; ليبيا: الجدل السياسي حول انتهاء «الصخيرات».. والآفاق المستقبلية للحل | مجلة المجتمع

العنوان ليبيا: الجدل السياسي حول انتهاء «الصخيرات».. والآفاق المستقبلية للحل

الكاتب مروان الدرقاش

تاريخ النشر الاثنين 01-يناير-2018

مشاهدات 17

نشر في العدد 2115

نشر في الصفحة 42

الاثنين 01-يناير-2018

يُشكل تاريخ 17 ديسمبر 2017م مفصلاً مهماً في مسار تطور المشهد السياسي الليبي الذي يكتنفه الكثير من الغموض والتعقيد، فبهذا التاريخ تنتهي المدة المقررة لتنفيذ الاتفاق السياسي الليبي الموقع في 17 ديسمبر 2015م بمدينة الصخيرات المغربية بين أطراف الأزمة السياسية الليبية الذي تنص المادة الأولى الفقرة الرابعة فيه على أن «مدة تنفيذ الاتفاق سنة واحدة قابلة للتجديد لسنة إضافية واحدة فقط»، وحول هذه النقطة يثور جدل سياسي واسع في ليبيا حول شرعية استمرار الاتفاق السياسي أو انتهاء هذه الشرعية؛ وبالتالي انتهاء جميع الأجسام السياسية التي أفرزها هذا الاتفاق بما فيها المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، ومجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة.

أكثر المطالبين بإنهاء الاتفاق السياسي هم أنصار خليفة حفتر؛ حيث إن إنهاء الاتفاق يسمح لهم بطرح مبادرتهم بتفويض خليفة حفتر والمليشيات التي يقودها تحت اسم القيادة العامة للجيش الليبي لاستلام السلطتين التنفيذية والتشريعية بالبلاد لمدة أربع سنوات انتقالية، تنتهي بانتخابات رئاسية وتشريعية، كما يعد حفتر.


أنصار حفتر اتخذوا خطوات استباقية لتحقيق هذا الهدف؛ حيث شكلوا حراك التفويض، وأقاموا مراكز لجمع التوقيعات للمطالبين بتفويض حفتر ومليشياته، ورغم ادعائهم بأنهم حصلوا على أكثر من مليون وثلاثمائة ألف توقيع؛ فإن الحقيقة أن مراكز جمع التوقيعات كانت تشهد عزوفاً كبيراً عن التوقيع حتى في أكثر المدن والمناطق المؤيدة لحفتر، بل إن كل المظاهرات التي نظمها حراك التفويض لم تحظَ بمشاركة لا تتعدى العشرات من المؤيدين في مدينة كبيرة مثل بنغازي يقترب عدد سكانها من مليون نسمة!

مجلس الأمن

مجلس الأمن أوضح موقفه من هذا الجدل السياسي حول انتهاء مدة الاتفاق السياسي، عبر بيان صادر عن رئاسة المجلس، عبر فيه عن تأكيداته بأن الاتفاق السياسي الليبي مازال مستمراً، وأن تطبيقه لم يبدأ بعد إلا بعد أن يقوم مجلس النواب بتضمين الاتفاق في نصوص الإعلان الدستوري المؤقت، وهو ما لم يقم مجلس النواب بفعله، نتيجة الضغوط التي يمارسها حفتر على المجلس في رفض بعض المواد في الاتفاق التي تُقصي خليفة حفتر من تولي أي منصب قيادي، وهو ما تضمنته المادة الثامنة من الأحكام الإضافية بالاتفاق السياسي.


مجلس الأمن بهذا البيان يؤكد أنه لا يعترف إلا بالمؤسسات التي أفرزها الاتفاق، ولا يمكن أن يتعامل إلا مع الأجسام السياسية التي تعمل من خلاله، ولذلك عمل المبعوث الأممي غسان سلامة على تقديم مبادرة لتعديل الاتفاق السياسي لمحاولة إقناع مجلس النواب وتيار «الكرامة» المؤيد لخليفة حفتر للاعتراف بالاتفاق السياسي والدخول تحت سلطات المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق.


ما يخشاه حفتر من المادة الثامنة من الأحكام الإضافية بالاتفاق السياسي أنها تنص على أن جميع المناصب القيادية المدنية والعسكرية تُعتبر شاغرة حتى يقوم المجلس الرئاسي بتعيينها وفق آلية اختيار تعتمد إجماع جميع أعضاء المجلس لاختيار شاغلي هذه المناصب، ولأن المجلس الرئاسي الحالي يحوي أعضاءً لا يمكن أن يوافقوا على بقاء حفتر في أي منصب قيادي؛ فقد طالب حفتر ومجلس النواب دائماً بإلغاء هذه المادة، وتمسك طرف طرابلس بهذه المادة واعتبرها خطاً أحمر لا يمكن التنازل عنه.


بعد جولات الحوار المكوكية في تونس خلال شهر نوفمبر الماضي، اقترح سلامة بقاء المادة الثامنة مع العمل على استبدال المجلس الرئاسي ليكون مكوناً من ثلاثة أعضاء بدلاً من تسعة كما هو المجلس الآن، المعضلة كانت في الاتفاق على الآلية التي سيتم بها اختيار أعضاء المجلس الذي سيحمل صلاحيات رئيس الدولة وصلاحيات القائد الأعلى للجيش، 
مقترح سلامة الذي عرضه على الفرقاء الليبيين ينص على أن يتم ترشيح قوائم تضم ثلاثة أعضاء يتوزعون على الأقاليم الليبية التاريخية (طرابلس وفزان وبرقة)، حيث ينبغي لأي قائمة لكي تدخل للتصويت أن تنال تزكية عشرة أعضاء من مجلس الدولة، وعشرة أعضاء من مجلس النواب، ثم يتم طرح القوائم التي تمت تزكيتها على التصويت داخل مجلس النواب.


سارع مجلس النواب بالموافقة على هذا المقترح، وتم رفضه من مجلس الدولة؛ حيث إن هذا المقترح يُعطي حفتر فرصة اختيار جميع أعضاء المجلس الرئاسي، بحيث يضمن عدم اعتراضهم على توليه أي منصب قيادي، فالقوائم سوف يتم التصويت عليها داخل مجلس النواب الخاضع كلياً لسيطرة حفتر، ولن تكون مسألة تزكية القائمة المطلوبة من قبل عشرة أعضاء من مجلس الدولة بالأمر الصعب.


مصير الاتفاق

عند هذا الخلاف أصبح مصير تعديل الاتفاق السياسي مجهولاً، خاصة في ظل الجدل السياسي بانتهاء مدته، وأصبحت مهمة المبعوث الأممي غسان سلامة أكثر صعوبة وتعقيداً، وأصبح الحديث عن انتخابات مبكرة الحل الممكن للخروج من هذه الأزمة، 
لكن الانتخابات تواجه صعوبات كثيرة أيضاً، منها الحالة الأمنية المتردية في الكثير من مناطق ليبيا، وكذلك عدم وجود مسوغ دستوري لإجراء الانتخابات في ظل عدم إتمام عملية إقرار الدستور بعد أن تم إفشال عمل هيئة إعداد الدستور، أيضاً عدم رغبة أنصار حفتر في الانتخابات كانت واضحة من خلال الأعمال التخريبية التي تعرضت لها مراكز الانتخاب في المنطقة الشرقية بعد أن بدأت المفوضية العليا للانتخابات العمل لإعداد هذه المراكز للعملية الانتخابية، فحظوظ حفتر في الفوز بالانتخابات تبدو ضئيلة؛ حيث تراجعت شعبيته كثيراً بعد الخلافات التي دبت بينه وبين الكثير من المكونات القبلية في المنطقة الشرقية مثل قبيلتي العواقير والعبيدات.


في ظل هذه الأحداث يبدو المشهد الليبي في انحدار أكبر نحو التأزم والتعقيد، ولم يعد للخروج من هذه الأزمة من مفر إلا قيام المجتمع الدولي بدوره الذي يتهرب منه دائماً لممارسة الضغط على خليفة حفتر والأطراف الإقليمية التي تدعمه لاحترام الاتفاق السياسي، والتوقف عن عرقلته، وفتح المجال أمام مؤسسات الاتفاق السياسية حتى تستطيع القيام بمهامها بالعمل وفق بنود الاتفاق لاستكمال المرحلة الانتقالية وإتمام عملية إقرار الدستور.

الرابط المختصر :