ولم تفشل في تجربة واحدة، فحرب التحرير الصينية قديمًا انتصرت تحت ظل العقيدة الصلبة- مهما كان نوعها-، وفي رعاية المعسكر الشيوعي والحرب الفيتنامية حديثاً وحرب التحرير الكوبية نجحت رغم أنف النفوذ الأمريكي، كل هذه أمثلة بارزة على صحة ما ذهبنا إليه في حل القضية الفلسطينية، ألا وهو عقيدة صلبة؛ ومعسكر إسلامي يحمي تلك العقيدة.

 إن هذا يدعونا للتبصر في سنن الله وسلوك أسلافنا الأوائل؛ للاعتماد على العقيدة الإسلامية في تأليف كتلة لا تفرقها مصلحة، ولا يجمعها مكسب؛ ككتل عدم الانحياز أو الكتلة الشرقية.

ولقد أيدنا فيما ذهبنا إليه كثير من كتاب العرب النصارى، وكان أولهم الأستاذ حبيب جاماتي، فكتب يقول في مجلة الشبان المسلمين «إبريل ٦٤»: «لقد حان الوقت لكي نركز العمل العربي ضد الصهيونية على أساس المشاعر الدينية، بعدما ظلت للآن تعتمد على نواحٍ كثيرة أخرى ما عدا الدين»، ونسج على منوال الأستاذ جاماتي كثير من رواد الحركة الوطنية الفلسطينية أمثال: أمين نخلة ومارون عبود ونظمي لوقا ونظير زيتون ورشید سليم الخوري وإلياس فرحات وبولس سلامة وجورج صيدج وعبدالله حلاق ووديع فطين وخليل جرجس خليل.. وفارس الخوري حين قال مرة: «إنني أفتخر بأن أعبد الله في الكنيسة وأحكم بنظام الإسلام في المجتمع».

وأخيرًا الذكاء والمرونة أساس لا يغفل في هذه الاستراتيجية؛ التي تفيد من الحرب الباردة، وتدهور أيديولوجية كلٍ من الحضارتين الشرقية والغربية، ولكن بشرط ألا تصبح جزءًا منها وهو تنبيه وتحذير يجب الوقوف عليه طويلًا وطويلًا.

الرابط المختصر :